فجأة، غمر سيان شعورٌ جارف بالرغبة في طرح هذا السؤال على كارل، الذي لم يكن ينظر إليها.
فذلك الصمت المربك كان يبعث فيها ارتياحًا غريبًا، ومع ذلك يشعل قلقها.
هل أخبره؟ أن ريفينانت لم تثر موضوع التنين الأسود عبثًا، بل لأنني أنا سيدته الحقيقية؟
“…..عليّ عند عودتي أن أستأنف إصلاح الطرقات.”
سواءً كان يدرك اضطراب سيان أم لا، ظل كارل محدقًا عبر نافذة العربة في مشهد المدينة المارّ أمامه، قبل أن ينطق فجأة.
فرفعت سيان رأسها لتنظر إليه، لكن كارل لم يكن ينظر نحوها، بل ظل محدقًا في الخارج.
هلكانيحدثنفسه؟ هذا ما ظنته سيان وهمّت بتجاهل الأمر، حينها التفت كارل فجأة ونظر إليها.
“طرق العاصمة مريحة، أليس كذلك؟ لا عجب، فالمدينة قديمة وعريقة…..أما طرق إيفاريد فلم يُجرَ لها إصلاحٌ منذ فترة طويلة، لكنها ليست في حالة سيئة. غير أنها ليست عريضةً بما يكفي لتسير العربات بحرية مثل هنا. سأناقش الأمر مع ألفريد لاحقًا.”
“…..؟”
ماهذهالكلماتالعشوائية؟
لم تفعل سيان شيئاً سوى التحديق به، مستغربةً حديثه المفاجئ عن الطرق.
هل كان يوجّه كلامه للشخص الخطأ؟ أم أنه فقط بالغ في الضجر؟ لم تفهم أبدًا لماذا يخبرها بهذا.
“هل تحتاج إلى عمالة؟ يمكنني إعارتكَ بعضًا من رجالنا. أنا نفسي لست مناسبةً للأعمال الشاقة، فأنا عنصر ذو قيمة عالية.”
“ها؟”
هذه المرة ارتسمت الدهشة على وجه كارل، وكأن ملامحه تصرخ: ماالذيتهذينبه؟
وبعد لحظة صمت ارتبك فيها كلاهما، أدركت سيان أنه قد أساء الفهم.
“ألم يكن هذا قصدكَ؟ بدأت تتحدث عن إصلاح الطرق فجأة فظننت..…”
“ماذا؟”
تبدّل وجه كارل إلى مزيج من الذهول والضيق، ثم انفجر بضحكةٍ قصيرة يائسة.
“هل تعتقدين حقًا أنني طلبت منكِ يا سيان أن نبدأ أعمال البناء؟”
ثم حاول كارل كتم ضحكته لكنها عبست في وجهه بغرابة.
“من الأفضل أن تضحكَ بصراحة.”
“…..عذرًا.”
اعتذر لسيان، ومع ذلك أطلق كارل ضحكةً مكتومة تحولت إلى أنين غريب، مما جعل تعبير سيان يتغيّر إلى العبوس.
“إذاً، لماذا فجأة تتحدث عن هذا الموضوع؟”
“لأنكِ الآن مضطرةٌ للاستماع لكل هذه الأمور، تنظيم المدينة، القضايا الدبلوماسية، وغيرها الكثير.”
“…..حقًا؟”
فتحت سيان عينيها على اتساعهما. فابتسم كارل وارتكز بذقنه على ذراع النافذة.
“هل كنت تنوين العودة إلى حياة المرتزقة بعد انتهاء مهمتكِ هنا؟”
أدركت سيان متأخرًا أن كارل ينوي العودة معها إلى إيفاريد. فخجلت ووضعت يدها على فمها، واحتدم خجلها على وجنتيها.
كان كلاهما غير مدرك لما يفكر فيه الآخر. بينما غاصت سيان في تأمل ذاتي، وخدشت رقبتها بحرج.
“الأمر ليس كذلك…..لم أفكر بجدية فيما بعد ذلك.”
“لا داعي لأن تفكري، سأفكر أنا نيابةً عنكِ.”
أغلقت سيان شفتيها عند كلمات كارل، وشعرت بشيء غريب، كما لو أنها تلقت عرض زواج.
أليس هذا هو نفس المعنى تقريبًا، أن نبقى معًا إلى الأبد؟
تحت خضم تلك المشاعر المختلطة بين الفرح والارتباك، تسللت إلى أعماق قلب سيان مخاوفٌ جديدة ببطء وخفية.
‘لا بد لي أن أخبره.’
قررت سيان تغيير قرارها. فالتنين الذي تمتلكه لا علاقة له ببيغادراسيل على الإطلاق. ومع ذلك، وبسبب أن التنين الأسود في أساطير التأسيس كان رمز الشر، فقد ظُلم التنين الأسود واعتُبر شريرًا بلا منازع.
في اليوم الذي اختيرت فيه سيان من قِبل التنين الأسود، تخلى والداها، الكونت تشاندلر وزوجته، بلا رحمة عن ابنتهما الوحيدة وعن التنين معًا.
لم يكن لوجود علاقةٍ بين تنين سيان ذو الحراشف السوداء و بيغادراسيل أي أهمية، فالسبب الحقيقي لطردها كان كونها سيدة التنين الأسود فقط.
أما كارل، صاحب التنين الفضي سليل يغدراسيل، التنين الأسطوري لتأسيس المملكة، فكان شخصًا معاكسًا تمامًا لسيان التي تم التخلي عنها لأنها ارتبطت بتنين أسود.
ولهذا، شعر تجاهه بالغيرة، والإعجاب، وكانت تحلم به و تكن له تقديرًا كبيرًا.
لكن كيف سيتقبل هو، الذي نفى وجود أي ذرية لبيغادراسيل، التنين الأسود الذي تخلّى عنه والداها؟ لم يكن بإمكان سيان حتى تخيل رد فعله.
كانت تعتقد أن كارل لن يشارك الآخرين في سوء الفهم، لكنها أيضًا لم تكن تتوقع منه أن يقبل الأمر بسهولة.
في الحقيقة، لم تكن تستطيع أن يتخيل رد فعله على الإطلاق.
كان الخوف من هذا هو السبب الذي منع سيان من البوح، لكنها في الوقت نفسه كان هناك جزءٌ من قلبها يشتاق للراحة التي تأتي مع الاعتراف والصدق.
من الأفضل أن أخبره أولًا قبل أن يكتشف الحقيقة من الآخرين لاحقًا.
بحزم وشجاعة، فتحت سيان فمها بحذر.
“…..لدي أمر لأقوله لكَ، كارل.”
نظر كارل إلى سيان، وعيناه الزرقاوَتا المخضرتان، البريئتان، تعكسان صورتها كما هي.
وفي تلك اللحظة، رغم كل محاولاتها لتثبيت قلبها، شعرت بأن نبضات قلبها تتسارع وتسقط وكأنها تهوي.
هل يمكن للتنين الأسود أن يقف إلى جانب التنين الفضي النبيل؟
كان سؤالًا أكثر واقعيةً مما توقعت.
حتى لو قبل كارل ذلك، فماذا عن ولي العهد؟ وماذا عن الآخرين؟
هل سيتقبل العالم وجود التنين الأسود؟ وهل قد يؤدي ذلك إلى إضعاف مكانة التنين الفضي وسمعته؟
كانت اللحظة التي تخيلتها للبوح بعيدةً كل البعد عن الخيال، فقد فاقت الخوف الذي استعدّت له، وأصبحت خانقةً وضاغطة على صدرها.
كانت شفتيها كأنها ملتصقةٌ ببعضها، عاجزةً عن النطق، بل ضغطت عليهما بقوة بدلًا من أن تتكلم.
“يبدو أننا وصلنا.”
بينما كانت سيان، مثل الغبية، عاجزة عن تحريك شفتيها المتيبستين، مرت العربة عبر البوابة الرئيسية للقصر وعبرت الحديقة. فانتشرت على جانبي الطريق حدائق متاهةٍ ضخمة لا تقارن بحديقة عائلة كارتر.
“ألم يكن هناك ما كنتِ تريدين قوله؟”
“لا، لا داعي.”
المكان غير مناسب.
رغم أن سيان كانت تدرك تمامًا أن هذا مجرد حجة، إلا أنها حاولت تبرير شعورها بهذا الشكل.
رغم اتساع القصر الملكي، فإنهم قد تجاوزوا البوابة الرئيسية، وكان الوصول إلى القصر الصيفي مسألة وقت قصير فقط.
كان عليها أن تنزل من العربة قريبًا، ولم يكن بالإمكان إطلاق كلماتٍ مهمة ومفصلّة بهذه العجلة.
خصوصًا وأنها لم تستطع التحدث عن التنين الأسود المشؤوم في القصر الذي يحمل آثار يغدراسيل العريقة.
“…..هل تسمح لي أن أمسك يدكَ مرة أخرى؟”
بسبب شعورها بعدم الاستقرار تحت قدميها، فتحت سيان فمها بحذر. فارتسم على وجه كارل بعض الدهشة من الطلب المفاجئ، لكنه سرعان ما مد يده دون كلمة.
و هذه المرة، أمسكت سيان بيده بقلب صافٍ. وقد كانت يد كارل الحازمة دافئة كالعادة.
‘…..في المرة القادمة، سأجد الوقت لأخبره حقًا.’
حاولت سيان تهدئة مشاعرها المضطربة.
حتى يحين ذلك الوقت، أرادت أن تستمتع بهذه اللحظات من السعادة الرفيعة، رغم هشاشتها.
ثم تمسكت يد كارل الكبيرة بيدها بكل ما أوتيت من قوة، وكأنها لا تريد أن تفارقها.
***
“بالفعل، كانت هناك آثارٌ واضحة تدل على أن العظام قد قُطعت.”
قال مدير الطب الإمبراطوري ذلك و هو يمسح العرق المتصبب من جبينه بمنديله.
مع أن الطقس خارجًا لم يكن حارًا بما يكفي ليُسبب التعرق. بل على العكس، حتى داخل القصر، في مكتب ولي العهد هندريك، كان الجو أقرب إلى البرودة منه إلى الدفء.
ورغم ذلك، كان مدير الطب يتصبب عرقًا بارداً كمن غمره الخوف، ولم يستطع حتى لحظةً أن يترك المنديل من يده.
“وفوق ذلك، أعتذر على قولي هذا…..لكنها ليست موضعًا واحدًا فقط. لقد وجدنا آثارًا تدل على أن خمس عظام من الجذع، وعظمتين من الأطراف الأمامية، وثلاثًا من عظام الذيل، أي ما مجموعه عشر عظام من جسد كائن واحد، قد قُطعت وفُقدت بالكامل..…”
“هل كانت هناك دلائل على أن العظام اقتُلعت وهو لا يزال حيًّا؟”
“لا يمكننا الجزم بذلك. فبالنسبة لجثث البشر، يمكن الاستدلال على وقت الوفاة أو السبب من العلامات التي تبقى على الجسد، لكن التنانين أطول عمرًا بكثير، كما أن معرفتنا بطبيعتها الحياتية محدودة، ولهذا من الصعب التحقق من وجود بقع ما بعد الموت..…”
قالها مدير الطب ذلك بصوت خافت أقرب إلى التمتمة، بالكاد يُفهَم، ثم عاد يمسح عرقه مرة أخرى.
ضاق هندريك ما بين حاجبيه بحدة.
“سواءً حصل ذلك أثناء حياتها أو بعد موتها، الحقيقة أن أحدًا ما تجرأ على تشويه جسد ملكة التنانين وسرقة أجزائها، أليس كذلك؟”
“لو لم تأمرونا بإعادة فحص الجثة، لما اكتشف أحد هذا الأمر. فكمية الجروح التي وُجدت كانت كثيرةً لدرجة أنها أوشكت على إخفاء آثار اقتطاع العظام، مما يثير الشك في نية التمويه..…”
“وهل تلك جروح قطعيةً واضحة؟ أم أنها تبدو كعلامات نهش من كائن آخر؟”
“إن كنتم تسألون ما إذا عُثر على أثر لتنين آخر في جسد الملكة، فأؤكد لكم بكل يقين، أن هذه الجروح لم تكن نتيجة قتال بين تنانين.”
قال الطبيب ذلك وهو مطأطئ الرأس، و صوته بالكاد يُسمع، وكأن الكلمات تنسلُّ منه من شدة توتره.
لكنه، حين عبّر عن رأيه، كان صلبًا في موقفه رغم ارتجافه.
فتأمل هندريك الطبيب المرتجف برهة، معجبًا بتلك الجرأة الهادئة التي تصدر من قلب مرتجف.
___________________
ياعمري ياسيااااااااان🫂
المهم كارل كان عطاها خاتم زواج بالمره ياخي😂
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 63"