سيان وكارل، دون أن يسبق أحدهما الآخر، فتحا أعينهما على اتساعها وأطبقا شفاههما معًا.
لم يكن ذلك وهماً.
صوت الخطوات الثقيلة القادمة من خلف الباب. و الصوت الممزوج قليلاً بطقطقة الحديد كان بلا شك خطوات جندي.
‘اختبئ أولاً!’
‘إلى أين؟!’
بدأ كارل وسيان يتبادلان الحديث بحركات شفاه فقط وسط ارتباكٍ شديد.
ثم ألقيا نظرةً سريعة حولهما، لكن بعد أن فقدا رباطة جأشهما تمامًا، لم يكن اتخاذ قرار هادئ أمراً ممكنًا.
“هناك! هناك! أطفئ الإضاءة!”
أشارت سيان على عجل إلى أسفل السرير. و كان هناك فراغٌ بالكاد يتسع لشخصٍ واحد أسفل العمود الذي يسند السرير.
أمسك كارل بيد سيان دون أن يرد حتى. و كانت حركة سريعة للغاية و لم يترك لسيان وقتًا للكلام.
سُحبت سيان إلى الداخل وهي تُجرّ بقوة بسبب القبضة المحكمة لكارل، وفي اللحظة نفسها، انطفأ الضوء الذي كان يضيء المكان بخفوت دون أن يترك حتى أثرًا من الدخان.
وبما أن عينيها قد اعتادتا قليلًا على النور، فقد أصبحت فجأةً لا ترى شيئًا، ولفّ المكان ظلامٌ دامس.
لو لم يكن كارل قد أمسك بيدها وجذبها، لما عرفت سيان حتى أين يقع أسفل السرير ولكانت قد تاهت في الظلام.
بصعوبة، استطاعت سيان أن تزحف خلف كارل لتدخل أسفل السرير. وفي تلك اللحظة، توقفت خطوات الجندي التي كان يقترب بثبات عند عتبة الباب.
تنفست سيان نفسًا عميقًا وأطبقت يديها على فمها بإحكام.
رغم أن عينيها كانتا مفتوحتين، إلا أن الظلام كان حالكًا، لا يُرى فيه شيء. وكان صوت تنفّسٍ خشن، لا يُعرف مصدره، يملأ الفراغ الضيق تحت السرير كضبابٍ كثيف.
توقفت خطوات الجندي، لكن الباب لم يُفتح على الفور.
وبعد لحظاتٍ من الصمت الكثيف والانتظار القاتل، صدر صوت خافت يدل على وجود أحد خارج الباب.
لم يُسمع صوت فتح الباب، لكن ضوءًا باهتًا تسلل إلى ما تحت السرير.
كانت هناك رائحة زيتٍ واحتراق خفيفة، مما يدل على أن الجندي كان يحمل مصباحًا زيتيًا.
لم يكن التنفس صعبًا من التعب، بل من شدة التوتر، وكان العرق البارد يتجمع على ظهرها بسبب القلق وحده.
سمعت صوت دقات قلبها بأذنيها. كان هذا الإحساس أشبه بالغرق في توتر بالغ.
إحساسٌ بالخطر لم تشعر به منذ وقت طويل، جعل سيان تراقب ما يحدث خارج السرير من خلال الظل الباهت.
اقترب صوت الخطوات أكثر فأكثر. فعقدت سيان حاجبيها دون أن تشعر، وحدقت بعينيها إلى الخارج. و بدأت ترى بصعوبة ما تحت السرير بفضل ضوء المصباح الذي يحمله الجندي.
وفي اللحظة التالية، كادت سيان أن تطلق صرخةً لا إرادية. و لولا أنها كانت تغلق فمها بيديها، لكانت قد صرخت كلصٍ مبتدئ.
فقد رأت كارل في الظلام، بالكاد، يقطّب حاجبيه بين جبينه المستقيم. و لسببٍ ما، بدا صوت التنفّس الخشن قريبًا جدًا. وحين أدارت سيان رأسها، وجدت وجه كارل أمامها تمامًا، قريبًا بدرجةٍ تكاد تجعل شفتيهما تتلامسان لو تحرك أحدهما قليلاً.
شعرت وكأن قلبه سقط فجأة.
كارل، وقد رأى تعبير وجه سيان، رفع أصابعه بخفة ليضعها على شفتيه مشيرًا لها أن تلتزم الصمت. فعضّت سيان شفتيها بعصبية دون أن تعرف ما تفعل.
