كم كان اقتراح كارل بأن ترتدي الحجاب حكيمًا بالفعل.
ثم رأت سيان كيف أن ماكس، الذي كان قبل لحظات ممسكًا بخاصرته من شدة الغضب، قد خمد حماسه تمامًا، وأشاح بنظره متحسرًا.
‘لا تنظر إليّ هكذا…..حتى أنا، فجأة، تمنّيت لو أهرب من هذا الموقف.’
كانت تلك صرخةً صامتة أرسلتها سيان إلى ماكس، رغم علمها أنه لن يسمعها أبدًا.
أما ريفينانت، فقد ضحكت ضحكةً طويلة خفيفة، امتزجت بقليلٍ من الغطرسة.
“يبدو أن العلاقة بينكما رائعةٌ حقًا…..لدرجة تدعو للحسد. أتمنى أن تبقى قلوبكما متّحدةً حتى بعد الزواج، دون أن يتغيّر بينكما شيء.”
الغريب في الأمر أن من بدا عليه التوتر الشديد جراء تجاوز ريفينانت للحدود لم يكن أحدًا من الحاضرين، بل كان زوجها أنطونيو نفسه.
نظر إليها بعينين مرتجفتين، وكأنه لا يصدق ما يسمعه، لكنه في النهاية لم ينبس بكلمة، واكتفى بأن ينحني أكثر حتى لامس جبينه الأرض.
“لكن…..هل لي أن أسأل، يا آنسة، لماذا ترتدين ثوب الحداد؟”
قالت ريفينانت ذلك، وقد صرفت نظرها عن زوجها وكأن وجوده لا يعني لها شيئًا، وركزت اهتمامها كله على سيان التي كانت قد بدأت الحديث قبل قليل.
“لا توجد قصةٌ كبيرة وراء ذلك. والديّ توفيا منذ زمن طويل، وأنا أرتدي الحداد تكريمًا لذكراهما. فقد كنت ابنتهما الوحيدة، كما تعلمين.”
“آه، فهمت…..إذًا، إن دعوتُ خطيبة الأمير إلى أحد اللقاءات الاجتماعية، فلن يكون ذلك تعديًا على مشاعركِ، أليس كذلك؟”
لقاءٌ اجتماعي؟
عبست سيان خلف حجابها بحيرة، و لم تفهم مقصدها، بل بدا لها طلبًا غريبًا من امرأة جاءت لتقديم الاعتذار برفقة زوجها المذنب.
‘هل يعقل أنها كشفت هويتي؟’
شعرت سيان بيدها تقبض على نفسها بقوة، لكن ليس بسبب الخوف أو القلق…..بل بسبب اندفاع غريب، حافزٌ داخلي لم تستطع تفسيره.
“لقاء؟ وأي لقاء هذا في مثل هذه الظروف..…؟”
“لا تقلقي، ليس بالأمر الجلل. مجرد تجمع بسيط لسيدات متزوجاتٍ يشربن الشاي ويتبادلن الحديث. أمرٌ عادي جدًا.”
كان كارل هو من أبدى استياءه من الدعوة بشكل صريح، لكن عيني ريفينانت بقيتا معلقتين بـسيان وحدها.
“أنا أقود لقاءً منتظمًا لبعض سيدات الأسر النبيلة…..وفي العادة، لا نسمح بوجود العازبات، لكن بما أن الآنسة هي خطيبة سمو الأمير، وأيضًا..…”
توقفت ريفينانت عن الحديث لحظة، وألقت نظرةً خاطفة نحو كارل.
“بما أن سموّه قال أن علاقتكما تكاد تُعد زواجًا، فقد رغبتُ في دعوتكِ بشكل خاص إلى هذا اللقاء.”
كان في نبرتها، رغم خفتها وضحكتها المصطنعة، سخريةٌ واضحة لا تخفى. فارتجف حاجبا كارل من شدة امتعاضه من وقاحة ريفينانت المتزايدة.
“ما رأيكِ؟ جميع من يحضرن هذا اللقاء لهن تأثيرٌ مباشر في السياسة الإمبراطورية، وبما أنكِ ستصبحين زوجة سموّ الأمير، فلا بدّ أن تلتقي بهن عاجلًا أم آجلًا. و من الأفضل أن تكتسبي بعض الألفة مسبقًا، ألا تظنين ذلك؟”
“كيف تجرؤيـن-”
“……موافقة.”
حاول كارل مقاطعة ريفينانت وقطع وقاحتها، لكن سيان أجابت بكل هدوء وثقة قبل أن يتمكن من ذلك.
فنظر إليها كارل بذهول، وكأنه لم يتوقع منها تلك الجرأة، وحدّق في وجهها المخفي خلف الحجاب الأسود.
أما ريفينانت، فابتسمت دون أن تظهر عليها أي ملامح ارتباك، لكن نظرتها الثابتة دلّت على أنها لم تكن تتوقع هذه الإجابة مطلقًا.
