ارتجلت سيان الكلمات كما خطرت في رأسها دون ترتيب.
حتى و هي تتكلم، تساءلت إن كان هذا سيُجدي، لكن كارل لم يُبدُ أي شعور بالنفور بل ابتسم بخفة.
“هل يبدو ما قلتُه عميقًا إلى هذه الدرجة؟ إنها مجرد وجهة نظر شخصيةٍ لا أكثر.”
قال ذلك بنبرة لطيفة مصحوبة بضحكة خفيفة. فابتسمت سيان له بكل ما استطاعت من رقة.
“لكنها كانت عزاءً عميقًا بالنسبة لي.”
“……إن كان كذلك، فأنا سعيدٌ بذلك.”
أجاب كارل وهو يشعر بشيء من الحرج. فانفجرت سيان ضاحكة.
تحدث وكأنه يعلم أنها تهربت من دورها كسيدةٍ للتنين وعادت، لذا لوهلة شكّت أنه ربما سمع شيئًا من الكاهنة العظمى.
لكن بدا عليه حقًا أنه لا يعلم شيئًا.
وإن كانت مجرد وجهة نظر شخصية كما قال، فبالنسبة لها كانت عزاءً دافئًا بقي في قلبها.
بهذا الشكل، لا يسعها إلا أن تقع في حبه أكثر.
حاولت سيان تهدئة قلبها الخافق، ثم استسلمت وفكرت بيأس. و استأنفت خطواتها التي كانت قد توقفت.
فعاد كارل ليوازيها في السير وخطا بجانبها،
“طلبي من أخي أن يصنع لكِ هويةً مزيفة لا يعني أنني أريدكِ أن تتورطي بعمق في شؤوني، بل كان مجرد احتياط لاحتمالٍ بعيد، فلا داعي لأن تشعري بأي عبء.”
“لا بأس الآن، من هذه الناحية. لقد اتخذت قراري، فلا تشغل بالكَ بذلك.”
“وهل يمكنني ألا أشغل بالي؟ سواءً طلبي لكِ أن ترافقيني أو رغبتي في حمايتكِ من الخطر، كلها كانت قراراً منّي.”
ابتسمت سيان بسخرية خفيفة من كلامه.
“ورغبتي في الذهاب معكَ أيضًا كانت قراري. سواءً كان هذا الارتباط قدرًا حسنًا أو سيئًا، فإن سعيي إلى إنهائه أو توضيحه أمرٌ يعود إليّ. هل أبدو كشخصٍ يُساق دون أن يكون له قرار؟”
“……صحيح. لكن مع ذلك، سماعكِ تقولين هذا يجعل قلبي أخف قليلًا.”
نظرت سيان إلى كارل بطرف عينها.
كان يحدق أمامه وعلى وجهه ابتسامةٌ باهتة، وصوته بدا فعلًا أخف كما قال.
“اتفقنا على الإبقاء على وضعية المواجهة مع أخي كما لو أننا ما زلنا على خلاف، فذلك سيساعدنا أكثر على كشف ثغراته.”
“أحسنت.”
أومأت سيان برأسها.
“عليكِ أن تتظاهري بأنكِ من مرافقتي، فقط في الوقت الحالي. لا حاجة للكشف عن كونكِ مرتزقة، وإن وجد أخي هويةً مناسبة فاحملي ذلك الاسم وتظاهري بأنكِ آنسة نبيلة.”
“لكن إن رافقتُ سموّك، فبغض النظر عن الاسم، سنحتاج إلى ذريعةٍ واضحة، أليس كذلك؟ فالأمير الذي اختفى بعدما لُفّق له اتهامٌ كاذب وكان على وشك الموت، إن عاد فجأة ومعه امرأة……ألن يبدو الأمر غريبًا؟”
“فكرتُ في هذا أيضًا……”
ردّ كارل على كلام سيان، ثم تلاشت نهاية جملته بصوته.
‘إنها فرصة.’
و فكر في نفسه، ثم تنحنح ليهيّئ صوته.
“يُقال إن أفضل الأكاذيب تلك التي يُمزج فيها نصف الحقيقة، أليس كذلك؟ لهذا خطر ببالي شيء……”
“……؟”
رمشت سيان بعينيها وهي تنظر إليه باستغراب من تغير نبرته الغريب وتنحنحه المفاجئ.
“ماذا لو قلنا أن نبيلةً من أسرةٍ سقط من مجدها أنقذتني مصادفةً حين كنت على وشك الموت، وخلال علاجها لي، توافقنا فخطبتها؟”
“….…”
خطبة.
توقفت سيان تمامًا في مكانها عند سماع هذه الكلمة التي لم تخطر ببالها إطلاقًا.
خطبة؟ كل ما فعلته حتى الآن لا يتجاوز تقديم بضع خصلات من شعرها، فكيف وصلت الأمور إلى هذا الحد؟
لكن ما إن وصلت إلى هذه الفكرة حتى هزّت رأسها بقوة.
‘ما الذي تعنيه فكرة خصلات الشعر؟ يا للحرج.’
و بدأت تفقد تركيزها.
“……لا، لكن……”
‘لا بد من استجماع العقل أكثر في مواقف كهذه.’
قالت ذلك لنفسها ذلك بصمت.
و بالطبع، لم تكن تملك أدنى فكرة عن نوع الموقف الذي يتطلب استجماع العقل أصلًا.
“وأين هو نصف الحقيقة في هذا الكلام؟”
إذا فكرنا بالأمر، فكل ما قاله تقريبًا كان صحيحًا!
حين سألت سيان بنبرةٍ جادة وهي تحاول كبح احمرار خديها، تنحنح كارل بلا سبب وأخفض صوته مترددًا.
“جزء الخطوبة هو الذي……”
“عليك أن تختار كلماتكَ بدقة. فالحقيقة تشكل الأغلبية، والكذب فيها نسبةٌ ضئيلة جدًا.”
“……على كل حال.”
عندما وجّهت له سيان ملاحظةً باردة ودقيقة، لم يجد كارل ما يقوله فعبس قليلاً.
“لكن، أليس في الأمر شيءٌ غير منطقي؟ أعني، أنتَ لست شخصًا لم يرَ النساء من قبل. هل من المعقول أن أميرًا، لمجرد أن امرأةً من عائلة نبيلة سقطت من مكانتها أنقذته من الموت، يندفع فيخطبها فورًا؟”
“….…”
صمت كارل حينها.
‘لم يرَ النساء من قبل؟!’
كانت سيان تتحدث بجدّية واضحة، لكن ربما لهذا السبب بالتحديد شعر وكأنها تنكر قيمته، وبدأ يشعر بشيء من الإهانة دون أن يعرف السبب بالضبط.
“وما العيب في ذلك؟ أليس الأمير بشرياً أيضًا؟ لو أنقذ أحدهم حياته، فقد يقع في حبّه دون أن يهتم بالطبقة أو النسب. وربما يقطع وعدًا بالخطوبة من منطلق الامتنان.”
“هاه، لكن الأمير له مقام، هذا السيناريو سطحيٌ جدًا.”
“….…”
ضحكت سيان بسخريةٍ واضحة وبنبرة مرحة، غير مدركة لما يدور في داخل كارل.
‘هذه المرأة……’
كان على كارل لأول مرة منذ زمن أن يتحمّل غليان أعصابه، وفجأة تذكّر كم كانت المرأة التي أمامه بارعةً في إثارة أعصابه بحديثها.
“لنحذف الخطوبة، ونكتفي بأنها أنقذت حياته. أظن أن ذلك سيكون أفضل، أليس كذلك؟”
“لا.”
قالت سيان ذلك وهي تضحك ضحكة مرحة، فردّ كارل فورًا.
“هاه؟”
التفتت سيان بنفس ملامح الضحك، غير مصدّقةٍ ما سمعت.
“دعكِ من المنطق، ومن مقام الأمير، ومن كل ذلك، لنُبْقِ على موضوع الخطوبة.”
“……ماذا؟”
رمشت سيان بعينيها.
هل تتخيل فقط أن وجه كارل بدا متجهمًا على نحو غريب وهو يقول ذلك وسط الظلام؟
بعد لحظة من الحيرة، أدركت سيان الحقيقة، الجزء الذي وصفه كارل بـ”نسبة ضئيلة من الكذب” كان في الواقع أقرب إلى الحقيقة منه إلى الكذب.
هو فقط التفّ على الأمر وأخفى خجله خلف حكاية كذبةٍ متقنة.
وما إن أدركت ذلك حتى اختفت الضحكة عن وجهها كأنها لم تكن. وفي مكانها حلّ شعورٌ عارم بالإحراج الصامت، أعمق من أي سكون.
……يا لهذا الأمير الوسيم. لماذا يتصرف بهذه الطريقة المباشرة من دون أي لف أو دوران؟
ولماذا التقدم في الأمور سريعٌ إلى هذا الحد؟
عضّت سيان شفتيها وهي تحاول كبح مشاعر الإحراج الجارفة التي لم تكن قادرةً على تحملها. فقد كان الموقف محرجًا بالفعل.
“مـ……ما……”
لم تعرف كيف ترد، فحكّت مؤخرة عنقها بتردد.
“حـ……حسنًا، إن كان سموّك يريد ذلك حقًا، فلنفعل كما قلت……على أية حال، الأمير أيضًا بشر، وقد يحدث هذا، من يعلم……”
قالت ذلك أخيرًا، وكأنها ترضخ بتردد بعد طول مقاومة. وما إن تفوّهت به، حتى بدا الارتياح واضحًا على وجه كارل.
تغير تعبيره بتلك السرعة بسبب جملة واحدة، وكان في ذلك صدق طفوليٌ واضح.
ومع كم الإحراج الذي بلغ ذروته حتى شعرَت به إلى قمة رأسها، لم تستطع إنكار أن هذا الصدق بدا……لطيفًا جدًا.
هل من الجيد أن أكون بهذا القدر من السعادة؟
ابتلعت سيان ابتسامةً كانت تتفتح خفية بينما تنظر إلى الأرض، لكنها فجأة تذكرت ما حدث في النهار.
“……هاه؟”
فشعرت بحدس غريب يتسلل إليها.
توقفت سيان عن السير، وأمالت رأسها دون وعي.
“ماذا الآن؟”
“هل يمكن أن يكون ماحدث حينها……خطةً مدروسة؟”
“……ماذا؟”
توقف كارل الذي كان يسير خلفها، وظهرت على وجهه تعابير غير مفهومة.
“أقصد، ذلك الفارس الذي اسمه ريكايل.”
“….…”
ما إن نطقت سيان بالبداية حتى بدت على وجه كارل ملامح ارتباك وكأنه قد أصيب في موضع الألم، ومن تعبيره فهمت سيان الوضع دون حاجة لإكمال الكلام.
“لقد كنتُ على حق، أليس كذلك؟ لقد تهربت أمامه بالفعل بتلك الحجة التي تفتقر للمصداقية، أليس كذلك؟”
هذا مؤكد. لا تفسير آخر لسلوك ريكايل الذي تغير فجأة إلى الاحترام بعد أن همس له كارل بشيءٍ ما.
“لا، هل تعتقدين حقًا أنني قد أقول مثل هذا الكلام الجلل دون حتى أن أستأذنكِ؟”
تظاهر كارل بالبراءة مستخدمًا أسلوبًا غريبًا وكأنه يقرأ من كتاب، لكن سيان لم تكن ممن تنطلي عليهم مثل هذه التمثيليات.
“حقًا……هل تعتقد أن خطبةً كهذه مجرد لعب أطفال؟ مستحيل.”
حاول كارل أن يتظاهر بعدم الجدية لكنه بدا متصنعًا جدًا. فضاقت عينا سيان بشك.
“حتى صاحب السمو ولي العهد انطلى عليه هذا الكلام؟”
“….…”
لكن، وكما هو متوقع، لم تُجدِ نفعًا. فكارل تحاشى نظرات سيان الحادة وحوّل بصره إلى الفراغ بعناد.
ضحكت سيان ضحكةً يائسة،
“ما دام الفارس وحتى صاحب السمو ولي العهد انطلى عليهم الأمر، يبدو أن تلك الحجة غير المقنعة كانت فعّالةً بطريقةٍ ما.”
لكن، على عكس ما توقعه كارل، لم تغضب سيان بشدة، ولم توجه له لكمةً ثقيلة، ولم تحاول ذبحه.
عندها فقط، عادت نظرات كارل الهاربة إلى سيان مجددًا.
“بصراحة، أناس العاصمة الإمبراطورية طيبون أكثر مما توقعت. أعني، كان بإمكانك من البداية أن تخبرني بالحقيقة. لماذا تربكني هكذا؟”
كلما فكرت في الأمر ازداد استغرابها، فانفجرت في وجه كارل الذي بالكاد كان يواجهها.
كارل، الذي ما زال يتمسك بكرامة الأمير، لم يستطع أن يعترف بأنه تصرف هكذا خوفًا من أن تُقطع عنقه بعد ما فعله. فاختار الصمت بدلًا من التظاهر الغبي بالجهل.
“إذا كان حتى ولي العهد مقتنعًا بالأمر، فقد يكون الوضع سارًا. استمر بالأمر. بما أنني أنقذت حياتكَ، فقد تقدّمت لي دون أي اعتبارٍ للهيبة، وأصبحت الآن خطيبي دون رجعة.”
“……هل ستكونين بخير؟”
عندما أدركت سيان أنها لا تملك خيارًا للتراجع، و غيرت موقفها فجأة، فأبدى كارل وجهًا مرتاحًا وهو يراقب انفعالاتها.
“في هذا التوقيت، لا مجال للحديث عن (بخير أم لا). ما دام الأمر قد حدث فعلًا.”
“….…”
لم يجد كارل ردًا على كلماتها، فصمت مجددًا.
“إذًا، ما الذي تنوي فعله الآن؟ هل لديكَ خطةٌ محددة؟”
____________________
نقدر نقول الف الصلاااة والسلااام عليك ياحبيب الله محمااااد قولوللولولولوووووووش
سيان ذكيه كل شي قدامها ينكشف بسرعه اهلها اغبياء يوم طردوها
المهم يارب المؤلفه ماتجي لحركاتها ذي وتطلع لقاء لهم يومهم صغار مدري ليه بس مابيها 😭
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 47"