بسبب إجابة كارل الصادقة، التوى طرف فم دارام فجأة.
“الآن بعد أن تذكرت، دارام. قلتَ إنك من فولاندو، صحيح؟ فولاندو هي إقطاعة الفارس التنين أنطونيو، أليس كذلك؟”
“صحيح.”
“لا بد أنك رأيت التنانين كثيرًا إذًا. كيف كانت؟ سمعت أن بريتا، تنين السيد أنطونيو، لونه بني، فهل هو فعلاً مهيبٌ ومخيف كما تقول الشائعات؟”
سارعت سيان إلى تغيير الموضوع. فقد شعرت بالقلق من أن يشتبك كارل مع دارام مجددًا، وكان فضولها أيضًا كبيرًا بشأن تنين أنطونيو.
“كوني من إقطاعة فارس تنين لا يعني أنني أرى التنانين كثيرًا. ما لم تكن هناك مناسبة خاصة، فإنهم يظلون في أعشاشهم ولا يظهرون.”
“آه، صحيح؟”
هز دارام كتفيه. وأظهرت سيان ملامح خيبة أمل.
“بل أعتقد أني رأيت تنين الماركيز أكثر من بريتا…..من كان شقيق جلالة الملك؟ إنه أحد سادة التنانين..…”
“الماركيز دانييل غريغوري.”
“آه، صحيح. الماركيز دانييل غريغوري.”
حين بدأ دارام يتلعثم وهو يسترجع الاسم، تدخل كارل في الحديث. وعندها نقر دارام بأصابعه متهللًا.
“أجل، أظن أنني رأيت تنينه أكثر.”
“هل تقصد…..ألما؟”
رد كارل وهو يضيق ما بين حاجبيه بلا قصد على كلام دارام، لكنه ما لبث أن عدل من نبرة صوته.
فنظرت إليه سيان بعينين واسعتين دون أن تشعر.
“ما بها ألما؟”
سألت كارل الذي بدا وكأنه تلقى ضربةً على مؤخرة رأسه.
“هذا أمر لا أعرفه أنا أيضًا. لقد مضى وقتٌ طويل منذ أن غادرت مسقط رأسي…..لا أعلم كيف أصبحت الأمور بعد ذلك، لكن على أي حال، رأيت تنين ذلك الماركيز أكثر من تنين اللورد.”
تبادل سيان وكارل النظرات عند سماعهما لكلام دارام.
تنين الماركيز دانييل غريغوري كان يتردد على إقطاعة أنطونيو؟
“وما المشكلة في ذلك؟”
سأل دارام وهو يميل برأسه باستغراب من نظرات كارل وسيان المتبادل.
“لا، فقط بدا الأمر غريبًا. من النادر أن يدخل تنين إلى إقطاعيةٍ يحكمها سيد تنين آخر، أليس كذلك؟”
قالت سيان ذلك. وأومأ كارل برأسه موافقًا على رأيها.
“صحيح، هذا ما حدث. حتى أهل بلدتنا كانوا مشوشين في البداية. لكن مع تكرار المشهد، صار الأمر معتادًا ولم يعد أحدٌ يلتفت له.”
“تجربةٌ نادرة حقًا. أن ترى تنينًا ليس تابعًا لسيد الإقطاعة…..أليس كذلك، كارين؟”
“بلى، كذلك.”
أجاب كارل بجفاء ووجهه يحمل ملامح التوتر، وكأنه استوعب معلومةً جديدة مهمة.
ضحك دارام بسعادة وقد شعر بالفخر لرؤيته أحد التنانين من قبل. وفي تلك اللحظة، ناداه أحد الفرسان المدرعين، يبدو أن دوره لتلقي التعيين قد حان.
“سأذهب الآن إذًا. نلتقي لاحقًا.”
ودعهم دارام على عجل ولحق بالفارس. وما إن أصبحا وحدهما، حتى حل بين سيان وكارل صمتٌ ثقيل يشوبه الشك، وكأن لحظة التوتر السابقة لم تكن.
“قال دارام أنه لم يمضِ وقتٌ طويل منذ أن أصبح مرتزقًا. هذا يعني أن ألما كانت على تواصلٍ مع فارس التنين حتى وقت قريب، أليس كذلك؟”
“…….”
غرق كارل في تفكيرٍ عميق دون أن ينطق بكلمة.
“عندما تعرضت إيفاريد للهجوم، قيل أن ألما وبريتا كانتا برفقة نادان تنين ولي العهد، صحيح؟”
رغم سؤال سيان المتواصل، لم يجب كارل واكتفى بهز رأسه بصمت. فأمالت سيان رأسها باستغراب.
“هل كان الماركيز هناك لهذا السبب؟”
“لو كان الأمر كذلك، لكان زار الإقطاعية مرةً أو مرتين فقط. لكن يبدو أن الزيارات كانت متكررة، أليس كذلك؟”
وهنا أومأت سيان برأسها موافقة.
“إذاً، يبدو أن العلاقة بين الماركيز وفارس التنين كانت متينةً حتى من قبل.”
“صحيح..…”
قال كارل ذلك بنبرةٍ منخفضة وهو غارقٌ في التفكير.
“هل من الطبيعي أن تكون هناك علاقةٌ وثيقة بين سادة التنانين هكذا؟”
“…..ليست بالأمر غير الطبيعي تمامًا.”
أجاب كارل بتردد.
“لكن لا يوجد سببٌ يدعوهم لبناء علاقةٍ قوية، لذا لا يمكن القول أنه أمرٌ طبيعي أيضًا. إنه وضعٌ دقيق.”
أطلق كارل زفرةً ثقيلة بنهاية كلامه وهو يهمهم بقلق.
“يجب أن أتحرك بسرعة. لا أشعر بارتياح، وأتمنى أن أكون مخطئًا.”
رأت سيان كارل يضغط على جانبه وهو يضيق عينيه، يبدو أن جرحه لم يلتئم تمامًا بعد وكان يؤلمه.
“عليّ أن أوصل الحقيقة إلى المعبد في أسرع وقت ممكن، قبل أن تصبح التهمة الموجهة إليّ أمرًا مسلمًا به.”
كان معبد التنين، الذي يقدّس روح “إيغدراسيل”، تنين التأسيس، ويشرف على شؤون حياة التنانين، منطقة خارج نطاق القانون.
لا يخضع لإدارة الإمبراطورية، وفي المقابل، لا يتدخل في شؤونها ما لم يكن الأمر متعلقًا بالتنانين.
وبالنسبة لأميرٍ لا يمكن الوثوق به أو الاعتماد عليه، لم يكن هناك مكان يمكن الوثوق به سوى المعبد.
و ربما كان معبد التنين على علم بالحقيقة وراء موت تنين الإمبراطور، ملكة التنانين إلينا.
عندما عبّر كارل عن قراره بنبرةٍ جادة للغاية، أومأت سيان مجددًا برأسها موافقة.
***
“سترتدين زيّ الخادمة؟”
لم يبدُ على كارل أنه مرتاحٌ لخطة سيان.
وبما أن سيان لم تعتبر الأمر بحاجةٍ لرأيه أساسًا، فقد اتسعت عيناها دهشةً من اعتراضه غير المتوقع.
“هل هناك مشكلة؟ التسلل من الخارج خطرٌ ويثير الشبهات، أما الدخول إلى جناح سموّك من الداخل فالتنكر كخادمة هو الحل الأبسط.”
“نعم، هذا صحيح، ولكن..…”
تجهمت ملامح كارل.
ما المشكلة إذًا؟
بينما تساءلت سيان في سرّها.
“زيّ الخادمة…..تنورتُه أقصر من المعتاد..…”
غطى كارل فمه المتوتر بيديه المشبوكتين وهمس بجديةٍ مبالغ فيها. عندها ضيقت سيان عينيها بشك.
“وما المشكلة في ذلك؟ مجرد تنورةٍ قصيرة، لا شيء يستحق الذكر.”
“…..الآخرون سيرونكِ.”
“ما هذا الكلام؟! يا للغرابة فعلًا.”
قطّبت سيان حاجبيها بوضوح. و لم تستطع أن تميّز إن كان كارل جادًا أم يمزح، لكنه بدا جادًا تمامًا.
“وعلى أي حال، لا يوجد زيٌ يناسبني.”
“ومن قال أنكَ ستلبس زيّ الخادمات أيضاً؟ التنكر يكفيني وحدي. سأصعد إلى الطابق الثالث أولًا وأحرق بخور النوم. وبمجرد أن ينام الحراس، ستتسلل أنت من دون أن يلاحظكَ أحد وتتبعني. وبعد أن ندخل إلى الغرفة من دون مشاكل، سيصبح الأمر أسهل.”
قيل أن في المخزن الذي يحتوي على الأموال السرية ممرًا سريًا يؤدي إلى الخارج.
ربما سيثير اختفاء المرتزقات النساء شكوك الحاكم وبعض المسؤولين في القصر، لكن الأموال كانت تخص الأمير الذي يجهل الجميع بوجودها أساسًا.
و طالما لم يكتشف أحدٌ آثار التسلل، فلن تكون هناك مشكلةٌ كبيرة.
“ألقيت نظرةً عامة، ولحسن الحظ يبدو أن نظام الحراسة لم يتغير كثيرًا رغم غياب سموّك. أنت طويل القامة ولافتٌ للنظر، لذا سأسرق زيّ خادمة من غرفة الغسيل بنفسي عندما تحين الفرصة.”
قالت سيان ذلك وهي تفك ربطة شعرها التي ارتخت.
وضعت الربطة القماشية في فمها وجمعت خصلات شعرها المبعثرة لتربطها من جديد، وبينما تفعل ذلك، كان كارل يسند ذقنه بيده ويتأملها بصمت.
“ألن يكون الشعر البلاتيني ملفتًا للنظر أيضًا؟”
كانت سيان تنظر بعيدًا وهي تسرّح شعرها، لكنها فوجئت فجأةً بشعور خفيف يلامس مؤخرة رأسها.
“ما الذي تفعله؟!”
كان كارل قبل لحظات يجلس على مسافةٍ وهو يسند ذقنه، لكن فجأة مدّ يده وراح يلمس شعرها.
تفاجأت سيان من اقترابه المفاجئ ولمسته غير المتوقعة، فرفعت صوتها. ثم اتسعت عينا كارل بدوره وكأنه تفاجأ من ردّ فعلها.
“لقد لمست شعركِ فقط، لا أكثر.”
“ولهذا السبب! لماذا تلمس شعر شخصٍ آخر فجأة هكذا؟!”
كادت أن تحمَرّ خجلًا. لم يكن الأمر مزعجًا، لكن الإحساس الغريب والدغدغة جعل سيان تعقد حاجبيها بانزعاج.
“فقط..…”
خفض كارل صوته وهو ينظر إلى خصلات شعرها.
“لأنه جميل.”
ثم مال برأسه وقال ذلك وكأن الخجل لا يعني له شيئًا، بنبرةٍ لا مبالية.
فتحت سيان فمها من الذهول.
“مـ-ماذا قلت.…؟”
حتى عندما لمس شعرها لم يحمرّ وجهها، لكن بعد كلماته تلك، احمرّ وجهها في لحظةٍ كليًا.
وعلى النقيض، ابتسم كارل بمكرٍ واضح حين رأى وجه سيان يحمرّ.
“قلتُ أن لون شعركِ جميل. لم أقصد أنكِ أنتِ جميلة.”
هذا الأمير اللعين..…
ذلك المزيج من الخجل والإحراج الذي كان يغلي داخلها كبركان، انطفأ فجأةً كما لو أنه صُبّ عليه مطرٌ غزير.
“هيه، كارل. هل كنتَ دومًا هكذا؟”
“…..هكذا؟ كيف؟”
“أعني، مثل…..في فريقنا السابق، انضمّ مرةً شخصٌ من هذا النوع. لا يستطيع مقاومة أي فتاةٍ ويظل يلاحقهن بلا توقف. ثم طردناه في النهاية.”
تذكّرت سيان ذلك الشخص العابر الذي لم تعد تتذكر اسمه حتى، وأغمضت عينيها بضيق.
ثم ردّ كارل، وهو يسند ذقنه مجددًا ويبتسم ابتسامةً غامضة،
“على ما يبدو، ذلك الشخص كان يلاحقكِ أيضًا، أليس كذلك؟”
وكأنه يعرف الجواب مسبقًا.
“هل تظن أنه كان سيفعلها مع رجل؟ أنا كنت الفتاة الوحيدة، فالأمر بديهي.”
“لكنكِ تسيئين لي بوضعكِ إياي في نفس مستوى أولئك التافهين. على الأقل، أنا الأفضل بين كل من حاول التقرب منكِ، أليس كذلك؟”
رغم أن كلماته كانت بديهية، إلا أن سماعها تخرج من فمه جعل سيان تتخذ ملامح اشمئزازٍ واضحة.
“سواءً كنتَ الأفضل أو الأسوأ، فالمشكلة ليست هنا.”
“إذًا، ما هي المشكلة بالضبط؟ تحدّثي بجدية.”
انتهز كارل الفرصة وشبّك ذراعيه ثم مال بجسده للأمام.
كانت الغرفة ضيقةً جدًا، وكانت سيان تجلس على الكرسي وكارل على السرير، والمسافة بينهما بالكاد تكفي لمد اليد.
“ببساطة، لا أنوي الدخول في علاقةٍ حاليًا مع أي أحد.”
“لكنكِ لا تنوين أن تبقي وحيدةً طوال حياتكِ، صحيح؟”
“طبعًا لا. في الوقت المناسب، قد ألتقي بشخصٍ ما، هذا وارد. لكن ليس الآن. وبالتأكيد ليس سموّك.”
ردّت سيان بصرامة، فانعقد حاجبا كارل بجديةٍ ملحوظة.
____________________
ايه معليه توكم في الفصول العشرين نشوف نشوف
كارل مغازل درجة اولى ضحكني وهو معصب عشان لبس الخادمات😭
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 21"