كانت سيان تتوقع بغموض أن يكون هناك غرفةٌ بها سرير مباشرة خلف الباب، لكن ما إن فتح كارل الباب حتى ظهر ممرٌ آخر من جديد.
إلا أن هذا الممر كان أقصر بكثير وأكثر فخامة من الممر الخارجي.
على جانبي الجدارين عُلقت شمعدانات تشبه تمامًا تلك الموجودة في الممر، لكنها بلا لهب، وموزعةً بتناسق، وكانت هناك لوحاتٍ تبدو كأنها أعمالٌ فنية شهيرة معلقة بعناية.
“قبل عشر سنوات فقط، لم يكن هناك شيءٌ في هذا المكان، كيف جمعت كل هذه الكماليات؟ وفوق ذلك، الأموال السرية أيضًا.”
“عندما غادرت العاصمة، تلقيت دعمًا سخيًا من جلالة الامبراطور، أما البقية فجمعتها من خلال زراعة حقول الروزبيري بشكلٍ منظم وإدارة بعض الأعمال. فأنا أمير، ألا يجدر بي أن أملك على الأقل هذه المهارات؟”
“ليس كل من يحمل مقامًا عاليًا ذكيًّا وبارعًا في الإدارة، على كل حال، هذا مثيرٌ للإعجاب. نظرتي إليكَ تغيرت، سموّك.”
‘لا بد أن أمواله السرية وفيرةً أيضًا.’
فكّرت سيان في نفسها، لكنها قالت شيئًا مختلفًا بصوتٍ عالٍ.
“هذا لا يُعد شيئًا.”
التفت كارل الذي كان يسير في المقدمة ونظر إلى سيان لثوانٍ بابتسامة رضا.
منذ المرة السابقة، لاحظت سيان أن هذا الأمير لديه ضعف واضح أمام المديح. وكان ذلك لطيفًا بطريقةٍ ما.
شعرت سيان بشيء غريب في داخلها فتنحنحت بخفة.
وأثناء تبادل الحديث غير المميز بينهما، كان الممر القصير قد انتهى بالفعل.
على عكس باب المكتب المزخرف بالتنانين والأرواح حتى إطار الباب، كان باب غرفة النوم بسيطًا للغاية.
وكما هو متوقع، كان الباب مقفلاً، لكنه انفتح بصوت فتح القفل ما إن لمس كارل الباب.
“…..تبًّا.”
لم يُتح لسيان حتى فرصةً إلقاء نظرة على غرفة النوم خلف كتف كارل. فما إن فتح كارل الباب بهدوء تمتم بصوتٍ منخفض أمام سيان.
“…..لقد انتهى أمرنا..…”
“لماذا؟ ما الأمر؟”
عند سماعها شتيمة كارل المليئة بالذهول، مالت سيان برأسها ونظرت من فوق كتف كارل.
تحت ضوء السحر الذي ينبعث من يد كارل، بدأت تظهر ملامح سرير ضخم، وأريكة، وطاولة شاي، ورفوف كتب، وأثاثٌ فاخر يليق حقًا بغرفة نوم لورد.
في نظر سيان، لم يكن هناك ما هو مميز. باستثناء البذخ غير المألوف.
“بالتأكيد تم تغيير ترتيب الأثاث. ألفريد هذا، يتصرف على هواه..…”
قال كارل ذلك وهو يصرّ على أسنانه وقد ارتسمت على وجهه ملامح الإحباط الشديد.
فأمالت سيان رأسه متسائلةً وهي تنظر إلى وجه كارل المتجهم.
“وهل هذه مشكلةٌ كبيرة؟ ما دمتَ ستفتح باب المخزن السري-”
“إنه تحت السرير.”
أشار كارل بأطراف أصابعه نحو السرير. و الكرة السحرية الفضية التي كانت تطفو فوق كفه تحركت كما لو كانت حيّة، وأضاءت السرير.
سريرٌ ضخم يمكن أن ينام عليه ثلاثة أو أربعة بالغين براحة، تحيط به أعمدةٌ كبيرة من كل جانب، وسقفه وأطرافه مغطاةٌ بستائر جميلة تشبه الأقمشة الفاخرة.
“السجادة تحت السرير، وتحتها يوجد باب المخزن السري.”
حينها فقط أدركت سيان سبب غضب كارل من ألفريد الذي غيّر ترتيب الغرفة على هواه.
أن يكون السرير جميلاً وفاخراً ويبدو غالي الثمن، فهذه مسألةٌ لاحقة.
أما المشكلة الحقيقية فهي أن سرير اللورد الشاب، كلما كان أكثر فخامة، بدا أكثر ثقلاً.
“…..لا تقل أن علينا تحريكه..…”
أمير لم يحمل شيئًا أثقل من سيف، وسيان، فتاةٌ مهما كانت ماهرة فإن لقوتها البدنية حدودًا—لم يكن بإمكانهما رفعه معًا.
“للأسف، يبدو أن علينا ذلك.”
يا إلهي.
وضعت سيان يدها على جبينها ردًا على إجابة كارل.
“ألا يمكنكَ استخدام السحر أو شيءٍ من هذا القبيل؟”
“قلت لكِ، هذه حيل صغيرة فقط. لا أملك القدرة على تحريك سرير ضخمٍ كهذا.”
نظر كارل إلى السرير بوجه عابس، وشاركته سيان نفس الملامح القاتمة.
في النهاية، يبدو أنه لا مفر من استخدام القوة…..
“…..حقًا، من يحب مثا هذا السرير الفخم؟ يبدو أننا سنعاني بسببه.”
مع أنها تعرف تمامًا من صاحب هذا الذوق، تذمرت سيان بصوتٍ مسموع. فأطلق كارل سعالًا خفيفًا في إحراج.
“المشكلة ليست في الذوق، بل في ألفريد الذي غيّر ترتيب الغرفة دون إذن. انتظري فقط حتى أعود، سأريه معنى ذلك..…”
“دعنا نناقش من المسؤول لاحقًا، أولًا علينا رفعه.”
رفعت سيان أكمامها. قتنهد كارل بعمق وسار مترددًا نحو رأس السرير.
“هل ستتمكنين من حمله؟”
بطبيعة الحال، تولّت سيان الجانب السفلي من السرير.
نظرت إلى حجم السرير الثقيل بلعاب جاف وقلقٍ ظاهر، فأطلق كارل صوتًا مليئًا بالقلق.
“علينا أن نفعلها بينما لا يُسمع لنا صوت. مفهوم؟”
كان الانسجام بينهما مثاليًا، فأومأ كارل برأسه فوراً.
“عند العد إلى ثلاثة، نرفعه. واحد، اثنان..…”
ثلاثة-
بذلت سيان كل ما في وسعها لرفع طرف السرير من الأسفل. فتحرك السرير قليلًا بشكل مائل، لكن بزاوية غير متوازنة.
جانب السرير الذي كان عند كارل ارتفع قليلاً عن الأرض، أما الجانب الذي تمسك به سيان من الأسفل فلم يتحرك قيد أنملة.
عقدت حاجبيها بإحباط، تشعر بالخذلان.
“…..هل يمكنني أن أشتم قليلًا؟”
عند كلمات سيان الغاضبة، أنزل كارل السرير الذي رفعه قليلًا.
“من الأفضل أن أفعلها وحدي. لا داعي لأن تستهلكي قوتكِ أيضًا.”
“هل يمكنكَ فعلها؟”
“علينا أن نحاول. لا خيار آخر.”
قال ذلك وهو يشمر عن أكمامه بعزمٍ واضح.
تحت ضوء الكرة السحرية الفضية التي تطفو فوق رأسه، ظهرت ذراعه العضلية بوضوح.
كان طويل القامة، وذراعاه طويلتان. ومع امتداد ساعده المتين، اضطرت سيان إلى كبح نظراتها التي كانت تنجذب نحوه دون قصد.
‘الآن بعد أن فكرت في الأمر…..لقد نمت وأنا مستندةٌ على ذراعه تلك.’
لم تتذكر جيدًا لأنّه دفعها بعيدًا فسقطت مباشرة، لكن ملمس الذراع العضلية كان فعلاً متماسكًا ومشدودًا…..
بينما كانت تفكر بذلك وشفتيها تنفرجان بابتسامةٍ خفيفة، أدركت فجأة ما تفكر فيه.
‘ما الذي أفكر فيه في لحظةٍ كهذه؟’
أزاحت تلك الأفكار الغريبة بهزّة صغيرة من رأسها، لكنها شعرت بالكآبة.
كان من المحزن أنها لم تستطع إنكار وصف “سطحية التفكير” الذي أخذ يتردد داخل رأسها.
أما كارل، الذي لم يكن يعلم شيئًا عن حالة سيان التي كان وجهها يحمر بسبب أفكارها المادية، فقد بلّل شفتيه بتوتر، ثم رفع السرير دفعةً واحدة.
ولحسن الحظ، لم يصدر صوت سحب مزعج بفضل السجادة السميكة التي تحته.
بالفعل، الرجال يظلون رجالًا. كيف استطاع تحريك ذلك السرير الثقيل وحده؟
راقبت سيان بدهشة تعلو وجهها كيف بدأ السرير، الذي لم يتحرك قيد أنملة حين حاولت رفعه، يتحرك تحت يد كارل.
قام كارل بحذر برفع الجزء العلوي من السرير أولًا وتحريكه قليلًا، ثم اقترب من جهة سيان ليدفع الجزء السفلي.
وبعد أن كرر تلك العملية عدة مرات، كان السرير، الذي بدا أنه لن يتحرك أبدًا، قد انزاح بالفعل إلى أحد الجوانب.
“واو..…”
‘سأقع في غرامه من جديد.’
كادت سيان أن تنطق بتلك الكلمات دون وعي، لكنها تداركت الأمر في اللحظة الأخيرة.
شعرُ كارل، الذي كان قد تنقل ذهابًا وإيابًا لتحريك السرير لوقت طويل، كان ملتصقًا بجبينه. و رغم أن الإضاءة الخافتة لم تكن كافية لرؤية كل شيء بوضوح، إلا أن شكله المُتعب كان واضحاً تمامًا.
مرّر كارل يده الكبيرة على وجهه وتنهد بعمق.
“نحتاج فقط لتحريكه حتى نتمكن من رفع السجادة، أليس كذلك؟”
عندما سألت سيان، أومأ كارل برأسه.
“حسب ما أتذكر، الباب يجب أن يكون في هذا المكان…..أظن أننا نحتاج فقط إلى تحريكه قليلًا بعد.”
وبعد استراحةٍ قصيرة، أمسك كارل مجددًا بإطار السرير.
•كييييييك.
صدر صوت صريرٍ مفاجئ عندما بدأ السرير، الذي لم يُصدر أي صوت حتى الآن، يُسحب مع السجادة تحته.
صرخةٌ مفزوعة خرجت، لكن لم يُعرف من بدأ بها أولًا، سيان أم كارل.
“آااه.”
“هل جننتَ؟!”
“أنا بكامل وعيي!”
صرخ كارل بانزعاج ردًا على صرخة سيان الغاضبة المعتادة.
“لا فائدة، نحتاج فقط لتحريكه قليلًا، لذا ساعديني، يا سيان.”
“حسنًا.”
بما أن الصوت قد صدر بالفعل، فلا أحد يعلم إن كان أحدهم قد سمعه وسيتوجه إلى هنا.
ثم ألم يقل أحد الحراس أنهم سيعودون للبحث إن لم تعُد خلال ثلاثين دقيقة؟
صحيح أن العثور على غرفة النوم، الواقعة في أعمق جزء خلف المكتب، ليس بالأمر السهل، لكن إن سمع أحدهم الصوت، فالوضع سيختلف تمامًا.
بقلب مستعجل، أمسكت سيان بإطار السرير وبدأت تساعد كارل بجهد كبير.
– كييييييي….كُونغ!
وكانت العواقب الهائجة لفقدان التوازن هائلة.
أظهرت سيان قوةً خارقة وتمكنت من رفع السرير قليلًا، قليلًا جدًا، وهو ما لم تستطع فعله قبل قليل.
لكن بسبب استعجالها، وبينما كانت تحاول تحريكه بقوة، صدر صوت احتكاكٍ قوي مع الأرض، وفي النهاية أسقطته فجأة.
دوّى صوتٌ ضخم هزّ الطابق الثالث بأكمله.
لم يكن مجرد صوتٍ يُحدد مكانه فقط، بل كان كافيًا لإيقاظ النائمين.
“هل فقدتِ عقلكِ؟!”
صرخ كارل بغضبٍ شديد.
“أنا بكامل وعيي!”
سيان ردّت بجدية، وقد أدركت أخيرًا ما شعر به كارل قبل قليل.
“كم تبقى؟ كم علينا أن نحركه بعد؟”
كان قلبها يخفق بشدة، وارتبكت لدرجة أنها بدأت تتلعثم.
“قليلٌ فقط!”
صاح كارل بصوت منخفض.
“بما أن الصوت قد صدر بالفعل، فلندفعه بالكامل! علينا إنهاء الأمر بسرعة الآن!”
غيّر كارل خطته بدلًا من محاولة رفع الإطار مجددًا. وبدا أن تلك الطريقة ستكون أفضل فعلًا، فسارعت سيان إلى جانبه وأمسكت بالسرير.
– كييييييييييك.
يا له من سريرٍ ملـ-عون وثقيل إلى هذا الحد!
رغم وجود السجادة تحته، أصدر صوت احتكاك مخيف وهو يُدفع.
“أووووه..…”
أطلقا سيان وكارل معًا صوتًا لا يُعرف إن كان من الإحباط أو من الاستسلام.
ورغم كل شيء، فإن قبضتهما المتوترة والتي تخلّت عن أي حرص على الصمت، جعلت السرير يتحرك لمسافة أكبر من كل ما بذله كارل وحده حتى الآن.
“هذا يكفي!”
صرخ كارل، الذي بات غارقًا بالعرق، موجّهًا كلامه لسيان.
وفي تلك اللحظة تمامًا، سُمعت خطواتٍ خفيفة قادمة نحوهما.
____________________
تم القبض 😭😭😭😭😭😭😭
يضحكون تسللهم كأنهم حراميه رايعين بس الحين راحت الهيبه والرومنسيه وكلش 😭
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 28"