“الطفل الذي كان فقيرًا جدًا ولم يتلقَّ أي تعليم، لم يكن يعلم حتى بوجود ما يُسمى بـ”سيد التنانين”، و راوده حلمٌ بأن يصبح هو أحدهم. غرق في أملٍ بأن يصبح سيدًا يحلق بحرية في السماء، ليهرب من حياة البؤس والحزن التي أثقلها الفقر.”
‘هل…..هذه قصتها؟’
قاومت سيان اظهار ملامحها التي كادت تغدو حادةً دون وعي، وأبقت عينيها مركزةً على ريفينانت.
والآن بعد أن فكرت بالأمر، لم يحدث أن سمعت من قبل متى وكيف بدأت ريفينانت هوسها بالتنانين.
وكانت ريفينانت بدورها تواصل الحديث، تحدّق في سيان مباشرة وكأنها مصممةٌ على أن تحكي لها هذه القصة تحديدًا.
“غادر الطفل حياته البائسة بحثًا عن تنين، عن معجزة تغير قدره. وفي رحلته تلك، التقى بصديق. طفلٌ آخر…..لم يملك شيئًا، تمامًا مثله.”
رسمت ريفينانت ابتسامةً هادئة وعميقة على وجهها.
“لكن الطفل الذي حسبه شبيهه، الذي ظن أنه يعاني المصير ذاته، اكتشف لاحقًا بأنه كان في الحقيقة سيد تنين…..شخصًا اختاره تنين بنفسه.”
“…..سيدة كارتر، هل هذه القصة…..حقيقية؟”
“سادة التنانين يعيشون تحت رعاية المعابد، ينعمون بحياة مترفة…..لا تقصدين قصة اللورد كارتر، أليس كذلك؟”
أطلقت كايتي سانز ضحكةً متكلفة، وطرحت سؤالًا يبدو ساخرًا، لكنه لم يكن كذلك تمامًا.
“سيد التنانين الذي التقى به الطفل، كان يملك كل ما لم يستطع الطفل امتلاكه. لأنه ببساطة، كان يملك التنين الذي لطالما تمناه الطفل.”
ريفينانت تجاهلت تعليقات السيدات تمامًا، واستمرت تسرد قصتها دون أن تتوقف. و عندما وجدن أن كلامهن لم يجدِ نفعًا، تبادلن النظرات سريعًا ثم لزمن الصمت من جديد.
لم يحتمل أحدٌ ثقل الأجواء، فلم يملأ الطاولة سوى صوت ارتشاف الشاي بخفة.
كانت سيان قد بدأت تدريجياً تدرك أن الحكاية التي ترويها ريفينانت لم تكن مجرد قصة…..بل رسالةً موجهة إليها شخصياً.
“سيد التنانين كان مخادعًا. امتلك شيئًا عظيمًا لا يستطيع الآخرون الحصول عليه مهما حاولوا، ومع ذلك، تظاهر وكأنه لا يملك شيئًا على الإطلاق. رياءٌ نقي. وفي النهاية، الطفل الذي كان يحلم بذلك، انفجر غضبًا، بعد أن شعر بالخيانة، ووقعت بينه وبين سيد التنانين خصومةٌ شديدة.”
“ما يُعد أثمن ما في الوجود بالنسبة لشخص، قد لا يعني شيئًا لغيره. كل إنسان يرغب بشيء مختلف تمامًا عن الآخر. لو كان الطفل أدرك هذا مسبقًا، لوفّر على نفسه الألم.”
قالت ذلك بنبرة مستهزئة، ثم التفتت نحو روزي أندرسون الجالسة بجوارها، وكأنها تطلب تأييدها.
روزي لم تستطع سوى أن تبتسم ابتسامةً باهتة، ثم نظرت بحذر نحو ريفينانت.
بينما ضحكت ريفينانت بخفة، ضحكة واهنة ولكن مشحونة بشيء غريب، شيء أشبه بالبرودة القاتلة التي تقشعر لها الأبدان.
قد لا يكون صوتًا حادًا، ولا تهديدًا مباشرًا، لكن تلك الضحكة كانت تحمل نذر خطر حقيقي. حتى أن سيدات النبلاء اللواتي لم يعرفن في حياتهن شيئًا عن الحقد أو العداء الحقيقي، جمدن في أماكنهن تحت وطأة الأجواء التي لم يفهمن لها سببًا.
لكن سيان وحدها شعرت بذلك الشعور بوضوح…..ذلك العداء المتجه نحوها، كما لو أن ريفينانت توجهه إليها دون مواربة.
“ربما كانت للطفل أخطاءه أيضًا، فقد كان صغيرًا جدًا ليدرك كل شيء.”
“لكنني أرى أن الصغر مجرد عذرٍ ليس إلا……”
أمالت سيان رأسها بابتسامة خفيفة، وكأنها تقول شيئًا عابرًا لا يستحق الوقوف عنده.
“هذا مجرد رأيي الشخصي، فلا تهتمي له، أختي.”
بدأت بقية السيدات النبيلات يشعرن أخيرًا بنفور غريب تجاه الأجواء التي أخذت تتغيراً في حفلة الشاي الصغيرة هذه.
ريفينانت وسيان كانتا تتبادلان الحديث بنظرات مشتعلة، كأن لا أحد سواهما موجود في الغرفة. حتى وإن كانت معظم النبيلات ضعيفات الحدس، فليس لدرجة أن يعجزن عن إدراك هذا الجو البارد المشحون الذي أخذ يلف المكان.
“لا بأس، كما قالت الآنسة الجميلة، لكل شخص شعوره الخاص تجاه الأمور…..لكن ما لا شك فيه هو أن سيد التنين الذي التقى به الطفل كان، موضوعيًّا، إنسانًا سيئًا.”
“ولِمَ ذلك؟”
“كما قالت السيدة سانز قبل قليل، سادة التنانين جميعهم يعيشون في ظل رعاية المعابد، حياة مترفة مستقرة، أليس كذلك؟ زوجي مثلًا، كان مجرد شخص عادي لا يملك شيئًا، لكنه بفضل اختيار بريتا له، أصبح فارسًا ينعم بالثراء والنفوذ. فما الذي يجعل سيدًا للتنين، يملك كل شيء، يختار أن يتجول مع طفل لا يملك شيئًا، ويعيشان معًا حياة الضياع؟ ما السبب في ذلك؟”
“أكان هناك سرٌ خلف ذلك؟ أم أنه كان يخفي نيةً لا تشرفه؟ لماذا؟”
تبادلت السيدات، اللواتي كن عاجزات عن الكلام حتى الآن تحت وطأة الجو، النظرات بدهشة، وبدأن يرمشن بأعينهن ببطء، وكأن سؤال ريفينانت أيقظ شيئًا في داخلهن.
“هل كان يتنقل متخفيًا ليُخطط للتمرد؟ أم أنه، رغم كونه سيدًا لتنين، كان غارقًا في الشفقة على ذاته إلى حد أنه اختار أن يعيش كمتشرد بلا شيء؟ من يدري؟”
ضحكت ريفينانت بخفة، وكأن الأجواء المشحونة حولها تثير في نفسها قدرًا من الرضا.
أما سيان، التي كانت تحاول قدر الإمكان إخفاء تعابير وجهها، فلم تستطع منع عينيها من الضيق بحدة.
“يا إلهي، تمرد؟!”
تشنّج وجه لورا لوتيس فزعًا عند سماع الكلمة، وربّتت على خدها بتوتر.
“حتى لو كانت مجرد قصة مختلقة، لا يجب أن نتفوه بكلمات كهذه، السيدة كارتر.”
“أتمنى لو لم تكن حقيقية، لكن في الواقع…..الطفل الذي تحدثت عنه كان قريبًا لي من بعيد، وشهد كل هذا بنفسه. مؤسفٌ أنه توفي منذ زمن طويل، لذا لا يمكنني إثبات شيء.”