يبدو أنها كانت تظن أن تلك الفتاة الريفية، التي “صادف” أن أصبحت خطيبة الأمير، ستتراجع خائفةً وتتهرب بلطف.
لكن سيان لم تكن لتقع في شراك هذا التلاعب الرخيص.
“كنت أشعر فعلاً بالغربة في هذا القصر الكبير، و لا أعرف فيه أحدًا سوى سموّ الأمير. إن كان اللقاء من تنظيم سيدة تتحلى بالجرأة وروحٍ اجتماعية مثلكِ، فلا شك أنه سيكون ممتعًا.”
“يا له من شرف لي أن تقبلي الدعوة بهذه البهجة.”
بدت في عيني ريفينانت نظرةُ افتراس، نظرة من عثر على فريسةٍ مثيرة للاهتمام، وابتسمت ابتسامةً مفترسة دون أن تُخفي حماسها.
للأسف كان وجه سيان محجوب، لقد كانت تتمنى لو تستطيع أن تُريها ابتسامتها بدورها، فاكتفت بابتسامة هادئة خلف الحجاب، لا تقل ثقةً عن تلك التي ترتسم على وجه خصمها.
“إذا أخبرتِني بالتاريخ والوقت والمكان، فسأحضر في أي وقتٍ تشائين.”
“سأُعد لكِ بطاقة دعوة جميلة إلى حد يعمي الأبصار، يمكنكِ التطلع إليها بشوق.”
“شكرًا لك.”
ضحكت سيان بخفة، وكأنها تخفي شيئًا في صدرها.
“…..أختي.”
و عند تلك الكلمة التي ألقتها سيان بلا مقدمات، ظهرت للمرة الأولى شقوقٌ في ملامح ريفينانت المتجمدة. و تأكدت سيان حينها من أنها لم تتعرف عليها قط.
حقًا، لقد مضى ما يقارب العشر سنوات على افتراقهما، وليس من السهل تمييز شخصٍ من صوته فقط.
“كنتِ أول من قدّم لي عرضًا كريمًا في هذا القصر العظيم، لذا رغبتُ أن أناديكِ بهذه الطريقة..…”
ضاقت عينا ريفينانت فجأة، و نظرتها باتت حادةً كأنها تحاول أن تخترق الحجاب بعينيها.
ولو لم يكن كارل واقفًا إلى جوارها يراقب الموقف، لكانت اقتربت منها ومزّقت الحجاب عنوةً لترى من خلفه.
“…..ألن تسمحي لي؟”
تساءلت سيان في سرها: كيف سيكون ردّ فعلها إن رأت وجهها؟
ويا للسخرية، أن تكون من هي أنقذت حياة الأمير الذي كانت قد عقدت العزم على قتله من قبل.
و أن يكون ذلك كله بسبب تنينه الفضّي الجميل، الذي جعل بينهما خصومةً لا تُنسى منذ زمن بعيد.
اضطرب قلبها بشعور غريب لا يمكن تفسيره. هل هو إحساس بالتفوّق لأنها حصلت على ما كانت الأخرى تتوق إليه بطريقٍ أعوج؟
أم هو أملٌ خافت بأنها ربما استطاعت أخيرًا قطع خيط تلك العلاقة المسمومة التي لم تفلح يومًا في التخلّص منها؟
“ولِمَ لا؟”
بينما كانت سيان تتساءل عن مشاعرها، كانت ريفينانت قد استعادت هدوءها وأعادت ضبط ملامحها المشوهه، لترسم ابتسامةً طويلة على شفتيها.
“ناديني كما تشائين، يا آنسة.”
“يا للراحة.”
تنهدت براحة وجمعت كفيها معًا.
“إذاً، فلنكن مقربتين من الآن فصاعدًا، أختي.”
“….…”
“مقرّبتين جدًا، إلى حدٍ خاص للغاية.”
ورغم أنها تعلم جيدًا أن وجهها محجوبٌ بالحجاب ولا يُرى، إلا أنها ابتسمت ببراءة كأنها لا تستطيع كتمان حماسها لبداية حياة جديدة.
***
“السيدة كارتر؟”
كان ولي العهد، هندريك، يتأمل قطعة بسكويت مغطاةٍ بمربى التوت البري بتعبير جاد.
بينما هزّ كارل، الجالس قبالته، رأسه صعودًا وهبوطًا.
“أظنني قد رأيتها مرتين أو ثلاثًا…..كانت تملك شعرًا أحمر فاقعًا، إن لم أكن مخطئًا.”
“يبدو أنها قامت بصبغه.”
و أجابت سيان نيابة عنه.
