كيف يمكن أن يكون لدى هندريك دليلٌ على مهاجمة القلعة التي بناها بجهد طوال الوقت دون إذن من المعبد، بل واستعداده حتى لقتله؟
لم يكن يفهم ذلك أبداً.
الأخ الأكبر هندريك كلاوس كان ولي العهد المثالي الذي حاز على اختيار التنين ووراثة اللقب كالابن الأكبر.
لو لم يكن قد حاز على اختيار إيدلين الفضية، التنين المباشر لإغدراسيل، لما تزعزع ذلك الأساس المتين الذي يمتلكه.
‘مع ذلك، لم أتوقع أن يريد أخي قتلي.’
كان طعم الأمر مريراً. نفَس التنين الذي هاجمني فجأة ودمر جدران القلعة، والصدمة التي لم أشعر بها حينها لأنني كنت أفر من الجروح، أصبحت واضحةً الآن.
حين نظرت بتمعن إلى آثار الجدران المحطمة التي شُيدت بعناية على مدار عشر سنوات، تعقدت مشاعري أكثر فأكثر.
أولاً، يجب أن ألجأ إلى المعبد للحصول على مزيد من المعلومات.
أثناء غيابي عن العاصمة، كيف تغيّر أخي؟ وكيف تزعزعت آراء الناس ومشاعرهم؟
من هو المجرم الحقيقي الذي قتل إلينا، تنينة الإمبراطور؟
“سأكشف الحقيقة حتماً.”
رفع كارل عينيه الحادتين نحو الفراغ، وقبض على يده بقوة.
***
قيل أن الأموال السرية موجودة في مخزن سري متصل بأرضية غرفة الأمير. لذلك كان الهدف الأول هو التسلل إلى القصر بشكل طبيعي، وعلى نحو ما تحقق هذا الهدف الأول.
…….يبدو أن هناك بعض الآثار الجانبية لذلك.
‘هاه…..’
كانت سيان تتفحص بنظرها هيكل القصر بينما تشابكت أفكارها المعقدة في رأسها.
خرجت منها تنهيدةٌ عميقة من بين أسنانها لا إرادياً.
…..من البداية، كان يتوقع حدوث كل ذلك، ولهذا غضب بتلك الطريقة.
وحتى اعتراضه قائلاً “كيف تجرؤ على التذمر أكثر من ذلك؟” كان تفكيراً قاصراً منه.
يجب أن يغيّر ملابسه، ويحتاج إلى النوم أيضاً، فماذا يفعل الآن..…؟
وعندما خطرت ببالها تلك الرقبة البيضاء، احمرّ وجهها مرة أخرى.
شابٌ وسيم بشكل مبالغ فيه بلا فائدة، يثير الاضطراب في قلب الفتيات الرقيقات؟
هزّت سيان رأسها نفياً.
بما أن الأمور وصلت إلى هذا الحد، فلا مفر.
قبل أن تزداد المواقف المحرجة، أفضل إستراتيجية الآن هي تحقيق الهدف بأسرع وقت ممكن ومغادرة هذا القصر.
“قلعة إيفاريد تتكوّن من ثلاثة طوابق، وقد كنت أستخدم الطابق الثالث بأكمله تقريباً، حيث وضعت فيه غرفة نومي ومكتبي.”
تذكّر سيان كلمات كارل. وبينما كانت تمشي غارقةً في أفكارها المعقدة، وجد نفسها قد وصلت إلى ردهة القلعة.
الردهة الواسعة في الطابق الأول كانت دائرية الشكل، وامتدت منها سلالم على الجانبين. و تلك السلالم المنحنية تلتقي في منتصف الرّدهة، ثم تمتد بخط مستقيم إلى الطابق الثاني.
تماماً كما أوضح كارل عندما رسم لها مخطط القلعة مسبقاً.
حتى الطابق الثاني، كانت البنية الداخلية مفتوحة إلى حدّ كبير، مما جعل الوصول إليه سهلاً.
لكن المشكلة كانت في الطابق الثالث، حيث تقع غرفة الأمير.
“هناك ممرٌ سري بالفعل…..لكن لأسباب أمنية، لا يمكن الدخول إليه من الخارج. و للوصول إلى الطابق الثالث، لا يوجد سوى طريق واحد فقط. وبطبيعة الحال، هو أيضاً أكثر الأماكن حراسةً وتشديداً.”
رفعت سيان نظرها نحو السلالم المؤدية إلى الطابق الثاني، متذكرةً كلام كارل.
بمعنى آخر، من الطابق الثاني فصاعداً، لم يكن هناك خيارٌ سوى التقدم بالقوة وإسقاط الحراس.
“هناك طاقم محدد يقوم بدوريات في كل طابق. عند مدخل السلالم المؤدية من الطابق الثاني إلى الثالث، يقف حارسان دائمًا، ويتم التبديل بينهما كل ست ساعات. و للاستفادة من الوقت بشكل جيد، من الأفضل استهداف اللحظة التي تلي التبديل مباشرة. لكن المشكلة إن كانت قواعد الحراسة في الطابق الثالث ما زالت كما هي حتى بغيابي.”
الأمر الوحيد الذي يمكن اعتباره مبشراً قليلاً هو احتمال أن تكون الحراسة قد خفّت بسبب غياب الأمير.
على أي حال، كان لا بد من معرفة عدد الحراس ونظام الحماية على درج الطابق الثالث بدقة.
وضعت سيان يدها على ذقنها بتفكير عميق.
كان من الجيد لو تمكنت من الصعود للطابق الثاني، لكن الأنظار كانت كثيرة. حتى أثناء وقوفها في وسط الردهة وهي تفكر، كانت الخادمات بزي الخدم يتنقلن بسرعة بين المطبخ وغرف التنظيف.
على عكس الطابق الأول الذي يتركز فيه عددٌ من الغرف ذات الأهمية المنخفضة مثل غرفة التنظيف، وغرفة الخادمات، والمطبخ، وغرفة الاستقبال، فإن الطابق الثاني يكاد يكون مخصصاً بالكامل للعاملين في القلعة والمسؤولين عن الشؤون الإدارية.
لم يكن من الممكن لشخص مثل سيان، تبدو بوضوح أنها غريبةٌ عن المكان، أن تدخل وتخرج كما تشاء هناك.
نظرت سيان بطرف عينها إلى خادمة مرّت بجانبها في تلك اللحظة. كانت تحمل سلةً ممتلئة بالملابس المتّسخة، ما يشير إلى أنها خادمة غسيل.
‘يجب أن أحصل على زيّ خادمة.’
رفعت سيان حاجبها بخفة.
بما أن الخادمات يعملن حتى أثناء الليل، فقد كان من الأفضل لها أن رذهب خلال النهار إلى غرفة الغسيل وتحضّر لنفسه زي خادمة، ثم تتحرّك خلال الليل.
***
“لقد عدت…..وقت التجمع قد اقترب، فـ..…”
عادت سيان إلى الغرفة. و لأنها خرجت في المرة السابقة وكأنها تفرّ هاربةً، فقد اضطرت هذه المرة إلى الحفاظ على سلوك هادئ ومتزن عند العودة.
كان تصرفها المشبوه، الذي بدا وكأنها تعلن بوضوح أنها متأثرةٌ بوجود الطرف الآخر، لا يزال يؤرقها.
‘أتمنى ألا يأخذ الأمر على محمل الجد…..’
تمنت سيان بصدق ذلك، لكنها هي نفسها كانت تعلم أن هذا الرجاء بعيد عن الواقع.
فمن يحمّر وجهه بذلك الشكل، ويتصرف بتوتر واضح، ثم يأمل ألا يلاحظ الآخر مشاعره، لا بد أن يكون أحمقاً إن ظن أن الأمر سيمرّ دون أن يُكشف.
‘لو سألني عن السبب، بماذا سأجيب؟’
عادت سيان وهي تحمل في داخلها شعوراً ثقيلاً، لكن الواقع الذي كان ينتظرها أمام عينيها فاق كل توقعاتها.
كان كارل الذي لم يخلع حتى شعره المستعار، وظل الجزء الأمامي من قميصه مفتوحاً تقريباً تماماً، تماماً كما كان حين خرجت سيان سابقاً.
رغم أنني أكّدت عليه بإلحاح أن يُقفل الباب بإحكام، إلا أن كارل لم يقم حتى بإغلاقه، وكان مستلقياً على السرير الصغير وعيونه مغمضة.
‘..…ما هذا، هل نام فعلاً؟’
بما أن الغرفة خُصّصت في الأصل للخادمات، فقد كان السرير أصغر بكثير من المعتاد. و كارل، بجسده الطويل، كان يطوي نفسه على السرير الذي بدا وكأنه أريكةً نهارية أكثر من كونه سريراً حقيقياً.
‘كأنه أميرة استلقت على سرير الأقزام…..’
وبما أن تصرّفها غير الطبيعي السابق لا يزال يزعجها، فقد شعرت سيان بخيبة أمل وهي تنظر الى كارل بشفاه مزمومة.
عنقه، الذي بدا واضحاً أكثر بسبب وضعية الانكماش، بدا أنصع بياضاً وأكثر نعومةً مما رأته لأول مرة.
‘الرجال أيضاً يمكن أن يكونوا غير محتشمين…..’
شعرت سيان بشيءٍ من التوتر من شكل كارل الذي بدا مثيراً دون سبب، فسعلت بقوة مفتعلة وهي تبحث عن بطانية لتغطيه بها.
بما أن جسده لم يتعافَ تماماً بعد، فقد بدا من الأفضل تركه ليستريح من حينٍ لآخر.
فكرت سيان بذلك بينما أخرجت ساعة الجيب من جيب بنطالها.
لحسن الحظ، لا يزال هناك بعض الوقت المتبقي حتى موعد التجمع الذي أبلغه به يوريان مسبقاً. و بما أن الشعر المستعار والمكياج لا يزالان ثابتين، فبمجرد ترتيب ملابسه سيكون مستعداً للخروج في الوقت المناسب.
‘سأدعْه يستريح حتى ذلك الحين، لا بأس.’
غطّت سيان كتف كارل بالبطانية، ثم جلست على كرسي قريب.
كانت تنوي في هذا الوقت أن تضع خطةً للتسلل وحدها إلى غرفة الغسيل وسرقة زيّ خادمة.
[…..لن تتدخلِ لأكثر من هذا، أليس كذلك، يا سيان؟]
كانت سيان على وشك إخراج مخطط القلعة الداخلي الذي رسمه لها كارل مسبقاً، لكن ما إن دوّى ذلك الصوت في رأسها، حتى توقفت يد سيان في منتصف حركة فتح الورقة.
[أعلم جيداً أن الضوء الذي رأيتِه وسط الوحل ترك أثراً قوياً في حياتكِ، لكن سيدة إيدلين ليست نوراً يمكنكِ أن تطاليه.]
“…..أنا أعلم.”
تمتم سيان بصوتٍ منخفض وهي تعبس، مخاطبةً الصوت المليء بالقلق والحنان.
ثم نظرت إلى كارل خشية أن يكون قد سمعها، لكن كارل، الذي غطّى نفسه بالبطانية حتى ذقنه، لم يُبدِ أي حركة.
كان من الواضح أنه غارقٌ في نومٍ عميق.
“ليس الأمر وكأنني أطمع في شيء عظيم. لقد تعرّض لهجوم من تعويذة شريرة، وهذا مؤسف، واتُّهم زوراً، وهذا أيضاً محزن…..وفوق كل هذا، عرض أن يدفع لي، لذا إنها مجرد صفقة، لا أكثر.”
قال سيان ذلك وهي تشعر ببعض الراحة، ثم فردت ما تبقى من المخطط على الطاولة.
لكن حتى من وجهة نظرها، بدت كلماتها أقرب إلى تبرير منها إلى شرح منطقي.
[أحذّركِ لأن الفضول بدأ يتحوّل إلى اهتمام، يا سيان.
أعلم أنكِ شخصٌ مادي، لكن فليكن فضولكِ قناعةً بصرية فقط، لا أكثر.]
“…..مهما كان، ألا تجد أن وصفكَ فظ جداً؟ مادية، هه.”
[أنتِ لا تستطيعين مقاومة الجمال والوسامة، وتعشقين المال أكثر. هل هناك وصفٌ بشري أدق يمكن أن يُعبّر عنك؟]
لم تجد سيان ما اردّ به على الصوت في رأسها.
عندما يكون الكلام حاداً ومباشراً إلى هذا الحد، من الطبيعي ألا يجد المرء ما يقوله.
[…..إيدلين تقوم بجولةٍ تفتيشية. تجاوزت حدود إيفاريد ووصلت حتى ضفاف النهر الأحمر الفاسد.]
كانت سيان على وشك أن تردّ بكلمةٍ ما كدودةٍ داسها أحدهم لتوّه، من شدّة ما شعرت بأن الكلمات أصابتها في الصميم، لكن يدها توقفت فجأة في منتصف الهواء مرة أخرى.
[يبدو أنها تراقب تحركات ناثان وبقية التنانين، لكن المشكلة أنني لا أعلم إلى متى يمكنني الاستمرار في خداع عيني إيدلين.]
دون أن تشعر، أدارت سيان رأسها ونظرت إلى كارل النائم.
كان الأمير قد قال أنه يكفي فقط أن يُظهر صورة إيدلين في أنحاء إيفاريد، لكن يبدو أن لديه دافعاً آخر، وهو تتبّع تحركات باقي التنانين.
“إيدلين…..هل هي حقاً بهذه العظمة؟”
[بالتأكيد. فهي من نسل يغدراسيل. بين التنانين، مكانتها كالأمير.]
ردّ الصوت في رأس سيان بسهولة، فعبست سيان وضمت شفتيها بضيق.
[إيدلين أيضاً متّهمةٌ بقتل ملك التنانين وتعيش في مأزق، لذا حتى لو كُشف أمرها، فلن تفعل شيئاً فوراً…..لكنكِ تعلمين، أليس كذلك؟ إن انكشف وجودي هنا، فكل ما فعلته حتى الآن سيذهب سدى.]
أضاف الصوت داخل رأسها،
[تماماً كما في ذلك اليوم.]
كانت كلماته تحمل تهديداً غامضاً، لكنها لم تكن تهديداً قاسياً، بل تحذيراً مفعماً بالقلق والحنان كما لو جاء من شخص يهمّه أمرها.
ومع ذلك، عضّت سيان شفتها ببطء وهو تستمع إلى صوتٍ ينبش في ذاكرة قديمة تفوح منها رائحة العفن.
“أنت لا شيء، من الأساس لم تكن شيئاً.”
كانت تلك ليلةً حالكة، بلا قمر، سوداء تماماً.
“أنت لم تولدي قط في هذه العائلة، يا إيلا. سوف نمحو كل سجلاتكِ.”
لم تعُد سيان يتذكّر صوت أمها حين قالت تلك الكلمات، ولا ملامح وجهها لحظتها.
لقد مرّ وقتٌ طويل جداً على ذلك، وكانت الذكرى مؤلمةً وحزينة إلى حد أنها أجبرت نفسه على محوها من ذاكرتها طوال تلك السنين.
نفخت سيان نفساً بارداً وشهقت بخفة وكأنها تزيح الغبار المتراكم في صدرها من ثِقل تلك الذكرى.
“فهمت، فكفّ عن التذمّر. أيها العجوز، الذي لا يملك سوى ذاكرة لا فائدة منها…..رأسي يؤلمني بما فيه الكفاية، والآن جعلتني أفكر بأشياء تافهةٍ أيضاً.”
ثم حوّلت بجهد بصرها نحو المخطط، وهي تخدش مؤخرة عنقها بلا اكتراث.
____________________
سيان طلع اسمها ايلا🤏🏻
ايلا كأنه اسم دلوع ماينفع عليها😭
بس وجع على اهلها خلوها وامها بكبرها الي خلتها! يوجع
المهم طلع سيان معها تنين هاهاهااععااهاهاها دامه خايف ان ايدلين تكشفه يعني انه تنين منخش ✨
وناسات
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 18"