لم يكن الماركيز وحده من بدا عليه الذهول، بل حتى أنطونيو الذي نُفذ بحقه الحكم ظهر على وجهه قدرٌ لا بأس به من الارتباك.
“يبدو أن ذاك الأمير محظوظٌ للغاية.”
الوحيدة التي حافظت على هدوئها كانت المرأة ذات الشعر الأحمر.
لم تبدُ عليها أي ملامح دهشة، بل اكتفت بابتسامة ملتوية وهي تبدي إعجابها.
“أترينها مسألة يمكن إنهاؤها بعبارة حظ سعيد؟ الجميع يعلم أن أنطونيو قد طعن الأمير! لو أنه أحضر حتى ذلك ‘الشيء’ كدليل..…”
“أوه، يا سعادة الماركيز. ألم أقل لكَ من قبل؟ قد تكون هناك ولو نسبة ضئيلة لاحتمال نجاته، ولهذا طلبت منكَ إرسالي مع فرقة التفتيش. تقصيركَ في السيطرة حتى على ولي العهد هو خطأكَ أنتَ، يا سعادة الماركيز.”
قالت المرأة، ريفينانت ذلك بثبات وهي ترتدي فستانًا فاخرًا.
فانقبض وجه الماركيز على الفور. أما ريفينانت فاكتفت بنظرة ساخرة إليه، تراقبه وهو يرتجف غيظًا دون أن يجد ما يقوله، ثم ضحكت بخفة.
“يبدو أن حظه الجيد جعله يجد من ينقذه. لكن لا داعي للقلق كثيرًا، فذاك ‘الشيء’ لا يمكن لحامله المعتاد أن يقترب منه حتى. وحتى لو كان هناك من أنقذ الأمير، على الأرجح لم يدرك أنه شيءٌ خاص، وغالبًا قد تخلص منه.”
“لكن، ماذا لو-”
“حتى لو افترضنا أنه أحضر ذاك الشيء، فهل يعرف أحدٌ من أين جاء أصلًا وكيف ظهر في هذا العالم؟”
قاطعت ريفينانت كلمات الماركيز بابتسامةٍ متأنية. وبدا أن كلماتها قد هدّأت الماركيز قليلًا، فصمت.
“لكن، ألن يعرف الأمير أنني أنا من ثبت ذاك الشيء على السيف؟”
ظهر على أنطونيو وجهٌ مذعور وقد خيم عليه الخوف. فرمقته ريفينانت بنظرة جانبية وهي مكتّفة الذراعين.
“هل كان لأي منكما علم بوجود ذاك الشيء قبل أن أشرح لكما عنه؟”
“إنه شيء انقطع تداوله منذ زمن بعيد. سادة التنانين الموقرون أنفسهم يمقتون مجرد ذكره، فكيف بالأحرى حمله أو استخدامه. لا يمكن للأمير أن يعرف حقيقته أبدًا، اطمئنوا تمامًا.”
عظمٌ انتُزع من تنين حيّ تلك الصدمة والقرف اللذان شعرا بهما عند رؤيته لأول مرة، لا يزالان محفورين في ذاكرة أنطونيو والماركيز بوضوح.
كلام ريفينانت كان يحمل الكثير من المصداقية. ومع ذلك، لم يكن الأمر مطمئنًا إلى الحد الذي يجعلهم مرتاحين بالكامل.
إلا أن الماركيز استعاد هدوءه وجلس مجددًا على مقعده.
“يا للعجب، إذا كان أمثالكم من الرجال ترتعد قلوبهم هكذا، فكيف تفكرون بخوض أمور عظيمة أكبر؟”
قالت ريفينانت ذلك ببرود وسخرية، وهي ترمق الماركيز بنظرة جانبية بينما يتظاهر بالتماسك بعد أن هدأ ببضع كلمات فقط.
فارتسم الامتعاض على وجه الماركيز الذي لم يستسغ سخرية امرأة لا تقارن به لا مقامًا ولا سنًا. لكنه اكتفى بالتجهم ولم ينبس ببنت شفة، إذ أدرك أنها ليست من النوع الذي يمكنه قهرها بالكلام.
“على كل حال، ماذا إذاً؟ أين يتواجد سمو الأمير الذي عاد؟”
“لا بد أنه في مكان ما بالقصر. جلالته أمر بعقد اجتماع لمجلس النبلاء لإجراء تحقيق عادل. و كلانا، أنا وأنطونيو، سنحضره.”
“أها.”
أطلقت ريفينانت صوت إعجاب متكلف وهي تلوّح بمروحة مزينة بالريش.
“إن قام الأمير كارستن في ذلك الاجتماع بتقديم السلاح المصنوع من عظم التنين الحي كدليل، فعليكما التظاهر بعدم معرفته مطلقًا.”
“هذا أمرٌ بديهي.”
“عليكما أيضًا أن تهيئا الأجواء بحيث يزرع الشك بين ولي العهد والأمير.”
قالت ريفينانت ذلك وكأن الأمر في غاية السهولة.
أما الماركيز، الذي كان قد قوبل بالرفض حين طلب تشكيل فرقة تفتيش بقيادة ريفينانت، وهي صائدة التنانين المعتزلة سابقًا، فقد رمقها بنظرة غاضبة مليئة بالضيق.
“أتظنين أن الأمر بهذه البساطة؟ على عكس ما يشاع في أرجاء الإمبراطورية، هندريك وكارلستون شقيقان على وفاقٍ كبير. وإن ثبت أن ما فعله أنطونيو ضد إيفاريد وكارلستون كان مجرد خطأ، وأن كارلستون لا علاقة له بمقتل ملكة التنانين، فسيعود الود بينهما بسرعة.”
تحدث الماركيز كعمٍ راقب الأميرين طويلًا ويعرف طباعهما جيدًا. عندها، فتحت ريفينانت مروحتها وغطت بها فمها بابتسامة، بينما عيناها الخضراوان فوق المروحة تشعان بوميض غريب وتتلألآن بخبث.
“الأوعية الصلبة عادةً ما تتحطم بسهولة عند أصغر صدمة. صحيحٌ أن الهجوم الذي تعرضت له إيفاريد كان خطأ السير كارتر وذاك التنين بريتا، لكن اصطحاب كل من بريتا وألما الى إيفاريد كان قرار ولي العهد بنفسه. لو كان ولي العهد واثقًا تمامًا ببراءة الأمير، لكان سعى للتحقق بهدوء أولًا دون أن يستدعي التنانين. ركزوا على هذه النقطة أمام الأمير، واجعلوه يلوم ولي العهد.”
“….…”
استمع الماركيز وأنطونيو بملامح متجهمة لكلام ريفينانت. فقد بدا أن كلامها يحمل قدرًا من المنطق.
ثبينما تابعت هي حديثها.
“وأيضًا، لقد عُثر على حراشف إيدلين في عش ملك التنانين الذي قُتل فيه. وذلك يُعد دليلًا قاطعًا لا يقبل الجدل بالنسبة لولي العهد، على أن الأمير هو الجاني. ومن دون أن يثبت الأمير بنفسه سبب وجود حراشف إيدلين في ذلك المكان، سيكون من الصعب عليه ادعاء البراءة.”
“…..لكن، من بين الأخبار التي وصلت، يُقال إن كارلستون قد زار معبد التنانين بالفعل وأحضر دليلاً يثبت براءته. ودليل المعبد لا يُمكن الطعن فيه، فهو مطلق.”
“في هذه الحالة، علينا إذًا أن نسقط من هيبة المعبد.”
“…..ماذا تقولين؟”
تجهمت وجوه أنطونيو والماركيز في اللحظة نفسها تقريبًا.
وفي مواجهة رد فعل سادة التنانين الذين يحملون إيمانًا عميقًا بالمعبد، انفجرت ريفينانت ضاحكةً بتهكم.
“ما الذي يدعوكم للدهشة هكذا؟ في النهاية، الهيبة التي بناها المعبد على مدى ألف عام لن تنهار بكلمات قليلة. المغزى هو أن تجعلوا ولي العهد يشك حتى في الدليل الذي يحضره الأمير نفسه.”
ورغم أنها لم تصرح بالكلام بشكل مباشر، إلا أن ضحكتها العلنية الحادة كانت تنضح بغطرسة وازدراءٍ واضح للعيان.
الماركيز وفارس التنين أنطونيو كانا يدركان تمامًا أن هذه المرأة تحتقرهما، لكن لم يكن بوسعهما فعل شيء. فجميع خيوط اللعبة كانت بيد ريفينانت، هي من تتحكم بكل شيء.
الخطة، والتنفيذ، وجل الأمور كانت تعتمد عليها وحدها.
ثم إنهما، وقد أصبحا شريكين لها في القارب نفسه، لم يعودا قادرين على خيانتها، لا سيما بعد أن شهدا بأعينهما كيف تتعامل مع التنانين.
فمهما بلغت قوتهما كأسياد للتنانين، ظلا عاجزين تمامًا أمام جبروتها.
“أي سهل هو هذا الأمر الذي تتحدثين عنه..…”
تمتم الماركيز وهو يتنهد بعمق ويهز رأسه بيأس.
“لا داعي لأن تُحدثوا شرخًا تامًا في ذلك المجلس، فقط اربكوا الأجواء. لا بأس بالجدل، ولا بأس بالادعاءات السخيفة. دعوةُ جميع النبلاء تحت ذريعة العدالة ستتحول إلى سمٍّ لولي العهد نفسه.”
هذا هو تأثير الجماهير، إذ لا تنتج دائمًا عن تجمع العقول نتائج إيجابية.
بل أحيانًا، يمكن لقلة قليلة ذات منطق غريب أن تثير البلبلة وتُفقد الجميع صوابهم، لينتهي الأمر باستنتاجات عبثية.
ولو وُجد وسيطٌ حكيم، لربما أمكن تدارك الأمر، لكن من المؤكد أن لا ولي العهد ولا الأمير سيكونان قادرين على لعب دور الوسيط العاقل. فمواقف كل منهما مختلفة للغاية، ولا يمكن لأي طرف أن يتنازل عن موقفه.
ريفينانت كانت تدرك ذلك جيدًا، ولهذا أوصت الماركيز وأنطونيو بشدة، لكن لم يكن واضحًا إن كانا قد استوعبا قصدها تمامًا.
“فهمت…..أدرك ما تعنينه.”
قال الماركيز ذلك وهو يمسك رأسه بيده بانزعاج شديد.
أما ريفينانت، فنظرت إليه بفتور، وكأنها لا تصدق أنه قد فهم حقًا، وكانت نظرتها الكسولة مليئة بالريبة، لكنها ما لبثت أن ابتسمت بهدوء من دون أن تقول شيئًا.
“وهل كل هذا من أجل مصلحتي أنا؟”
قالت بضحكةٍ خافتة وهي تنهض من مقعدها.
و كان فستانها الطويل يجرُّ خلفها فوق أرضية القصر الرخامية اللامعة بطريقةٍ مبالغ فيها وغير عملية.
“فلتبذل جهدكَ يا سعادة الماركيز، فحياتنا جميعًا معلقةٌ بهذه القضية، أليس كذلك؟”
وفي يدها مروحة، وباليد الأخرى ترفع أطراف ثوبها برفق.
عبرت ريفينانت الغرفة واقتربت من المرآة الضخمة المقابلة. و حول عنق تلك المرأة النحيلة، تلألأ عقدٌ ضخم مرصع بالياقوت بلون فاخر وباذخ.
لكن تحت ذلك، على كتفيها المستديرين وعظمة الترقوة، كانت تنتشر ندوبٌ قاسية لا تناسب جمال وجهها أبدًا. ندبةٌ فوق أخرى، آثارٌ باهتة تحولت إلى اللون الأبيض مع الزمن، تكدست فوق بعضها.
لو أرادت إخفاء تلك الندوب، لوجدت وسائل كثيرة لذلك. كان بإمكانها إسدال شعرها لتغطيها، أو اختيار فستان بتصميم يغطي الكتفين، وهناك الكثير من تلك الفساتين.
لكن ريفينانت لم تهتم إطلاقًا. بل اختارت عمدًا فستانًا مكشوف الكتفين والصدر، وكأنها تتباهى بجلدها المليء بالندوب، الذي يبدو مشوهًا وقبيحًا في أعين الآخرين، وكأنه وسام فخر لها.
“فستان اليوم…..حقًا جميل.”
تمتمت ريفينانت برضا وهي تحدق بانبهار في انعكاسها في المرآة.
***
قاعة مجلس النبلاء كانت مصممةً بشكل دائري، ر تتوسطها منصةٌ دائرية مخصصة للخطابات، وتحيط بها مقاعد مرتفعة تدريجيًا على شكل مدرجات.
المقاعد كانت مخصصةً للنبلاء الذين يحملون ألقابًا مسجلة في المجلس، وكان كل مقعد مُرتب بعناية.
المنصة لا تزال خالية، لكن مقاعد النبلاء امتلأت تمامًا، باستثناء عدد قليل من المقاعد الفارغة.
“ما هو الدليل الذي قيل أنهم جلبوه من المعبد لإثبات البراءة؟”
“سمعت أنهم أحضروا امرأةً غريبة..…”
“هل يُعقل أن الأمير كارلستون حقًا لم يكن وراء مقتل ملكة التنانين؟”
كان ولي العهد هندريك جالسًا في الصف الأمامي، على كرسي مخصص له وحده. وخلف ظهره، كانت الهمسات تتعالى بين النبلاء، و تتردد فوق المقاعد وتملأ الأجواء.
ومع أن تلك الهمسات والضجيج خلفه ازدادت تدريجيًا، بقي هندريك جالسًا بلا حراك، ثم رفع يده اليمنى بهدوء دون أن ينطق بكلمة.
“هدوء.”
فصرخ الخادم المرافق، الذي كان واقفًا بجانب ولي العهد، بصوت عالٍ موجّاً إلى مقاعد النبلاء.
فساد الصمت القاعة على الفور بعد أن خفتت الهمسات.
“أحضروا المتهم كارلستون كلاوس.”
“المتهم كارلستون كلاوس، تقدم واصعد إلى المنصة!”
نقل الخادم بصوتٍ جهوري أمر ولي العهد الذي نطق به بهدوء.
وما إن ارتفعت تلك العبارة حتى خيّم الصمت التام في القاعة، التي كانت قد هدأت أصلًا منذ قليل. وسرعان ما ظهر رجلٌ ذو شعر أسود من خلال الأبواب المفتوحة في إحدى زوايا القاعة.
كان شابًا يرتدي زيًا أسود مزينًا بكتافات فضية، ذلك الشاب هو بعينه كارلستون كلاوس، الذي انتشرت حوله الشائعات.
__________________
واو ريفينانت تجنن عندها كاريزما قوية رايعه بس ليتها ماجرحت سيان لذا الدرجك يوجع
الماركيز وانطونيو صاروا خيخة عندها😭
المهم فيها شوي من شخصية سيان قويه وتحب الكشخه ✨ وناسه
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 50"