“لم أكن لأتخيّل هويتها أبدًا…..من كان يظن أن صائدة التنانين كانت تتخفّى كزوجة أنطونيو كارتر؟”
ابتسم هندريك بسخريةٍ وكأن الأمر لا يثير حتى الضحك، ثم أخذ قضمة من قطعة البسكويت. فانتشر عبق مربى التوت الحلو ورائحة البسكويت الدافئة حتى وصلت إلى سيان وكارل الجالسين أمامه.
“…..في الواقع، من الأصعب تصديق أنك تأكل هذا في مثل هذا الوقت.”
كان الوقت قد تجاوز منتصف الليل. و قد اجتمعوا عمدًا في ساعة متأخرة لتجنب الأعين المراقِبة.
لكن من الغريب أن تفوح في هذا التوقيت رائحة بسكويتٍ حلو إلى هذا الحد.
وقفت سيان حائرة، لا تدري هل تضحك أم تُبدي إعجابها بهذا التناقض الغريب.
لكن هندريك، بوجهه البارد الذي يبدو أكثر توافقًا مع النبيذ المعتّق أو الويسكي القوي، وضع مزيدًا من المربى على قضمة البسكويت التي أكل منها للتو.
فتأفّف كارل من شدة رائحة السكر النفاذة.
‘آه، كفى مع هذا المربى!’
“أنا فقط أتناول طعامي، فما الذي يزعجكَ؟ على كل حال، هذه البسكويت من أفخر ما تنتجه إيفاريد.”
“أشعر وكأن لساني سيذوب من شدّة الحلاوة!”
صرخ كارل بانزعاج، فضحك هندريك ساخرًا.
“الوزير العجوز المسؤول عن الخدم يبدو وكأنه فقد صوابه مؤخرًا. يقول أن ولي العهد يجب أن يكتفي بالشاي المرّ أو الخمور القوية، ويمنع عني كل شيء حلو. و يدّعي أنني بحاجة إلى الحفاظ على هيبتي، فلا وقت لديّ لأكل مثل هذه الأشياء. لذا عليكَ أنت أن تتحمّل.”
صحيح أن سيان لم تُظهر موافقتها علنًا، لكنها شعرت بأن الوزير لم يكن مخطئًا تمامًا.
لم يكن لديها تحاملٌ على فكرة أن ولي العهد لا ينبغي أن يأكل سوى المرّ أو يشرب ما يحتوي على نسبة كحول عالية.
لكنّ رؤية هذا الوسيم الفاتن ذو الشعر الفضي الطويل، والملامح الباردة التي لا تهتز حتى مع هبوب الرياح، وهو يستمتع ببسكويتٍ تفوح منه رائحة الحلاوة، كانت كافيةً لتجعلها تعيد التفكير في انطباعاتها القديمة.
“أكمِل ما كنت تقوله. إذًا، أنطونيو كارتر جاء ليعتذر بنفسه، و أحضر معه تلك السيدة فقط؟”
“لم تبدُ امرأةً سهلة أبدًا. أنطونيو اكتفى بضرب رأسه في الأرض وهو يعتذر، أما هي، فلم تُخفض رأسها ولو لمرة واحدة.”
“…..سخيف للغاية.”
ضحك هندريك ضحكةً ساخرة أخرى، ثم أخذ قضمةً جديدة من قطعة البسكويت.
و شاهدته سيان وهو يأكل دون أن تعرف إن كان يأكل البسكويت مرفقًا بالمربى، أم أنه يأكل المربى مرفقًا بالبسكويت، ثم تحدثت،
“رغم أنني كنت أرتدي الحجاب، أظن أن ريفينانت لاحظت الأمر. لا بد أنها أدركت أنني من أنقذ سموك.”
“ولا يبدو أنها كانت تحاول فقط التقرّب من خلالكِ. ما نيتها من دعوتكِ، يا تُرى؟”
قال كارل ذلك متجهمًا، و كانت ملامحه لا تخلو من التوجّس.
“أشك في أنها كانت تنوي دعوتها إلى تجمع فعلي. على الأرجح كانت ترغب فقط في رؤية قروية خرقاء ترتجف رعبًا. و ربما الآن تنهال باللوم على المسكين اللورد كارتر الذي لا ذنب له.”
“يؤسفني أنني لن أتمكن من مشاهدة ذلك بنفسي.”
أنهى ولي العهد آخر نصفٍ من قطعة البسكويت التي كان اكثر نصفها مربى، ثم نفض أطراف أصابعه بحركة أنيقة متعمداً.
و لولا رائحة السكر الطاغية، لظنّ المرء أنه تناول للتو وجبةً ملكية فاخرة.
“هل ترغبينب أن أتحرّى عن نوع الاجتماعات التي تشرف عليها السيدة كارتر؟ يا آنسة سيان. ما دامت قد ذكرت الأمر، فمن المحتمل أنها ستحاول جركِ إلى وسطٍ غريبٍ عنها.”
لكن سيان هزّت رأسها بلطف، رافضةً عرض هندريك اللطيف.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات