“إنه المال!”
“إنه مالٌ بالفعل!”
تجمّع أفراد فرقة المرتزقة “مخلب التنين” في نُزل صغير بمدينة إيفاريد وأثاروا جلبةً مليئة بالبهجة.
“شش! قد يسمعنا أحد ويصعد!”
أشارت سيان التي كانت واقفةً في الخلف بابتسامة يملؤها الفخر بإصبعها إلى فمها لتطلب الصمت وسط هتافات الرجال الصاخبة.
“أوه صحيح، كنا متهورين. شش شش شش.”
حتى محاولة التزام الصمت تحولت إلى فوضى.
بدأ الرجال يضربون بعضهم على الظهر وكأنهم يطلبون منهم التزام الهدوء، لكنهم في الحقيقة لم يتوقفوا عن إحداث الضجيج.
ثم، وكأنهم تذكّروا فجأةً أين هم، بدأ الجميع يكمّمون أفواههم وارتجفوا من التأثّر.
على السرير كانت تتكدّس أكوامٌ من العملات الذهبية، وسبائك لم تُحوّل إلى نقود بعد، وكنوزٌ تبدو باهظة الثمن حتى من النظرة الأولى.
“هل كل هذه هي من ممتلكات سمو الأمير الخاصة؟ إنه أمرٌ مذهل!”
حتى ماكس، الذي يُعدّ الأكثر رصانة واتزانًا بين أفراد “مخلب التنين”، لم يستطع إخفاء تأثره أمام هذا الكم الهائل من المال الذي لم يسبق له أن رآه.
“والأعجب، أن هذا ليس كل شيء حتى.”
قالت سيان ذلك وهو تُلقي نظرةً خاطفة على كارل الجالس على الكرسي.
بعد أن نزلا جميع درجات الدرج الحلزوني، وصلا إلى غرفة بالية، ثم تبيّن أن ما وراءها كان عالمًا مليئًا بالكنوز بحق.
استعادت سيان في ذهنها صورة ذلك المكان الممتلئ إلى حد الإبهار بالذهب والجواهر والنفائس.
لقد كان الكمّ الهائل من الثروات مرعبًا لدرجة جعلتها لا تشعر بالسعادة، بل بالذهول التام.
ولأنهم لم يستطيعوا حمل كل شيء، فقد اقتسم سيان وكارل ما استطاعا حمله وعادا به.
ابتسم كارل برضا، ثم التوى جانب فمه بابتسامة متغطرسة.
“ألم أقل لكِ؟ هذا مبلغ يكفي لثلاثة أجيال من الترف والراحة.”
“ما كنت لأتوقع أن شخصًا رقيقًا كنبتةٍ في دفيئة زجاجية يحسب الأمور بهذه الدقة!”
ضحك كارل بصوت عالٍ على كلام سيان.
“لحسن الحظ أن المكافأة جاءت أكثر مما توقّعنا، لكن لا أريد أبدًا أن أمرّ بموقفٍ مثل ذلك مجددًا.”
قالت سيان ذلك وهي ترتجف قليلاً من الذكرى.
ما زال التوتر الذي شعرت به حين أصدر السرير ذلك الضجيج المدوي حاضرًا في ذهنها وكأنه حدث قبل لحظات.
وما زاد الطين بلّة، اضطرارها للاختباء تحت السرير وهي تشعر بأنفاس كارل تكاد تلامس وجهها.
كل تلك كانت لحظاتٍ أربكتها بشدّة.
بدأت سيان تستعرض في ذهنها ما جرى داخل قلعة إيفاريد، ثم هزت رأسها لتطرد بقايا المشاعر المزعجة التي علقت به من تلك المواقف.
“لنأكل ونمرح الليلة كما يجب، وغدًا لننهي موضوع العقد بشكلٍ نهائي.”
“نونا! هل يمكننا أكل اللحم؟”
“ونشرب شرابًا فاخراً!”
كان سيان يتحدث إلى كارل، لكن من تحمّسوا فعلاً كانوا بقية المرتزقة.
صرخ بيل و ماكس بنبرةٍ درامية وكأن أمامهم معركةً كبرى، فابتسمت سيان لهم بلطف.
“أن تأكلوا جيداً، فذلك أمر متروكٌ لكم.”
“أوه نَعَمْ!”
هتف الرجال بسعادة.
“لكن اعلموا أن ثمنه سيُخصم من حصتكم، هذا مفهوم؟”
لم تكن سيان ترحم. و قالت هذه الكلمات القاسية بابتسامة ملائكية ساحرة، فانخفضت أكتاف الرجال على الفور.
“كنا نعلم أن ذلك سيحدث ذلك.”
تنهد الرجال جميعًا وكأنهم قلبٌ واحد.
“حسنًا، إذًا انصرفوا. سأقوم ببعض الترتيبات وألحق بكم، اذهبوا إلى المطعم أولًا.”
قالت سيان ذلك وهي تلوّح بيدها، متقبّلةً نظرات السخرية الصامتة التي كانوا يرمونها بها وكأنها اعتادت ذلك تمامًا.
اندفع الرجال خارج الغرفة، ومن بينهم ماكس وبيل، وخرجوا جميعًا دفعةً واحدة. بينما وقفت سيان تراقب ظهورهم وهم يبتعدون عبر الباب المفتوح.
“…..؟”
كان كارل جالسًا على كرسي داخل الغرفة، يسند ذقنه إلى يده، ويراقب خروج الرجال بصمت كما كانت تفعل سيان. و لم تبدُ عليه أي نية للنهوض من مكانه.
“كارل، ألا تذهب؟”
“أنا أيضًا؟”
سألها كارل وهو يشير إلى نفسه بإصبعه، مبدياً دهشة مبالغًا فيها.
“بالطبع، عليكَ أن تذهب. هذه غرفتي أنا.”
“آه، صحيح…..كانت كذلك فعلاً.”
رد كارل وهو ينكش أذنه بلا مبالاة. عندها عبست ملامح سيان.
لمَ يتظاهر بعدم المعرفة؟ مع أنه يعلم تمامًا ما يجري.
لو كان في جعبته ما يريد قوله حقًا، لما تصرّف بكل هذا التمويه والثقل، لا شك أنه يُخطط لأمرٍ سخيف آخر.
“ما الخدعة الجديدة التي تحاول كسب الوقت لأجلها هذه المرة؟”
“أوه، تصفين ما أفعله بالخداع؟ وأنا الأمير وسيد المنطقة؟”
“بل هو خداعٌ بعينه. لقد صرت قطعة أثاث ملتصقةٍ بالكرسي!”
نظرت سيان إلى كارل الجالس على الكرسي بإمالة طفيفة، وألقت عليه نظرةً من الأعلا إلى الأسفل.
ابتسم كارل بهدوء وأسند ذقنه إلى الطاولة واتكأ بخمول.
…..ما هذا؟ ما مغزى ذلك التعبير الغامض وتلك الوضعية التي توحي وكأنه يغوي أحدًا؟
ضيّقت سيان عينيها.
هل شعورها بأنه يتعمّد اختيار زاوية يَظهر فيها أكثر وسامةً ويقتحم بها مجال رؤيتها مجرد وهم؟ أم أن هناك شيئًا فعلاً؟
“…..في الحقيقة، لدي شيءٌ أود قوله.”
حين غيّر كارل وضع جلوسه، تأكّدت سيان أن شكوكها لم تكن مجرد خيال. وإلا، كيف يمكن تفسير هذا الجمال غير الواقعي الذي لا يترك لك خيارًا سوى قول “نعم” مهما قال؟
الغريب أن القُبح، كلما نظرت إليه، اعتدت عليه بمرور الوقت، أما الوسامة…..فلا، مهما رأيت منها، لم أعتد.
“ما هو؟”
قالت سيان ذلك بنبرة متجهمة تخفي ما يدور في رأسها.
“هذا، الأمر هو..…”
أخرج كارل شيئًا من جيبه. فأمالت سيان رأسها بتساؤل.
كان كارل يحمل ورقةً مألوفة بيده الأخرى، تلك التي لم يكن يسند بها ذقنه.
‘…..عقد؟’
وفي اللحظة التي أدركت فيها سيان ما هي تلك الورقة،
تحدث كارل،
“ما رأيكِ أن نُجدّد العقد؟ أو حتى نوقّع على عقد جديد.”
لم تستطع سيان أن تمنع نفسها من رفع حاجبها بدهشة خفيفة، متسائلة لماذا يتصرّف كارل وكأنه طاووس في موسم التزاوج يستخدم كل وسائله للإغواء.
لم تكن هذه الخطوة مفاجئة تمامًا. ففي الواقع، كانت شبه واثقة أنه سيطرح الأمر. لكنها فقط لم تتوقع أن يتحدث عنه بهذه السرعة.
“حسناً……”
رغم أن القرار قد اتُّخذ بالفعل في قلبها، إلا أن سيان تظاهرت بالتردد وهي تطوي ذراعيها وتتمتم بالكلام.
“لقد عدت للتو من عملي، أليس من المبكر جداً الحديث عن التجديد أو إعادة التعاقد؟”
ابتسمت سيان ببراءة كما لو كانت فتاةً ساذجة لا تعلم شيئاً، وهي تضم يديها معاً.
لكن كارل لم يكن من النوع الذي ينخدع بذلك. بل اقترب قليلاً من جانب وجهه الأيسر، الذي يبرز فيه وسامته، ورفع حاجبه بخفة.
“أنتِ سترحلين صباح الغد، أليس كذلك؟ الأمور المهمة يجب أن تُقال فوراً.”
…..كيف عرف ذلك؟
اختفت الابتسامة فوراً من وجه سيان عند سماعها رد كارل، وكأنه قرأ ما في داخلها.
“تسك. كيف عرفت أنني سأرحل صباح الغد؟”
“أليس ذلك واضحاً؟ سيكتشفون قريباً في القلعة أن اثنتين من المرتزقات قد اختفين، وسيكون الأمر محرجاً إذا بدأ أحدهم بطرح الأسئلة. عندما تُحدثين مشكلة، أليس من البديهي أن تهربي دون أن تلتفتي للخلف؟”
أمام ملاحظة كارل الدقيقة، لم تجد سيان ما ترد به. و لم تجد إلا أن تلعق شفتيها بخفة، بفمٍ فارغ من الكلام.
ثم مدّت يدها بخفة تحكّ خلف أذنها بخجل.
“إذا كنت قد توقعت كل ذلك، فلا بد أنك تعرف كيف سأتصرف أيضاً.”
“سترفضين، أليس كذلك؟”
سأل كارل وقد سحب تعبيره متماشياً مع سيان. فشدّت سيان شفتيها بصمت.
كان الأمر بديهياً.
“وماذا لو راهنتُ بكل حصتي على العقد؟”
قرأ كارل تعبير وجهها وفهم أن إجاباتها لم تخرج عن توقعاته، فأشار بذقنه إلى كومة الذهب والفضة الملقاة على السرير.
حتى ذلك لم يكن خارجاً عن توقعاتها. فابتسمت سيان بهدوء.
“هل تظنني امرأةً مهووسة بالمال؟ أنا لا أطمع بثروةٍ لا أستطيع تحملها. ما يقارب السدس من ذلك فقط، أو حتى عُشر السدس، كافٍ تماماً لي.”
“…..ومن كان الذي أصر على إضافة بند خاص في العقد ينص على التنازل عن الإقطاعية إذا لم يُنفذ الاتفاق؟”
حدّق كارل في سيان بعينين نصف مغمضتين. ولم تستطع سيان سوى أن تحوّل نظرها بعيداً عن ذلك النظر الذي كاد يخترقها كخنجر.
“كان ذلك…..قبل أن أعرف كم يوجد في المخزن السري من الثروات.”
سعلت سعالاً مصطنعاً لتضبط نبرة صوتها، ثم تابعت كلامها.
“حتى ما هو موجودٌ الآن يكفيني للعيش برخاء لعدة سنوات. لا حاجة للمخاطرة أكثر.”
رداً على جوابها، نقر كارل لسانه بخفة وعبس أنفه. ثم تنهد طويلاً وهو يقطب جبينه.
“لماذا أنتِ واقعيةٌ إلى هذا الحد غير الضروري؟ أحياناً أظنكِ مادية، لكنكِ تتوقفين تماماً عند الحد المناسب، سيان.”
“أكثر ما يُفسد الإنسان هو الطمع. وأنا هدفي أن أعيش طويلاً وبهدوء.”
“إذاً، لا مزيد من الطمع، لا في الثروة، ولا فيّ أنا أيضاً؟”
قال كارل ذلك دون أن تتغير ملامح وجهه. حينها فقط شعرت سيان أن أذنيها خانتاها. فارتسمت على وجهها ملامح حيرة مع لمسةٍ من الاضطراب.
“الثروة يمكنني تفهّمها…..لكن، ما الذي يجعلكَ تدرج نفسكَ في القائمة؟”
“ولِمَ لا أُدرج؟”
رفع كارل حاجباً واحداً.
“…..يصعب علي قولها بصوت عالٍ، فحاولي التفكير جيداً وضعي يدكِ على صدركِ.”
“أوه! مهما وضعت يدي على صدري وفكّرت، لا أستطيع الفهم أبداً؟!”
“يا لكِ من امرأةٍ بلا ضمير.”
قال كارل ذلك بوجه عابس كما لو أنه مستاء. فقهقهت سيان بسخرية خفيفة.
“أنت أيضاً بلا ضمير، لازلت تستمر بطرح موضوع إعادة العقد رغم أنني قلت لننهي الأمر. فقط لأنك وسيم قليلاً، هل يُفترض أن أجازف بكل شيء وأتبعكَ كفراشةٍ تندفع نحو النار، متجاهلةً الواقع والمخاطر؟”
“بالطبع لا. لهذا السبب أعرض إعادة العقد بمقابل مناسب، وبمنتهى الواقعية. كما يليق بمفاوضٍ ذكي.”
“حقاً…..لقد سئمت من مديحك لنفسكَ…..يا للغرابة.”
__________________
كلهم نرجسيين انفدا ذا الكوبل ✨
المهم شكل مصير سيان توافق على العقد لأنه البطل هاهاهاهااعاا
بس هواشهم يضحك بالله كملوا😭
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 30"