“ماذا؟!”
شهقت كايتي سانز، وارتجّ فنجانها ليصدر صوت ارتطام خافت.
“أتعنين أنها قصة حقيقية؟!”
“لكن سادة التنانين جميعهم—”
“لا تتفاجأن كثيرًا بعد، سيداتي.”
ما الذي تريد الوصول إليه؟
كانت سيان تراقب ريفينانت بصمت، لكن نظراتها شحذت حدتها، تكاد تخترقها.
قولها أن الطفل قد مات، بدا كحيلة لتجنب الحديث الكامل، ولم يكن ذلك غريبًا. ثم إن أي شيء قد تقوله ريفينانت، لا يمكن إثباته.
سادة التنانين يخضعون جميعًا لإشراف معبد التنانين، ولا يوجد سيدٌ مجهول لا تعرفه الدولة أو المعابد. أو على الأقل…..هذا ما يُفترض أنه الحقيقة المعروفة.
“أتعلمن ما السبب الحقيقي الذي جعل سيد التنين ذاك يُنبذ من عائلته، ويتخلى عنه حتى معبد التنانين الذي كان من المفترض أن يحميه؟”
قبضت سيان يدها فوق ركبتيها لا إراديًا تحت الطاولة، تشنجًا.
“في الحقيقة..…”
راحت نظرات ريفينانت تجوب وجه سيان ببطء، تلمع ببريق ماكر وهي تلتهمها كما لو كانت تستمتع بذلك.
“التنين الذي اتخذه ذلك السيد كرفيق…..لم يكن سوى التنين الأسود، سليل التنين الأسطوري بيغدراسيل.”
شهقت إحدى السيدات شهقةً مسموعة، وربما لم تكن واحدة فقط، بل اثنتان…..بل ربما الجميع شهقوا في اللحظة ذاتها.
“تـ…..تنين أسود؟!”
“لكن…..ألم يُقتل التنين الأسود على يد يغدراسيل في الأسطورة؟!”
“من يدري؟ إنها مجرد أسطورة تأسيس. كما أن تنين سمو الأمير إيدلين هو نفسه من نسل يغدراسيل الفضّي، مؤسس الإمبراطورية، أليس كذلك؟ إذًا، من غير المستبعد أن يكون لسليل بيغادراسيل وجودٌ في هذا العالم.”
“يا إلهي!”
“لو كانت هذه القصة حقيقية…..فهذا يعني أن التنين الأسود لا يزال حيًّا؟! مع ذلك السيد؟!”
“نعم، تمامًا. مرعب، أليس كذلك؟ لهذا بالضبط قلت سابقًا أن ذلك السيد كان شخصًا سيئًا. لأنه لم يكن يتعامل مع أي تنين…..بل مع نسل التنين الذي أرعب العالم في الأساطير.”
كانت سيان تعرف أنها مضطرةٌ إلى أن تتظاهر بالدهشة والذعر شأنها شأن باقي السيدات، لكنها لم تستطع ضبط تعابيرها هذه المرة.
لم تكن بارعةً في التمثيل حين يتعلق الأمر بشيء يطعن في قلبها…..فهذا ما كانت تسعى إليه منذ البداية.
منذ البداية، كانت تشعر بأن ثرثرة هذه السيدات ليست عادية.
في البداية ظنت أن هذا ما عليه حال جميع النبيلات، وبأنه فقط ليست معتادةً على الحديث معهن، فتغاضت عن الأمر. لكن الآن باتت متأكدة.
ريفينانت تعمّدت دعوة أكثر السيدات خفّةً في اللسان إلى هذه الجلسة…..ولم يكن ذلك من قبيل المصادفة أبدًا. بل لكي تفضح وجود التنين الأسود في هذا المجلس، وتحوّلها إلى شائعة تنتشر كالنار في الهشيم.
“ذلك التنين الأسود المرعب، ربما في هذه اللحظة بالذات، يُخفي هويته بعناية في مكان ما…..يخطط للانتقام، لزعزعة أسس الإمبراطورية التي تعتبر عدوه اللدود.”
“حتى لو كان للتنين الأسود وجود…..فهذا شيءٌ من زمن بعيد. تاريخ الإمبراطورية تجاوز ألف وخمسمئة عام، فما الفائدة من انتقام يأتي الآن؟ لا يُعقل.”
قالت سيان ذلك بضحكةٍ ساخرة مصطنعة، تُحاول بها كبت اضطرابها. لكن ريفينانت لم تتزحزح، و بابتسامةٍ واهنة تستقر على وجهها وهي تسند ذقنها بخفة إلى راحة يدها.
“إن لم يكن يخفي شيئًا، فلماذا يعيش سيد التنين وحيدًا؟ لا مع عائلته، ولا تحت حماية معبد التنانين؟”
“هذا…..صحيح..…”
“يا إلهي، كم هو مخيف..…”
تجمدت السيدات النبيلات، اللواتي لا عمق لهن، من هول الفكرة.كل شيء كان يسير كما خططت له ريفينانت تمامًا، بكل أسف.
ارتشفت سيان جرعةً كبيرة من الشاي محاولةً إخفاء وجهها خلف الكوب، وفي الخفاء عضّت شفتها بأسى.
كان عليها أن تعترف بأنها تعاملت مع ريفينانت بقدر كبير من التساهل. كانت تتوقع أن تخوض معها مواجهةً كلامية، لكنها لم تتوقع إطلاقًا أن تفضح سرها هكذا بوضوح.
ولو أعادت تتبع خيوط هذه الحيلة بعقلانية، لأدركت أن من غير المعقول أن تجد ريفينانت مصلحةً في فضح هذا الماضي.
فما من أحد سيرحب بفكرة أن شخصًا من محيط العائلة الإمبراطورية، بدأ حياته كصائد تنانين، ثم أخفى ماضيه وتسلل إلى البلاط الملكي.
هذا بالتحديد السبب الذي جعل ريفينانت لا تختار مكانًا عامًا أو محفلًا رسميًا، بل رتبت لقاءً خاصًا، بسيطًا، مع سيدات لا يحملن مناصب، ولا سلطة…..
كل شيء كان محسوبًا.
في المحافل الرسمية، تظل الحقيقة والدقة في المعلومات أمرًا بالغ الأهمية. فلو أن أحدًا تحدث عن وجود تنين أسود داخل مجلس النبلاء، لسارع الجميع إلى التأكد: هل هذا حقيقي؟ متى حدث؟ وأين؟
لكن الشائعات التي تبدأ في دوائر صغيرة كهذه…..لطالما كانت هكذا. لا تهتم بالحقيقة، بل تنمو وتتسع متغذية على الإثارة وحدها.
كما هو الحال في الاعتقاد السائد بأن العلاقة بين هيندريك وكارل سيئة، رغم أن الواقع ليس بهذا السوء أبدًا. فالناس، ما دام الأمر لا يمسهم شخصيًا، ينحازون دومًا إلى الصراعات الدرامية أكثر من ميلهم إلى التوافق والسلام.
ولهذا، كان على سيان أن تحسم هذه المسألة هنا، الآن، قبل أن تتغلغل الشائعة أكثر وتصبح شيئًا يستحيل السيطرة عليه.
يجب أن توضَّح الحقائق بما يكفي، وتُقطع الشكوك من الجذور، ما دام هناك وقتٌ لذلك.
_________________
وشللاااا لاااا طلع صدق تنينها اسود✨
طيب ترا التنين الاسود كشخة ياخي الله يشغلكم بنفسكم مالكم دخل
واهلها الحمير طاردينها عشان ذا الشي؟ حتى وهي بنتهم الوحيده؟ مجانين!
ابي اشوف ردة فعل كارل هع
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 60"