“الأمر واحد، في جميع الأحوال، إذا تلقّى سموك دليل البراءة من المعبد، فلن يكون لدى سموه سبب ليعتبركَ عدواً إلى الأبد، أليس كذلك؟”
“لا، ليس كذلك. سواءً كانت تلك إرادة أخي أم لا، فقد هاجم بالفعل إقليمي. أنا الآن أكنّ ضغينةً تجاه أخي الذي هاجم إقليمي من دون أمر قضائي من المعبد وكاد أن يقتلني، وأخي لا يثق بي. حتى لو اعترف المعبد ببراءتي.”
كارل لخص الوضع بهدوء.
“لقاؤنا أنا وأنت في المعبد يجب أن يبقى سراً تاماً.”
“نبدو وكأننا نحمل السيوف بوجه بعضنا البعض لإثارة حذر الآخر، لكن الغرض الحقيقي هو كشف أدلة اغتيال ملك التنانين، أهذا ما تعنيه؟”
“بالضبط.”
كارل ابتسم ابتسامةً خفيفة رداً على كلام ريكايل.
“لقد مضى وقتٌ طويل على برود العلاقة بيني وبين أخي لدرجة أنني شككت في نواياه الحقيقية ولو للحظة، لذا حتى لو واصلت أنا كراهيتي له بلا حدود، وكان هو يحذرني باستمرار، فلن يشك أحدٌ في الأمر.”
“كلامٌ منطقي. سأشرح ذلك لسموه بهذا الشكل.”
وافق ريكايل على رأي كارل بسهولة.
ففكرة استدعاء كارل إلى العاصمة الإمبراطورية لإشعار الأعداء بالاطمئنان رغم عدم وجود أي دليل حتى الآن كانت في الأصل من ولي العهد.
ومع الخطة المطوّرة التي اقترحها كارل، لم يكن لدى ولي العهد سببٌ واحد ليرفض.
“المشكلة هي من أين نبدأ بتتبع أثرهم.”
قال كارل ذلك وهو يحك صدغه وكأنه مصابٌ بالصداع.
صحيحٌ أنه نجح في إقناع ريكايل، لكن المشكلات التي كان عليه حلها ما تزال مكدسةً كالجبل.
“قشور إيدلين، والعظام المنتزعة من التنين..…أدلةٌ لا تقبل الشك تُثبت إدانة إيدلين، وشهادة وفاة إلينا.”
عندما تمتم كارل بتلك الكلمات بصوت منخفض، تجمّد وجه ريكايل على الفور.
“أليس علينا أولاً تتبع السبب والطريقة التي وُجدت بها قشور إيدلين هناك؟”
“بالضبط. من أين حصلوا على قشور إيدلين بحق؟ لقد مر وقتٌ طويل منذ أن خرج من عشه آخر مرة.”
تمتم كارل بذلك وهو يمسح ذقنه بيده.
“هل من الممكن أن تكون القشور قد سقطت منه بالصدفة؟ أثناء الطيران مثلاً؟”
“ربما. حتى وإن كانت التنانين مخلوقاتٌ متفوقة على البشر، لا يمكنها التحكم بكل قشرة تسقط من جسدها. لكن، كما قلت، إيدلين لم يظهر كثيراً منذ مغادرته العاصمة. وأنا الوحيد مع إيدلين من يعرف موقع عشه.”
جعل سؤال كارل ملامح ريكايل تزداد جدية.
“حتى لو افترضنا جدلاً أن أحداً ما عثر على عش إيدلين وأخذ القشور، فإيدلين ليس بالتنين الذي يغفل عن اقتراب شخص غريب منه.”
“صحيح، هذا منطقي. وحتى لو حصل أحدهم بالصدفة على قشرةٍ سقطت من إيدلين، فليس من السهل أن يدرك أنها قشرة تنين.”
“صحيحٌ ذلك أيضاً.”
ردّ كارل بسهولة، فأطلق ريكايل تأوهاً صغيراً،
“الأمر معقّدٌ فعلاً.”
تنهد كارل بهدوء وأومأ برأسه على كلام ريكايل.
“لهذا السبب علينا أن نتحرك بحذر أكبر.”
‘وبالنسبة لعظام التنين الحي…..’
تماماً كما فكرت سيان، لا بد من التأكد أولاً مما إذا كانت تلك العظام تعود حقاً إلى إلينا.
وحين وصل تفكير كارل إلى تلك النقطة، ضاق بعينيه قليلاً.
“هلّا أسديت لي معروفاً؟”
“آمرني بما تشاء، ما هو؟”
أجاب ريكايل دون تردد.
“هذا أمرٌ يجب أن يبقى سراً بيننا فقط، وتحقيقه ينبغي أن يتم بأقصى قدرٍ من السرية. لا تُخبر أخي، ولا سيان..…أعني ولا حتى خطيبتي. أتستطيع ذلك؟”
اقترب كارل من ريكايل وأنزل صوته وهو يطلب منه ذلك.
ففُتحت عينا ريكايل على وسعهما بدهشةٍ وريبة.
***
“سيان، هل أنتِ هنا؟”
كان ذلك عندما أنهت سيان كتابة عقدها الثاني بخط يدها الأنيق. جاء كارل في توقيتٍ مثالي تماماً.
المرتزقة الذين كانوا مسترخين بعد تناول الطعام لم يندهشوا من ظهور الأمير المفاجئ، بل استقبلوه بهدوء كأن حضوره أمر اعتيادي.
“أنتَ هنا، أخي.”
“لقد تأخرت، أخي.”
هؤلاء الذين يبدون في مظهرهم أكبر من كارل بعشر سنوات على الأقل، كانوا ينادونه بـ”أخي” بكل أريحية.
يبدو أنهم قد نسوا تماماً أنه في الأصل أميرٌ لا يجرؤون حتى على الحديث معه.
أما الشخص الوحيد الذي فوجئ فعلاً بدخول كارل ونهض من مكانه، فكانت سيان.
“كارل.”
نهضت فجأةً من مكانها، وردة فعلها تلك هي التي أثارت الدهشة، لا في وجه الأمير المرحَّب به، بل في وجوه المرتزقة الذين كانوا مستلقين مسترخين وهم يستقبلونه بهدوء.
الجميع حدّق بها مندهشاً، وقد أدركت متأخرةً نظراتهم الموجهة نحوها.
كان ما جرى في الحديقة لا يزال عالقاً بوضوح في ذهنها، لذلك صُدمت بشدة بمجرد أن رأت وجه كارل.
وها هي تدرك فجأةً مدى وعيها الكبير بوجوده، فاحمّر وجهها خجلاً.
حتى الطبيب جيفي، الذي كان يتعامل مع معدات طبية لا تقل قيمةً عن حياته، وماكس الذي كان يزيت سيفه، و باسكال الذي كان مستلقياً على السرير نصف نائم— جميعهم نهضوا من أماكنهم فور رؤية كارل، وجميعهم صُدموا برؤية سيان تحمر خجلاً وهي تحدق به، حتى فقدوا القدرة على الكلام وظنوا أن أعينهم تخدعهم.
“هل يمكنكِ أن تفرغي لي بعض الوقت؟ لدي أمرٌ أود التحدث فيه معكِ.”
لكن ما هو أكثر رعباً وإثارةً من توقع نهاية العالم لم ينتهِ عند هذا الحد.
فكارل لم يدخل الغرفة، بل وقف عند الباب وتحدث بصوتٍ ناعم لم يسمعوه منه من قبل.
والأدهى من ذلك أن سيان، ووجنتاها لا تزالان محمرتين، أجابت دون تردد: “نعم، بكل سرور.”
“…..ما هذا بحق..…؟!”
الطبيب جيفي، الذي لم يكن له أي علاقة خاصة بامرأة طوال حياته، أمسك بالملقط وارتجف غيظاً.
لم يبقَ أي أثر لسيان تلك التي كانت قد رفضت اعتراف كارل الصريح دون شفقة وسخرت منه بسخرية لاذعة.
أي شخص يمتلك أدنى قدرٍ من الفطنة كان ليدرك أن شيئاً ما قد بدأ يتغير بين كارل و سيان، وأن هناك تياراً خاصاً غير مألوف بدأ يتولد بينهما.
“أنا ذاهبة فقط لمناقشة إعادة تجديد العقد!”
صرخت سيان بحدة في وجه صراخ الطبيب جيفي، وكأنها شعرت بوخز في ضميرها مسبقاً.
“ولماذا احمرّ وجهكِ فجأةً من أجل تجديد عقد؟ افعليها كالمعتاد، كالمعتاد- أوف!”
“عودي قريباً، سيدتي سيان.”
ماكس سدّ فم الطبيب جيفي، الذي لم يتوقف عن التذمر حتى وهو يلوّح بيديه وقدميه احتجاجاً، بينما كانت سيان ترمقه بنظرةٍ حانقة. ثم حملت العقد الجديد وتوجهت نحو كارل الذي كان ينتظرها عند الباب.
“هل رأيتَ ما رأيت؟..…”
جيفي وماكس تمكّنا من رؤية المشهد بوضوح: حين اقتربت سيان من كارل وهي تحدّق بجيفي بنظرة صارمة، قام كارل بدفعها للخروج أولاً بأسلوب أشبه بالمرافقة، ثم أخرج لسانه باتجاه جيفي للحظة قصيرة.
كان تصرفاً طفولياً وسخيفًا لا يمكن تخيّله من أمير، فجّر غضب الطبيب جيفي تماماً.
“ما هذا؟ ما هذا بحق، ماكس؟ ألا ترى ما يحدث؟ إنهما فعلاً على علاقة، أليس كذلك؟!”
قال جيفي ذلك بعينين متسعتين بعد أن أغلق كارل الباب خلفه وخرج مع سيان.
“…..هذا صعب التصديق، لكن يبدو أن الأمر كذلك فعلاً.”
و أقرّ ماكس أخيراً بصراحة.
“واو، أختي! لم أكن أظنكِ ستخونينا بهذه الطريقة. أي عقدٍ وأي هراء؟”
“ربما لم تكن تكذب فعلاً بشأن العقد. فقد كانت تكتب عقداً جديداً بالفعل منذ قليل.”
“أعني، ما هذا التناقض؟ الشخص الذي كان يصر على رفض إعادة التعاقد، لماذا غير رأيه فجأة؟…..رأيتَ ذلك، أليس كذلك، ماكس؟ قالت: ‘نعم، بكل سرور.’ هل هذه نبرة صوت قائدة فرقة ‘مخلب التنين’ المرتزقة، برأيك؟”
قال الطبيب جيفي ذلك وهو يقلد صوت سيان التي كانت قد غادرت بالفعل، منفجراً غيظاً.
فضحك ماكس بخفوت.
“دعهما وشأنهما. إنهما يبدوان منسجمَين. لكن لماذا ترفض تماماً فكرة أن يصبحا معاً؟”
“لأن المشهد يثير أعصابي. أنا أعرف سيان منذ أكثر من خمس سنوات، ورغم أنه أمير، أشعر وكأن شخصاً غريباً ظهر فجأةً ليأخذها مني.”
قال جيفي ذلك وهو يزم شفتيه بتذمر.
“إذا لم تكن معجباً بالسيدة سيان بنفسك، فشعورك بأنها تُؤخذ منك مجرد سوء فهم.”
“ما الذي تعنيه؟”
“ربما كانت السيدة سيان مهتمةً بسمو الأمير منذ وقت طويل…..حتى قبل أن تلتقي بنا بكثير.”
“…..ماذا؟”
سأل باسكال، الذي كان يستمع للحديث عن بعد، واقترب بهدوء.
“أتعني أن سمو الأمير و سيان التقيا من قبل؟”
“لا أعلم عن ذلك بالتحديد. لكن ما أنا متأكدٌ منه هو أن سيان كانت تُكنّ مشاعر طيبةٍ للأمير.”
“وإذا كنت لا تعرف، فكيف تجزم بذلك؟”
سأل جيفي فوراً وهو لا يزال عابساً.
“السيدة سيان ليست من النوع الذي يُكوِّن حكماً حاسماً من مجرد سماع كلام الآخرين، أليس كذلك؟ لكنها حين سمعت أن الأمير كارلستون قتل ملكة التنانين إلينا وتعرّض لهجوم من ولي العهد، أنكرت الأمر على الفور وبحزم، وكأنها تعرف الأمير حقاً.”
“هاه؟”
خرج صوتٌ مبحوح من باسكال عند سماعه كلام ماكس، بينما ارتسمت على وجه ماكس ابتسامةٌ لطيفة تشبه ابتسامة الحكماء.
“كنت أشعر بذلك منذ البداية. منذ اللحظة التي وثقت فيها السيدة سيان بسمو الأمير دون أن تشك فيه للحظة. أظن أنها لم تكن تدرك ذلك بنفسها.”
“إذاً، ذلك اليوم حين وجهت له لكمةً علوية، ورفضته تماماً…..كان كل ذلك تمثيلاً؟”
قال الطبيب جيفي ذلك بعينين مرتجفتين وقد غمره الإحساس بالخيانة.
لهز ماكس كتفيه،
“من يعلم ما الذي يدور داخلها…..على أي حال، حتى عندما رأت الأمير لأول مرة، عرفت على الفور أنه هو. سواءً كانت تعرفه من قبل أو كانت مهتمةً به، أنا واثقٌ من ذلك.”
“هذا كأن الفأس الذي كنت أثق به طعنني في قدمي.”
تمتم الطبيب جيفي وهو يرتجف من الغيظ، متخيلاً سيان وهي تذهب مع الأمير كزوجين وتتركهم خلفها.
“لا تبالغ. أختنا سيان من الأساس ليست مثلنا. لا يمكنها البقاء معنا إلى الأبد، أليس كذلك؟ وإن كان الأمير زوجاً مناسباً لها، فالأجدر بنا أن نبارك لها من قلوبنا..…”
“ما هذه النبرة وكأنك أمها؟”
سخر جيفي من كلام ماكس، فضحك هو بصوت عالٍ.
“في كل الأحوال، إن كانت هذه رغبة السيدة سيان، فلن أكون عائقاً أمامها.”
“ومن قال أنني أريد عرقلتها؟ فقط…..المشهد يثير أعصابي، هذا كل ما في الأمر.”
“طالما أنكَ لا تضمر لها شيئاً سيئاً، ولا تراها كامرأة تعجبك، فلا بأس أن تفكر بالأمر بإيجابية. وستقابل امرأةً جيدة في يوم من الأيام، طبيب.”
“من يدري متى سيأتي ذلك اليوم..…”
حتى كلمات ماكس المشجعة لم تُخفف من حزن الطبيب جيفي، الذي تنهد بعمق وهو يربّت بحزن على الملقط في يده.
“سيأتي لا محالة، في يوم تُشرق فيه الشمس ساطعة.”
فقال ماكس ذلك ضاحكاً وهو يربت على كتف جيفي المتهالك.
___________________
جيفي ذاه يا إنه يحب سيان بس مايدري او انه غيران لأنه هو بعد يبي حبيبه😂
وسيان تحنن وهي مستحيه احسني منب مصدقه😭😭🤏🏻
اما ماكس طلع اعقلهم يجنن
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 45"