[المرأة، هي آنسة، و اسمها سيان، فتصبح الآنسة سيان، ما المشكلة في ذلك؟]
كان رد ولي العهد منطقياً تماماً. فأُحرج كارل الذي بدا كأنه يثير جدالاً من لا شيء، ولم يجد ما يقوله فأطبق فمه.
سيان، وبينما تفكر فيما إذا كان ذلك غير متوقع أم دليلاً على أنه ليس بالشخص السهل، شعرت ببعض الإحراج وحكّت خلف أذنها.
“أظن أن نسل صائدي التنانين قد انقرض منذ زمن بعيد، لذا أدهشني أن يتفوّه سمو ولي عهد إغريون بذلك الاسم الوقح، فانفلت مني الصوت دون أن أشعر.”
شرحت سيان الأمر بهدوء وبأسلوبٍ مهذب لم تُظهره أمام كارل من قبل.
وإن كان ما قاله ولي العهد بلطف وودّ حين ناداها بـ”الآنسة سيان” قد أثار استياء كارل، فإن سلوك سيان المؤدب زاد من شعوره بالضيق والانزعاج.
[يبدو أن الآنسة سيان تعرف الكثير عن صائدي التنانين.]
“ليس كذلك تماماً..…”
انقبض أنفها لا إرادياً.
كان عليها أن تتجاهل ذلك، لكن ما إن سمعت تلك الكلمة حتى انتابها شعورٌ مزعج وتوترت أعصابها وكأنها أحسّت بشيء مشؤوم.
تدخّلت دون داعٍ، والآن ستجلب الشكوك على نفسها مجدداً.
نظرت سيان نحو كارل بحذر. فكارل، هو الذي لم يتوقف عن التساؤل بشأن هويتها، إن كانت مالكة تنين أم كاهنة، و كان فضوله لا ينتهي.
[هل تعرفين من يُدعى ريفينانت؟]
وكانت سيان قد نظرت إليه بقلق من أن يعود مجدداً للتنقيب عن هويتها تحت ستار الإعجاب، لكن ما إن سمعت صوت ولي العهد التالي حتى تجمّدت في مكانها.
ريفينانت.
ذلك الاسم الذي نسيته طويلاً حتى بدا كأنه قد تلاشى، جعل زاوية عين سيان ترتجف.
كانت تعرفه، بالطبع. لكن كان عليها أن تتظاهر بالجهل.
لكن لم ينجح تظاهرها هذا.
[تبدين وكأنكِ تعرفينه.]
قال ولي العهد ذلك، وفي اللحظة نفسها تقريباً، نظر كارل إلى سيان بتعبير لا يوحي بالخير.
“من يكون هذا الشخص؟”
[شخصٌ أوصى به عمّي لينضم إلى وحدة التفتيش الخاصة بك، ويُقال أنه صائد تنانين متقاعد.]
ما إن سمع كارل إجابة ولي العهد، حتى نظر مجدداً نحو سيان.
نظرات سيان، التي كانت مثبتةً على ناثان بشفاه منغلقة، أصبحت حادة كما لم يرها من قبل.
‘…..شخصٌ خبيث للغاية.’
لم تستطع سيان التحكم بتعبيرات وجهها. تخلّت عن محاولة التظاهر بالجهل وقررت أن تصرح بالحقيقة ببساطة.
“قلتَ أن الماركيز أوصى بذلك الشخص لوحدة التفتيش الخاصة بسموه؟”
[كيف تعرفينه؟]
“ليست هو، بل هي.”
[ماذا؟]
“…..هاه.”
كارل وولي العهد أظهرا رد فعل متزامن تقريباً. أما ريكايل، فقد اكتفى بالنظر إلى سيان دون تعليق.
“في السابق…..قبل أن أصبح مرتزقة، كنت أعرف تلك الأخت…..لا، أقصد تلك المرأة.”
تكلمت سيان بوجه جاد لم يُعهد منها، خالٍ تماماً من أي ابتسامة. وخفضت صوتها رغماً عنها.
كارل، الذي لاحظ ذلك، عبس بحاجبيه وكأنه أحس بوجود أمر مريب خلف نبرة صوتها المنخفضة.
“لا تقولي أنكِ…..كنتِ صائدة تنانين؟”
المعرفة الدقيقة جداً بعالم التنانين، والتصرفات المريبة.
كان من الممكن توقع أنها عملت في شيء له علاقة بالتنانين، كأن تكون مالكة تنين أو كاهنةً مطرودة، لكن أن تكون صائدة تنانين؟ لم يخطر ذلك على البال إطلاقاً.
صائد التنين، بالنسبة لمالك التنين الذي يختاره التنين ليقضي معه عمره كله، هو شخصٌ جدير بالازدراء.
وخاصةً لدى أفراد العائلة الإمبراطورية، الذين يعتبرون أسطورة تأسيس المملكة على يد التنين العظيم “يغدراسيل” شرفاً ومجداً لهم.
“أقسم باسم تنين التأسيس العظيم، يغدراسيل، لا…..لم أكن كذلك.”
“….…”
سيان، التي كانت تتوقع مثل هذا الشك، أنكرت هذه التهمة بحزم غير معتاد. وعيناها الزرقاوان الحادتان أظهرتا صدقاً لا لبس فيه.
كارل، الذي لم يرَ في ردها ما يدل على الكذب، بدا محرجاً وأطبق فمه.
حتى وإن كانت سيان صائدة تنانين في الماضي، فمن الصعب أن تعترف بذلك ببساطة أمام مالك تنين.
ورغم أنه كان يعلم هذا جيداً، لم يستطع أن يجزم إن كان تصديقه لعيني سيان الزرقاوين الغارقتين في الظلال سببه رغبته في تصديقها أم أمرٌ آخر.
“حقيقة أنها كانت صائدة تنانين…..لم أكتشف ذلك إلا لاحقاً. حتى بعد أن أصبحت علاقتنا وثيقة، لم أكن أعلم. وعندما اكتشفت الحقيقة، تشاجرنا بشدةٍ وافترقنا.”
نقرت سيان بلسانها بخفة، ثم أطلقت زفرةً طويلة وكأنها تتذكر ذكرى مؤلمة.
“سواء صدّقت أم لا، فهذا يعود لحكم سموك.”
لا مفرّ إن أساءوا الظن بها.
هذا ما فكرت به سيان، ثم رفعت رأسها ونظرت مباشرةً إلى ناثان، الذي لم تظهر عليه أي تعابير.
ومن جانبها، لاحظ كارل نظرة سيان وحرّك حاجبيه بتوتر.
“…..أنا من طرح السؤال، فلماذا تؤكدين كلامكِ لذلك الشخص الغريب عنكِ أكثر مني؟”
“لأن سمو ولي العهد صاحب سلطةٍ أعلى منكَ، أليس كذلك؟”
ردّت سيان وكأنها تتعجب من سؤاله الغريب. فتقلصت عينا كارل.
“…..يالكِ من مادية.”
“سمّها شخصيةً مرنة، فهذا أفضل.”
لم تُعره سيان أي اهتمام. أما كارل، الذي شعر أنه قد دُفع إلى الهامش بسبب وجود ولي العهد، فحرّك شفتيه بتذمّر وقال شيئاً لم يُسمع بوضوح.
[هل يمكنكِ أن تخبرينا بما تعرفينه عنها، آنسة سيان؟]
تكلم ولي العهد، الذي ظل صامتاً يراقب الوضع لبعض الوقت. و يبدو أنه قرر تصديق قول سيان بأنها لم تكن صائدة تنانين.
كان صوته الهادئ يحمل نعومةً كأنه يخاطب سيدةً نبيلة من عائلة مرموقة.
“لا أعرف عنها الكثير. فقط رافقتها لبعض الوقت لأننا كنا متوافقتين في الأهداف. ريفينانت تجيد استخدام سيفٍ أبيض حاد ببراعة مذهلة، وبما أنها صائدة تنانين، فهي تملك معرفةً واسعة جداً عن التنانين. تعرف أين تقع نقاط الضعف، وأين يجب أن تضرب كي تقتل التنين بطريقةٍ مؤلمة.”
تكلمت سيان بهدوء وهي تسترجع ذكرياتها، لكن فجأة خطر ببالها أمرٌ مختلف.
…..السكين التي طُعن بها كارل.
عظام تنين حي، التي أصبح من النادر العثور عليها حتى في السوق السوداء.
بدأت تشعر وكأن خيوط هذا اللغز المعقد كلها تؤدي إلى نقطةٍ واحدة.
“إن كانت هي…..فذلك ممكنٌ تماماً..…”
تمتمت سيان لنفسها بعمق، غارقةً في أفكارها وهي تحدق في الأرض.
فأثار حديثها الغامض فضول كارل، و مال برأسه،
“سيان؟”
ناداها كارل، فرفعت سيان رأسها بسرعة ونظرت إلى ناثان.
“سمو ولي العهد، قلتَ أنه وُجدت قشور إيدلين في جثة ملكة التنانين إلينا، أليس كذلك؟”
[لماذا تعيدين السؤال عن ذلك؟]
“قلتَ جثة، وليس هي، صحيح؟ أليس من الممكن أن جسد ملكة التنانين كان مشوهاً للغاية، ومقطعاً بطريقةٍ مروعة؟”
سألت سيان بثقة شديدة، وكأنها رأت جثة إلينا بنفسها.
فعبس كارل بجبينه، الذي لم يفهم في البداية مقصد سيان.
لكن حين تذكّر أن صائدة التنانين تعرف تماماً مواضع الضعف لدى التنانين، وأن الجثة كانت ممزقة، فهم بسرعة ما كانت تلمح إليه.
ثم شعر بقشعريرة تسري في ظهره، وكأن الدم انسحب من رأسه حتى أخمص قدميه.
“لا تقولي لي، سيان..…”
شعر بوخز في جنبه، فغطى موضع إصابته بذراعه دون وعي، وانكمش وجهه ألماً. وقد شحب لونه على الفور.
“سموك، هل أنتَ بخير؟”
تحدث ريكايل بقلق، وقد نهض فجأةً من مقعده عندما رأى وجه كارل الشاحب في لحظة واحدة.
[ما الذي تعرفينه حتى تسألي بهذا الشكل؟]
“أُفضّل أن أسمع إجابتكَ أولاً.”
ولي العهد، الذي كان يطلب من سيان المعلومات بنبرة هادئة، جعلها تدرك أنه لم يثق بها كلياً.
كان يحاول سبر دواخلها دون أن يعطيها أي إجابة. لكن سيان لم تنجرف في تلك اللعبة النفسية، بل رفعت عينيها بثبات.
رغم أن تعبير ناثان لم يتغير، فإن الصمت الثقيل الذي خيّم على المكان جعل من الواضح أن ولي العهد كان في حالة تردد.
[هل تظنين أن ما حدث من فعل صائدة التنانين تلك، ريفينانت؟]
تحدث ولي العهد أخيراً بعد برهة طويلة، بصيغة سؤال غامضة، لكنها كانت قريبةً جداً من التأكيد.
ولي العهد لم يستطع إخفاء نبرة التوجس في صوته، إذ لم يفهم كيف علمت سيان بأمر جثة إلينا، رغم أنها لم ترها بعينيها.
“أنا لا أشتبه في جريمة قتل فقط.”
عض كارل على شفتيه بشدة وهو يسمع كلمات سيان.
أما ريكايل، الذي لم يكن على علم بما يجري، فأخذ ينظر بين سيان وكارل وناثان بوجه متجهم، وقد بدأ القلق يرتسم على ملامحه هو أيضاً.
“من المرجح أن بعض عظام إلينا…..قد اختفى.”
لم يتمالك كارل نفسه وأطلق أنيناً خافتاً. و عاد إليه ذلك الألم المروّع الذي شعر به حين أخرجت سيان من الصندوق عظام تنين حية سابقاً، وكأن رأسه ينفجر من شدته.
“لا تقولي أن تلك العظام كانت…..من إلينا..…”
ارتجف صوت كارل بشدّة من فظاعة الاحتمال.
أما صوت سيان فظل بارداً ومتزناً إلى أقصى درجة.
“…..يبدو أن الاحتمال كبير.”
يا له من أمرٍ مروّع.
أن يُطعن بسلاح مصنوع من عظام حية لتنين، والتنين هذا هو إلينا، رفيقة والده الإمبراطور.
نظرت سيان إلى كارل وهو يضغط على موضع إصابته، حيث لم يعد موضع الجرح يؤلمه فعلاً، لكنه ظل يحتضنه بيد مرتجفة، فنظرت إليه بعينين تضطربان بشدة.
“يا إلهي..…”
تمتم كارل وهو شاحب الوجه، وقد استبد به الذهول.
[ما الذي يحدث؟ عظام إلينا؟]
سأل ولي العهد بنبرة نفاد صبر، إذ لم يستطع أن يستوعب ما يدور بين سيان وكارل.
أما كارل، الذي كان يتمايل من هول الصدمة، فحدّق في ناثان بوجه متقلص من الألم والانزعاج،
“…..حين طُعنت بسيف أنطونيو، كان في السيف نصلٌ صغير من مادة مجهولة.”
[نصل؟]
لو كان ناثان قادراً على نقل تعابير وجه ولي العهد أيضاً، لكان من المؤكد أن ملامحه آنذاك كانت مشوّهةً بالذهول.
“لقد استغربت من أن النزيف لم يتوقف، وأن اللحم كان يتعفن نحو الداخل…..لكنني لم أكن أعلم السبب الحقيقي.”
[وماذا بعد؟]
“اتضح أن تلك القطعة كانت من عظمٍ انتُزع من تنين حي. يُقال أن سحر التنين، المتفجر من شدّة الألم الذي يعانيه، يتغلغل في تلك العظام، مما يجعلها مميتةً تماماً بالنسبة لمالكي التنانين.”
[…..ماذا؟]
حتى صوت ولي العهد، الذي كان متظاهراً بالهدوء، ارتفع بغير قصد.
أما ريكايل، الذي كان يصغي بصمت، فقد تجهم وجهه بالكامل من هول ما سمع.
“في أيام انتشار صيد التنانين، كان من الممكن رؤية مثل تلك الأشياء كثيراً، لكن مع اختفاء التنانين البرية وانقراض نسل صائدي التنانين، اختفت أيضاً تلك الأدوات المروّعة. لو رأيتها بنفسكَ، يا صاحب السمو، لأدركت مدى فظاعتها ومدى خطورتها، لكن وبما أنك تتجسد حالياً في جسد ناثان، أرجو تفهُّم أنني لا أستطيع إطلاعك على الشيء نفسه.”
___________________
سيان طلعت مب سهله مره ودي اعرف الحين هي من كانت
المهم دامها كانت نبيله يعني العرس مسألة وقت بس😘
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 38"