***
[اللورد كارلستون كلاوس، حاكم إيفاريد (يُشار إليه لاحقاً بـ “أ”)، يبرم عقداً مع سيان روزفلت، قائدة فرقة المرتزقة “مخلب التنين” (يُشار إليها لاحقاً بـ “ب”)، بشأن مهمة استعادة الشرف.]
كان العقد الجديد مكتوباً بخط يد أنيق للغاية، وهو الخط نفسه الذي رآه كارل من قبل.
ابتسم كارل بخفة بينما كان يقرأ البنود بعناية.
[تتعهد “ب” بتقديم كل الدعم والمساعدة لـ “أ” حتى يستعيد سمعته المهدورة، وبمجرد أن يُحقق “أ” هدفه ويعود إلى إقليمه، فإنه يدفع جميع ممتلكاته الخاصة المتفق عليها إلى “ب”، وفي حال الإخلال بذلك، يتم توريث جزءٍ من أراضي “أ” الواقعة في إيفاريد إلى “ب”.]
أنهى كارل قراءة العقد، ثم نظر إلى سيان مبتسماً.
أما سيان، فكانت لا تزال واقفةً ووجنتاها متوردتان، تحدق بخجل إلى الأرض دون أن تجرؤ على رفع رأسها.
“…..سيان؟”
“نعم؟”
ردّت سيان بخجل وهي ترفع عينيها نحوه دون أن ترفع رأسها.
“هل هناك ما يزعجكَ؟”
سألت وقد تهربت من نظراته الساخنة التي أربكتها بشدة.
“…..امسحي ذلك.”
قال كارل ذلك بلطف وهو يبتسم ابتسامةً مشرقة. أما سيان، فعلى العكس، بدّلت تعابير وجهها ونقرت لسانها بخفة.
حقًا، كانت امرأةً لا تتغير.
كارل هو الآخر محا ابتسامته وحدّق بها بثبات. فتلك الآنسة الخجولة التي كانت تظهر قبل قليل قد اختفت تمامًا.
“أحذفُ فقط بند توريث أراضي إيفاريد، أليس كذلك؟”
قالت سيان ذلك بنبرة وكأنها كانت تتوقع رد فعله مسبقًا، وأخرجت قلمها بالفعل، مستعدة لمدّ خط على النص في العقد.
“وامحي كلمة ‘جميع’ قبل ‘ممتلكات أ’. المعنى غامضٌ جدًا.”
قال كارل ذلك بهدوء، فظهر على وجه سيان تعبير من فوجئ بذلك.
“ولمَ؟ ألم تقل بنفسكَ في نُزل إيفاريد أنك ستعطيني نصيبكَ أيضاً؟”
“قلتُ لكِ ماذا لو أعطيتكِ كل ما أحضرته معي، لكن لا أذكر أنني قلت أنني سأمنحكِ أيضًا كل ما تركته في قلعة إيفاريد. العبارة التي كتبتيها يمكن تأويلها بشكل مختلف. هل كنتِ تنوين انتزاع كل ممتلكاتي هناك أيضًا؟”
راح كارل يحلل بعين حادة الجملة التي تحوي احتمالاً غامضاً في المعنى. فما كان من سيان إلا أن تنقر لسانها مرة أخرى بتضايق.
“…..تشه، لم تنطلِ عليكَ الحيلة.”
قالت ذلك وهي تمسح الجملة من العقد بقلمها وعلامات الأسى واضحةٌ على وجهها.
وهذه المرة، كارل هو من نقر لسانه،
“ألم تقولي أنكِ تفضلين أن تعيشي حياةً طويلة وهادئة؟ فلمَ تحاولين اقتناص الفرص كلما سنحت لكِ؟”
“حتى في الحياة الطويلة و الهادئة، من الأفضل أن أمتلك كثيرًا من المال. وإن كان هناك إقطاعية، فذلك أفضل وأفضل.”
وبينما كانت تمسح الشرط الخاص الذي كانت تعلق عليه الآمال، بدت ملامح سيان ممتعضة وهي تعيد تعديل العقد.
“ها هو ذا، راجعه ووقّع عليه من جديد.”
قامت سيان بشطب الأجزاء غير الضرورية من العقد، ثم ناولته لكارل.
فقرأ العقد ثلاث مرات بدقة، كلمةً كلمة، كما فعل في المرة السابقة، قبل أن يأخذ القلم من سيان ويوقّع.
“هل تطمعين في إيفاريد؟”
سألها كارل بنبرةٍ عابرة وهو يعيد إليها العقد.
“ليس بالضبط؟”
ردت سيان بسلوك لا يبدو كاذبًا، لكنها كانت قد طالبت بوراثة مقاطعة إيفاريد مرتين من قبل وتم رفض طلبها.
“ليس لأنني أحب إيفاريد أو أطمع فيها، نحن مجرد متجولين، وفكرت أنه من الجيد أن نملك قطعة أرض صغيرة من أجل المستقبل، لا أكثر.”
أجابت سيان بصراحة، وقد شعرت بالحرج. فأطلق كارل همهمةً خافتة، وبدت عليه ملامح التفكير.
‘خطيبة.’
و فجأة تذكّر حديثه مع ريكايل.
صحيحٌ أنها محض كذبة الآن، لكن من يعلم، قد تصبح حقيقةً مع مرور الوقت.
“…..على أية حال، كل شيء سيؤول إلى الآنسة.”
تمتم بذلك دون وعي، ثم أغلق فمه بسرعة عندما التقى بنظرات سيان المندهشة.
“ماذا قلت؟”
“…..لا شيء.”
تنحنح كارل بتكلّف، محاولًا تجاوز زلّته.
“على أي حال، هل أصبحتِ في حالٍ أفضل الآن؟ أراكِ كتبتِ العقد سريعًا.”
“آه، نعم…..نوعًا ما.”
بينما كانت تجمع العقد الذي أعاده لها كارل، تهرّبت سيان من عينيه عندما استفسر. و تذكرت ما جرى في الحديقة، فراودها شعور بالوخز في صدرها.
و شعرت بالحرج من النظر مباشرةً إلى عيني كارل، التي طالما كانت تحدّق بها دون تردد.
“أعتذر لأنني أظهرت مشهدًا لا يليق في وقتٍ سابق.”
“عن أي شيء تتحدثين؟ أنا من يجب أن يشكركِ لأنك غيّرتِ رأيكِ.”
قال كارل ذلك بأدب مرتديًا قناع الرجل النبيل.
كلماته كانت صادقة للغاية، وصيغتها الرسمية التي لم تعتدها جعلت قلبها الذي كان يشعر بالوخز مسبقًا، يضطرب أكثر.
ثم خيّم الصمت.
لم يكن صمتًا طبيعيًا وسلسًا، بل سكونًا مربكًا ومحرجًا لدرجة أن الهواء نفسه بدا وكأنه يتصبب عرقًا.
“…..ذاك.…”
لم يستطع كارل تحمّل الصمت الثقيل الذي ضغط حتى على الأرواح، فسعل مرة أخرى وفتح فمه.
“هلا نسير قليلًا؟”
هزّت سيان رأسها فقط دون أن تفتح شفتيها. ثم مد كارل يده فجأة بإتيكيت غريب، مشيرًا لها أن تتقدمه.
ترددت سيان للحظة من هذه اللباقة غير المتوقعة، ثم بدأت المشي أولًا. و تبعها كارل من الخلف، إلى يسارها، وعلى بُعد نصف خطوةٍ تقريبًا.
كانت خطواتاً بلا هدف، بدأت فقط لتخفيف التوتر بينهما.
لكن حتى بعد أن اجتازا نصف الرواق، لم يتبدد التوتر، بل بدا وكأنه يزداد كثافة.
‘…..ما هذا بحق؟’
فكرت سيان بذلك وهي تشعر بحرارة جسده وصوته الخافت خلفها مباشرة، فلا تدري ما تفعل.
حين يرافق فارس أحدهم، عادةً ما يسير إلى يسار الشخص وخلفه قليلًا، لأن أغلب الفرسان يستخدمون يدهم اليمنى.
وذلك كي لا يعيقوا الطريق على سيوفهم إن ظهر تهديد مفاجئ.
لقد وقفت خلف يسار أحدهم مرات لا تُحصى، لكن أن أُعطي ظهري لأحدهم…..يمكن عدّ المرات على أصابع اليد. لا، في الحقيقة، هذه هي المرة الأولى.
الرؤية الخالية أمامها كانت غريبةً على نحو لا يُحتمل، كأنها ستفقد صوابها من شدة الحرج. والأسوأ أن من كان يرافقها كفارس حراسة ليس سوى أمير و صاحب إيفاريد.
لم تستطع كبح الشعور بالثقل وكأنها ترتكب شيئًا لا ينبغي، وفي الوقت ذاته لم تهدأ تلك القشعريرة التي جعلت قلبها ينبض بجنون.
“…..ما رأيكَ أن تمشي إلى جانبي؟”
أخيرًا، وبعد أن لم تعد تحتمل هذا الجو الغريب، تظاهرت سيان بالهدوء واقترحت على كارل ذلك.
“هاه؟”
بدا كارل مذهولًا من صوتها المفاجئ، وكأنه هو أيضًا كان يشعر بنفس الحرج.
“هل…..هل يمكنني فعل ذلك؟”
وقبل حتى أن ترد عليه، ابتسم ابتسامةً لطيفة وانتقل ليقف بمحاذاتها. فرحبت به سيان دون تردد، وارتاحت قليلًا حين انتقل صوته ودفء جسده من خلفها إلى جانبها.
لكنها لم تفكر بشيء واحد وسط هذا الارتباك الذي صنعه الصمت الطويل.
ما إن أصبحا يسيران جنبًا إلى جنب، حتى بدا المشهد غريبًا.
‘أوه…..لقد ارتكبتُ خطأ..…’
أن تسير أمامه بينما يرافقها يعني حراسة، أما السير جنبًا إلى جنب بين رجل وامرأة، فذلك له دلالةٌ أخرى تمامًا.
تذكّرت من دروس الإتيكيت القديمة أن الرجل والمرأة لا يسيران جنبًا إلى جنب إلا إذا كانا مخطوبين، أو متزوجين، أو على الأقل تربطهما علاقةٌ مستقبلية من ذلك النوع.
كأنني أغريه أو أعطيه إشارة.
فكرت سيان في سرّها وهي تعقد حاجبيها بانزعاج، لكنها ما إن بدأت تتوتر بسبب هذا الإدراك المتأخر، حتى بادر كارل بتمزيق الصمت الثقيل وفتح فمه للكلام.
“بالمناسبة، شكرًا حقًا. لا بد أن القرار لم يكن سهلًا عليكِ.”
“…..آه، لا، لا بأس. بما أن الأمر يتعلّق بريفينانت، فهي في النهاية علاقة مشؤومة كان يجب قطعها.”
هبّت نسمة ليل باردة في المشهد الذي ابتلعته العتمة.
كان المعبد الذي حلّ عليه الليل مغمورًا بهدوء ساكن. وفي الرواق الذي بُني بكل ما كان يملكه مؤسس المملكة من قوى سحرية، لم يُسمع سوى صوت خطوات وكلام سيان وكارل.
“…..في النهار، حين سمعت اسم ريفينانت فجأة، اختلطت مشاعري كثيرًا. لكن عندما أفكر بالأمر الآن، أشعر وكأن كل شيء كان سيؤول لهذا منذ البداية.”
“هل يوجد ما يُسمى بالأمور التي من المفترض أن تحدث؟ نحن من نتخذ القرار.”
قال كارل ذلك بنبرةٍ مليئة بالعزاء الصريح. فضحكت سيان بمرارة.
“كنت أظن ذلك…..وكنت أعيش بهذه القناعة طوال حياتي..…”
تلاشت كلماتها بهدوء. فالتفت كارل نحوها عندما سمع نبرة صوتها المرة.
“إن كان هناك أمرٌ تكرهينه فعلًا، فلا بأس إن لم تواجهيه بالقوة.”
كانت كلمات كارل نابعة من قلبه.
ومع هذا السكون الكامل الذي لم تشوّشه أي أصوات أخرى، بدا صدق مشاعره واضحًا وجليًا.
“بعض الناس يعتبرون الهروب خطيئة، لكن لكل إنسانٍ طبيعته المختلفة. في هذا العالم، هناك خيزرانٌ يصمد أمام الرياح، لكن هناك أيضًا أشجار صنوبر تنكسر. في النهاية، نحن وُلدنا لنعيش، فلا معنى لأن أواجه عاصفةً أعلم مسبقًا أنها ستكسرني.”
تابع كلماته بهدوء موجّهًا حديثه إلى سيان التي بقيت صامتة. و فجأة توقفت سيان عن المشي دون أن تشعر.
لاحظ كارل أنها توقفت فقط بعد أن مشى خطوتين أو ثلاث إلى الأمام، ثم التفت نحوها.
“…..لمَ توقفتِ؟”
سجّلت سيان في عينيها تسلسل اللحظة التي التفت فيها كارل للخلف، ثم رفعت رأسها وفتحت شفتيها لتنطق بشيء.
لم يكن الأمر متعمّدًا، بل حدث بطبيعتها.
“…..هل، هل سمعتَ شيئًا من الكاهنة الكبرى؟”
“الكاهنة الكبرى؟ لماذا تسألين عنها فجأة؟”
أمال كارل رأسه باستغراب. و بدا عليه أنه لا يتظاهر بالجهل، بل لا يعلم فعلًا.
وهذا يعني أنه قال كل ما قاله دون أن يعرف شيئًا عن الحديث الذي دار بينها وبين الكاهنة.
“…..لا، لا، ليس كذلك. فقط…..لأنكَ بدأت تتكلم بأمور عميقةٍ فجأة..…”
كلما واصلت الكلام، ازداد ارتباكها بدل أن توضّح الموقف.
و بهذا الشكل، تبدو وكأنها تعترف بنفسها بأنها تبادلت حديثًا خاصًا مع الكاهنة دون علمه.
“فقط…..كلامكَ بدا عميقًا كأنكَ كاهن، لهذا ظننت أنك ربما سمعت شيئًا من الكاهنة أو تحدثت معها..…”
__________________
طب يختي قولي وش انت وش صاير كل شوي احط سيناريو في راسي واقول معقوله؟ يطردونها وهي صغيره عشان كذا بس؟
المهم سيان وكارل مايثبتون في البدايه قل اهااا سيان مستحيه ثم طلع لا مع ذا الشروط ورجعت سيان العربجيه
ثم الحين رومنسيتهم الهاديه رجعت🤏🏻
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 46"