“ليس كل تنين أسود من نسل بيْغادرَسيل، يا سيدة كارتر.”
“حقًا؟”
سارعت ريفينانت إلى لملمة مشاعرها، وعادت إلى ابتسامتها المعتادة.
“ليست معلومات دقيقة، فهي مجرد أحاديث التقطتها من هنا وهناك…..لكن، أليس تنين سموّه الفضي من نسل ييغدراسيل؟ كما أن ليس كل تنين أسود من نسل بيْغادرَسيل، كذلك ليس كل تنين فضي من نسل ييغدراسيل.”
“القول بأن إيدلين من نسل يغدراسيل، وأن ذلك يجعل التنين الأسود من نسل بيْغادرَسيل، هو استنتاج متسرع…..بل هو إهانة لإيديلين نفسه.”
أما كارل، سيد إيديلين، فآثر الصمت، وتولى هندريك الرد بتوبيخ ريفينانت على تهورها.
فأطبقت ريفينانت شفتيه وقد خلت ملامحها من الكلمات.
“فضلًا عن ذلك، فإن كل التنانين تخضع لإشراف معبد التنانين، يُشرف على ولادتها، واختيار أسيادها، وحتى موتها، ويتابع مصيرها بدقة. ومع ذلك، لم يكشف ذلك المعبد عن أي معلومة تخص التنانين السوداء. لكن بصراحة، هجوم بريتا كان صادمًا حدّ الذهول. و وجود التنين الأسود هو حقيقة لا جدال فيها.”
صرّحت ريفيرنَنت بذلك بوجه تغيّر فجأة، وقد بدا عليها الجزم.
“إنه يختبئ في مكان قريبٍ على نحو لم نتخيله قط.”
تلاشت ملامح السيدة النبيلة الرزينة، لتحلّ محلها، ولو للحظة، ملامح وحشية كالحيوان المفترس. وكان كارل واثقًا أن ذلك هو الوجه الحقيقي لصائدة التنانين، ريفينانت.
ويبدو أنها لم تجد حقًا ما تردّ به. فقد انكشفت ملامحها الحقيقية في لحظة انفعال لم تتمكن من كبحها.
“أعتقد أن الخطوة الأولى يجب أن تكون بإبلاغ معبد التنانين بهذا الحادث، وانتظار ردهم.”
كان كارل واثقًا تمامًا أن حادثة هجوم بريتا محض افتراء، لكن هندريك بدا وكأنه لا يزال ممزقًا بين التصديق والشك.
“إذاً، أرسلوا إلى معبد التنانين بأسرع ما يمكن، واطلبوا تأكيدًا بشأن هذا التنين الأسود المشؤوم.”
ورغم أن هندريك ظل محافظًا على نبرة ودية تجاه ريفينَانت، بخلاف كارل، إلا أن تجاعيد خفيفة شقّت ما بين حاجبيه عند سماعه كلماتها التالية.
و كان في نبرة ريفينانت اندفاعٌ بدا وكأنه تعالٍ أو أمرٌ مبطن.
وما إن نطقَت به حتى ضرب كارل الطاولة بغضب، مزمجرًا بحدة.
“أتجرؤين على إصدار الأوامر لسمو ولي العهد؟ كيف لمخلوقة دنيئة، لا تعدو كونها من عامة الشعب، أن تأمر ولي عهد إمبراطورية مباركة من السماء نفسها ببركة التنانين؟”
“كل ما قلته كان بدافع القلق لا أكثر.”
ردّت ريفينانت بمهارة لافتة، مستخدمةً أسلوبًا بلاغيًا سلسًا، لكنها لم تُظهر أي تراجع رغم اختفاء ابتسامتها، بل لم تُبدِ خضوعًا لا لكارل ولا لهندريك، رغم أن كليهما كان يرمقها بوجه متجهم.
بل على العكس تمامًا، بدا وكأنها امتلأت عزيمةً لم يُرَ لها مثيلٌ من قبل.
وها هو كارل الآن يفهم لماذا لم يكن زوجها أنطونيو يجرؤ على نطق جملة واحدة بحضورها.
‘…..ليس غريبًا إذن أن يكون إيدلين قد انسحب ما إن وقعت عيناه عليها.’
وفيما كان كارل يتأمل ملامح ريفينانت بفضول يختلط بالحذر، ارتسمت على شفتيها ابتسامةٌ خفيفة ذات نبرة ساخرة.
“ما سمعناه ورأيناه من كلام الناس أثناء قدومنا من أجل بريتا إلى القصر…..لم يكن مطمئنًا على الإطلاق.”
“….…”
“حتى الباعة في الأسواق باتوا يتداولون بأصوات مرتفعة قصة التنين الأسود الذي هاجم عش بريتا. سواءً أكان ذلك التنين من نسل بيْغادرَسيل أم لا، فالتنين الأسود في النهاية نذير شؤم وشرّ، لا يمكن أن يعود على الإمبراطورية بأي خير، بل يهدد استقرارها. لهذا، تمنيتُ فقط لو يتم التحقق من وجوده في أقرب وقت ممكن.”
