“إنها مادةٌ لا يعرفها الناس العاديون، وحتى لو عرفوها، فإن اقتلاع عظام تنين يتمتع بطاقة سحرية هائلة وهو لا يزال على قيد الحياة، ليس بالأمر السهل على الإطلاق.”
“لكن بالنسبة لصياد تنانين، فالأمر ممكن.”
قال كارل ذلك بعينين زرقاوين حادتين للغاية. فنظرت إليه سيان.
“صحيح، إن كانت ريفينانت، فهذا ممكن. تلك المرأة، حتى قبل بضع عشرة سنة فقط، كانت تُعرف بأفضل صيّادة تنانين على الإطلاق.”
أغمض كارل عينيه بقوة وهز رأسه بخفة وكأنه شعر بدوار.
وعندما فتح عينيه مجددًا، كان في عينيه الحادتين، التي كانت مشوشةً قبل لحظات، بريقٌ قاتل بارد يتوهّج.
“كيف تجرؤ..…”
تمتم كارل بأسنان مشدودة وبتعبير مخيف لم يُرَ على وجهه من قبل.
“الماركيز يعرف ريفينانت، وفارس التنين حاول قتل سموّك بتعويذة صُنعت من عظام تنين حي..…”
الماركيز، وفارس التنين، وصيّادة التنانين.
من شبه المؤكد أن الثلاثة في صف واحد. ويبدو أنهم يخططون لإشعال صراع سياسي لانتزاع السلطة.
إذا دخل ولي العهد والأمير في صراع يؤدي إلى هلاكهما معًا، فلن يكون للأمير الثاني، غاريوت كلاوس، الذي لا يمتلك حتى تنينًا، أي حق في التقدم.
أما أقوى مرشح للعرش بعده، فهو شقيق الإمبراطور الحالي، الماركيز دانييل غريغوري، وهو نفسه مالك تنين.
“أولًا، يجب أن نجد تلك المرأة المسماة ريفينانت.”
“قد تكون غيّرت هويتها، لكن ريفينانت التي أعرفها تملك شعرًا رماديًا يميل إلى الذهبي وعينين خضراوين.”
[فهمت، سأضع ذلك في الحسبان.]
“سأذهب إلى القصر الإمبراطوري.”
قال كارل ذلك، الذي كان يستمع إلى حديث سيان وولي العهد. و كانت عيناه المتقدتان بالعزيمة والمليئتان بالنيّة القتالية أكثر حزمًا وقوة من أي وقت مضى.
“سأطلب مساعدة المعبد للحصول على وثيقة تثبت براءتي.”
[وحتى لو لم يكن الأمر سهلاً، فعودة بسيطة بدليل صغير يثبت أنكَ مررت بالمعبد ستكون كافية. فبما أن مذكرة الاعتقال لم تُصدر رغم أنك زرت معبد التنين، فهذا يعني أن المعبد نفسه يعلم بأنك لم تقتل ملك التنانين.]
أومأ كارل برأسه.
[هل هناك ما يمكنني مساعدتكَ به أيضًا؟ إن كنت بحاجة إلى نفقات…..]
“لا حاجة للمال، بل أرجو أن تؤمّنوا لي هويةً مزيفة.”
قاطع كارل حديث ولي العهد وقال ذلك بينما ألقى نظرةً جانبية إلى سيان وتبادل النظرات معها.
“أرغب باسم عائلة نبيلة سقطت من زمن بعيد. عائلة غادرت العاصمة منذ زمن طويل لدرجة أنه من الصعب تتبع أصلها أو التأكد من انقراضها.”
أدركت سيان على الفور أن تلك الهوية ستكون لها، فعقدت حاجبيها بضيق.
“انتظر لحظة، لن أذهب. بل، لا يمكنني الذهاب.”
[ولم لا؟]
كان السائل هو ولي العهد.
ومن الواضح أن ولي العهد، رغم معرفته الأقل بسيان مقارنةً بكارل، كان يأمل أن ترافقه إلى العاصمة.
عضت سيان شفتيها بتوتر من شدة الحرج.
ورغم أن من طرح السؤال هو ولي العهد، إلا أن الشخص الذي كان ينتظر إجابتها باهتمام أكبر هو كارل، وقد شعرت بذلك دون أن تحتاج للنظر إليه بتمعن.
“أنا..…”
لا يمكنها قول الحقيقة. لكن لم يخطر ببالها كذبةٌ مقنعة تقولها أيضًا.
تمتمت سيان بصعوبة بالكلمات، لكنها لم تستطع إتمام الحديث وبقيت شفتيها تتحرك دون صوت.
“أنا…..تم طردي من عائلتي منذ وقتٍ طويل. وإن ظهرت في القصر الإمبراطوري، فهناك من سيتسبب له ذلك بالحرج.”
[ومن يكون؟ إن أردتِ، يمكنني أن أحرص على ألا تلتقي بهم.]
لم تستطع سيان البوح بكل الأسرار، فاختارت أن تكتفي بنصف الحقيقة لتراوغ بها. لكن الجانب المقابل، أي ولي العهد، لم يكن ليتراجع بسهولة.
تأملها كارل بعينين ضيقتين قليلاً، يحدّق فيها وهي تتصبب عرقاً.
آنسةٌ نبيلة طُردت من عائلتها. من السهل استنتاج أن من قصدتهم بقولها “سيكونون في موقف حرج” هم على الأرجح أفراد من العائلة التي ولدت فيها.
وهذا يعني أنها كانت تنتمي لعائلة ذات شأن عالٍ وتحمل منصبًا في العاصمة.
ذكاؤها الحاد، قدرتها المذهلة على التصرف، واللمحات الأرستقراطية التي تُظهرها أحيانًا…..كل ذلك كان يشير إلى أنها ليست ابنة عائلة عادية.
لقد توقّع ذلك بدرجةٍ ما، لكن هذا لم يُبدد شكوكه بل زادها عمقًا.
إذا كانت قد طُردت من عائلتها، فلا بد أن هناك خلف ذلك أمراً جللاً، ومع ضيق المساحة داخل مجتمع النبلاء رغم اتساعه الظاهري، فمن المستحيل ألّا تكون القصة قد تسربت أو انتشرت شائعاتها.
ما الذي جرى؟
شعر كارل بفضول شديد.
لكن سيان كانت تتجنب الحديث عن ماضيها بشكل قاطع. وكان من الواضح أنه لو سألها، فلن يجني سوى الجفاء والنفور منها.
لذا صمت كارل لبرهة، ثم غيّر الموضوع.
“إن كان عمي قد تحالف فعلًا مع صيّاد تنانين يستطيع أن يقتلع عظام إلينا وهي على قيد الحياة، فنحن بحاجة ماسّة إلى مساعدتك، سيان. فأخي وأنا نملك تنانين، نعم، لكن لا نعرف شيئًا عن صائدي التنانين.”
[وإن كانت تلك المرأة المسماة ريفينانت قد غيّرت هويتها، فلن نتمكن من العثور عليها بمجرد معرفة لون شعرها وعينيها.]
اجتمع كلٌ من كارل وولي العهد في محاولةٍ لإقناع سيان. فازداد الارتباك في ملامحها.
كان رفضها لمطالب كارل وحده أمرًا صعبًا، أما الآن وقد أصبح الطرفان يطلبان منها معًا، فلم يعد الأمر سهلًا أبدًا.
‘أنا حقًا…..لا أريد العودة..…’
شعرت سيان بالتردد.
ما قالته عن أن ظهورها سيسبب الحرج لعائلتها لم يكن كذبًا تامًا، لكنه لم يكن الحقيقة الكاملة أيضًا.
فقد تم حذف هويتها منذ زمن بعيد، وكان من الواضح أنه بعد أن أصبحت بالغة، لم يتبقَ كثيرٌ من الناس ممن قد يتعرفون عليها.
صحيحٌ أن شعرها الآن بلاتيني، لكنها حين كانت صغيرة كان أقرب إلى البني.
ظنت أنه شعرٌ بني، لكنه كلما طال و اتّضح أنه يشبه شعر والدها، بلاتينيّ اللون.
أما ملامح وجهها، فقد تغيرت كثيرًا أيضًا، فلا أحد قد يتعرف عليها الآن.
لذلك، لم تكن تخشى انكشاف هويتها الحقيقية بقدر ما كانت لا تريد ببساطة العودة إلى عاصمة الإمبراطورية المليئة بالذكريات السيئة.
لكن في المقابل، إن كانت ريفينانت تختبئ خلف الماركيز وتستغل الصراعات السياسية كذريعة لصيد التنانين…..فربما كانت سيان هي الوحيدة القادرة على إيقافها.
بطبيعة الحال، سيتطلب ذلك منها أن تتحمّل الخطر، لكنها كانت أكثر من يعرف تلك المرأة المجنونة بدماء التنانين.
‘فليكن، وما شأني..…’
حاولت سيان أن تقنع نفسها بذلك، لكن في تلك اللحظة التقت عيناها بعيني كارل. وعاد ذاك الإحساس الخانق الذي يضغط على صدرها يحيط بها من جديد.
[يبدو أنكِ لا ترغبين بذلك فعلًا.]
قال ولي العهد ذلك وهو يراقب تعابير سيان المترددة، التي ظلت صامتةً غير قادرة على اتخاذ قرار، ثم تنهد ببطء بأسف.
“هل تم إغلاق القصر الفرعي الذي كنت أقيم فيه سابقًا؟”
[لا، تركناه فارغًا فحسب.]
نظر كارل إلى سيان مرةً أخرى بعد سماعه رد ولي العهد.
“إن كان قلقكِ من مقابلة وجوه قديمة، فماذا لو بقيتِ في القصر الفرعي مع باقي الرفاق وقدّمت لنا فقط المشورة والنصيحة؟”
“….…”
رؤية وجه كارل الهادئ فقط كان كافياً ليجعل قلبها يتزعزع.
وصوته اللطيف، الذي بدا في منتهى التواضع حتى أوشك أن يُسمع وكأنه اعتذار، جعلها تضغط شفتيها بإحكام كي لا تضعف أكثر مما فعلت.
‘حقًا…..ما هذا الشعور؟’
أعلم جيدًا أنه شخص لن أتمكن من الوصول إليه مهما فعلت، فَلِمَ أستمر بالانجراف بهذا الشكل الغريب الذي لا يشبهني؟
“…..أعطني بعض الوقت لأفكر.”
لم تستطع دفعهم بحزم، لكنها لم تكن تملك الشجاعة أيضًا لسلك طريق قد يجعلها تواجه ماضيها من جديد.
فقد كانت بحاجة ماسّة إلى بعض الوقت للتفكير، بكل صدق.
“كما تشائين.”
فتقبّل كلٌ من كارل وولي العهد تردّدها بصدر رحب، دون أن يلحّا عليها أكثر.
***
ريفينانت…..لم يخطر ببالها أبدًا أن تلك المرأة تقف خلف كل شيء.
تركت سيان قاعة استقبال المعبد بعد أن طلبت تأجيل الإجابة على ولي العهد وكارل.
‘جبانة، أليس كذلك؟’
ما زالت صورة تلك المرأة عالقةً في ذهنها بوضوح، بابتسامتها الملتوية وسيفها الملطخ بالدماء في يدها.
ربما أصبحت ريفينانت الآن في عمرٍ مقارب لعمرها الحالي.
“لو كنت مكانكِ، لما تركت الأمر يمرّ دون عقاب. ما أُخذ يجب أن يُرد.”
كانت امرأةً لا تحمل ذرّة احترام للحياة. وهذا بالذات ما جعلها أعظم صائدة تنانين في زمنها.
سلكت طريق صيد التنانين فقط لأن التنين كان أقوى كائن على وجه الأرض.
في الأصل، كانت تطاردهم طمعًا في أن تصبح سيدةً لتنين، لكنها أدركت لاحقًا أن التنانين لا تختار أسيادها بناءً على رغبة الإنسان.
وحين علمت أنها لن تنال ذلك الشرف، اختارت طريقًا آخر.
فقررت أن تمزّق وتقتل أعظم الكائنات التي لم تخترها، واعتبرت أن في ذلك إثباتًا ساحقًا على أنها الأقوى والأعظم على وجه الأرض، وشعرت حينها بحماسٍ لا يوصف.
مقارنةً بصائدي التنانين العاديين الذين اختاروا هذا الطريق بدافع الحاجة أو لظروف معينة، كان دافعها سخيفًا لدرجة لا تُصدّق.
لا بد أنها شعرت بسعادة غامرة.
إلينا، ملكة التنانين، أقوى تنين وأعظمهم سلطانًا.
لا يُعرف ما إذا كانت فكرة قتل ملكة التنانين قد جاءت من الماركيز أو فارس التنين أو من ريفينانت نفسها، لكن من المؤكد أن التنفيذ كان من نصيب ريفينانت.
وكم كانت مفتونةً بقوتها وهي تنتزع عظام تنين الإمبراطور القرمزي، لا يحتاج الأمر لتفكير عميق لتخمين ذلك المشهد.
“هل أنهيتِ كل ما عليكِ؟”
ظلت سيان تمشي دون إدراك شاردةً في ذكريات ريفينانت، حتى رفعت رأسها فجأة عند سماع الصوت.
كانت الكاهنة الكبرى، التي كانت قد خرجت لاستقبال سيان و رفاقها، تقف الآن في طريقها وكأنها كانت بانتظارها منذ البداية.
“رفاقكِ قد أنهوا طعامهم وهم الآن يستريحون. هل ترغبين أن تتناولي الطعام أولًا؟”
قالت ذلك بانحناءة مهذبة كما لو أنها تخاطب شخصيةً رفيعة المقام، وكان في صوتها لطفٌ بالغ.
لم يكن المعبد خاليًا من الناس، ومع ذلك جاءت الكاهنة الكبرى بنفسها لإرشادها…..لم يكن ذلك باعثًا على الفخر بقدر ما كان شعورًا مثقلًا بالحرج.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات