لم يكن واضحًا إن كان ماكس يجهل أنه يدفعها نحو العاصفة، أم أنه يعرف ويقصد الإيقاع بها.
“تعالي معي. أرجوكِ.”
رغم امتعاضها، إلا أن سيان لم تستطع رفض وجه كارل المتوسل بإلحاح وهو يمسك يدها بإحكام.
‘يا إلهي، هذا الإنسان يثير فيّ الجنون…..’
إلى أين ستمضي العاصفة؟
تملكها شعورٌ مقلق بأن تلك الخطوة التي خرجت فيها من أجل حمامٍ بسيط قد تكون طريقًا نحو قدر محتوم.
و كل ما كانت تتمناه هو ألا يكون ذلك المصير نهايةً مأساوية.
***
كان ريكايل واقفًا عند النافذة التي تهب منها نسائم دافئة، فالتفت حين سمع صوت فتح الباب.
ومع صوت الباب الظاهر، برزت هيئةٌ بشعر أسود وعينين بلون الفيروز. لقد كان الأمير الثالث، كارلتستون كلاوس، أطول بكثير مما يتذكره ريكايل آخر مرة.
خلافًا لمخاوف ولي العهد وقلق ريكايل، بدا كارل الذي وصل إلى المعبد بكامل صحته دون أي خدش.
“لتصل بركة التنين إلى سموه. الفارس ريكايل تشابلين من فرسان الإمبراطورية، يحيي صاحب السمو كارلستون كلاوس، أمير إمبراطورية إغريون المجيدة وسيد إيفاريد.”
اطمأن ريكايل لكون الأمير بخير، وجثا على ركبته اليمنى في مكانه فورًا.
“قف.”
اقترب كارل من ريكايل وتحدث إليه. فانحنى ريكايل انحناءةً عميقة مرةً واحدة ثم نهض من مكانه.
وفي اللحظة التالية، لمح المرأة التي دخلت خلف كارل.
كان قد سمع من الكاهنة أن الأمير يصحبه أحد، لكنه لم يتخيل مطلقًا أن تكون امرأة. فظهرت علامات الارتباك على وجه ريكايل حين لمح سيان.
“سموّك، هذه الآنسة هي..…”
“من أنقذت حياتي.”
“لا تهتموا بي، و تابعوا حديثكم.”
أراد كارل أن يشرح أمر سيان بنبرة تبدو فيها الفخر لسبب ما، لكن سيان قابلت الأمر بابتسامةٍ باردة عند شفتيها، مع نظرةٍ تنطوي على مسافة واضحة.
كانت قد تبعته إلى هنا على مضض، لكن تصميمها على عدم التورط أكثر كان واضحًا للغاية.
التفت كارل نحو سيان للحظة وكأنه يتأمل برود ملامحها، ثم عاد ونظر إلى ريكايل واقترب منه.
ثم أشار بأصابعه إشارة تعني “اقترب واسمع”، فاقترب ريكايل من كارل بعد أن نظر بينه وبين سيان.
ثم اقترب كارل الى أذن ريكايل وهمس له بشيء.
‘ما الذي يحاول أن يقنعه به الآن؟’
ضيّقت سيان عينيها وركزت سمعها وبصرها على كارل، لكنه كان حذرًا. فلم يُسمع الهمس، وغطى فمه بيده فلم يكن بالإمكان حتى قراءة حركات شفتيه.
“آه!”
لا يُعرف ما الذي قاله، لكن عيني ريكايل اتسعتا فجأة.
“تشرفت بلقائكِ يا سيدتي. لتصل بركة التنين إليكِ.”
ثم تبدّل موقف ريكايل المتحفّظ فجأةً وكأن شيئًا لم يكن.
‘هاه؟ ‘
فارتجف حاجبا سيان التي كانت مكتوفة الذراعين.
“اجلس. وأنتِ سيان، تعالي واجلسي أيضًا.”
“لا داعي، سأبقى واقفة.”
رغم النبرة اللطيفة من كارل، شعرت بإحساس سيئ لا يبشّر بالخير.
“لا تكوني هكذا، اجلسي.”
“اجلسي رجاءً، سيدتي. من الصعب أن نتحدث براحة بينما تقفين، وأنتِ بهذا الجمال.”
مع إصرار كارل و ريكايل، أطبقت سيان شفتيها بإحكام وأبدت امتعاضها.
‘…..حسنًا، ربما وقوف امرأة جميلة مثلي يسبب التوتر للرجال.’
“بما أنكما متضايقان، فسأجلس رغمًا عني. لكنني لن أتدخل في الحديث.”
تأثرت سيان قليلاً بكلمات المجاملة الفارغة من ريكايل، لكنها شددت المسافة وجلست في موضع بعيد عن كارل و ريكايل.
“سعيدٌ برؤيتكَ بخير، سموّك.”
بعد أن تأكد ريكايل من أن سيان جلست بأدب، التفت أخيرًا نحو كارل.
كان من الطبيعي أن يتحفظّ ريكايل بوجود سيان، لكنها ما زالت تجهل ما الذي قاله له كارل حتى جعله يتقبل الأمر بهذه البساطة.
“في النهاية، الكل كان يعلم أنني ما زلت حيًا، أليس كذلك؟”
“بالتأكيد، لكن المهم في أي حالٍ أنتَ الآن.”
قال ريكايل ذلك بقلق.
“حسناً، لم أظهر في البداية بسبب تصرفكم بوقاحة، سواءً بإرسال شخص إلى منطقتي أولًا، أو من خلال موقفكم الآن، فلا يبدو أنكم تتصرفون كمن هاجموني بشكلٍ مفاجئ في إقليمي.”
“لقد قال سموّه أولًا أن عليه تصحيح سوء الفهم. وإن كنتَ بخير، فلا بد أنكَ قد أسأتَ فهم نوايا ولي العهد.”
“وهل يعني هذا أن معركة ذلك اليوم كانت مجرد سوء تفاهم؟”
كان الحوار بين كارل، الذي جاء مستعدًا للمواجهة، و ريكايل، الذي يحمل رسالة ولي العهد، مباشرًا بلا مواربة.
و رغم إعلانها بأنها لن تتدخل، وجدت سيان نفسها مهتمةً بما يدور بينهما أكثر مما توقعت، بسبب سرعة تطور الحديث.
“سموّه لم يكن يعتزم القتال من البداية. لكنه خرج بنفسه بسبب حساسية المسألة المتعلقة باغتيال ملك التنانين، وكان حريصًا على التعامل معها بحذر.”
“حذر؟ لقد سقط نَفَس التنين في منتصف الليل وكأنكم كنتم تنتظرون لحظة غفلتنا.”
كان كارل يعلم جيدًا أن ولي العهد لم يرسل أحدًا بنيّة سيئة، لكن مجرد تذكّر تلك الليلة المرعبة التي كاد أن يموت فيها، كان كافيًا ليشعل أعصابه من جديد.
“بسبب ذلك، خرجت دون أن أجد وقتًا حتى لأرتدي درعًا أو أرتب ملابسي، وكنت على وشك الموت بطريقةٍ سخيفة.”
خفض ريكايل نظره إلى الطاولة وكأن الأمر كان خطأه، وقد غمره الحرج.
“لا عذر لديّ بشأن ذلك. يبدو أن حرّاس إيفاريد، حين رأوا التنانين تقترب، أطلقوا السهام بفزع، مما أفزع بريتا، تنين السيد أنطونيو، وأسقطت نَفَس التنين عن طريق الخطأ.”
…..كالعادة، أنطونيو.
كان من الطبيعي أن تتجمع التنانين كلها في ذلك الحدث، لكن اسم أنطونيو يتكرر كثيرًا في كل مكان.
لا بد أنه ليس مجرد صدفة.
بينما كانت سيان تتلقى الموقف بوجه خالٍ من التعابير، رمقها كارل بنظرةٍ جانبية قصيرة.
“الذي طعنني كان أنطونيو…..وبالنسبة لي، من بدأ تلك المعركة المروّعة لم يكن سوى أنطونيو.”
ضحك كارل بسخرية من أنفه.
“هذا لا يُشبه أخي. لم يكن أبدًا ممن يتهرّبون من المسؤولية بهذه الطريقة.”
“ليست تهربًا من المسؤولية، بل هذه هي الحقيقة. السيد أنطونيو، فارس التنين، تلقى عقوبةً بخصم راتب لمدة عام، ومنع من الاتصال بالتنين لثلاثة أشهر.”
“حتى قطع رأسه لا يبدو كافيًا في نظري.”
“بطبيعة الحال، أتفهّم تمامًا شعوركَ يا سموّكَ.”
قال كارل ذلك وهو يضيق ما بين حاجبيه، فانخفض نظر ريكايل مجددًا وانحنى بعمق.
“لكن، حتى في العقوبات الملكية، لا بد من ترتيب ونظام-”
قاطع كارل كلام ريكايل بابتسامةٍ باردة.
“إذًا، هل أرسلكَ أخي إلى هذا المكان البعيد فقط ليقول أنه كان سوء فهم؟”
“بالطبع لا.”
أجاب ريكايل على سؤال كارل فوراً.
كان واضحًا للجميع أن زمام الحديث بيد كارل. وهذا طبيعي، فمكانته مختلفة، كما أن الهجوم على إيفاريد بذريعة اغتيال ملك التنانين قد ألقى بالمسؤولية على جانب ولي العهد.
لكن مع ذلك، الأمر يبدو مختلفًا عن المتوقع…..
نظرت سيان بلا اهتمام إلى كارل وهو يواجه ريكايل.
يبدو أنهما أصبحا مقربين للغاية في الفترة الماضية. وإلا لما بدا كارل غريبًا بهذا الشكل في عينيها وهو واقف في موضع الأمير.
رغم أن شعره، ووجهه، وملابسه، لا تختلف في شيء عن هيئته المعتادة التي اعتادت سيان رؤيتها، فإن تغير أسلوبه وتصرّفاته وحده جعله يبدو كشخصٍ آخر.
كارل الذي كان يناديها بـ”سيان”، لم يكن كارل الذي تعرفه، بل كان الأمير الثالث كارلستون كلاوس.
بهالةٍ لا تحمل تكبّرًا جعلت كل من يواجهه ينحني تلقائيًّا.
رغم أنه كان يُظهر أحيانًا جانبه كأمير من خلال تغيير نبرة صوته، إلا أن رؤيته وهو يواجه فارسًا من الحرس الإمبراطوري منحت الأمر طابعًا مختلفًا تمامًا.
‘و الذي لا يستطيع التكيّف…..هي أنا.’
حاولت سيان قمع المرارة التي شعرت بها بصعوبة. بينما فتح ريكايل فمه وتحدث.
“قال سموّه بأنه إن كان سموّك بخير فإنكَ بالتأكيد ستتجه إلى المعبد، لذا طلب مني أولًا أن أتحقق من سلامتك، ثم أبلغكَ بشأن ما حدث في هجوم إيفاريد.
لكن ما اعتبره أكثر أهمية…..هو هذا.”
رفع ريكايل يده. و كان يرتدي خاتمًا في إصبعه الأوسط تتوسّطه جوهرةٌ بنفسجية كبيرة، تنبعث منها هالة خفيفة من طاقة التنين.
‘إتصالٌ مُشفر إذًا.’
بمجرد أن لمس ريكايل حجر الخاتم بأطراف أصابعه، تحوّلت طاقة التنين البنفسجية إلى هالة ضوئية تجسّدت في أنحاء الغرفة.
ثم ظهرت إلى جانب الطاولة هيئة تدريجية لشخص يملك شعرًا طويلًا بنفسجيّ اللون.
‘…..ناثان.’
عرفت سيان فورًا أن ما رأته هو تنين ولي العهد، المتجسد على هيئة بشرية مثل إيدلين.
كانت ناثان أنثى. امرأةً بشعر طويل يصل إلى قدميها.
ثم فتحت عينيها تدريجيًّا لتكشف عن عيون ذهبية لامعة.
[كارل.]
حين تحركت شفتا التنين الغامض الذي لم يكن من الممكن تمييز ملامحه، انبعث منه صوت ذكوريٌ عميق.
“…..أخي.”
تغيّرت ملامح وجه كارل بشكلٍ طفيف. و ارتسمت على شفتيه ابتسامةٌ باهتة.
لكنها لم تكن مشرقة، إذ امتزج فيها الامتنان بنجاته، مع الغضب من الذكرى التي كادت تودي بحياته، ومع فرحة اللقاء والارتياح، لتصنع تعبيرًا معقدًا لا يمكن وصفه بالسعادة الخالصة.
[لحسن الحظ، يبدو أنكَ نجوت. لقد سمعت أنكَ أُصبت بجراحٍ خطيرة.]
“بفضلها فقط. لقد نجوت بسلام بفضل شخص ما ساعدني بالصدفة.”
قال كارل ذلك بابتسامةٍ مريرة تحمل شيئًا من السخرية.
[كلماتكَ تحمل شوكةً فيها. أعلم أن ريكايل أخبركَ، لكنكَ تعرف أكثر منه، أن ذلك لم يكن بإرادتي.]
“لو أن كل شيء في هذه الحياة يُحل بالكلام البسيط، لكانت الأمور سهلةً بالفعل.”
[سأتحدث إليكَ بنفسي لاحقًا عن كل ما جرى. لكن دعني أكرر بوضوحٍ مرة أخرى، ذلك لم يكن بإرادتي حقاً.]
______________________
ابيهم يرجعون واضح علاقتهم اخويه حلوه🤏🏻😔
المهم المؤلفه حاطتنا في الهامش مع سيان ؟ طيب علمينا كارل وش قال لريكايل سيان قدها تدري بعدين😭
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات