بخطى ثابتة، صعد كارلستون إلى المنصة التي لا بد أن تُسلَّط عليها أنظار أكثر من مئة شخص داخل القاعة.
وقف مستقيماً بانضباط تام، ولم يظهر عليه أي أثر للتوتر رغم سيل النظرات المسلطة عليه من كل حدب وصوب، بل راح يتأمل مقاعد النبلاء بنظرةٍ هادئة وهو يجيل عينيه بينهم.
“اسمكَ، لقبكَ، وأدِّ القسم.”
“أنا كارلستون كلاوس، الأمير الثالث لإمبراطورية إيغريون، أقسم أمام اسم التنين المؤسس، يغدراسيل، أن أقول الحق ولا شيء غيره.”
بالمقارنة مع هندريك، الذي كان يتسم بمظهر بارد ومتراخٍ إلى حد الملل، بدا كارلستون متوترًا نوعًا ما، رغم وقفته المستقيمة.
لكن حين نطق هندريك ببضع كلماتٍ مقتضبة ببرود، رد كارلستون بسلاسة وكأنه اعتاد ذلك الموقف من قبل.
“حسنًا إذاً، هات ما لديكَ، هل جلبت دليل براءتكَ؟”
كان الماركيز دانيال يراقب نظرات ولي العهد هندريك عن كثب.
فالماركيز، لكونه شقيق الإمبراطور، كان يحمل حق وراثة العرش في المرتبة الثالثة، ولذلك مُنح مقعدًا ملاصقًا لولي العهد هندريك، صاحب الحق الأول في وراثة العرش، ما جعله في موضع مثالي لرصد أدق تعابير وجه ولي العهد.
ومع ذلك، كان تعبير هندريك بارداً وجافاً بلا أي انفعال. و كانت عيناه، اللتان حُفرتا أعمقاً فوق أنفه المستقيم، تحملان لون البحر متجمدًا بنظرةٍ باردة كالجليد.
“هذا هو الدليل.”
بدت كأنها محاولةٌ لإثبات أخوة ولي العهد والأمير الثالث، وكأنهما يتنافسان على من هو الأكثر تصميماً وعجلة، إذ قال ولي العهد مباشرةً دون مقدمات، فرفع الأمير يده فورًا وأخرج الدليل الذي جلبه.
رفع الأمير كارلستون يده إلى مستوى صدره، وفوق راحة يده ارتسم بريقٌ فضي، ثم ظهر فرع صغير متدلي منه أوراق خضراء.
“فرع شجرة؟”
همس أحدهم بدهشة، لكن لم يتفاجأ أحدٌ لأن الجميع كان يعلم أن هذا النوع من السحر لا يقدر عليه إلا سادة التنانين.
و ما كان مدهشًا حقًا هو أن الدليل ظهر معلّقًا في الهواء بلا أي دعم.
“إنه فرعٌ من شجرة يغدراسيل.”
قال هندريك ذلك، مدركًا على الفور ما هو هذا الشيء.
“هل هذا هو الدليل الوحيد الذي جلبته من معبد التنانين لإثبات براءتكَ؟ تلك القطعة التي لا علاقة لها بالقضية لن تثبت براءتكَ.”
“بالطبع، هذا لا يثبت بشكل مباشر براءتي من جريمة قتل ملكة التنانين إيلينا. لكن هذا يثبت أنني زرت معبد التنانين. لو كنت أنا من قتل الملكة إيلينا، لكان المعبد قد نفذ حكم الإعدام بي فوراً في مكان الحادث. ورجوعي سالماً مع هذا الفرع هو شهادةٌ على حكم المعبد الذي يعلو على حكم الإمبراطورية تجاه قضيتي.”
من وجهة نظر الماركيز، ما وضعه الأمير كارلستون على راحة يده كان بلا شك جزءًا من شجرة يغدراسيل. فحتى من بعيد، بدا أن الفرع المكسور ينبض بحياة غامضة متماسكة.
كان ذلك بلا شك جزءًا من الشجرة التي رآها عند اعترافه كسيد للتنين.
كان من العبث إنكارها وادعاء أنها مزيفة. فعندما يرى المرء فرعًا مكسورًا يحمل أوراقًا لا تزال خضراء متلألئة بأشعة الضوء، لا يمكن حتى لغير سادة التنانين إنكار أن هذا جزء من شجرةٍ عجيبة.
تذكر الماركيز صوت ريفينانت و هي تقول: “أربك الأجواء، لا بأس بالتشويش والادعاء.”
كاد أن يئن من الضيق لكنه كبح أنفاسه بصعوبة. فالكلام سهل، لكن كيف له أن يهز ثقة الأمير الذي يدافع عن نفسه بجرأة؟
أخفا تعبير الحيرة عن وجهه وقرر مراقبة الوضع أكثر.
و في حين كان صامتًا ومراقبًا، رفع ولي العهد يده فجأة وأخرج شيئًا ما.
“هل تعرف ما هذا؟”
على راحة يد ولي العهد ظهر شيٌ لامع، مغطى بقشور فضية براقة. كانت القشور كبيرةً بحجم راحة اليد لرجل قوي البنية، وعندما ظهرت، فُوجئ الأمير كارلستون ووسع عينيه متراجعًا قليلاً.
“لا، هذا هو!”
“نعم، إنها قشور إيدلين. عُثر عليها مع جثة ملكة التنانين إيلينا. مع وجود دليلٍ واضح كهذا، كيف تدعي براءتكَ باعتمادك فقط على فرع يغدراسيل الذي حصلت عليه من معبد التنانين؟”
قال ولي العهد ذلك بصوت جاد متظاهرًا بالوقار، بينما نظر الماركيز إلى وجهه الجانبي بقليلٍ من الانزعاج الخفي.
“إيدلين وأنا لم نفعل شيئًا من هذا!”
صرخ الأمير كارلستون وهو يضع يده على صدره، مظهراً شعوره بالظلم.
“فكيف تفسر إذًا هذه القشور؟”
“لا بد أن هذه مؤامرةٌ من أحدهم. حتى أعظم التنانين، فهي في نهاية المطاف كائناتٌ حية فقط. إنّ تساقط القشور القديمة ونمو الجديدة أمرٌ شائع، فكيف تشك فيني فقط بناءً على قشور إيدلين التي وُجدت هناك، يا سمو الأمير؟”
قال الأمير كارلستون ذلك بتجهم عميق رافعًا حاجبيه،
“تبدو وكأنكَ تتهمني باتهامات لا أساس لها، كارلستون كلاوس.”
“ليس كذلك، أليس هذا هو الواقع؟ إيدلين لم يذهب الى العش تحت القلعة خلال اثني عشر عامًا منذ مغادرتي القلعة. وإذا كان هو الذي قتل ملكة التنانين إيلينا في العش تحت القلعة، فلا بد أنه تجاوز الحاجز السحري للقلعة، فكيف يكون ذلك ممكنًا؟ هذا الاتهام لا يظلمني فحسب، بل يتجاهل أيضًا الحماية العتيقة للقلعة التي امتدت لألف سنة.”
فردّ ولي العهد مخاطبًا الأمير كارلستون بغضب،
“احترس من كلامكَ، كيف لي أن أعرف إن كنت تستخدم سحرًا ماكرًا؟”
“حتى لو كنت سيدًا لإيدلين، التنين العظيم المولود مباشرةً من يغدراسيل، فلا أمتلك القدرة على اختراق حاجز القلعة بصمت.”
لأول مرة، قام ولي العهد بتقريب حاجبيه وهو يطوي ذراعيه ردًا على كلام الأمير كارلستون.
لم يجد ما يرد به، لكنه لم يكن مقتنعًا، وبالأخص حين يتعلق الأمر بنسب التنين الذي يصر عليه بنفسه، فقد بدا أكثر استياءً من الاستماع.
“على العكس، أنا بدوري أود أن أسأل سمو ولي العهد بكل احترام. لقد هاجمتني وهاجمتَ إمارتي بناءً فقط على قشور إيدلين. وذلك دون أن تحصل على إذن رسمي من المعبد، الذي يراقب كل ما يتعلق بالتنانين والإمبراطورية، فيما يتعلق بجريمة قتل ملك التنانين. بسبب هذا، كدت أُقتل ظلمًا، وتحطمت الأسوار الخارجية والداخلية لإمارتي إيفاريد التي بذلت جهدًا كبيرًا لبنائها.”
لم تدم دهشة الأمير كارلستون من قشور إيدلين طويلاً، إذ استعاد هدوءه سريعًا وحاول الهجوم المضاد.
نظر ولي العهد إلى الأمير بغضب، رافعًا حاجبيه بتحدٍ،
“كان ذلك حادثًا. فقد أطلق جنديٌ من إيفاريد سهماً بسبب فزعه من ظهور التنين. لو لم يفعل ذلك، لما حدث أي تصادمٍ مسلح.”
راقب الماركيز بصمت المواجهة الحادة بين ولي العهد والأمير كارلستون، وعينيه تلمعان ببريق خفي.
لم يجرؤ أي من النبلاء أو أفراد العائلة الملكية على التدخل، بل ظلوا مجرد مراقبين ساكنين للموقف.
ثم تذكّر الماركيز كلمات ريفينانت: “اجعل الأمير يلوم ولي العهد.”
الآن، ومع تزايد حساسية الأمير كارلستون، بدا الوقت مناسبًا لاستغلال الموقف. فلو دعّم موقف الأمير، يمكنهم بسهولة تعميق الشرخ بين الأخوين.
ثم فتح الماركيز فمه ليتحدث بنبرة انتقاد،
“أنت تقدم أعذارًا جبانة لا تليق بمقامكَ. حتى لو أطلق جندي إيفاريد السهم، فمن المؤكد أنكَ وصلت إلى إيفاريد بصحبة عمي، الماركيز دانيال، وفارس التنين أنطونيو. و أنا كنت مضطرًا للهرب بعد أن تلقيت إصاباتٍ بالغة من هجوم أنطونيو.”
لكن قبل أن يدعم الماركيز موقف الأمير كارلستون، رد الأمير بسرعة، مستغلاً نقطة ضعف أشارت إليها ريفينانت من قبل.
“الفارس كارتر، بسبب إصابته لك، عوقب بتخفيض راتبه لمدة عام ومنعه من التواصل مع التنين لثلاثة أشهر. وأنت محقٌ فيما قلت، إيدلين هو تنينٌ مباشر النسب من يغدراسيل، كائنٌ مختلف تمامًا عن باقي التنانين.
ولهذا كان لا بد من توخي الحذر الشديد قبل التعامل معه.”
“مهما كان الحال، هل يعقل أن ترافق ثلاثة تنانين معكَ؟ هذا أيضًا عذرٌ جبان.”
رفَع الأمير كارلستون عينيه بشدة وصوب نظراته نحو ولي العهد. أما ولي العهد فكان يعبس باستياءٍ واضح، غير راضٍ عن كل شيء.
أثناء ذلك، مال الماركيز برأسه قليلاً، لكنه لم يجد فرصةً للتدخل. فقد كان الأمر كما لو أن الجميع يعرفون هدف الماركيز الأصلي ويتصرفون بسلاسة كاملة.
و في مكان بعيد خلف الباب الذي دخل منه كارلستون، كانت سيان تراقب الموقف، وهي تعيد النظر في مشاكل أفراد العائلة الامبراطورية.
يا لها من مسرحيةٍ نادرة.
ولي العهد والأمير الثالث يتحولان إلى مهرجين يؤدون تمثيلاً أمام كل هؤلاء النبلاء.
كانت عبارة كارل “لا، هذا هو!” عند رؤية قشور إيدلين تبدو غريبةً بعض الشيء، لكن بخلاف ذلك، كانت تمثيلياته وولي العهد مقنعة جدًا.
راقبت سيان المشهد بلا حراك، حيث كان ولي العهد و كارل يتبادلان الاتهامات، ويُخضعان الكثير من النبلاء لجو من الهيمنة والضغط.
بينما كانت عيناها تجولان في قاعة المجلس ذات القبة العالية، توقفت نظراتها على رجل في منتصف العمر يقف بجانب ولي العهد.
الماركيز دانيال.
من مقعده القريب من ولي العهد، وملابسه الفاخرة، كان من السهل معرفة أنه الماركيز دانيال غريغوري، عم ولي العهد و كارل.
و كان الماركيز يرمق ولي العهد من بعيد، يراقبه بحذر.
“عمي ليس لديه الجرأة لذلك.”
كان تفهم السبب الحقيقي وراء استبعاد كارل لعمه من دائرة الاتهان.
كانت تسريحة الشعر الأنيقة التي لا شك أن مصفف الشعر قد اعتنى بها، والإكسسوارات المصنوعة من الأحجار الكريمة الملونة والذهب والفضة، كل ذلك يظهر التفاخر بأصل الماركيز الإمبراطوري.
ومع ذلك، كان جسده نحيفًا للغاية، ووجهه غائر العينين يعكس طابعه الحساس والخجول.
‘هل تتحكم فيه ريفينانت..…؟’
وقفت سيان مستقيمة القامة، تفكر في الأمر. و بحثت في قاعة الاجتماع النبلاء جيدًا لكنها لم تجد ريفينانت.
و بالطبع، كونها ليست من النبلاء، فلم يكن من المعقول أن ترافق الماركيز إلى قاعة الاجتماع.
حينها تحدث ولي العهد بنبرةٍ متضايقة،
“أنت ترتكب الكثير من الأخطاء الكلامية، كارلستون. كيف تجرؤ أن تنتقد ولي العهد؟ مرة أو مرتين قد أصفح عن ذلك كخطأ عابر، لكن ثلاث مرات لن أغفر لكَ. أحذرك، كن أكثر حذرًا.”
فردّ كارل بثقة،
“هذه ليست أخطاءً كلامية لتصفح عنها. وإذا لم تكن عذرًا، فعلى جلالتك أن تثبت بعدم نيتكَ في قتلي دون إذن المعبد.”
“أنا، الذي أمتلك أصل التنين ولقب ولي العهد، ما السبب الذي يجعلني أرغب في قتلكَ؟”
“إذا كان هذا كذلك، فلا يوجد سببٌ لي لقتل ملكة التنانين إيلينا.”
فجأة، ضرب هندريك الطاولة بقوة، وكسر هدوءه،
“ما الذي تقصده بأنه لا سبب؟ لقد قُتلت ملكة التنانين إيلينا، وهذا سيؤثر بلا شك على جلالته والدنا المريض! أليس من الواضح أنكَ كنت ترغب في الإطاحة بوالدي وشن حرب على العرش ضدّي؟”
فضحك كارل بلا خوف،
“لو كنتُ أطمع بالعرش، لكنتُ هاجمت ناثان أولاً يا سمو الأمير، قبل ملكة التنانين إيلينا.”
_________________
طلعت كل ذي تمثيليه عشان يشوفون الماركيز وش بيسوي😂😂😂
يضحكون شلون قذروا يكتمون ضحكتهم يوم قال كارل هذا هو!
كأنه المجرم لاكشفه كونان بدليل محد قد شافه😭
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 51"