أجاب المرتزقة وهم يجمعون أمتعتهم كما أمرت سيان. أما باسكال فظل يحرّك رأسه حائرًا، وكارل، الذي لم يكن يشبه نفسه الواثقة المعتادة، انكمش وجمع أمتعته بصمت.
رغم حيرته، بدأ باسكال بمهامه، فأخذ يربط لجام الحصان بمهارة حول جذع شجرةٍ ضخمة عند طرف الطريق حيث لا يمكن التقدم أكثر، بينما كان المرتزقة يقفزون واحدًا تلو الآخر وهم يحملون أمتعتهم.
“هل نزل الجميع…..آااه يا إلهي!”
“اااااااااخ!”
صرخت سيان، التي كانت أول من قفز إلى الأرض.
عندما اقتربت لتسأل وهي تراقب المرتزقة ينزلون واحدًا تلو الآخر، أطلقت صرخةً مفاجئة.
فما إن سمع المرتزقة، الذين كانوا يضعون أمتعتهم على أكتافهم، صرختها حتى أصيبوا بالفزع وصرخوا هم أيضًا كأسراب الغربان المذعورة.
“ما الذي يحدث…..بحق!”
نظر الطبيب جيفي نحو سيان مستغربًا ما بها، لكنه ما لبث أن صرخ هو الآخر.
حتى اللحظة التي وطئوا فيها الأرض المكسوة بالأعشاب الكثيفة التي تصل حتى الكاحلين، لم يكن هناك سوى أشجار ونباتات في هذا الغابة العميقة. لكن ما إن حولوا أنظارهم للحظات، حتى تغيّر المشهد من حولهم فجأةً وبشكل كلي.
باستثناء الشجرة الضخمة التي رُبطت إليها الأحصنة، اختفت بقية الأشجار كما لو أنها قُطعت جميعها في لمح البصر. وكأنهم تعرضوا لسحر الأشباح.
و تحت أقدامهم كانت هناك أعشابٌ خضراء ناعمة، واختفى عبق الرطوبة الكثيفة التي تميز الغابات، ليحل محله نسيم عليل منعش.
كأنهم صعدوا فجأةً إلى قمة جبل.
“كنا بانتظاركم.”
المكان، الذي كان قبل لحظاتٍ مجرد غابة، تحول إلى سهل فسيح، وعلى امتداده وقف نحو عشرة أشخاص، مغطين تمامًا من رؤوسهم حتى أقدامهم بحجاب أبيض لا يظهر منه شيءٌ سوى أعينهم.
تقدم أحدهم وضمّ يديه بأدب أمامهم وقال تلك الكلمات.
ربما بسبب نبرة صوته المهذبة، أو لعله بسبب روعة المعبد الأبيض الشاهق الذي ظهر خلفهم، أو ربما بسبب التحول المفاجئ في المشهد من حولهم، لم يكن بالإمكان تحديد السبب بدقة.
لكن النتيجة واحدة: سيان وبقية المرتزقة تجمدوا مكانهم عاجزين عن الكلام. فقد كان الجو مشبعًا بهالة غامضة ومهيبة كالضباب الكثيف.
“لقد مر وقتٌ طويل، أيتها الكاهنة العظمى.”
استقام كتفا كارل، الذي كان قد انكمش قبل لحظات تحت نظرات المرتزقة الحادة، ووقف معتدلًا.
وبابتسامةٍ باهتة وصوت منخفض، تكلّم كارل بنبرة صارمة تليق بالأمراء، لكنها بدت غريبةً على آذان سيان والمرتزقة.
“مر وقتٌ طويل، يا سيد إيدلين.”
“كنت أعلم أنكِ ستأتون لاستقبالنا.”
وعندما انحنت المرأة التي دُعيت بالكاهنة العظمى احترامًا، ردّ عليها كارل بانحناءةٍ مليئة بالفخر، ثم التفت كارل فجأةً نحو سيان وماكس ولوّح بقبضته قائلاً بصوت مرتفع،
“أرأيتما! قلت لكما أننا سنصل قريبًا!”
“تِشه!”
أدارت سيان أذنها بإصبع وكأن كلبًا نبح بجوارها. أما الكاهنة، فقد كان الارتباك من نصيبها هذه المرة.
فبينما كانت تتوقع وقارًا من سيد إيدلين، فوجئت به يصرخ بغضب في وجه امرأةٍ كأنه أحد مرتزقة الأزقة الخلفية، فظلّت ترمش بعينيها في حيرة.
“…..يا سيد إيدلين.…”
“آه، نعم.”
أدرك كارل أنه أمام الكاهنة، فاستعاد فورًا هدوءه وأعاد ترتيب وقفته. وعندما عاد إلى هيئته الملكية المعتادة، ارتسم الارتياح مجددًا على وجه الكاهنة.
“أنتم ممن قادتهم صلة التنين، يشرفني أن أرحب بكم هنا.”
قالت ذلك بنظرات هادئة، ثم انحنت مرة أخرى بأدب نحو المرتزقة.
“أوه، أوه…..الكاهنة العظمى هي من تستحق الترحيب….شرفٌ كبير لنا..…”
“إنه لمن دواعي سرورنا أن نستقبل هذا الترحيب.”
كاد المرتزقة أن يركعوا على ركبهم من شدة تأثرهم بالتحية المهذبة التي قدمتها الكاهنة العظمى.
فنظرت إليهم الكاهنة وابتسمت بعينيها.
“لا بد أنكم تعبتم من طول السفر. لقد جهزنا لكم مكانًا مريحًا لتستريحوا وتزيلوا عنكم عناء الطريق، تفضلوا من هذا الاتجاه.”
قالت الكاهنة ذلك بنبرةٍ رقيقة وهي تستدير بجسدها بأناقة، وعندها تراجع الكهنة الواقفون خلفها بخطواتٍ منسقة ليفتحوا الطريق.
كان هناك عمودان ضخمان يحملان السقف العالي، وقد نُحت عليهما شكل تنين يصعد نحو السماء.
لم تكن هناك أبواب، بل بضع درجات فقط تؤدي إلى أرضيةٍ من الرخام المصقول التي كانت تلمع بهدوء.
لم يكن من الممكن تقدير حجم المعبد من الواجهة، ولكن مع ذلك، فقد شعر المرتزقة بهيبته المهيبة التي أرهبتهم وأبقت أفواههم مفتوحةً وهم يتأملون المشهد الممتد خلف الكهنة.
ترددوا في التقدم والدخول إلى هذا المكان المقدس، فما كان من كارل إلا أن دفعهم بخفة بمرفقه كنوع من الحث على السير.
عندها فقط عاد المرتزقة إلى وعيهم، وبدأوا يتقدمون واحدًا تلو الآخر بخطى مترددة.
“لدى سيد التنين ضيفٌ ينتظره. أما رفاقه، فيُرجى مرافقتهم إلى الكهنة العاديين.”
قالت الكاهنة العظمى ذلك بصوتها الهادئ، موجهةً الحديث إلى كارل الذي كان يتبع المرتزقةً من الخلف.
“ضيف؟”
“مبعوثٌ من سيد ناثان.”
قالت ذلك بانحناءة خفيفة، بينما اتسعت عينا كارل بدهشةٍ غير متوقعة.
ثم عبس كارل لا إراديًا، ونظر إلى سيان.
أما سيان، التي كانت في مؤخرة الصف خلف بيل وهي تدخل المعبد، فقد نظرت إليه مباشرة، وكأنها كانت تعلم أنها ستتلقى تلك النظرة. فهي أيضًا سمع ما قالته الكاهنة.
مبعوثٌ ولي العهد، إذًا…..
من غير المعقول أن يكون ولي العهد، سيد التنين، قد أرسل أحدًا إلى هذا المكان المقدس لإثارة الشقاق أو التحدي.
بل على العكس، كونه لم يرسل فرقة بحث بل مبعوثاً ينتظر كارل في المعبد — رغم احتمال ألا يأتي — فهذا بحد ذاته لا يُعد نذير شؤم.
هل يمكن أن يكون ولي العهد يشك في جهة أخرى غير كارل؟
طافت هذه الأفكار في رأس سيان للحظة، فأطبقا شفتيها دون أن تتكلم.
كانت تشعر بنظرات كارل تتبعها، لكنها كانت قد حسمت أمرها، بعد أن ترافقه حتى معبد التنين، ستُنهي كل ما بينهما من اتفاق. فلم يعد هناك ما يستدعي الفضول أو تدخّلها.
بهذا الحسم، تجاهلت سيان نظرات كارل وأدارت وجهها.
“ألن ترافقينا؟”
الصوت الذي أوقف سيان بينما كانت تهم بالسير خلف بيل لم يكن صوت كارل، بل صوت الكاهنة العظمى التي خاطبتها بنبرةٍ مدهوشة.
“أنا؟”
رمشت سيان بعينين متفاجئتين. فابتسمت الكاهنة بلطف بعينيها، الجزء الوحيد المكشوف من وجهها.
“أنتِ شخصٌ عزيز على سيد إيدلين، فتساءلت إن كنتِ سترغبين في مرافقته..…”
“واو، الكاهنة لا يخفى عليها شيء!”
“صحيح، إنها شخصٌ عزيز وغالٍ فعلًا عايع.”
وقبل أن تنهي الكاهنة حديثها، كان المرتزقة الذين سبقوها قد التقطوا كلماتها، وبدأوا بإطلاق صفير وهمهمات مازحة.
‘ما بهم؟ هل جنّ هؤلاء…..؟’
نظرت سيان إلى رفاقها بنظرة حادة، فسكنت الفوضى التي كانت تغصّ بالسخرية والهتافات.
‘مبعوث ولي العهد، إذًا من المؤكد أن الحديث سيدور حول أمور سياسية سرية، فما علاقتي أنا بذلك؟’
بعد أن أنهت تفكيرها، تراجعت خطوةً إلى الوراء وتحدثت بأدبٍ قدر المستطاع،
“عذرًا، أظن أنكَ أخطأت في الشخص. لست من يليق له الحضور-”
“لا، ستذهب.”
في تلك اللحظة، أمسك كارل بباطن يد سيان. فاتسعت عينا سيان وهي تحدّق بكارل.
“لا أعلم نوايا رجل أخي، لذلك أرجو أن ترافقيني.”
كان صوت كارل هادئًا كما لو كان يشعر بخوف داخلي. لكن ملامح سيان كانت تنطق بالذهول.
فلو كانت نية ولي العهد شريرة، لما أرسل مبعوثاً إلى المعبد بل كان أرسل من يتعقبه. وكارل لم يكن يجهل ذلك.
أن يُصرّ على اصطحاب سيان إلى لقاء مع مبعوث ولي العهد، فهذا لا يعني سوى رغبته في الاستفادة من قوة سيان حتى النهاية.
فبمعرفتها برسالة المبعوث وردّ فعل كارل، ستتحوّل سيان تلقائيًا إلى طرفٍ في الأمر، لا مجرد مراقبة.
لقد أدركت فورًا أنها خدعةٌ جديدة من كارل لتمديد العقد الذي أجّلته حتى الوصول إلى معبد التنين، ورغم ذلك، لم تستطع نزع يد كارل التي أمسكت بها.
“رجال المعبد لن يتمكنوا من مساعدتي إن أصابني مكروه. صحيحٌ أننا في المعبد، لكنهم لا يستطيعون التدخل في شؤون الإمبراطورية.”
“لكن..…”
“اذهبي، سيدتي.”
وقبل أن ترد، دفعها ماكس برفق من ظهرها.
نظرت سيان إلى ماكس بوجه متردد، لكنه، و بوجهه الهادئ كليًا، أومأ لها بعزمٍ لم تُفهم حقيقته.
__________________
المرتزقة واضح اكبر داعمين لعلاقتهم😭
الا الطبيب جيفي الي مدري شسالفته
المهم كنت انتظر الكاهنة تقول ليه سيان شخص عظيم تسك
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات