عندما فهمت سيان الوضع، لم تعد تتردد.
“لقد قلتها مسبقًا. كل ما عليكِ هو أن تتصرفي و كأنكِ لا تعلمين شيئًا وتبقين بجانبي فحسب……”
“أنا وحدي من يعرف وجه ريفينانت. اختبائي في القصر والاستماع فقط لما ينقله سمو الأمير وجلالته من معلوماتٍ له حدود. ماذا لو غيّرت ريفينانت لون شعرها بصبغة؟ كيف ستتعرف عليها إذاً؟”
كانت ملامح سيان ونبرتها حاسمة. و لم يبقَ من ترددها السابق ودموعها أي أثر، وكأنها لم تكن.
وبالفعل، كما قالت، كانت قد اتخذت قرارها. وعندما أدرك كارل أن عزيمتها أقوى مما ظن، تصلّب وجهه.
“لا. مهما كان، لا يجوز لكِ أن تتصدّري الموقف. فالمخاطرة كبيرة للغاية.”
“إذا تصرّفتُ بتردد، فقد تنقلب الأمور علينا.”
“حتى إن انقلبت، فأنا من سيتلقى الضربة.”
كان كارل حازمًا بدوره. فتجهمت سيان عند رده القاطع.
“ألم أقل أنني لا أريد تعريضكِ للخطر؟ نحن بحاجة إلى معلومات عن صائد التنانين ريفينانت، صحيح. لكن طلبي بأن ترافقيني لم يكن لهذا السبب وحده. أردت فقط أن أكون معكِ.”
قال كارل ذلك بجديّة دون أن تتغير ملامحه.
حلّ صمتٌ مكسوٌ بالعتمة والجمود، لكن الصدق الذي حملته كلماته لم يكن باعثًا على الخجل، بل على نبض القلب بثقلٍ وعُمق.
فعضّت سيان باطن شفتها دون أن يظهر ذلك.
“وفوق ذلك……”
لم تكن تعرف بمَ ترد. وبينما كانت تلوذ بالصمت أمام صدق كارل الذي خرق السكون، أكمل كلماته بعد توقف قصير.
“……لديكِ سرٌ يجب عليكِ حمايته، أليس كذلك؟”
وكأنه كان يعرف مسبقًا كيف سيكون رد فعلها، خفّض كارل صوته إلى أقصى حد وهو يواصل حديثه.
تنفست سيان بعمق. و شعرت وكأن قلبها سقط محدثًا دويًا في صدرها. فابتلعت ريقها الجاف تلقائيًا، وسرت برودةٌ خفيفة على مؤخرة عنقها.
“……أتعرفه؟”
عض كارل شفته بصمت على سؤال سيان.
“هل تعرف ما السر الذي أخفيه؟ هل تعرفه حقًا؟”
امتلأ عقلها بتساؤلاتٍ مشحونة بالخوف والشك.
و رغم محاولتها أن تبقى ثابتة، ارتعشت نبرتها دون إرادة منها. وعندما أخرجت كلماتها بصعوبة، تنهد كارل بضحكةٍ فارغة وأطرق رأسه.
“……لا، لكنني أريد أن أعرف.”
حتى إجابته التي لم يتجرأ فيها على النظر في عينيها كانت صادقةً بالكامل.
“كل ما أعلمه أن السر الذي تخفينه بكل هذا الإصرار، مؤلمٌ ومُلِحٌ لدرجة أنكِ بكيتِ بمرارة بسببه.”
كانت يده قبل قليل بالكاد تلامس أطراف شعرها برفق، لكنها الآن امتدت لتصل إلى خصلة انزلقت تحت ذقنها.
نظر كارل إلى شعرها البلاتيني لا إلى عينيها، ومد يده يمرّره على خصلاتها.
النبضات التي ظنت أنها سقطت للأرض من ثقلها، بدأت ترتج بقوة وكأن القلب ينتفض داخل صدرها.
شعرت وكأن أنفاسها التي تتنفسها فقط لأجل البقاء على قيد الحياة أصبحت هي الأخرى ترتجف.
لم تستطع سيان أن تتحرك قيد أنملة، و فقط قبضت يدها بقوة.
“ليس الجميع بوسعهم أن يكونوا كالبامبو، صلبين في وجه الرياح. إن كنتِ صنوبرةً قد تنكسر، فلا بأس بذلك.”
وفيما لم ترفض سيان تلك اللمسة، انسابت يد كارل على شعرها حتى لامست وجنتها.
“أريد أن أحميكِ…..كما أنتِ.”
لامست اليد الدافئة خدها، وامتلأ نظرها بنظراته الحانية. ثم اخترقت نبرته الهادئة صدرها المتقلب كالسهم.
شعرت وكأن صدرها طُعن بسيفٍ حاد. و انفجرت مشاعرٌ غامضة داخلها كدم ينهمر فجأة.
“…..لماذا تفعل كل هذا من أجلي؟”
حتى عائلتها تخلت عنها دون أن تلتفت خلفها. مسحت كيانها وكأنها لم تكن.
أما هو، فهو رجلٌ هبط فجأة إلى حياتها القاحلة محاولًا أن يحوّل أيامها الرمادية إلى ضوء ساطع، فلم تستطع سيان لا أن تفهمه، ولا أن تصدقه.
“أنت لا تعرف شيئًا عني. ومع ذلك، لماذا تُصر على حمايتي؟”
“لأنني أحبكِ.”
ابتسم كارل بهدوء.
“لأنك، بكل ما تحمليه من أسرار، تعجبينني كما أنتِ.”
وربما شعر أن هذا الرد القصير لا يكفي، فكرّر كلماته مرارًا بصوت خافت.
ربما كان وهْمًا، لكن حين سمعت سيان كلماته، شعرت بطعم الحديد يملأ فمها. و أدركت بعد لحظة أنها عضّت باطن شفتها لا إراديًا حتى سال الدم.
أرادت أن ترد له الجميل. و اجتاحها شعورٌ قوي بذلك.
أرادت أن تبوح له بكل شيء، بكل صدق، مقابل مشاعره الصادقة التي لم تطلب شيئًا في المقابل، حتى دون أن يعرف السر.
لكن في ذات الوقت، كان الخوف ما يزال يقيّدها.
خافت إن بَاحت، أن يتحوّل إلى شخصٍ آخر، مثل ريفينانت،التي دهست سنواتٍ من المودة بنظرة باردة وقسوة لا ترحم.
وسط هذا التردد، وبين تخيلات متطرفة لا فائدة منها، لم تجد سوى أن تعض شفتها من جديد وتخلّف بها جرحًا.
ماذا تقول؟ كيف تنقل إليه صدق هذا الشعور؟
الكلمات التي كانت تنساب منها دومًا بسهولة، لم تستطع أن تخرج الآن، وكأنها سُحقت تحت ثقل المشاعر المتضادة بين الخوف والخفقان.
ومع ذلك، رغبةً في إيصال مشاعرها المتدفقة بأي طريقة، أنزلت سيان رأسها للحظة وأغمضت عينيها بقوة.
“…..أنا، في الحقيقة…..جبانة جدًا.”
كما قالت ريفينانت ذات يوم.
فتحت سيان عينيها ببطء وهمست و كأنها تحدث نفسها،
“لذلك..…”
رفعت رأسها، وفي المقابل، وجدت عينيه بلونهما الأخضر المزرقّ، صافيتين وعميقتين بلا نهاية، تنظران إليها بهدوء.
شعرت سيان وكأنها متوترةٌ حدّ الاختناق، فابتلعت ريقها بصعوبة. ثم، دون أن تطلب شيئًا، ودون أن تتوسل، أمسكت بياقة كارل بكلتي يديها بقوة.
فرأته يفتح عينيه على اتساعهما، متفاجئًا من لمستها المفاجئة.
وفي لحظةٍ خاطفة، قبّلت سيان شفتيه قبلةً قصيرة وعاطفية وهي ممسكة بياقته المتوترة.
“سأعتبر هذه القبلة بمثابة جوابي الآن.”
رمش كارل بعينيه، مصدومًا من لمسة شفتيها التي ما لبثت أن تباعدت.
“تمامًا كما تحاول حمايتي دون قيد أو شرط، أريد أنا أيضًا أن أساعدكَ. لذا، أرفض رفضكَ.”
ملامح كارل المذهول بدت مضحكةً بعض الشيء، فابتسمت له سيان بسكون وهي ترفع طرف شفتيها برقة.
“سأبذل كل جهدي لأزيل التهمة الظالمة عنكَ. وخلال تلك المسيرة، سيأتي يومٌ أروي لكَ فيه كل شيء.
وحتى يحين ذلك اليوم، سأفعل كل ما يحلو لي.”
كما لو كانت تعتذر عن الطريقة الخشنة التي أمسكت بها بياقته، نفضت سيان بخفة بأطراف أصابعها على ياقة كارل.
“لنذهب معًا. كمن أنقذ حياة أميرٍ بريء من تهمة باطلة، وكخطيبته أيضًا…..لن نختبئ، بل سنقف بثبات و نواجِه كل شيءٍ بفخر.”
ضاقت عينا كارل مجددًا من كلام سيان الذي أعلنت فيه نيتها التقدم إلى الواجهة، لكنه لم يستطع أن يمنعها بحزم كما فعل من قبل.
“سأتجرأ وأطلب…..أن تستمر في حُبّي هكذا، حتى تعرف كل شيء.”
‘على الأقل، حتى يحين ذلك الوقت، أريد أن أتمتع بهذا السعادة الممزوجة بالخوف كما هي، دون نقصان.’
“لكِ ذلك.”
أجاب كارل. دون أي تردد، ودون حتى لحظة تفكير.
“سأفعل ذلك.”
كرر إجابته مرةً ثانية، وكأن واحدةً لم تكن كافية.
عندها ابتسمت سيان، راضيةً تمامًا، وهي تحرك أنفها بمرح خفيف.
***
[…..هذا مذهل.]
حتى إيدلين تمتم بذهن شارد، مذهول.
أما كارل، الذي سُلبت منه قبلته الأولى على حين غرّة، فكان في حالة صدمة لا يُرثى لها.
[قبلة أولى؟ لا، لا تُسمى قبلة، كانت أول لمسة.]
“…..اصمت.”
كان كارل قد أعاد سيان إلى الداخل، وجلس مذهولًا يعيد شريط حديثهما، قبل أن يقطّع عليه إيدلين أفكاره بكلامه الذي أصاب كبد الحقيقة، فعبس وجهه.
[هل تُدرك تلك الفاتنة يا ترى، أن القبلة التي سرقتها كانت أول قبلة في حياة الأمير النقي؟]
“قلتُ لكَ أن تصمت، أليس كذلك؟”
انفجر إيدلين في ضحكةٍ عارمة.
[حتى طهارة شفتيكَ سُلبت، لا أمل لك الآن في الهروب منها. أليس كذلك، سيدي؟]
عبس كارل بوجهٍ شرس وحاول قطع الاتصال معه غاضبًا.
[مهلًا مهلًا، فهمت. سأتوقف.]
“هل لديك شيءٌ آخر لتقوله؟”
تراجع إيدلين بخفة حين رأى انزعاجه الشديد. لكنه كانت قد بالغ في سُخريته بالفعل، مما جعل كارل يزمجر بغيظ وهو يُظهر أسنانه.
[في الواقع، لدي ما أقوله. لقد قِيل أن قشرة من حراشفي ظهرت عند إلينا، فلماذا لم تسألني عما إذا كان لدي شكوكٌ حولذلك؟]
كان كارل قد عزم على إنهاء الاتصال إن لم يكن الحديث ذا أهمية، لكنه تجمّد تمامًا حين سمع كلام إيدلين.
“كان لديكَ شك؟”
وسرعان ما ازدادت تجاعيد العبوس بين حاجبيه.
__________________
اول بوسهههه او على قولة ايدلين اول لمسه😭😭😭😭
توني منب مستوعبه جا ايدلين و ضحكني طيب تراها تعبتر بوسه ياخي
بس ليت كارل شمها بعدها مب على كيفكم جالسين تقولون ذا الكلام الشاعري وانتم تعاينون بعض بس؟
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 48"