كان كارل يسير في الممر المألوف وهو غارقٌ في أفكاره.
‘التنين الأسود…..’
إن كان كارل قد مات، لربما انتهى الأمر، لكن بما أنه عاد حيًّا من المعبد وقد ثبتت براءته، فمن المؤكد أن ريفينانت لم تجد معنى بعد الآن في توجيه التهمة إلى إيدلين.
لذا فهي تخطط الآن لصنع مشتبه به ثانٍ. ولو كان مكانها، لفعل الشيء نفسه.
إذا استمرت الأمور في الانحدار نحو المجهول، فإن التحقيق سيُستأنف بشكل أكثر جدية، والآن بعد أن انضمت سيان إلى القضية، وهي تعرف الهوية الحقيقية لريفينانت، فليست سوى مسألة وقت قبل أن يُكشف الذيل.
كان كل ذلك واضحًا، لكن…..لماذا التنين الأسود بالتحديد؟
عبس كارل بلا وعي. فقد بات عاجزًا تمامًا عن فهم ما الذي تسعى إليه صائدة التنانين.
كان الهدف واضحًا تمامًا حين تم اغتيال ملكة التنانين إلينا وتحريض ولي العهد على مهاجمة إيفاريد. و السبب لم يكن سوى إشعال الصراع بين ولي العهد والأمير.
فما إن تتقاطع السيوف بين الأخوين مرةً واحدة، يصبح من الصعب للغاية العودة إلى سابق عهد لا خلاف فيه.
لذلك، كان من المفهوم أن يتورط ولي العهد من خلال تلفيق تهمة اغتيال ملكة التنانين له، بهدف إشعال تلك المواجهة.
فإذا ما تصاعد الصراع بين الأميرين وتفككت قواعد النظام داخل القصر الإمبراطوري، فإن الماركيز دانيال، شقيق الإمبراطور المريض، قد يغتنم تلك الفوضى لصالحه بكل سهولة.
لكن، بظهور مشتبه به ثانٍ في هذا التوقيت، وهو التنين الأسود…..فلن يكون من بين الثلاثة: الماركيز، فارس التنين، أو حتى صائدة التنانين — الذين يُفترض أنهم حلفاء — من سيجني أي فائدة.
بل إن النزاع بين ولي العهد والأمير سيُطوى دون نتيجة تُذكر، وربما يتحول الوضع برمّته إلى تعاون بينهما لحل قضية التنين الأسود، مما قد يُفضي إلى تقوية وحدة القصر الإمبراطوري بدل تمزيقه.
ورغم تلك المجازفة، يبرزون فجأةً وجود تنين أسود لم يكن له وجودٌ أصلاً؟
هل استنتجوا أن تفجير العلاقة بين ولي العهد والأمير بات أمرًا غير ممكن؟
هل يقومون بكل هذا فقط للتخلص من التهمة الموجهة إليهم؟
بهذا المنطق، يمكن فهم بعض دوافعهم. وإن كان ذلك يعني أن الماركيز، الذي تواطأ مع صائد التنانين المكروهة من قبل البلاط، سيفقد كل ما خطط له، ويعود خالي اليدين.
حين انتهى كارل من ترتيب أفكاره حتى ذلك الحد، كان قد بلغ بالفعل باب مكتب هندريك.
يبدو أن شروده لم يدم طويلًا، لكنه لم ينتبه كيف وصل إلى هنا بهذه السرعة.
“أخبره أن لورد إيفاريد، كارلستون كلاوس، جاء للقائه.”
قال كارل ذلك للحارس الواقف أمام باب المكتب،
فأجاب الحارس وهو يضمّ كفيه بانحناءة مهذّبة،
“معذرة، لكن صاحب السمو مشغولٌ حاليًا بلقاء مع السيد أنطونيو كارتر، فارس التنين.”
فارتعش طرف عين كارل عند سماعه لتلك الكلمات.
…..ذلك الرجل مجددًا، ما الذي يخطط له الآن مع أخي؟
“هذا ممتاز. جئت في الأصل لأمر يتعلق بالسيد أنطونيو.”
“لكن..…”
قال الحارس ذلك بتردد، وكأنه يحاول رفض فتح الباب دون أن يقولها صراحة.
وكان من الطبيعي أن يتردد، فكارل لم يكن على وفاق علني لا مع ولي العهد، ولا مع أنطونيو.
“إن كنت لا تستطيع فتح الباب، فسأدخل بنفسي.”
دفع كارل الحارس جانبًا وطرق الباب بيده، بينما كان الحارس إلى جواره يتخبط في توتره، غير قادر على التصرف، لكنه في النهاية لم يكن يملك الجرأة ليمنع الأمير من فعل ما يشاء.
“أخي، إنه كارل.”
“ادخل.”
جاءه الإذن من الداخل بنبرة ودودة. فلم يتردد كارل، وفتح الباب بعزم ودخل.
و كما توقع تمامًا، كان أنطونيو كارتر جالسًا على الأريكة في منتصف المكتب الواسع، وفي المقعد الرئيسي المقابل للباب، جلس هندريك بهدوء تام، وكأنه لوحة مرسومة، يحدّق مباشرةً في كارل.
كان المشهد مألوفًا ومتوقعًا، ما عدا أمرٌ واحد لم يكن في حسبان كارل. المرأة ذات الشعر القرمزي الجالسة إلى جوار أنطونيو كارتر.
في لحظة عابرة، التقت عينا كارل بعيني ريفينانت، فابتسمت له بأناقة، مائلةً برأسها تحيةً خفيفة.
و لم يكن هناك ما يزعج كارل أكثر من تلك الثقة الزائدة على وجهها. فكبح تعبير وجهه الذي كاد أن يقطّب.
“سمعت أن عش بريتا تعرض لهجوم، فجئت أتحقق بنفسي…..لكنكَ تبدوا مرتاحاً أكثر مما يليق بمن هوجم تنينه، الذي يُفترض أنه أعزّ من حياته.”
دون أن يستأذن من ولي العهد، رمى كارل بجسده على الأريكة المقابلة لأنطونيو كارتر، محدثًا صوتًا مكتومًا.
وكانت كلماته كالسكاكين، فارتبك أنطونيو وتقلّصت كتفاه قليلًا.
“لقد جاء مسرعًا إلى هنا طلبًا للحصول على عش بديل قريب من العاصمة، فكما قلت، عش بريتا تعرض للانهيار الكامل بعد الهجوم.”
فتولى ولي العهد الردّ بدلًا من أنطونيو، لكن كارل اكتفى بتمتمة جافة: “هكذا إذاً.،…” دون أن يعنيها حقًا.
“هل بريتا بخير؟ لم تصب بجراح خطيرة؟”
“أصيبت بجراح أثناء الهجوم الأول، لكنها سطحية وستتعافى سريعًا..”
“هذا مطمئن.”
“سموك، بما أن سمو الأمير قد حضر، فهل ننسحب نحن الآن؟”
قالت ريفينانت ذلك بابتسامة، تحاول أن تنهض إلى جانب أنطونيو. لكن كارل ردّ بلهجة باردة.
“يبدو أنكِ لا تتشاركين خطايا زوجكِ، لكنكِ حريصةٌ على مشاركته هذه اللحظات…..لم أتوقع أن أراكِ معه إلى هذا الحد.”
“عش بريتا لم يُهاجم نتيجة خطأ أحد، ولا علاقة لهذا الحدث بما يجري هنا. الأمران مختلفان تمامًا، أليس كذلك؟”
ردّت ريفينانت بنعومة وثقة، فانحرفت شفة كارل إلى الأعلى بابتسامة مائلة، تنضح بالازدراء.
“معكِ حق في ذلك…..لكن، لما رغبتما في الانصراف بمجرد قدومي؟ جعلتماني أشعر وكأنني دخيلٌ غير مرحب به.”
“لقد كنا على وشك المغادرة بعد أن انتهينا من حديثنا مع سموّه. وقد حصلنا على الإذن باستخدام أي عش شاغر مؤقتًا ريثما نجد بديلًا..…”
“وماذا عن تفاصيل ما حدث؟”
طرح كارل سؤاله بصوت حادّ، وكأنه يحقق مع أنطونيو داخل مكتب ولي العهد نفسه، لكن هندريك لم يُظهر أي انزعاج، ولم يتدخل، بل اكتفى بالصمت.
فالتفت أنطونيو نحو ولي العهد بنظرة استغاثة، غير أن هندريك، الذي لا يستطيع مساندة كارل علنًا بسبب ما بينهما من خصومة رسمية، بقي مكتوف اليدين، عاقدًا ذراعيه، محافظًا على ملامح جامدة لا تُقرأ.
“وما الذي يدفعكَ للاهتمام الشديد بالأمر، يا سمو مالك إيدلين النبيل؟”
سألت ريفينانت بنبرة رقيقة، وقد أدركت أن لا عون سيأتي من ولي العهد، فاضطرت لتجيب بدلًا عن زوجها.
“سمعت أن التنين الأسود هو من نفذ الهجوم…..متى، كيف، ولماذا هاجم عش بريتا؟ وإن كان ذلك صحيحًا، فأين ظهر هذا التنين الأسود من الأساس؟”
جاء صوت كارل باردًا وساكنًا كالماء الذي يسبق العاصفة، فاتسعت عينا ريفينانت بدهشة مفاجئة.
“أريد شرحًا تفصيليًا، دقيقًا، بكل ما تعرفونه.”
“في الحقيقة…..حتى أنا لا أعرف عنه الكثير، فوجود هذا التنين الأسود لم أسمع به إلا من الآخرين. أما حين هوجم عش بريتا، فزوجي لم يستطع أن يرى بنفسه ما حدث، لأنه كان لا يزال تحت عقوبة منع التواصل مع التنانين.”
“فكيف عرف إذًا أن التنين الأسود هو من هاجم؟”
“بعد الحادث، استعاد زوجي جزءًا من ذاكرة بريتا، ورأى ما رأته هي…..تنينًا أسود اللون، لامع القشور، ينبعث منه شعورٌ بالغربة والرعب.”
ما إن أنهت ريفينانت حديثها حتى شهقت بخفة، ورفعت يدها تغطي فمها.
“أعلم جيدًا أن فترة حظر التواصل مع التنانين لم تنتهِ بعد…..لكن كانت حالةً اضطرارية، ألا يمكن التغاضي عنها؟”
كانت تتصرف وكأنها هي المالكة الحقيقية للتنين، بدلًا من أنطونيو. حتى أن المرء قد يختلط عليه الأمر في تحديد من هو فارس التنين فعلًا.
فسخر كارل في سرّه، ضاحكًا بأنفاس مكتومة.
“برأيكَ، ما السبب الذي جعل التنين الأسود يهاجم عش بريتا، يا سير أنطونيو؟”
“في الواقع، قبل فترة وجيزة، أقمت حفل شاي بسيطًا حضرته الآنسة التي قيل أنها خطيبة سمو الأمير…..وهناك، تطرّقتُ لذكر التنين الأسود، مع أن الحديث عنه أمرٌ محظور…..وربما أغضبه أنني أفشيتُ أمره.”
طرح كارل سؤاله موجّهًا إياه لأنطونيو تحديدًا، لكن ريفينانت قفزت للردّ بسلاسة، وكأنها لا تترك لزوجها مجالًا للحديث.
فضيّقَت كارل عيناه وهو يحدّق بها، كما لو كان يحدّق في دمية تردّ بالنيابة عن سيدها الحقيقي.
“تنينٌ أسود…..كان يسترق السمع لما يدور في حفل شاي بسيط؟”
“ومن يدري؟ أليس هو وريث بيغادراسيل؟ كيف لنا أن نُقدّر مدى قدراته؟”
كان هندريك، الذي ظل يستمع بصمت، يراقب تبادل الحديث بين كارل وريفينانت ويداه معقودتان، وقد ارتسمت على وجهه ملامح غريبة، وكأن شيئًا ما لم يعجبه في هذا كله.
حتى في نظره، كان ظهور التنين الأسود المفاجئ أمرًا غير طبيعي. لكن كان واضحًا أن كارل أكثر حماساً من أي أحد آخر، وكأنه يبحث بلهفة عن إجابة معينة في فم ريفينانت.
هل يراوده شكٌ ما؟
هكذا تساءل هندريك في نفسه، وهو يتابع ما يحدث عن كثب.
ثم ضحك كارل فجأة بسخرية خافتة، وكأن شيئًا ما بات جليًا أمامه.
“حتى إيدلين، وريثة ييغدراسيل، لا تملك تلك القدرات.
ثم من أين جاءت تلك الرواية بأن التنين الأسود هو وريث بيغادراسيل؟ إن صحّ هذا الادعاء، فسيشكّل تهديدًا جسيمًا للإمبراطورية التي تأسست جذورها على حرب التنانين.”
“بالطبع..…”
كانت ريفينانت تبتسم وكأنها كانت تنتظر طرح هذا الموضوع تحديدًا، لكن قبل أن تكمل، قاطعها كارل دون أن يمنحها فرصةً للكلام.
رغم أن ملامحه كانت تنضح بالاستياء منذ لحظة دخوله إلى مكتب هندريك، إلا أن نظراته الآن، وحدّته المفاجئة، حملت قسوةً صريحة لا يمكن تجاهلها.
“إن كان ذلك الادعاء بلا أساس…..فستدفعين ثمن تفوهكِ السخيف هذا غاليًا. بعد التحدث بتهوّر دون حتى التأكد من صحة ما تقولين…..لا تتوقعي أن يمرّ مرور الكرام.”
أكمل كارل بصوتٍ مشبع بنبرة تهديد خافتة، حتى بدا وكأن الجو نفسه قد أصبح أثقل، وتجمّد وجه ريفينانت فجأة.
حتى تلك الابتسامة المصطنعة التي كانت تواجه بها كارل بدلًا عن أنطونيو، تلاشت تمامًا، وبقي الصمت يملأ الغرفة بثقل خانق.
“…..لا يمكنني إلا أن أتفق مع كارل إلى حدّ ما.”
قطع هندريك ذلك الصمت، وهو يمرر أصابعه بخفة على جبينه.
“على عكس ييغدراسيل، الذي كان يراقب هذا العالم منذ القدم، فبيغادراسيل لم يكن إلا تنينًا شابًا استيقظ ذات يوم بشكل مفاجئ. ولا يوجد في أي سجل تاريخي ما يشير إلى أنه خلّف وريثًا. بل على العكس، ييغدراسيل قتله بنفسه، ليقضي على أي تهديد مستقبلي.”
في تلك اللحظة، التفت هندريك وكارل نحو ريفينانت في آن واحد. حتى أنطونيو، الجالس إلى جانبها، بدأ يحدّق فيها بتوترٍ واضح.
أما ريفينانت، فكانت قد فقدت تعابير وجهها تمامًا، واستقبلت النظرات الثلاثة نحوها بصمت بارد، خالٍ من أي انفعال.
__________________
ياقوتها جايه مع انطونيو اصلا لأنها ارجل منه ماخلت له شي
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 65"