شعر بنفَس كارل الدافئ يداعب ظاهر يدها التي كانت تغلق بها فمها.
ذلك النسيم الخفيف من الهواء، والذي لم تلحظه من قبل، أصبح الآن لا يُحتمل في شدته بعدما عرفت مصدره.
كان هناك نفسٌ دافئ يصعد ويهبط على يدها. و كانت المسافة قريبة لدرجة أنها باتت تشم عطره.
عينَا كارل الهادئتان كانتا تتجهان نحوها. و كان يبدو كمن ينظر إلى خارج السرير، لكن سيان كانت تعلم دون أن يُقال لها، تركيزه ليس على الخارج، بل عليها هي.
اجتاحها إحساسٌ أقوى من التوتر والخطر جعل قشعريرةً تسري في رأسها. لكنه لم يكن خوفًا، ولا ارتباكًا، ولا انزعاجًا.
……ما هذا الشعور؟
لم تستطع تحديده، وكل ما كانت تشعر به هو نبض قلبها العنيف.
أمام وجهها، كان نفَس الرجل يرتفع ويهبط، ومن خلفها، خطوات الجندي تقترب شيئًا فشيئًا. فشعرت أن قلبها على وشك الانفجار.
‘أرجوك، فقط اخرج من هنا.’
أغمضت سيان عينيها بقوة وتمنت بكل جوارحها ألا يُكشف أمرهما. فلو اكتُشفا، فستكون العواقب وخيمة حتمًا.
كارل كان يرى كل تصرفات سيان، كيف أغلقت فمها ودارت بوجهها بعيدًا، غير قادرةٍ على التحمّل من شدة التوتر.
و هو الآخر تمنى في صمت أن يغادر الجندي، لكن كما هو الحال دائمًا، لا تسير الأمور كما نرغب.
راح الجندي يعبُر الغرفة ببطء، مسلطًا الضوء وهو يبحث عن أي شيءٍ مريب. وفجأة، وقعت عين كارل على السجادة المجعدة على الأرض. التي كانت قد انكمشت أثناء دفع السرير.
انقبض جبين كارل تلقائيًا حين أدرك الوضع. و كان يأمل ألا يلاحظ الجندي هذا الخلل، لكن بما أنه أتى بعد سماع صوتٍ غريب، ففرص النجاة بدت ضئيلة.
فكر كارل بسرعة، ثم عضّ شفتيه بقوة، وفتح عينيه بهدوء.
“……هاه؟”
كان صوت رجلٍ غريب سُمِع من الخارج. و هذا الصوت، الذي سُمِع لأول مرة، كان بلا شك صوت الجندي.
فتحت سيان عينيها. و كانت قد تجاهلت رؤية وجه كارل عمدًا، لكن الآن، تلاقت نظراتهما، وانعكست لمعةٌ ذهبية واضحة في عيني كارل.
حدّقت سيان بعينين متسعتين نحو ما يحدث خارج السرير.
“….هـااه.…؟”
من الواضح أن هناك شيئًا غير طبيعي حدث في الخارج. فقد ظهر حذاء الجندي وهو يتراجع إلى الخلف، وصوته المرتبك كان يُسمع بوضوح.
“أين هو الأمير……؟”
صوت منخفض ذو رنين غريب ملأ الغرفة المعتمة. و أدركت سيان الموقف بسرعة، وكادت تبتسم لا إراديًا لكنها تماسكت.
كان الصوت المخيف مألوفًا. كان صوت إيدلين، الذي أراها إياه كارل من قبل على هيئة فضية.
ذلك الكيان الفضي الغريب، الذي لم تتضح ملامحه، لو رآه من لا يعرف التنانين لظنه شبحًا.
فهمت سيان على الفور أن كارل استدعى إيدلين واستخدمه ببراعة للخروج من المأزق.
“أعِد لي الأمير……أعِد لي سقي……”
“آآآآاااه! شبح! شبح!”
صرخ الجندي بأعلى صوته. وكانت خصلات الشعر الفضي الطويل وذيل التونيك يتبعان حذاءه المتراجع بسرعة.
“أعِد ليي ساقييييييييي……”
“آآآااااااه!”
لم يكن مفهوماً لماذا بدأ ايدلين يطلب الساق فجأة بعدما كان يبحث عن الأمير.
ورغم أن صراخ الشبح لم يكن منطقياً على الإطلاق، إلا أن الجندي ألقى المصباح وفرّ هاربًا بأقصى ما لديه.
“……أعتقد بأنكم تستطيعون الخروج الآن.”
قال إيدلين ذلك، الذي كان يراقب الموقف بعد أن انتهى من الصراخ عن ساقه.
“هاااه……”
تنفسا سيان وكارل معًا بارتياح، و خرج زفير طويل لم يكن بإمكان أحدهما كتمه، حتى التصق أنفاس كلٍ منهما بخد الآخر من شدة القرب.
فزعت سيان فجأة من دفء النفس الملامس، وابتلعت ريقها بصعوبة. وبدا كارل أيضًا مذهولًا، إذ فتح عينيه الذهبيتين على اتساعهما بارتباكٍ واضح.
“آ، آسف!”
قالت سيان ذلك دون أن تعرف حتى على ماذا تعتذر، ثم تدحرجت خارجًا من تحت السرير بحركةٍ اعتادتها من كثرة المواقف المشابهة.
وسرعان ما زحف كارل خلفها وخرج كذلك.
“لكن، لماذا كنت تصرخ فجأة وتطلب ساقكَ؟”
سأل كارل وهو يقف ويربت على الغبار العالق بثيابه، ناظرًا إلى إيدلين.
“الصرخة عن الساق شيءٌ متوارث قديم عند الأشباح، ألا ترى أنها كانت مخيفة؟”
“يا لها من عادةٍ تافهة!”
ضحك كارل بخفة وهو يرد بسخرية على إيدلين.
“ليس هذا وقت للثرثرة الآن. أنا حقًا……أريد الخروج من هذا المكان بأسرع ما يمكن. الكنز……أعني الممتلكات الخاصة بصاحب السمو، أين هي؟”
لا يزال الشعور بخفقان القلب الشديد عالقًا في سيان. ثم نظرت إلى كارل وإيدلين وهما يتحدثان، وقطّبت حاجبيها مستعجلة.
رمش كَارل بعينيه للحظة. فاختفى إيديلين، وعاد بريق عيني كَارل المتألقتين إلى لونهما العادي، الأخضر المزرق.
“من هذا الاتجاه.”
أمسك كَارل بطرف السجادة ورفعها عاليًا، فكشفت عن بلاطٍ رخامي لامع ونظيف.
من الخارج، لم يكن بالإمكان تمييز الباب السري بأي شكل من الأشكال. لكن عندما وضع كَارل يده على الأرض ونفخ قليلًا من السحر، صدر صوت طَقطَقَة من الداخل، تمامًا كما حدث مع الأبواب السابقة.
وكأن لاصقًا كان على كف يده. فعندما رفع كَارل ذراعه بعد لمس الأرض، انفتح شقٌ طويل لم يكن يُرى سوى كفراغٍ بين البلاطات.
كان الباب يتكوّن من حوالي ثماني بلاطات كاملة. و حتى لو عرفت أنه باب لمستودع سري، من المستحيل على شخص عادي أن يتمكن من فتحه.
الأمان هنا فعلاً مُحكمٌ إلى درجة مذهلة.
نظرت سيان إلى الممر السري الغارق في ظلامٍ دامس، أكثر سوادًا حتى من الغرفة نفسها، وملامحها توحي بجديّة وقلق. فلم يكن يظهر من الدرج المتجه للأسفل سوى نهايته البعيدة بالكاد.
“سأتبعكِ، لذا تقدّمي أنتِ أولاً، سيان.”
أومأت سيان بخفة وتوجّهت نحو الدرج.
بينما عاد ضوء السحر الذي كان قد أطفئ بسبب دخول الجندي، لينير الطريق نحو الأسفل. و بفضل ذلك، استطاعت سيان أن تنزل دون خطر التعثر على الدرج.
كان الدرج اللولبي يبدو طويلاً جدًا. وبسبب ارتفاعه الكبير، بقيت سيان متوترةً للغاية.
حتى الدرابزين لم يكن موجودًا على جانب الدرج. و أدنى خطوةٍ خاطئة قد تودي بها إلى السقوط في ذلك الظلام الأسود الذي لا نهاية له.
ومع بقاء توتره االشديد، أخذت سيان تنزل خطوةً بخطوة، متجهةً نحو الكنز، لا، بل نحو الملكية الخاصة لكَارل.
___________________
✨الكنز✨
ايدلين يضحك اول مره ادري ان فيه شي متوارث عند الاشباح😭
المهم واضح الجنود نسوا سيان بعد ذا الروعه😂
وسيان وكارل وراهم مشواااار على الرومنسيه
احسن✨
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 29"