وبعد ذلك بعدّة أيام، جاء رسول فارس التنانين، أنطونيو، إلى القصر الإمبراطوري.
وكان ما أتى به ليس سوى دعوة من ريفينانت.
[إلى الآنسة الخاصة بالأمير الثالث كارلستون كلاوس.]
لو استعانت ريفينانت بجاسوس أو مصدر معلومات، لكانت استطاعت معرفة اسمها الحقيقي في لمح البصر، لكن يبدو أنها لم تكن تملك الرغبة لفعل ذلك، أو ربما أرادت فقط أن تسخر منها.
لكن كان اسم المستلِمة على غلاف الدعوة كما هو: خطيبة الأمير الثالث كارلستون كلاوس.
و سيان، التي كانت تستخدم الاسم المستعار هايلي دودر، لم تحاول حتى إخفاء هويتها المنتشرة كخطيبة للأمير.
ابتسمت بسخريةٍ لا إرادية وهي تنظر إلى الخط الأنيق على الدعوة، والذي كان من الواضح أنه كُتب بخط يد أحدهم نيابةً عن ريفينانت.
لم تكن في الدعوة سوى تفاصيل بسيطة عن موعد ومكان حفل الشاي الذي دعت إليه.
كانت تأمل، ولو قليلاً، أن تأتي ريفينانت للتحقّق منها شخصيًا قبل الحفل……لكنها، على ما يبدو، لم ترغب بالمجازفة.
و مرّت الأيام بهدوء، كهدوء ما قبل العاصفة، حتى حلّ الموعد المرتقب.
“هل تريدين أن أرافقكِ؟”
“……إلى تجمع نسائي؟”
رفعت سيان حاجبيها بدهشة من اقتراح كارل.
“كحارس مرافق فقط، ألا يناسب ذلك؟”
قال ذلك بجدّية تامة، دون أدنى ابتسامة، ما جعل نيّته واضحةً تمامًا.
فضحكت سيان بخفة وهي تعقد حاجبيها بحرج.
“يكفيني أن توفر لي عربة. وسأصطحب معي ماكس و جيفي على هيئة خادمين، تحسّبًا لأي طارئ.”
لم يكن كارل راضيًا عن بقائه خلفها، وكان واضحًا من وجهه العابس أنه غير مرتاح لذلك.
“ما الذي يجعلكَ تبدو قلقًا هكذا؟”
قالت سيان ذلك وهي تنظر عبر المرآة إلى كارل الواقف خلفها.
“ها أنا أرتدي درع المعركة الذي جهّزته لي بنفسكَ، ومعنوياتي في أعلى حالاتها وكأنني ذاهبةٌ إلى ساحة القتال. إن لم تستطع مرافقتي، فعلى الأقل شجّعني بابتسامة.”
رغم أنها احتاجت إلى تعديلاتٍ بسيطة عند الخصر والكتفين، إلا أن الفستان الذي اختاره كارل خصيصًا من القماش حتى التصميم، بدا مناسبًا لها بدرجة مذهلة. و كان من الغريب أنه تم تفصيله دون أن يقوم بقياسها بنفسه.
وفجأة، تسلّل إلى ذهن سيان ذلك السؤال المشاكس مجددًا: كمامرأةًالتقىهذاالرجلمنقبلحتىأصبحقادرًاعلىتخمينالقياساتبهذهالدقة؟
فضيّقت عينيها بشك حين تملّكها ذلك الشعور الغريب بالغيرة.
“هل ستكونين بخير وحدكِ حقًا؟”
ثم سألها كارل بنبرةٍ يائسة وكأن هموم الدنيا كلها على كتفيه، متجهم الوجه وهو جالسٌ على الكرسي.
وما إن رأت سيان ملامحه تلك، حتى تبخّرت غيرتها في لحظة.
“لقد اعتدت على تدبير الأمور بنفسي طوال هذا الوقت. و حفل شاي نسائي لن يكون نهاية العالم.”
“أنتِ تعلمين أن هذا المكان لا تُحلُّ فيه الأمور بالقبضات أو السيوف، صحيح؟”
“…….”
فتجمّدت يد سيان في مكانها وهي تضع قرطها في أذنها.
“هل هذا ما يقلقكَ؟ هل تخشى أن أمسك ريفينانت من ياقة ثوبها وأبدأ القتال؟”
“لا، لا أقصد ذلك تمامًا……”
ردّ كارل وهو يحكّ وجهه بخجل، وقد ارتسمت عليه نظرةٌ محرجة. لكن من المعروف أن من يقول “لاأقصدذلكتمامًا”، فإنه في الغالب يعنيه فعلاً.
فاستدارت سيان نحوه وحدّقت فيه وهي تبتسم ابتسامةً ساخرة.
“قلتِ أنكِ توفيتِ بعمر التاسعة، أليس كذلك؟ يعني ذلك أنكِ لم تتلقي تعليمًا أرستقراطيًا بعد هذا السن.”
قال كارل ذلك بقلق وهو يواصل حديثه، وتغيّرت ملامح سيان إلى امتعاض بسيط.
الآن فهمت ما الذي يشغل باله فعلاً. يبدو أنه قلقٌ من أن تُخطئ في قواعد آداب النبلاء لأنها لم تتعلّمها بشكل كافٍ.
“السجلات فقط هي التي تقول أنني توفيت في التاسعة، لكنني غادرت مسقط رأسي فعليًا عندما كنت في الثانية عشرة. وحتى في سن التاسعة، كنت قد تعلمت أغلب قواعد الإتيكيت الأساسية بالفعل.”
بالطبع، لم تكن تذكرها بوضوح، لكنها تجاهلت إضافة تلك المعلومة.
“ثم، لو كنتُ متقنةً جدًا للآداب، فقد يبدو ذلك مثيرًا للشك. عائلةٌ دودر المفترَضة ليست سوى اسم على الورق، وشخصيتها المفترضة لم تغادر المقاطعة الريفية قط. فلو ظهرت عليها لمسات نبلاء المدينة، ألن يكون ذلك غير طبيعي أيضًا؟”
“هذا صحيح.”
“في جميع الأحوال، سواءً تصرفتُ بطريقة سليمة أو لا، سينتقدونني. لكن، لا أحد يتجنب الوحل خوفًا منه، بل لأنه مقرف، أليس كذلك؟ فليقولوا ما شاؤوا.”
قالت سيان ذلك وهي تعبث بخصلات شعرها المموجة بلطف.
كانت قد اعتادت على ربط شعرها بإحكام وارتداء القمصان والبناطيل، فقط لتتمكن من الحركة بحرية.
ولهذا، بدا مظهرها المزخرف اليوم غريبًا عليها للغاية……
بل ربما كان من الأدق أن نقول: هذه أول مرة ترى فيها نفسها بهذا الشكل.
خصلاتٌ بلاتينية متموجة، بودرة و أحمر خدود ولمسة دقيقة من أحمر الشفاه، أقراط لامعة وفستان أنيق.
رغم أنها اختارت أبسط فستانٍ من بين ما أهداه لها كارل، إلا أن خامته وتفاصيل تطريزه كانت فاخرةً بشكل واضح.
هيئتها في المرآة كانت تشبه نبيلةً وُلدت وتربت داخل القصر، مما جعل شعور الغربة يسيطر عليها.
“……جميلة.”
قال كارل ذلك فجأة من خلفها، بينما كانت تتأمل صورتها في المرآة، لا إعجابًا بل وكأنها تحاول أن تستوعب نفسها.
فتلاقت نظراتهما في المرآة، وكانت عينا كارل تحملان ذلك الدفء المألوف.
وما إن التقت عيناها بعينيه، حتى انخفض رأس سيان تلقائيًا، وانكمشت شفتيها بحرج.
كان هناك شعورْ خفيف، أقرب إلى الدغدغة والتوتر، جعل قلبها يخفق بارتباكٍ غير مفهوم.
“طبعًا، من تظنني؟”
قالت سيان ذلك وهي تأخذ نفسًا عميقًا، ثم رفعت رأسها بثقة. فابتسم كارل، الجالس خلفها، وقد ارتفعت زاوية شفتيه في رضا.
ذلك الشعور الغريب، الغامض، الذي يشبه الدغدغة داخل القلب، جعل الجو من حولهما يضطرب بلطافة.
في الحياةاليومية……لو لم تُنفَ من عائلتها بسبب “ذلك الأمر”، لربما كان كل هذا الغريب يبدو طبيعيًّا تمامًا.
امتزج في صدرها دفءٌ غريب مع مرارة ما لم يُكتب لها أن تعيشه، فأحسّت بمشاعر متضاربة تتضارب داخلها.
لكنها، وبعنادٍ رقيق، وقفت أمام المرآة ورفعت كتفيها بفخر.
“تمامًا. مهما كان من سيظهر هناك، ستتمكنين من سحقهم جميعًا دون استثناء.”
ابتسمت سيان في رضا وهي تسمع رده.
“إذاً حان وقت الانطلاق. أول معركة لي في العاصمة……لا بد أن تكون لحظةً تخلّد.”
“……لا حاجة لأن تكوني قتاليةً إلى هذا الحد. ولا داعي لاستفزازها أيضًا.”
قال كارل ذلك وهو ينحني قليلاً نحوها بعد أن استدارت استعدادًا للذهاب، ونبرته ما تزال مشبعةً بالقلق.
“ما دامت لا توجد أدلةٌ أو قرائن، فلا بد أن تظهري بصورةٍ رخوة يسهل اختراقها. هذا هو الأفضل الآن، كما تعلمين.”
فقد كان ذلك تمامًا سبب ذلك العرض المسرحي الكبير الذي قدّمه هندريك وكارل في قاعة المجلس النبيل، لتغطية حقيقتهما تمامًا.
ولهذا فقط، كانت ريفينانت تجرأ على الظهور علنًا أمام الأمير بعد أن تبعت أنطونيو.
سيان، التي فهمت تمامًا ما كان يقصده، اكتفت بأن تبادله ابتسامةً لطيفة دون أن تقول شيئًا.
“أعلم ذلك جيدًا. وسآخذ الأمر بعين الاعتبار.”
قالت سيان ذلك بثقة……أو هكذا ظنّت.
***
“أهلًا وسهلًا، يا آنسة!”
“أوه، سمعت أنكِ من الريف، لكنكِ أجمل بكثير مما توقعت!”
“قيل أنكِ من عائلة بارونية فقيرة بالكاد تحمل الاسم فقط، هل الفستان من صنع سموّه؟ يبدو أن ذوقه ما زال جيدًا رغم غيابه الطويل عن العاصمة.”
“آه، منذ أن بدأ سموّه بإصلاح ممرات التجارة في إيفاريد، توسعت التجارة بشكل خيالي. لا بد أنه كان يرتدي أفخر الملابس هناك. في النهاية، هو أميرٌ منذ ولادته.”
هلهذاالنوعمنالأحاديث……طبيعيٌفعلًا؟
وجدت سيان نفسها تتصبب عرقًا باردًا من القلق حتى قبل أن تُقدِّم نفسها.
فقبل أن تخرج أي كلمةٍ منها، كانت هناك موجةٌ من الثرثرة تصفع أذنيها بلا توقف.
“من تفاصيل الدانتيل والأزرار، يبدو أن فستانكِ من تفصيلات القصر الإمبراطوري، أليس كذلك؟”
“آه، لكن الجمال لا يأتي من الملابس فقط، أنتِ فتاةٌ شابة، بشرتكِ ناعمة، خصركِ نحيل، وهذا يجعل أي لباس يبدو أجمل عليكِ!”
“أغبطكِ حقًا! كنتُ نحيلةً جدًا في الماضي، لكن منذ أن تزوجت……بدأ وزني يتضاعف، للأسف!”
“سيدة لوتيس، هذا ما يسمّى بدهون التقدم في السن! انتظري قليلًا فقط، ستكتشفين أنها لا تختفي مهما حاولتِ!”
ياإلهي،رأسييدور.
كما قالت ريفينانت للأمير، كان اللقاء “صغيرًا”، إذ لم يكن في حديقة قصر أنطونيو كارتر سوى خمس نساء: ريفينانت، سيان، وثلاث سيدات غير معروفات.
والمثير للدهشة أن ريفينانت وسيان لم يتبادلا أي كلمةٍ بعد، بينما كانت تلك السيدات الثلاث قد أطلقن وابلاً لا يتوقف من الأحاديث لحظة دخول سيان فقط.
كانت ريفينانت تجلس في المقعد العلوي من الطاولة المُعدّة خصيصًا لحفل الشاي، تستمع بصمت إلى ثرثرةٍ تصمّ الآذان.
بل لم يكن واضحًا إن كانت تستمع بالفعل أم أنها قد تُركت جانبًا دون اهتمام.
لم تكن يتوقّع أن تُبدي الحاضرات ارتباكًا لرويتها وهي تكشف عن وجهه بكل جرأة، لكنها بدأت تشكّ أن ريفينانت بالذات لم تتعرف عليها أصلًا، لشدّة لا مبالاتها تجاهها.
ولم تمضِ حتى ثلاثون دقيقة على جلوسها، حتى بدأت سيان تشعر أن روحها توشك على مغادرة جسدها.
لقد كانت الثرثرة مريعة، طاغية، حتى أنا لم تعد تدري متى يجب أن تضحك أو كيف تردّ على هذا الطوفان من الكلام.
“لابد أن الآنسة محظوظةٌ جدًا، فسمو الأمير ليس وسيمًا فحسب، بل يملك حسًا مرهفًا أيضًا!”
ضحكت امرأة، تبدو في أوائل الثلاثينات، بصوت مرتفع وهي توخز خصر سيان بمرفقها بخفة.
ومن يراها يظن أنهما صديقتان مقربتان، بينما سيان لم تلتقِ بها من قبل في حياتها.
و كل ما استطاعت فعله هو أن ترسم على وجهها ابتسامةٌ باهتة متكلفة.
“إن لم يكن في سؤالي وقاحة، فهلّا أخبرتنا كيف التقيتِ بسمو الأمير؟ نود سماع قصة حب رومانسية!”
سألت سيدةٌ أخرى من العمر نفسه تقريبًا، بعد أن خمدت موجة الضحك.
هل سيكون من الوقاحة لو أجابت بأن السؤال غير لائق؟
كانت سيان غارقةً في حيرتها، حين قطع صوت تصفيق خفيف ذلك التوتر.
“مهلًا، لا داعي للعجلة، لدينا متسعٌ من الوقت. لنتروَ قليلاً، سيداتي. فالآنسة، خطيبة سمو الأمير، لا تعرف حتى من أنتن بعد.”
ثم تدخلت ريفينانت بحنكة لتسيطر على الموقف.
_____________________
سيان كاشفة وجهها فما ظني ريفينانت ما عرفتها الا شكلها تسوي نفسها ماعرفتها
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات