“ولِمَ لا؟ سيان، ألم تكوني قد وقعتِ في حبي؟”
“…..هاه؟”
ردّت سيان دون أن تشعر، ثم سرعان ما اجتاحها شعورٌ بالحرج والارتباك.
‘…..كيف عرف؟’
لا، لقد كان واضحًا جدًا. لو لم يلاحظ، لكان هو الأحمق.
لم تكن تدري إن كان ذلك خجلًا أم إحراجًا، لكنها شعرت بداخلها يضجّ بالفوضى.
“قلتُ لكِ، أنا لست بهذا القدر من الخفّة. لا أمدّ قدمي إلا بعد أن أرى أين سأنام. هل أبدو لكِ من ذلك النوع الرديء من الرجال الذي يلاحق أي امرأةٍ تُعجبه؟”
حدّقت سيان في كارل بفمٍ نصف مفتوح ونظراتٍ شاردة.
ذلك التقرّب الواثق الذي ظنّت أنه مجرد مزاح، بدا الآن وكأنه كان مستندًا إلى ثقةٍ راسخة.
أسند ذقنه إلى يده وأظهر بوضوحٍ انزعاجه، مع عقدة طفيفة بين حاجبيه.
تعبير وجهه الوقح والواثق، الخالي من أدنى شك، كان ينبض بثقة مغرورة تقول: “من ذا الذي قد لا يحبني؟”
ذلك التعبير الذي يسير على حافة الغرور والتكبر، كان يُفترض أن يكون مزعجًا….لكن…..
عضّت سيان شفتها.
‘…..إنه وسيمٌ جدًا.’
راودها شعورٌ بأنها تريد أن تمزّق شعر رأسها.
إنه يعلم أنه وسيم، ويتصرّف بثقةٍ بناءً على ذلك، ورغم أن هذا الوقح يعلم تمامًا كيف يبدو، إلا أنه لا يبدو مزعجًا…..بل وسيمٌ فحسب.
إن ذوقها الذي لا يكره هذا الوجه المغرور، كان مثيرًا للاشمئزاز لدرجة أنها شعرت بالحزن.
“كارل، هل تعرف ما الذي يجعل العالم جميلًا؟”
تنهدت سيان بعمقٍ ثم فتحت فمها. بيننا مال كارل برأسه مستغربًا.
“…..ما هذا السؤال المفاجئ؟”
“وماذا عن الشيء الذي يجعل العالم مليئًا باليأس؟”
“……؟”
نظر إليها كارل بحيرة، بل وقطّب حاجبيه.
لم يكن فقط عاجزًا عن الإجابة، بل لم يفهم حتى المقصود من سؤالها.
“رغم أن جدرانكَ التي بنيتها بصعوبة تنهار، ورغم أنكَ تطارد بتهمةٍ لم ترتكبها، فإن السماء لا تزال زرقاء، والعالم يستمر بالدوران، أليس كذلك؟”
“….…”
“واحدة من الدروس التي تعلمتها في حياتي هي أن العالم لا يتغير. سواءً كنت في قعر اليأس، فإن الصباح لا بد أن يأتي. وحتى في لحظات السعادة، فإن الليل لا بد أن يحلّ.”
تحوّل وجه كارل إلى الجمود وهو يحدّق في سيان بثبات.
“في النهاية، ما أقصده هو أنه حتى لو اجتاحتني مشاعري للحظة فاتخذت قرارًا ما أو رغبت برغبةً ما، فلن يتغير شيءٌ كثيرًا. أنا لا أقوم بأفعالٍ متهورة تُؤذيني تحت تأثير مشاعري.”
“ولمَ يكون اختياري لكِ بمثابة طعنةٍ في قدمكِ، سيان؟ لأنني مُطارد؟”
“هذا جزءٌ من السبب، ولن أنكر ذلك.”
قالت سيان ذلك بوضوح قاطع. وكان على وجه كارل تعبيرٌ معقد.
“لكن ليس هذا هو السبب الوحيد. فليست كل أمور العالم تدور بسبب سببٍ واحد فقط. فقط..…”
رؤية تعبير كارل الثقيل، وكأنه قد رُفض بصدق، جعل سيان تشعر بعدم ارتياحٍ غامض.
بدأت تتحدث كما لو كانت تحاول تبرير نفسها، ثم حركت شفتيها بصمتٍ للحظة.
إلى أي حدٍ يمكنها أن تتكلم؟
“فقط؟”
بينما كانت سيان تفكر، نفذ صبر كارل فتكلم بنبرةٍ مستعجلة.
حركت سيان شفتيها وكأنها ستنطق فورًا، ثم تكلمت أخيراً.
“…..حتى وإن كنتَ صاحب السمو الأمير، بل حتى لو أصبحت الإمبراطور نفسه، فلن تستطيع حقًا تحملي. وهذا هو السبب الحقيقي لرفضي.”
ابتسمت سيان ابتسامةً مرة. بينما عبس كارل بتعبير لا يستطيع فهمه.
“لذا فلننهي هذا الحديث عند هذا الحد. لِنأخذ قسطًا من الراحة الآن، وننتظر حلول الليل لنتحرك. على الأرجح، سنلفت الأنظار إن تحركنا في النهار.”
***
[لقد رُفضتَ!]
“…..كفى ضجيجًا.”
ضحكت إيدلين بخفوت على رد كارل.
[فتاةٌ ليست بالهيّنة… تجرؤ على رفض كارلتسون كلاوس.]
نقر كارل لسانه بإيجاز على ضحكة إيدلين.
[ظننت أن الربيع قادم، فإذا بالشتاء يعود من جديد.]
“كفى، لقد توقعت ذلك…..لم أظن أبدًا أنها ستفتح قلبها بهذه السهولة.”
المرأة القوية التي رفضت بكل جرأة الأمير ونبيل إيفاريد، كارل، قائلة إن حتى الإمبراطور لن يستطيع تحمّلها، كانت قد رفعت شعرها البلاتيني الجميل إلى الأعلى، وانطلقت قائلةً أنها ستسرق زيّ الخادمات.
وبينما تُرك كارل بلا عمل في سكن الخادمات، كان يتقلب كالعاطل عن العمل.
المقاتلة المحترفة، التي لم تكن قيمةُ العقد معها خاسرة أبدًا، كانت تؤدي دورها بدقةٍ دون أن تترك أي ثغرة.
[عدم شعوركَ بالأسف على ما يبدوا…..ها كان في نفسكَ شيءٌ آخر، كما قالت؟]
“أي نيةٍ خفية؟ هل أبدو لكِ مثل عابث يخدع النساء بدوافع مريبة؟”
[فقط لأنني لم أرَك تبذل هذا الجهد في التقرب من امرأةٍ من قبل. لذا خمّنت ببساطة أن الأمر لم يكن جادًا.]
“…..حتى في نظركِ كان يبدو كذلك، لا كلام لدي إذاً. يبدو أنني كنتُ ساذجًا.”
نقر كارل لسانه مرة أخرى، فضحكت إيدلين بخفوت.
[التوقيت لم يكن مناسبًا. ولأكون صادقة، أليس سيدي نفسه لا يثق بها تمامًا؟]
قطّب كارل حاجبيه على ملاحظة إيدلين.
لقد كان في داخله شكٌّ بالفعل حيال ماضي سيان، النبيلة التي أصبحت مرتزقة. وفوق ذلك، كان يتذكر كلماتها الخافتة التي كانت تهمس بها في نومها.
“…..إنها امرأةٌ لها علاقة بالتنين.”
كان كارل واثقًا. و لقد سمح لخياله أن يمتد إلى حد الهوس، وبدأ يشك داخليًا إن كانت هي سيدة التنين.
[لكن إن كانت سيدة التنين فعلًا، فكيف لم يُكتشف أمرها حتى الآن؟]
“هذا ما يثير استغرابي أيضًا.”
فهي ليست من عامة الشعب، بل من النبلاء. حتى لو كان لها ماضٍ معقّد اضطرها لإخفاء كونها سيدة التنين، لم يكن ذلك بالأمر السهل.
فالتنين، حين يختار سيده، لا بد أن يغادر عشه ويظهر للعلن، ومتى ما حدث ذلك، يستحيل ألا تنتشر الشائعات بطريقةٍ ما.
[إذاً كنتَ تتقرّب منها بادّعاء اهتمام شخصي فقط لتتقصى أمرها؟ أود الدفاع عنكَ، لكن هذا تصرّف رديءٌ فعلًا.]
“هل ترينني بهذا السوء أيضًا؟ قلت لكِ، الأمر ليس كذلك فقط.”
[إذاً، هل سيدي قد وقعت حقًا في حبها؟]
أطلق كارل سعالًا محرجًا على كلام إيدلين.
“على الأقل…..كما قلتُ، هي جميلة، وقد أنقذت حياتي.”
[رائعٌ جداً!]
“ثم إنكِ تعرفين أنني لم أبدأ بالإعجاب بها أولًا. كانت تصرفاتها واضحة، لكن عندما حاولت التقرّب منها فعلًا، رفضتني بوضوح. ما هذا؟”
[تبدو ذكية، ولو كنت مكانها، لشككت في نواياكَ أيضًا، سيدي.]
كانت إيدلين باردةً في حكمها. ولم يتمكن كارل من إنكار الأمر، فصمت تمامًا.
“…..هناك شيءٌ ما.”
قال كارل ذلك بعد صمت قصير، وهو يتنفس بعمق.
[سواءً كانت سيدة تنين أو كاهنة منبوذة، لا بد أن المعبد يعرف حقيقتها.]
غرق كارل في التفكير إثر كلمات إيدلين.
المعبد لا يتدخل في شؤون البشر، لكنه يعلم كل شيء. وربما يعرف حتى الجاني الحقيقي الذي قتل ملك التنانين.
تحوّل وجه كارل إلى الجمود وهو يحدّق في نافذة صغيرة بالكاد تُرى.
من خلف الظلام الدامس في الخارج، تسللت أضواء خافتة إلى الداخل.
منذ الليلة التي شنّ فيها ولي العهد هجومه المباغت، بقيت القلعة التي بلا سيّد مضاءةً طوال الوقت، تحسّبًا لهجومٍ آخر قد يحدث في أي لحظة.
“هل ألتقي بألفريد..…؟”
تمتم كارل بصوتٍ خافت وقد أرهقه الانتظار.
[هل يمكنكَ أن تثق بأنه في صفك؟ لا زال من الخطر أن تظهر في العلن.]
اعترضت إيدلين، فعض كارل شفته بتعبير معقّد.
“…..يا له من أمر محبط. قضيت أكثر من عشر سنوات وأنا أكرّس كل شيء لبناء هذه القلعة، والآن، الشيء الوحيد الذي يمكنني الاعتماد عليه هو عقد مع طرف لا أعرف هويته.”
[دعنا نكن دقيقين، سيدي. الحقيقة أنك لا تملك الآن أي شخصٍ يمكنك الوثوق به.]
تقطّب جبين كارل من تصحيح إيدلين البارد.
[المعبد لن يقدم لك يد العون. حتى لو قرر سيّد ناثان القضاء عليكَ لتثبيت سلطته الملكية، فسيُعدّ الأمر شأنًا داخليًا للإمبراطورية. وللسبب ذاته، حتى لو كان المعبد يعرف القاتل الحقيقي لملك التنانين، فلن يمنحك دليلًا مباشرًا.]
“… أعلم ذلك. لكن على الأقل، المعبد سيدرك أنني لست القاتل الحقيقي. في الوقت الحالي، أحتاج إلى جهةٍ واحدة فقط تصدّق براءتي. سواءً كان المعبد، كجهة فوق القانون، أو مرتزقة مجهولة.”
[…..قد يكون هذا مجرد قلق زائد، كارل.]
انخفض صوت إيدلين.
نظر كارل إلى الخارج، حيث لا شيء يُرى، وكأن بإمكانه رؤية إيدلين، الحليفة الوحيدة التي يثق بها، هناك في البعيد، مختبئة.
[لكن، كأن عاصفةً عاتية على وشك أن تهب.]
لماذا خفضت صوتها بهذا الشكل؟
تساءل كارل في نفسه بصمت، قبل أن يرسم ابتسامةً ساخرة على شفتيه.
“إنها حرب أهلية بين ولي العهد والأمير. العاصفة قد بدأت بالفعل-”
[لا، أعني أمرًا أعظم من ذلك.]
قاطعت إيدلين كلامه، ولم تكن قد أغلقت شفتيها بعد حين ضاق كارل بعينيه قليلاً.
“…..وهل هناك ما هو أعظم من حربٍ أهلية؟”
[بالتأكيد، الحرب الأهلية أمرٌ جلل. لكن، ربما يكون مجرد أملٍ في قلبي، إلا أنني لا أظن أن سيد ناثان يحمل ضغينةً ضدك. أعتقد أن هناك من يريد إثارة الحرب بينكما، سواءً كان هو القاتل الحقيقي لملك التنانين أو شخصٌ آخر يسعى لإشعال الصراع بينكما.]
هناك من يحرّض على الحرب. وقد خطر في ذهن كارل اسمٌ ما فور سماعه لكلام إيدلين.
“لا بد أنه شخصٌ سيستفيد من الحرب بيني وبين أخي.”
ولي العهد، هندريك كلاوس، صاحب الحق الأول في وراثة العرش، وإن سقط، فإن الثاني في الترتيب لوراثة العرش هو كارلستون كلاوس، سيد إيدلين.
وإن اختفى الاثنان معًا — هيندريك، وكارلستون — فسيؤول العرش إلى من يملك الحق الثالث في الوراثة،
دانييل كلاوس، أه الإمبراطور الحالي وسيد إلينا، الذي أطاح به — عم كارل — من العرش، ومنحه لقب “ماركيز” واسم العائلة الجديد “غريغوري”.
“…..لكن، عمي ليس بالشخص الذي يمتلك هذه الجرأة.”
خطر ببال كارل حينها ما سمعه عن أن تنين عمه كان يتردّد إلى أراضي أنطونيو، فارس التنين. وتلبّد وجهه بتعبيرٍ قاتم.
حتى حين سمع تلك القصة سابقًا، لم يتمكن من جمع القطع كاملة، لكن شعورًا غامضًا بعدم الارتياح تسلل إليه آنذاك.
وما منعه من التعمق في ذاك الإحساس، هو ما كان يعرفه عن عمه حتى الآن.
نعم، كان ذلك بسبب الانطباع الذي يحمله عن عمه.
[حالياً، هو الاحتمال الأكثر منطقية. أنتَ لا ترغب بالعرش، وسيد ناثان يعرف ذلك جيدًا. ومهما بلغت من براعة في إدارة إيفاريد، فهي لا تزال مجرد مقاطعة من مقاطعات الإمبراطورية. ومع مرور الوقت، حين يموت سيد التنانين، سيؤول العرش إليه طبيعيًا. فما الداعي لأن يفتعل سيد ناثان هذا الصراع معكَ من الأساس؟]
كان استنتاجًا منطقيًا، وهو بالضبط ما جعله يشعر بنفورٍ تجاه ما يجري.
“لكن أخي ليس بذلك التهور. لا بد أنه امتلك دليلاً أكيدًا، وإلا لما تجرأ على القدوم إلى هنا مع عمي وأنطونيو من دون أمر اعتقالٍ من المعبد.”
[…..بالطبع، لا بد من التأكد من تلك النقطة أيضًا.]
___________________
اشواا يعني اخوه طبيعي؟ اخيرا بشوف اخوان طبيعيين
دايم الاخوان الطبيعيين هو اخوان البطله ذا المره احو البطل🥹؟
المهم سيان ماتوقعتها جدار حديدي كذا😭
بس منطقيه الصراحه
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 22"