“أقدّر اهتمامك، لكن بصراحة من الصعب عليّ تقبّل أنكَ تحاول جذبي بدافع إعجابٍ بريء فقط.”
“حسنًا، قد يكون ذلك.”
أومأ كارل برأسه بهدوء على غير المتوقع، ردًا على صراحة سيان.
“على أية حال، أتفق أن الوقت كان قصيرًا جدًا للحديث عن الثقة أو الإعجاب المتبادل بيننا.”
نظرت سيان إلى كارل بعينين ممتعضتين.
يبدو أنه يفهمها إذاً.
“ليس من الضروري أن يستغرق التعارف وبناء العلاقة وقتًا طويلاً دائمًا…..لكن، لا أدري. تصرفكَ الآن يا سموّك تبدو لي خفيفًا، وكأنك تختار شريكًا للتسلية فحسب، ولا أظن أن شعوري هذا نابع من وسواس أو شكٍ مبالغ فيه.”
“…..إلى أي درجة تراني شخصًا طائشًا؟ هذا قاسٍ حقًا.”
نهض كارل من مقعده ورتب مظهره المبعثر. أما سيان فوضعت يدها على المخطط وحركت حاجبيها.
“لست أراك شخصًا طائشًا، بل هذا استنتاجٌ توصلت إليه بعد تفكير متأنٍ. بصراحة، هل يمكنكَ أن تنكر تمامًا أنك تحاول استغلالي لتحقيق هدفك بالعودة إلى هنا بعد تبرئة نفسك؟”
لو كان لديه شيء من الضمير، لما استطاع الإجابة بـ”لا”.
فكرت سيان بذلك في نفسها مراقبةً رد فعل كارل بدقة دون أن تغفل أي تفصيلة.
سواء كان ذلك فضولًا، اهتمامًا، أو حتى طُعمًا يلقيه بعد أن أدرك أنها وقعت في حبّه. فلا يمكنها إنكار أن لديه نية في التمسك بأي قشة، من خلال علاقةٍ سهلة مع شخص مثلها، لكونه أميرًا لا ملجأ له الآن.
وبينما كانت سيان واثقةً من تحليلها، نظر إليه كارل بصمت، حتى ابتسامته التي كانت على شفتيه اختفت. وساد صمتٌ دقيق بينهما.
“وإن قلت لا، هل كنت ستصدقينني؟”
وبعد فترة، تهرّب كارل بذكاء من الإجابة بردّ لا هو نفيٌ ولا تأكيد.
لم يكن شخصًا سهلًا بالفعل.
وبالفعل، كما قال كارل، لم تكن سيان لاصدق جوابه سواءً أكان بنعم أم لا. لكن أن تتلقى هذا التساؤل كضربةٍ مرتدة من الشخص المعني، فذلك أمرٌ مختلف تمامًا.
“سأحاول أن أصدق.”
وعلى رد سيان الصريح والواضح، ارتسمت من جديد ابتسامةٌ طويلة على شفتي كارل.
“أعجبتني صراحتكِ كثيرًا. إذاً سأكون صريحًا بدوري. ‘لا’.”
سيان لم يستطع منع حاجبيه من الارتعاش دون أن تشعر.
“أرأيتَ؟”
“لكنني لم أقل أن هذا كل شيء. من سأل بدقة إن كان لا يوجد أي دافع خفي على الإطلاق هو أنتِ، أليس كذلك؟”
“وما أدراني؟ سواءً كانت النسبة تسعة إلى واحد أو واحد إلى تسعة، المهم أن هناك نيةً غير صافية موجودة.”
قال سيان ذلك بتجهم وهي تجمع المخطط الذي بالكاد ألقت عليه نظرة.
كان وقت التجمّع يقترب. و لم تكن تنوي تضييع وقتها في حديث غير مثمرٍ كهذا، فكيف وصلت الأمور إلى هذا الحد؟
“على كل حال، ما دام الحديث قد بدأ، يا سموك…..لا، أقصد، لن أنكر أن شكلك الخارجي يناسب ذوقي.”
“….…”
“لكن إن كنت تظن أنني سأقدم لك خدماتٍ تفوق ما هو مذكور في العقد لمجرد أنني أُعجبت بك، فأنت مخطئٌ تمامًا. بالنسبة لي، توزيع الأموال بنسبة ٦ إلى ٤ كما ورد في العقد هو كل ما يهمني، ولا شيء غير ذلك.”
“باردةٌ جدًا.”
قال كارل ذلك وهو يرفع كتفيه.
“طالما أن النوايا مفضوحة، فلماذا لا أكون باردة؟”
“كلمة ’نوايا مفضوحة‘ قاسية قليلًا، أليس كذلك؟”
“ليست قاسية على الإطلاق. شعرت وكأنني موضع سخرية، وهذا مزعجٌ حقًا.”
ضيقت سيان عينيها وهي تنظر نحو كارل. وقد بدا على كارل الارتباك وكأنه لم يجد ما يقوله في مواجهة النظرات التي حملت بوضوحٍ نبرة اتهام.
“لم أكن أقصد إزعاجكِ بكلامي، سيان. ولم تكن نيتي السخرية أبدًا.”
“…….”
“على أي حال، بما أنكِ شعرت بالإهانة، فأنا أعتذر عن ذلك بكل احترام. آسف.”
قال كارل بصوتٍ خافت معتذرًا بصدق.
رغم أن مشاعر سيان قد انزعجت بالفعل، إلا أنها لم تتوقع من كارل أن يعتذر بهذه السرعة والهدوء، مما جعله يحدق فيه بوجهٍ متجهم دون أن يشعر.
“لن أطلب منكِ أن تثقِ بي سريعًا، لأن الوقت كفيلٌ بكشف الأمور. لكن، أتمنى على الأقل أن تعرفِ شيئًا واحدًا.”
كان كارل قد اقترب منها حتى صار أمامها تمامًا، ينظر إليها بعينيه الزمرديتين بنظرةٍ جادة.
اقترب كثيرًا، حتى أن سيان تراجعت قليلًا لا إراديًا لتبتعد وتحفظ المسافة بينهما.
“مهما كانت ظروفي، فأنا، وأقسم باسم إيدلين، لست شخصًا طائشًا يتلاعب بالناس فقط لتسهيل العمل.”
قال كارل ذلك بنبرةٍ جادة للغاية.
***
“من الآن فصاعدًا، أنتم لستم مجرد مرتزقةٍ تابعين للإمبراطورية، بل أنتم جنود إيفاريد الفخورون، ورثة إيغدراسيل، الذين يحميهم اسم إيدلين العظيمة.”
قال يوريان ذلك بصوت عالٍ وهو يقف على المنصة.
كان صوته الجاد يبدو بالفعل كصوت قائد عسكري حقيقي.
بعد انتشار خبر نجاة الأمير وظهور إيدلين، يبدو أن الوضع قد أصبح طارئًا للغاية، فجميع المرتزقة الذين استُدعوا من قِبل المسؤولين في إيفاريد كانوا قد ملؤوا ساحة التدريب عن آخرها.
“رغم أنكم جئتم إلى هنا كمرتزقةٍ تم توظيفكم بحسب الحاجة، إلا أنني أتوقع منكم أن تتحلّوا بالفخر، وأن تبذلوا أقصى ما لديكم في حماية حدود إيفاريد.”
من حيث الأجواء، كان المشهد يبدو وكأنهم على وشك خوض حرب عظيمة.
وبين الرجال، كانت سيان تقف بينهم بشكلٍ غير مريح، غارقةً في أفكارها البعيدة.
نظرت بطرف عينها إلى جانبها، فوجدت كارل، الذي كان أطول من البقية بمقدار كف، ينظر للأمام بوجهٍ خالٍ من التعابير.
‘ما الذي يدور في ذهنه يا ترى؟’
هل شكّ بسبب حديثها مع نفسها وكأنها تحدث شخصًا آخر دون أن تدرك؟
أم أنه، بعد أن أدرك أن الحديث المباشر لن يفيده بشيء، بدأ يلجأ إلى التلاعب لكشف المعلومات؟
لكن حتى هذا الاحتمال لم يكن منطقيًا تمامًا، فالعلاقة بينهما ستنتهي بمجرد أن يُسترجع المال السري، ولا حاجة له في بذل هذا القدر من الجهد.
كان ذهن سيان معقّدًا ومضطربًا.
لم تلاحظ أي بادرةٍ مريبة في تعبيرات كارل حين قال بجدية أنه ليس شخصًا طائشًا، لكن مع ذلك، لم تستطع تصديق أن اهتمام الأمير بها سببه مجرد إعجابٍ شخصي، لا أكثر.
يبدو أن سيان كانت شاردةً في التفكير تحدّق في كارل دون أن تنتبه لنفسها. وما إن التقت عيناها بعيني كارل، الذي كان ينظر في اتجاه المنصة، حتى أسرعت بصرف وجهها بعيدًا.
وربما بسبب ذلك الإغراء الغامض الذي تعرضت له من قبل، أصبحت تشعر بعدم ارتياح غريب حتى عند التقاء النظرات.
في هذه الأثناء، كان يوريان على المنصة يوزع المهام على المرتزقة، مخصصًا لكل منهم ضابطًا مسؤولًا.
كان المرتزقة واقفين في صفوف منتظمة كأنهم جنود مدرّبون، يستمعون بصمت لكلام يوريان، لكن سرعان ما تشتت النظام وبدأ الاضطراب.
“أيتها السيدة، استمعي.”
كانت سيان بدورها بحاجة إلى أن تتلقى تعليماتها من يوريان، لكنها لم تكن تُنصت، غارقةً في أفكارها.
وبينما كانت تحاول أن تلحق بالركب بعدما أدركت تأخرها، اقترب منها أحدهم ووجّه إليها الكلام.
رفعت سيان رأسها، فإذا به ذلك المرتزق الذي كان قد دخل في شجار سابق مع كارل.
“قلتِ إنكِ من برينيو، صحيح؟ ويُقال أنكِ أختٌ مقربة لتلك المرأة الطويلة القامة؟”
قال الرجل ذلك وكأنه التقط معلومةً لم تُذكر له مباشرة.
“أنا دارام، من بولاندو. أعمل كمرتزقٍ مستقل دون أي فريق.”
“أنا سيان.”
قدم نفسه بطريقةٍ ودودة وكأن شجارهما السابق كان أمرًا منسيًا، ومد يده نحوها.
“لا يبدو عليكَ الغضب.”
“ما بدر مني قبل قليل كان تصرفًا مشينًا. أردت الاعتذار، لكنني لم أجرؤ على التحدث مع تلك المرأة الطويلة.”
حين صافحت سيان يد دارام، نظر بطرف عينه إلى كارل الذي كان واقفًا على بُعد.
بدا أن غرضه من التقرّب إلى سيان هو الوصول إلى ذلك الأمير.
“لا بأس، فالحقيقة أن كارين كانت حادةً بعض الشيء أيضًا.”
“يمكنني رؤية هذا، لكن سيكون جميلًا لو سنحت لكِ فرصة لتوصلي اعتذاري لها.”
“سأفعل.”
ردّت سيان بردّ مباشر لا يحتمل المجاملة، مما أثار بعض الدهشة على وجه دارام.
“يبدو أن شخصيتكِ مختلفةٌ عن تلك المرأة، أكثر انفتاحًا وصراحة. هل مرّ وقتٌ طويل منذ بدأتِ العمل كمرتزقة؟ هذه المهنة ليست سهلةً على النساء عادة.”
“يمكن القول أنه مضى وقتٌ لا بأس به. ماذا عنكَ؟ لماذا تعمل بمفردكَ دون فريق؟”
“أنا لم أصبح مرتزقًا إلا مؤخرًا…..وفي هذه الأيام، لا يوجد الكثير من العمل، لذا معظم الفرق لا ترحب بأعضاء جدد. وبينما أتجول بلا هدف، انتهى بي الحال هكذا.”
“آها، فهمت.”
أومأت سيان برأسها مرارًا.
فمع اختفاء الوحوش البرية واستقرار الأوضاع داخل الإمبراطورية وخارجها، بدأت أعمال المرتزقة الذين يتتبعون النزاعات تتراجع بشكلٍ طبيعي.
وكان النزاع بين ولي العهد والأمير في إيفاريد هو الحدث الأكبر الذي شهدته الإمبراطورية خلال السنوات الأخيرة.
ولهذا السبب توافد جميع المرتزقة، بمن فيهم سيان، إلى إيفاريد.
ويبدو أن دارام، الذي دخل المجال في أسوأ فترة ركود منذ أن أصبحت ييان مرتزقة، لم يتمكن من إيجاد فريق، فظل يتنقل حتى وصل إلى هنا بحثًا عن عمل.
“وأنتِ؟ شكلكِ يوحي بأنكِ بخير وبصحة جيدة، ويبدو أن لديكِ طرقًا كثيرة للعيش غير هذا العمل المتعب، فلماذا اخترتِ أن تصبحي مرتزقة؟”
“على عكس ما يبدو، الأعمال الجسدية تناسبني تمامًا.”
ابتسمت سيان ابتسامةً ماكرة ردًا على فضول دارام الواضح حول سبب عمل امرأة كمرتزقة.
“عن ماذا تتحدثان بهذه الحماسة؟”
في تلك اللحظة، اقترب كارل من دارام وسيان وتدخل بنبرة هادئة ولكن لاذعة.
بدا دارام مصدومًا من تدخل كارل، كأنه فوجئ بظهوره أمامه. أما كارل، فقد رسم ابتسامةً طويلة على شفتيه، لكن عينيه كانتا حادتين كما لو أنه يستعد لمواجهة.
“هذا الرجل كان يريد أن يعتذر عن الذي حصل سابقًا.”
“بما أن الشجار كان معي، فيجب أن يعتذر لي، أليس كذلك؟”
ردّت سيان، وكأنها تحسم الأمر، لكن كارل لم يُظهر الرضا، بل ابتسم لدارام ابتسامةً تنم عن نيةٍ شريرة.
“قال أنكِ مخيفة جدًا، لذا طلب مني إيصال الاعتذار بدلاً عنه.”
“عذرٌ ممتاز، لا بأس به.”
_____________________
كارل تحول من الامير القدّيس الى المرأة الطويلة المشكلجية😭
سيان واقعه لشكله بس شكله هو طاح لشكلها واخلاقها بعد هاهاها
اخلاق رايعه معليكم
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 20"