في ختام حديثها، وجهت ريفينَانت نظرةً ذات مغزى إلى كارل.
“خاصةً وأن سمو الأمير كارلستون لا يبدو مقتنعًا البتة بوجود هذا التنين الأسود، لكن، إن ثبت عبر معبد التنانين، كما يرجو سموّه، أن ذلك التنين ليس له وجود من الأصل، ألن يهدأ الناس سريعًا وتعود الطمأنينة إلى القلوب؟”
“هذا أمرٌ يقرره سموّ ولي العهد، ولا حاجة لتدخلكِ.
السيطرة على الرعية، والتحقق من وجود ذلك التنين، كلاهما من مسؤولية العائلة الإمبراطورية.”
“لا شك في ذلك.”
قالت ريفينانت ذلك بصوت هادئ، لكن بابتسامةٍ ساخرة لم تُخفِها عن كارل.
“ليست لدي أي نيةٍ للتدخل في شؤون العرش. من أنا حتى أفعل ذلك؟ فقط…..أنا واحدة من رعايا هذه الإمبراطورية. ألا يحق لي أن أُبدي رأيًا؟”
وهنا بدا حتى على هندريك علامات التوتر والانزعاج من إصرار ريفينانت وحدّتها غير المعتادة.
“أرجو فقط أن تتفضلوا بقبول رأيي المتواضع، بدافع الإخلاص، بعين كريمة.”
أخفضت رأسها بانحناءة مبالغةٍ في التهذيب، لكن عيناها ظلّتا متّقدتين بذلك البريق الحاد المتحدّي، في تناقض صارخ مع لهجتها الخافتة.
“إذاً، سنأذن لأنفسنا بالانصراف. لتنزل بركة التنانين على هذه الإمبراطورية.”
كان كارل قد عضّ داخل شفته دون أن يشعر، كأن تحية ريفينانت الأخيرة حملت في طياتها لعنةً خفية.
***
“…لقد كانت نظراتها…..تقشعر لها الأبدان.”
لم يبقَ في المكتب سوى كارل وهندريك.
بعد أن غادرت ريفينانت بصحبة أنطونيو، جلس هندريك متأملًا تفاصيل الحديث، ثم تمتم بنبرةٍ ثقيلة.
“لم تكن نظرات امرأة عادية. لا شك أنه وجهها الحقيقي كصائدة للتنانين.”
“حتى إيدلين قال أنه شعرت بنفور غريب وهرب من أمامها فورًا. حسنًا، من تمتهن قتل التنانين لا يمكن أن تكون سليمةً تمامًا.”
“هل التقى إيدلين بها من قبل؟”
“هذا ما قاله. من زمن بعيد، تقريبًا عندما وصلتُ إلى إيفاريد لأول مرة.”
قطّب هندريك جبينه وهو يرد.
“أيعقل أن تكون القشور من صنعها هي أيضًا؟”
“أنا وإيدلين نرجّح ذلك على الأقل..…”
تنهد كارل بعمق، ومرّر يده على شعره بتعب. بينما صدر من هندريك صوت نقر خفيف باللسان، علامةً على الاستياء.
“لكن من أين خرجت فجأة قصة هذا التنين الأسود؟ ألم تسمع شيئًا مختلفًا عندما زرت المعبد؟”
“أبدًا. لا شيء على الإطلاق. ظني أن الحكم ببراءتي في المعبد جعلهم يغيّرون خطتهم…..فقط بدّلوا الاتهام بشيء جديد.”
“حتى لو كان ذلك، لماذا بالتحديد التنين الأسود؟ علينا أن نعود ونتحقق من الأمر مع المعبد.”
تمتم هندريك بنبرة خافتة، وقد بدت عليه ملامح الانزعاج لمجرد سماع اسم ذاك الكائن المشؤوم.
فنظر إليه كارل مطولًا، ثم سأله بهدوء.
“ولمَ ذلك؟ هل ترى أنت أيضًا أن التنين الأسود يحمل نذير شؤم؟”
كان سؤاله جادًا، بل أكثر من المعتاد، وكأن الأمر يعنيه على نحو شخصي.
فتبادل هندريك معه النظرات، و حاجباه معقودان، ثم أجابه.
“وأنت، يا من أصبحت سيّدًا لتنين…..ما هذا الهراء؟
التنين هو تنين، لا شؤم فيه ولا هم يحزنون.”
ضحك بسخرية كمن لا يصدق ما يسمع، لكن كارل لم يتمالك نفسه وابتسم بدوره، ثم خرجت ضحكةٌ صغيرة من شفتيه بلا قصد.
“مع ذلك، الناس لا يرونه بهذا الشكل. السيدة كارتر لم تكن تنصح بنيّة حسنة، لكن ما قالته صحيح: ترك الشائعات تتفاقم ليس بالأمر الحكيم.”
“لكن لماذا يحبّ الناس إصدار الأحكام بهذه الخفة؟”
على عكس هندريك، الذي كان تفكيره منشغلًا فقط بكيفية مراسلة معبد التنانين، بدا كارل وكأنه غارقٌ في تساؤل وجودي.
غير جلسته فجأة، وترك هيئة الوقار التي تحلّى بها أمام أنطونيو وريفينانت، ثم تمدّد على الأريكة بكسل قط ناعم، و تحدث بنبرة تأملية.
“فكر بالأمر…..أنا وأنت لم نكن أبدًا على خلاف حقيقي. ومع ذلك، تسمع الناس يقولون: ولي العهد يغار من إيدلين، أو الأمير يطمع بمكان ولي العهد…..لو اكتفينا بالشائعات وحدها، لظنّ أحدهم أننا أعداءٌ لا يجمعنا إلا الدم.”
“وضعنا خاص، لا تنسَ. الذبابة لا تقاوم رائحة العسل.”
ضحك هندريك بسخرية، وكأنه سمع أسخف ما يمكن أن يُقال.
أما كارل، الذي كان قد انساق مع عاطفة غريبة، فقد تبخرت تلك المشاعر تمامًا أمام برودة تعليق أخيه. فنظر إلى شقيقه الأكبر، ذاك الرجل البارد دائمًا، بنظرة فيها قليلٌ من العتب الصامت.
لم يتغيّر أبدًا، لا في الماضي ولا الآن…..لا يزال ذلك الإنسان العملي، الجاف.
لكن سرعان ما خطرت له فكرةٌ أخرى، فاعتدل في جلسته من جديد.
“بالمناسبة، هل سمعت الشائعة التي تقول أنني قديس إيفاريد؟”
“أتعني القصة التي خرجت فيها متخفيًا، ثم صفعكَ شحاذ، فمددت له خدكَ الآخر؟”
“إذًا سمعتَ بها. حسنًا…..تلك الشائعة أنا من نشرها.”
رمش هندريك وهو يحدّق فيه بدهشة، يبدو أنه لم يكن يعلم.
“كانت الشائعات قد بدأت تتزايد حولي، عن أنني أطمع بمكانكَ كولي للعهد، فأردت أن أبدو غبيًا، ضعيفًا. حتى أنني تعمّدت نشر صورة سخيفة عن نفسي.”
“أبدًا. ظننت فقط أنكَ، كعادتك، لم تتخلَّ عن طبعكَ الساذج.”
قال هندريك ذلك دون تردد. أما كارل، فقد حدّق فيه بذهول، وكأن الجواب لم يخطر بباله أصلًا.
“كلامكَ قاسٍ كالعادة، يا أخي. ساذج؟ ومتى كنتُ ساذجًا؟”
“متى؟ منذ ولادتكَ. صراحةً، أن تملك تنينًا مثل إيدلين وتقبل أن تتخلى عن العرش دون اعتراض، وتغادر دون كلمة واحدة، إن لم تكن ساذجًا، فما الذي تكونه إذاً؟”
“أكنت تفضل أن أستخدم إيدلين لشنّ حرب على العرش؟ قالوا لي ارحل، فرحلت. ماذا كنتَ تريدني أن أفعل؟”
ضحك كارل بسخرية ممزوجة بمرارة. وقد بدا عليه الامتعاض بوضوح، فيما اكتفى هندريك برفع كتفيه بلا مبالاة،
“وهل اعترض عليكَ أحدٌ أصلًا؟”
“ومن هذا الذي قال شيئًا؟ من ذا الذي نعتني قبل لحظات بالـ‘ساذج’؟ لا أستطيع أن أمدحكَ وأقول أنكَ طيب، لكن خيبة أملكَ مفهومة.”
“حين يعلو الضجيج من حول الإنسان، من الطبيعي أن تُراوده بعض الأفكار. لكن كونكَ قابلت كل ذلك بالخضوع، فربما هذا نوعٌ من الطيبة أيضًا.”
“وفي النهاية، أنتَ تقول أنني ساذج بطريقة مختلفة، أليس كذلك؟”
قال كارل ذلك وهو يفتح عينيه على اتساعهما في انزعاج. أما هندريك، وقد نفذت منه الردود، فاكتفى بالسعال الخفيف ليغطي ارتباكه.
“على كل حال، لا داعي لأن تقلق بشأن أشياء لا قيمة لها. لم أشعر بالتهديد منك في تلك الأمور ولو لمرة واحدة، فاطمئن.”
“وكما يجب. لأنني أساسًا لا أضمر في نفسي شيئًا من هذا القبيل.”
قال كارل ذلك وهو يرمي نظرةً جانبية إلى هندريك، ثم تمدد من جديد على الأريكة بلا مبالاة.
أما هندريك، فظل يحدّق فيه بعينين ساكنتين، فيها قليلٌ من الترقب.
“…..وبما أننا فتحنا باب الحديث، دعني أسألكَ بصدق: هل تفكر حقًا في الزواج من الآنسة سيان؟”
__________________
أي باب حديث محد جاب طاري سيان شلون جاب هو طاريها يضحك😂
تهقون كارل يدري ان تنين سيان اسود؟ شفيه فجأة يدافع عنه
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات