عند كلمات سيان، هزّ كارل رأسه بسرعة وكأنه يحاول طرد ما تبقى من القشعريرة.
حتى بعد أن زالت البرودة، استغرق الأمر وقتًا حتى استعاد هدوءه تدريجيًا وببطء.
“كلام دارام، وكلامكِ أنتِ أيضًا…..يبدو أن القصة تتجه نحو اتجاهٍ واضح جدًا.”
شعر وكأن التوتر الذي جعل كتفيه مشدودين بدأ أخيرًا بالتراخي قليلًا، فأطلق زفرةً طويلة وعميقة مرة أخرى.
‘…..إنها دليلٌ مهم للغاية. لكن لا أظنني قادرًا على الاحتفاظ به..…’
ضيّق عينيه وهو يحدّق في الصندوق الذي تمسك به سيان.
“…هل أنتِ بخير، يا آنسة؟”
أليست هي أيضًا سيدة تنين؟
ردة فعل إيدلين، والبرد القارس الذي كان يؤثر عليه رغم أنه لم يكن يمسك بالصندوق بيده…..
إن كانت سيان سيدة تنين، فمن الطبيعي أن تكون تحت نفس التأثير. حتى لو كانت تتظاهر بالجهل أو تتقن التمثيل، فإن ذلك البرد الذي يتسلل إلى العظام ليس شيئًا يمكن تحمله أو إخفاؤه.
مرة أخرى، راود كارل الشك.
بدا له من نواحٍ كثيرة أن سيان قد تكون سيدة تنين هي الأخرى، ولكن إن كانت كذلك، فكيف لها أن تتعامل مع ذلك الشيء الفظيع بهذا الوجه الهادئ والتصرف الطبيعي؟
“أنا بخير طبعًا. فأنا لست سيدة تنين.”
أجابت سيان بابتسامةٍ هادئة على تساؤله.
“لهذا السبب، لم أجرؤ على البوح بأي شيءٍ طوال الوقت. آسفة لأنني أقولها الآن، في موقف يتزامن مع لقاءٍ مشرف مع إيدلين.”
“لا داعي للاعتذار. لقد كان توقيتًا جيدًا جدًا.”
قال كارل ذلك وهو يزفر بأنفاسٍ مثقلة.
“بفضلكِ، أدركتُ الآن بشكلٍ حيّ أكثر من أي تفسير مدى بشاعة هذا الشيء.”
“أشكركَ على تقبلكَ للأمر بهذا الشكل.”
ابتسمت سيان ابتسامةً مشرقة، بخلاف كارل الذي لم يكن بمزاجٍ يسمح له بالابتسام، إذ لم يكن قد تخلّص بعد من سمّ عظم التنين الحيّ.
لكن ما أزعجه أكثر أن الأمر لم يكن فقط في السمّ، بل في التساؤل المتكرر داخله،
إن لم تكن سيان سيّدة تنين، فمن تكون إذًا هذه المرأة التي تقف أمامه؟ وما هويتها الحقيقية؟
“إذًا سأحتفظ بهذا الصندوق لدي. حتى وإن كان مغلقًا، فبالنسبة لك لا يزال سُمًا حيًّا.”
“نعم، أرجوكِ…..”
أجابها كارل وهو يقطّب حاجبيه بشدة، و يشعر وكأن أفكاره تشابكت مثل خيوط عقدة معقدة.
“كانت نوبة الحراسة على أسوار القلعة محددةً للغد في وقت الظهيرة، أليس كذلك؟ إذًا، بما أن الليل قد أصبح عميقًا، دعنا نخلد للنوم الليلة، ونُنهي الأعمال المتبقية غدًا، وبعد أن يحلّ الظلام مجددًا نتحرّك بسرعة.”
وضعت سيان الصندوق بداخل الحقيبة عميقًا بعناية.
و لم يجد كارل أمامه إلا أن يساير قيادتها التي نظّمت الأمور بسلاسة.
***
كما قالت سيان، وبينما كان ذهن كارل لا يزال مشوشًا ومضطربًا، بزغت شمس الصباح دون رحمة.
كان من المرجّح أن من حاول اغتياله هو الفارس أنطونيو، وقد تصرّف من تلقاء نفسه. لكن، إن كان الأمر كذلك، فلماذا هاجم ولي العهد إيفاريد وكأنه ينوي قتلهم جميعًا، بما فيهم الماركيز وأنطونيو؟
وفوق كل هذا، كانت سيان تستنتج كل تلك الأمور بسلاسة وطبيعية مدهشة. وبالنظر إلى تعاملها الهادئ مع عظم التنين الحيّ، بدا شبه مؤكد أنها ليست سيّدة تنين…..
فما هي هويتها الحقيقية إذًا، وهي تعرف عن بيئة التنانين أكثر من الناس العاديين؟
لم يتمكن كارل من النوم بسهولة بسبب الأسئلة المتلاحقة التي لم يستطع ترتيبها في ذهنه وكل ما حدث له بدا غامضًا وغير واضح.
كانت الوحيدة المتماسكة في هذا الموقف هي سيان.
تحركت سيان وحدها بصمت في وقتٍ متأخر من الليل بعد أن اطلعت على مخطط القلعة الذي رسمه لها كارل، ويبدو أن التسلل خفيةً عن أعين الناس كان متعبًا بما فيه الكفاية لتنام هكذا بسرعة.
كان كارل يراقب سيان النائمة في غرفة الخادمات الضيقة والمشتركة، غارقًا في التفكير دون أن يجد إجابة.
وبتعبيرٍ أدق، كان قد غرق في التفكير.
على ما يبدو، كان من المرهق له أيضًا أن يمنح إيدلين كيانًا حقيقيًا بجسد لم يتعافَ تمامًا بعد.
ظن أنه غارقٌ في التفكير، لكنه حين فتح عينيه كان ضوء الشمس يتدفق من النافذة كالسيل. و الشموع التي أشعلها طوال الليل ذابت بالكامل، ولم يبقَ سوى شمع متكتل وفتائل محترقة.
متى نمت؟
رمش كارل بعينيه حائرًا في الموقف المفاجئ حيث أغمض عينيه ووجد نفسه في الصباح.
لكن الموقف الأكثر غرابة لم يكن هذا فقط.
غرفة الخادمات التي يستخدمها ستة أشخاص، كانت تحتوي على ثلاث أسرّة طابقية صغيرة تحيط بالغرفة من ثلاث جهاتٍ بشكل مكتظ.
وكان هناك طاولةٌ دائرية صغيرة في المنتصف للراحة المؤقتة.
رغم ضيق الغرفة، إلا أن أماكن النوم كانت كافية، وقد أخذت سيان سريرًا بعيدًا واستلقت قائلةً أنها ستنام جيدًا هناك.
وبحسب ذاكرة كارل، فقد حدث هذا لتوه.
لكن في الوقت الحالي، كان هو نفسه محشورًا في زاويةٍ من الغرفة، ملتصقًا بالحائط غير قادرٍ على الحركة.
وصوت التنفس المنتظم كان يهتز أمام أنفه مباشرة.
و مثل حراشف التنين التي تشعّ نورًا من تلقاء نفسها، كانت خصلات الشعر البلاتيني الناعمة تتلألأ ببذخ تحت ضوء شمس الصباح.
…..كيف انتهى بنا الحال إلى هذا الوضع؟
سيان، التي كانت نائمةً على السرير المقابل، كانت الآن نائمةً وهي تستخدم ذراع كارل كوسادة دون أن يعلم كيف حصل ذلك.
كارل، خائفًا من أن يوقظ سيان، لم يجرؤ حتى على التنفس بشكلٍ طبيعي بينما كان يعيد ترتيب ذكرياته واحدةً تلو الأخرى.
كان يتذكر بوضوح أن سيان قالت له “تصبح على خير” واستدارت على السرير المقابل لتنام…..
أخرج كارل رأسه قليلًا وتفقد ما حوله.
السرير الذي هو عليه كان بالفعل هو السرير الذي اختاره منذ البداية. وهذا يعني أن سيان، التي كانت نائمةً في السرير المقابل، جاءت إلى سريره دون أن تشعر.
يا للعجب. فتاةٌ لا يمكن ردعها فعلًا.
هزّ كارل رأسه داخليًا وهو عاجزٌ عن الحراك كدمية.
“حتى لو أصبحت إمبراطورًا، فلن تستطيع تحمل شخصٍ مثلي بحق.”
أن تقول شيئًا كهذا بكل ثقة، ثم تنام وهي تتسلل إلى حضنه، أليس هذا تصرفًا ظريفًا؟
من المؤكد أن سيان واقعةٌ في حبه تمامًا، ففكر كارل بذلك وهو يبتسم بارتياحٍ ويدير عينيه بهدوء.
و نظرًا لوضعهما كمُرتزقة تسللا إلى القلعة، لم يكن بوسعه استخدام الحمّام بحرية، لذا لم يستحما منذ فترة. ومع ذلك، كانت خصلات سيان المتناثرة تعبق برائحة عطرة لا يمكن تحديد مصدرها.
على عكس الرجال الذين تفوح منهم روائح كريهة بعد يومٍ واحد فقط من عدم الاستحمام، كانت رائحة بشرتها وشعرها مختلفةً تمامًا، كأن الهواء نفسه حولها مختلف.
هل كل النساء هكذا؟
شعر كارل بإحساسٍ غريب وكأنه ينظر إلى حيوانٍ نادر، وظل يحدق في سيان النائمة وكأنه يتأملها.
كانت رموشها طويلة جدًا، وشفاهها التي نامت بهدوء كانت وردية اللون تتوهج بصحة وجمال.
بدت وكأنها تضع لونًا مختلفًا من أحمر الشفاه كل يوم حسب مزاجها، فهل وضعت شيئًا قبل النوم أيضًا؟
انغمس كارل في هذا التفكير، وفجأة، عبست سيان بحاجبيها المستقيمين وتحركت في نومها.
رغم أنه لم يفعل شيئًا خاطئًا، إلا أن جسده تجمد تلقائيًا وكأنه مذنب، وبدأ العرق البارد يتجمع على ظهره.
هل ستفهم الموقف بشكلٍ خاطئ إذا استيقظت؟ بالتأكيد ستفهمه هكذا.
حين تستيقظ، سترى الرجل الذي رفضته بالأمس نائمًا إلى جانبها وهو يحتضنها بذراعه. من الطبيعي أن تعتقد أنه هو من بدأ بذلك بنيّة سيئة.
ماذا أفعل الآن؟
إن دفعها بعيدًا سيكون تصرفًا غير مهذب، ولكن إن بقي على هذا الحال، فمجرد أن تفتح عينيها قد تُصفعه على وجهه.
بينما كان كال غارقًا في حيرته، بدأت سيان تفرك عينيها وكأنها ستستيقظ.
لم يكن هناك وقت كافٍ، كانت على وشك الاستيقاظ بالفعل. فقرر أن يسحب ذراعه قبل أن تستعيد وعيها تمامًا، وبدأ بتحريك أطراف أصابعه بحذر.
لكن يبدو أنه نام وهو يمد ذراعه تحتها لفترة طويلة، فلم يستطع تحريك أصابعه كما يريد، بل شعر برجفة رهيبة وكأن ذراعه تعرضت لسحرٍ ما.
“آه…”
كاد أن يتأوه من الألم لكنه تماسك في اللحظة الأخيرة.
و من أعلى ذراعه التي لُفّت بشعرها العطِر إلى أطراف أصابعه، لم يتبقَّ أي إحساس، فقط ألم وخدرٌ شديد.
كان على وشك أن يعض شفته من شدة الألم وهو يلوّي جسده بصمت، وفجأة، بدلًا من أن تستيقظ، عانقته سيان بقوةٍ أكبر كأنها تبحث عن الدفء، وغاصت أكثر في حضنه.
شهق كارل بصمت، وقد علقت أنفاسه على طرف شفتيه.
رائحتها العطرة، و دفؤها، وجسدها اللين الملتصق به بلا حذر…..
شعر كارل بدوارٍ وكأن العالم يدور من حوله بسبب هذا الإحساس الغريب.
لم يستطع دفعها بعيدًا، ولم يستطع أن يضمها أكثر، فظل حائرًا في ما يمكن فعله.
ثم، تمايلت خصلات شعر سيان المبعثرة مع حركتها، تدغدغ وجنته.
تحمّل الألم الناتج عن خدر ذراعه كان ممكنًا، لكن تحمل الدغدغة كان مستحيلًا.
وبينما كان يعاني بصمت، عالقًا في ألم لا يمكن تحمله من الطرفين، بدأت رموش سيان السفلية تهتز بشكلٍ خفيف كأنها شعرت بشيءٍ غريب.
شعر كارل بقشعريرةٍ تسري في عموده الفقري.
‘إنها تستيقظ!’
و مذعورًا، دفع سيان بعيدًا بذراعه السليمة التي لم تخدر بعد، وهو ما فعله بدافع الذعر والدغدغة، دون تفكير.
لم تكن حركةً مقصودة. لقد نفذ صبره وتصرف بغريزة، ثم أدرك بعد فوات الأوان أنه ارتكب خطأ.
وفي التوقيت “المثالي”، فتحت سيان عينيها تمامًا، وكانت في اللحظة التي طُردت فيها من السرير الضيق لتطير في الهواء بعينين نصف نائمتين.
فتح كارل فمه من الصدمة. وكأن الزمن توقف، رأى جسد سيان المعلّق في الهواء، على وشك السقوط، وكأن كل شيءٍ حدث ببطء.
ثم ـ كُوونغ-!
ارتطم جسد سيان بالأرض دون حماية، محدثًا صوتًا مدوّيًا.
***
“آه….أنا آسفٌ يا آنسة…..أقسم أنه لم يكن بقصد..…!”
كان كارل يعتذر بحرارة و رسميه وهو يكاد يركع بكلتا يديه، وكانت راحتيه اللتين اعتذر بها طوال اليوم بدأت تؤلمه من كثرة الاحتكاك.
أما سيان، فكانت تمسّد مؤخرة رأسها المتورّمة بحذر، ولا تزال تشعر بالألم.
“لا بأس…..أنا المخطئة لأني تجاوزتُ السرير من الأساس.”
كان الورم في مؤخرة رأسها يكبر شيئًا فشيئًا حتى بات من الصعب عليها حتى أن تربط شعرها.
لكن لحسن الحظ، يبدو أنها لم تصب بارتجاجٍ في الدماغ، وهذا بحد ذاته كان معجزة.
من كان يظن أنها ستتلقى صدمةً كهذه وهي نائمة؟
أجابت سيان بصعوبة وهي تحاول التماسك، لكن تعبير وجهها المتجهم لم يتغير.
ولحسن الحظ، أدركت سريعًا أن السرير الذي سقطت منه لم يكن السرير الذي اختارته قبل النوم، فلم تسيء الظن بكارل، بل اعترفت بخطئها فورًا.
لم يحدث أي سوء تفاهم محرج، لكن ذلك لا يبرر على الإطلاق ذنب كارلستون في دفع امرأةٍ بقوة حتى سقطت.
“فلنستعد لأخذ المال الليلة فورًا.”
“لا تتحدثي وكأننا لصوص..…”
نظرت إليه سيان بنظرةٍ حادة، أما كارل، الذي شعر بالذنب، فقد عبس قليلًا وابتسم بخجلٍ وارتباك.
____________________
توه مستانس انها يمكن تحبه وش ذا الرجفة😭😭😭😭
الموقف يضحك ودي أسأل المؤلفه متأكده ذولا بعدين بيتغازلون؟ مستحيل اتخيلهم😭
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 24"