“حسنًا حسنًا، كل قصص الحب تبدأ بالحوادث. دعونا نُنهي هذه المهزلة الآن. فالمستمعون بدأوا يضجرون……”
“سواء احتضنتها مرتين أو ثلاثًا، لا أحد مهتم.”
“أسوأ ما في العالم أن ترى شجار عشّاق أمامكَ……”
بدأت أصوات التذمر تتعالى من أولئك الذين ما زالوا مستيقظين.
و كلمة “شجار عشاق” بالتحديد جعلت وجه سيان يحمر فجأة.
“لسنا كذلك!”
“وما الذي ليس كذلك؟”
“وأنت؟ في صف من بالتحديد؟”
“في صفكِ طبعًا. لكن دعينا نُصحح الوقائع. أن تنعتيني بالفاسق وعديم الحياء؟ ألا ترين أن ذلك قاسٍ بعض الشيء على رجل ناعم الذوق ودقيق الملاحظة مثلي؟”
قال كارل ذلك متذمرًا وهو يتنهد، وكأنه كان ينتظر على الأقل شيئًا من التأثر.
و سيان، التي لا تزال متأثرةً بهدية باهظة الثمن، بدا على وجهها قليلٌ من الذنب وهي تعقد حاجبيها.
“طبعًا، الهدية كانت مؤثرة، وأنا حقًا ممتنةٌ لكَ، لكن……”
“……شش، أحدهم قادم.”
قبل أن تُكمل جملتها، نهض باسكال من مكانه فجأةً وهو يحدق نحو الباب. و ما إن صمت كارل و سيان بعد تلك الكلمات، حتى عمّ السكون أرجاء الغرفة.
ومن خلف الباب، بدأت تُسمع خطوات. لم تكن واحدةً أو اثنتين، بل بدا أن عددها ليس بالقليل.
و دون أن يطلب منها أحد، أسرعت سيان إلى تغطية وجهها بالحجاب الأسود مجددًا. أما المرتزقة، فاقتربوا جميعًا من كارل متجمعين حوله.
“من قد يكون؟ لا أحد من المفترض أن يزورني الآن.”
قال كارل ذلك وهو يحدّق نحو الباب، والتوتر بادٍ على وجهه مع اقتراب الصوت شيئًا فشيئًا.
طَرق طَرق-
ثم رنّ صوت الطرق على الباب.
“سموك، فارس التنين، أنطونيو كارتر، جاء ليقدّم لكَ التحية.”
بمجرد أن سمع كارل ذلك الصوت من خلف الباب، التفت بعفوية نحو سيان.
فرفعت سيان كتفيها بلا مبالاة، كأنها لا تعرف شيئًا، لكن ملامح كارل سرعان ما أصبحت أكثر حدة.
“ادخل.”
وبصوت كارل، فُتح الباب المزدوج ببطء. و دخلٌ رجل في منتصف الثلاثينات على الأرجح، بشعر بني، ومنحني الرأس، يسير بخطى حذرة إلى داخل الغرفة.
ومن أول نظرة، عرفت سيان أنه أنطونيو كارتر، الفارس وسيد التنين الذي خرج من طبقة العامة.
و كانت ترافقه امرأةٌ ذات شعر أحمر صارخ، وستة خدم خلفها.
لكن ما إن رأت سيان وجه تلك المرأة الواقفة إلى جانب أنطونيو، و يفصلها عنه خطوةٌ بالكاد، حتى تجمّد وجهها على الفور.
……ريفيـنـانـت.
ما كان عليها سوى أن تتأكد من ملامح الوجه، فرغم أن لون الشعر اختلف عما كان تتذكره سيان، والملامح باتت أكثر نضجًا، إلا أنها كانت واثقة، لا شك في أن تلك المرأة هي نفسها صائدة التنانين، ريفينانت.
لم تكن لتتخيل أبدًا أن تأتي بنفسها إلى هنا.
كان عليها أن تخبر كارل بذلك، لكنها لا تستطيع أن تتظاهر بمعرفتها لها الآن.
شعرت سيان بدقات قلبها تتسارع من شدة التوتر، فقبضت شفتيها بحذر. و في تلك اللحظة، كان كارل قد استعاد وقاره كأمير، وظل جالسًا وهو يرفع رأسه لاستقبالهم.
“لتصل بركة التنين إلى السماء. أنا فارس التنين، أنطونيو كارتر، أَمثلُ بين يدي سمو الأمير.”
“لقد مر وقتٌ طويل……أنا من كان على وشك أن يلقى حتفه بسيفكَ، ومع ذلك يبدو أن حالتكَ أنت أسوأ من حالي.”
نبرة كارل، رغم برود تعبير وجهه، كانت حادةً تحمل صقيعًا ظاهرًا. حتى أنطونيو، الذي دخل بخضوع واضح، لم يحتمل وقع الكلمات، فجلس فجأةً على ركبتيه.
“لقد اقترفت ذنبًا لا يُغتفر، سموك……لم يكن في وسعي إلا أن أتيت ألتمس عفوك، رغم أنني أعلم أنني لا أستحقه.”
قال ذلك بصوت مرتجف وهو على الأرض. و على عكسه تمامًا، كانت ريفينانت، الواقفة بجانبه، شامخة كالتمثال، لا أثر للتردد فيها.
شعرها كان مرفوعاً بعناية، و أذناها تتلألآن بأقراط فاخرة من الكريستال والفضة، وفستانها الفخم يغطي جسدها حتى العنق فلا يظهر من بشرتها سوى وجهها فقط.
ورغم الحضور المهيب للمكان، وقفت مستقيمةً تنظر إلى الأمير مباشرةً دون خجل أو خوف.
“ربما يبدو عذرًا واهيًا، لكنني في ذلك اليوم لم أتمكن من السيطرة على بريتا التي كانت في حال هيجان. لقد تغلغل وعيها الوحشي في داخلي بعد أن أفزعها سهم جندي من إيفاريد، ففقدت السيطرة على نفسي واقترفت تلك الجريمة التي لا تُغتفر.”
“فارسٌ كان عليه أن يتحكم في تنينه، انتهى به الأمر مملوكًا لوعيه؟”
ضحك كارل بسخرية قصيرة.
“إن كان ما تقوله صحيحًا، فعليكَ أن تغير اسمك إذاً. لم تعد سيد التنين، بل أصبحتَ عبده.”
“مهما كانت لدي من أعذار، فلن أجرؤ على النطق بها.”
“وهذا ما يجب أن يكون.”
ظل صوت كارل باردًا وهو يخاطب أنطونيو المنكفئ أرضًا يطلب الصفح.
وهذا طبيعي، فمهما كانت الظروف، من نجا بالكاد من الموت لا يمكن أن يغفر بكلمات عابرة.
“ولكن……لمن جاء يعتذر راكعًا، تبدو زينتكم فاخرةً أكثر مما ينبغي.”
قال ذلك بنبرة باردة، بينما عينيه تتجهان إلى المرأة الواقفـة بشموخ وحدها، ريفينانت. ولم يلبث أن أدرك الجميع أن كلماته لا تشير إلى ملابس أنطونيو، بل إلى تلك السيدة والخدم المصاحبين لها.
عندها ابتسمت ريفينانت ابتسامةً خفيفة رقيقة، تتألق فيها أناقةٌ مهذبة.
“يسرني لقاؤكَ، يا سمو الأمير الذي اختاره وريث شجرة يفدراسيل العظيمة. أنا ريوُنا إليزابيث كارتر، زوجة أنطونيو كارتر.”
في تلك اللحظة، انعقد حاجبا سيان بشكلٍ حاد وهي تراقب كل شيء من وراء الستار.
زوجة؟ زوجته؟ هذا يعني أن ريفينانت عقدت قرانها بأنطونيو!
مستحيل……لا بد أنه زواجٌ مزيفة!
فكرت سيان في نفسها بقلق. فتلك المرأة التي لم تنحنِ لأحد، حتى في وجه التنين نفسه، واختارت أن تصبح صائدة تنانين بدلًا من الخضوع……لا يمكن أن تكون قد تزوجت مثل بقية النساء، لا يمكن.
لا بد أن وراء هذا الزواج غايةٌ أخرى، مؤامرة، اتفاق……شراءٌ لأنطونيو أو مساومة ما.
أما كارل، فحدق في ريفينانت بتجهم شديد، وقد بلغ به تحديها حد الوقاحة لا الجرأة فقط.
“بما أن زوجي قد اقترف ذنبًا عظيمًا، فقد رأيتُ أن من الوفاء أن أرافقه، كوني سيدة منزل كارتر-”
“ولكن، لماذا لم تجثي على ركبتيكِ أيضاً؟”
كانت ريفينانت قد بدأت حديثها بنبرة رقيقة فيها قليلٌ من الدلال، وهي ترفع أطراف تنورتها بخفة، لكن كارل قاطعها قبل أن تُكمل.
فرفعت رأسها لتلاقي نظره مباشرة، ولم يكن في عينيها أثرٌ لتردد أو خجل، بل واجهته بثبات تام.
“زوجكِ راكعٌ هناك وهو يطأطئ رأسه، ألا يجدر بالزوجة أن تركع إلى جواره كذلك؟”
أحست سيان في نفسها بارتياح شديد، وكادت تصفّق سرورًا من حدة لهجة كارل المؤنبة.
حتى أنطونيو، الذي كان راكعًا على الأرض، التفت بنظره نحو ريفينانت.
في الأحوال الطبيعية، لكان من المنطقي أن يحثها على الركوع إلى جانبه. لكنه لم يفعل شيئًا سوى مراقبتها بتوتر، يبلل شفتيه اليابستين بلسانه، عاجزًا عن الحسم أو حتى النطق.
من الواضحٌ لمن تميل كفّة السيطرة بينهما. فكتمت سيان ضحكةً ساخرة أرادت أن تفلت منه.
“الجريمة التي يُحاسب عليها ارتكبها زوجي، فلماذا يجب أن أركع أنا؟”
كانت ريفينانت أو ريونا كما سمت نفسها، وقحةً في ردها، وصوتها الناعم لم يُخفِ نبرة التهكم الواضحة فيه.
لكن ليس كارل وحده من تأجج غضبه من تلك الوقاحة الصريحة، فحتى ماكس، الذي ظل واقفًا بصمت خلف الأمير كأنه جزءٌ من الزينة، اتسعت عيناه بغضبٍ حاد، ومدّ يده إلى خصره كما لو كان يستعد لفعلٍ عنيف.
و بالطبع، لم يكن هناك سلاحٌ في ذلك المكان.
“إن كنتِ قد أتيتِ لتقدمي الاعتذار عن ذنب زوجكِ، ألا يجدر بكِ أن تظهري ذلك بالركوع مثله؟ إذاً قولي لي، ما الذي تفعلينه واقفةً هنا؟”
“إن تفضلتَ ورأيتَ في حضوري دليلاً على النية الطيبة، فسأكون ممتنة، يا صاحب السمو. فليس من السهل، كما تعلم، أن تُرافق الزوجة زوجها في موقفٍ كهذا، لتشاركه طلب العفو.”
“قد لا يكون أمرًا سهلاً، لكنه كذلك لا يبدو قرارًا حكيمًا جدًا.”
ضحك كارل بسخرية واضحة. أما ريفينانت، فلم تلتفت إلى سخرية الأمير، بل قابلتها بضحكة صافية، كأنها استمتعت بما قيل.
“حقًا يا سمو الأمير، محادثتكَ ممتعة. أنتَ تناقش حتى مدى حكمة طريقة الاعتذار.”
“ربما لأنني لا أشعر برغبةٍ في تقبّل الاعتذار، بل أجد نفسي أميل للغضب أكثر كلما سمعته.”
“لكني أظن أن مشاعركَ هذه لا علاقة لها بطريقة زوجي في تقديم الاعتذار، بل يبدو أنكَ ترغب في الغضب من كل ما يرتبط به.”
كانت ريفينانت تتهرب من الموقف بطريقةٍ جدلية، مما جعل كارل يضيّق عينيه بغضب.
“عندما تتزوج المرأة وتحمل اسم زوجها، فهي بذلك تعلن ضمنًا تحمّلها للمسؤولية عمّا يفعله.”
هنا، تدخلت سيان فجأة بصوتٍ هادئ بعدما ظلت صامتةً طوال الوقت، وكأنها لم تكن موجودةً أصلًا.
عندها التفتت ريفينانت نحوها ببطء، وكأنها كانت تنتظر تدخلها، وابتسامةٍ ملتوية ترتسم على شفتيها.
“……لقد سمعتُ بعض الشائعات، يا آنسة. بلغني أن سموّ الأمير قد خطبكِ، ولهذا أظن أن فهمكِ للحياة الزوجية ما زال……محدودًا بعض الشيء.”
قالت ريفينانت ذلك، فشعرت سيان بضحكة سخريةٍ تكاد تفلت منها، لكنها أجبرتها على البقاء بداخلها.
وكأن ما تقصده هو: “أنتِ لم تتزوجي بعد، فابتعدي.”
تساءلت في نفسها عما يمكن أن ترد به لتردّ لها الصفعة، لكن قبل أن تنطق، ابتسم كارل بخفة من طرف أنفه.
“بسبب وفاة ملكة التنانين المؤسفة، ما زالت أجواء الإمبراطورية مضطربة، ولم نتمكّن بعد من إقامة مراسم الزواج. لكننا، رغم ذلك، لسنا على درجةٍ من الخفة حتى يُشكّك أحد في فهمنا للحياة الزوجية. فلا تتجاهلي هذا، رجاءً.”
ثم مدّ كارل يده وأمسك بيد سيان الموضوعة بهدوء على ركبتها.
‘هاه؟’
فاتسعت عينا سيان بدهشةٍ لم تستطع إخفاءها. بينما جذب كارل يدها بلطف ورفعها، ثم طبع قبلةً هادئة على ظاهر كفها.
ونظر إلى ريفينانت و أنطونيو بعينين دافئتين، مختلفةٍ تمامًا عن ذلك البرود القاسي الذي واجههم به من قبل، وابتسم ابتسامةً رقيقة فيها مودةٌ صادقة.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات