شعرت سيان بالذهول لدرجة أنها وقفت مذهولةً ترمش بعينيها نحو كَارل.
كَارل الذي غيّر مظهره بارتداء الشعر المستعار ووضع المكياج بدا وكأن شخصيته قد تغيّرت أيضًا.
وفوق ذلك، ما إن كشَف عن حقيقته حتى انخفض صوته تلقائيًاو . خرج صوتٌ أقرب ما يكون إلى صوت رجل.
وبما أن مظهره كان مثاليًا للغاية، لم يلحظ الرجل بعدُ أي شيءٍ غريب، لكن إن طال الوضع فقد يُكتشف الأمر.
كان من الممكن أن يُفضح كونه رجلًا، لذا لم يكن من الغريب أن تتفاجأ سيان.
حتى الرجل الذي أمسك بعصاه بثقة بدا عليه الذهول من الهالة العظيمة التي انبعثت من كَارل ما إن سحب سيفه. و كان تصلب كتفيه واضحًا للعيان.
“مـ-ما بها هذه المرأة…”
“ما بها؟ إنها امرأةٌ طويلة تحمل سيفًا.”
“…..كارين؟”
رغم ارتباكها، لم يفوّت كَاول كلمةً واحدة وردّ بابتسامة واسعة.
ضحكت شفتا سيان، لكن عينيها لم تضحكا وهي تنادي على كَارل.
“هم من بدأوا الشجار أولًا، أختي. في هذه الأيام حياتي مليئة بالضغوط، وها أنا أرى وجهًا لا يُطاق..…”
قال كَارل ذلك وهو يحدق في الرجل بنظرة حادة، بينما أبدت سيان إعجابها في نفسها بلقب “أختي” الأنيق وسط هذا الموقف.
الرجل، الذي لم يسمع في حياته إهانةً كهذه، لم يستطع كتم غضبه.
“هل انتهيتِ من الكلام؟”
“نعم، انتهيت. تلك العصا مجرد ديكور؟ توقف عن الثرثرة، وإن كنتَ تنوين القتال، فتعال.”
أمسك كَارل بسيفه مجددًا مستخدماً أسلوب كلام عجيب يجمع بين الرقي في اللغة وخشونة العصابات.
تنهدت سيان بعمق، واضعةً يدها على جبينها، مع تفاقم الموقف أكثر فأكثر.
وبدا أن كَارل يقول بصدق أنه لا يستطيع تحمل هذا الشجار في ظل ما يمر به من ضغوط متراكمة.
‘لم يخطر ببالي أبدًا أن اكتئابه حين رأى جدار القلعة المدمر قبل قليل سيظهر بهذه الطريقة…..’
وفوق ذلك، الطريقة التي ردّ بها على شجار تافه ووضيع بهذا الشكل، ويسحب الموقف نحو القتال، لا تبدو تصرفات شخص يمر بهذا لأول مرة.
قيل أنه قديس إيفاريد، فكيف حصل هذا؟
راحت سيان تُمزّق هذه التساؤلات في داخلها، ثم اندفعت بسرعة لتقف بين الرجل وكَارل وتمنعهما.
“توقّفا، كلاكما. أعيدا أسلحتكما إلى أماكنها. حتى وإن كنا مرتزقةً يعيش كل منا على طريقته، فبمجرد أن نعبر بوابة القلعة سنكون في صفٍ واحد لحماية هذا السور، فهل من المنطقي أن نبدأ القتال بهذا الشكل الطفولي منذ الآن؟”
“أنا لم أقل أنني أريد القتال! نظرت إليها فقط لأنها جميلة..…”
“إن كانت جميلة، فاحتفظ بهذا في قلبكَ، لماذا تفتح شجارًا بلا داعٍ؟”
كان كل من كَارل والرجل يزمجران وهما متقابلان بأسلحتهما دون أن يتنازل أحدهما قيد أنملة.
“ما الذي يحدث هنا؟”
في تلك اللحظة، شقّ يوريان طريقه بين الناس وظهر أمامهم. فسارع كَارل إلى إعادة سيفه إلى مكانه ونظر إلى يوريان بحرج.
“…..سموّك؟”
وحين التقت أعينهما، اتسعت عينا يوريان وأطلق صوتًا منخفضًا من الدهشة.
أما سيان وكَارل، فقد ارتعدا في اللحظة نفسها دون أن يسبق أحدهما الآخر.
فلم يتوقعا أبدًا أن يتعرف عليه أحد، خاصة بهذا التنكر الذي لم يميّزه حتى أقرب المقربين له منذ أكثر من عشر سنوات، فكيف يتعرف عليه فارسٌ عادي بالكاد يتذكره كَارل؟
“سموّك؟”
حلّ التوتر، وكأن العرق البارد بدأ يتصبب، لكن سيان وكَارل حاولا جاهدين الحفاظ على تماسكهما.
في المقابل، بدا المرتزق غاضبًا وهو ينظر إلى يوريان ثم إلى كَارل، متنقلًا ببصره بينهما.
“مـ-ماذا تعني بكلامكَ..…؟”
أجفل كَارل من نظرات يوريان وأبعد عينيه متأخرًا بشكل مريب، ثم تلعثم في حديثه.
أما صوتُه الخارج من بين شفتيه، فقد بدا غريبًا وغير مألوف، مما جعل يوريان يقطب جبينه بقلق وهو يميل برأسه متسائلًا.
“لا يُعقل…..لكنها تشبهه تمامًا..…”
“هل تقصدُ بـ”سموك” الأمير كارلستون كلاوس؟”
تدخلت سيان أخيرًا، مبتسمةً بهدوء وكأنها تجهل كل شيء، ووقفت في وجه يوريان لتحجب عنه الرؤية.
أغلق يوريان عينيه بقوة وهو يهز رأسه وكأنه رأى شيئًا لا ينبغي رؤيته.
“لا، لا، مستحيل…..لا يمكن أن يتنكر سموّه في زي امرأة، هذا لا يشبه شخصيته أبدًا..…”
لكن رغم كلامه، بقي يوريان يحدّق بكَارل الذي يشبه الأمير بشكلٍ لا يُصدق، وكأن قلبه يرفض التصديق.
“تقول أن ذلك لا يشبه شخصية سموّه..…”
ما شغل بال سيان لم يكن شكّ يوريان في كَارل، بل ما قيل عن شخصية كَارل نفسها، المعروف بكونه قديسًا أقرب إلى السذاجة.
رغم أنها بدأت تلاحظ أن طبيعته ليست بتلك الطيبة التي يشاع عنها، فإن تصرفه الأخير الذي يشبه تصرف العصابات، وطريقة حديث تابعه عنه وكأنه يعرفه جيدًا، جعلها تتساءل، ما حقيقته؟
“سمعت أن سموّه وسيم، لكن لم أتخيل أنه يشبه أختي المُقربة إلى هذه الدرجة. أمرٌ طريف، أليس كذلك، كارين؟”
“أ-أجل..…”
“آه، أنتما الاثنتان هما المرتزقتان اللتان تحدث عنهما النائب. أختان مقربتان تقودان فرقة مرتزقة، أليس كذلك؟”
أخيرًا، بدا أن يوريان قد تخلّى عن شكوكه تجاه كَارل، ووجّه حديثه إلى سيان مباشرة.
فأومأت سيان بحماس، محاولةً إظهار الفرح، بينما استغل كَارل الفرصة ليخفي وجهه خلف خصلات شعره ويختبئ ـ رغم أن جسده الكبير لا يمكن إخفاؤه ـ خلف سيان.
“هل ذكر النائب أمرنا؟”
يبدو أن لقائهما السابق بالنائب كان مفيدًا بالفعل، وترك انطباعًا جيدًا.
“نعم، بالطبع.”
قال يوريان ذلى وهو يبتسم بفخر.
“المرتزقة الذين تم توظيفهم هذه المرة سيتم توزيعهم بشكل أساسي لحراسة وتحصين القلعة. ليست مهمةً صعبة، لكن قيل لي أن أعتني بكما بشكل خاص، فقد تواجهان بعض الإزعاج وسط الرجال.”
“آه..…”
أطلقت سيان تنهيدةً مندهشة، وقد اتسعت عيناها كما لو أنها تأثرت بالكلام.
“طلبنا فقط أن يتم توظيفنا، ولم نكن نطمع في معاملة خاصة أو توصية من أحد.”
“آه، لا، لم أقصد ذلك المعنى!”
لكن سيان لم تكن متأثرةً كما ظنّ يوريان. بل شعرت بإهانة شديدة من فحوى كلامه الذي يوحي بمعاملة خاصة فقط لكونهما امرأتين، فاشتدّت حدّة نظراتها.
أدرك يوريان التغير المفاجئ في مزاجها، فأخذ يلوّح بيديه مذعورًا.
“بالطبع ستُوزّع المهام بالتساوي. لكن لا يمكن أن تكون ظروف المعيشة متماثلة تمامًا، أليس كذلك؟ قد يتسبب الأمر في مشاكل، وقد يكون هناك من يُسيء الظن حين يرى جميلتين مثلكما..…”
“…..على أي حال، لم نأتِ دون أن نأخذ ذلك بالحسبان.”
ردّت سيان وقد خفّت ملامحها قليلًا مع هذا التبرير الذي بدا كعذر متردد من يوريان.
أن تعيش وتتعامل مع الرجال لم يكن أمرًا غريبًا عليها، فقد كانت الفتاة الوحيدة وسط فرقة “مخلب التنين” وتمكنت من التأقلم دون مشاكل.
لكن المشكلة الحقيقية كانت كَارلستون، الرجل المتنكر في هيئة امرأة، لا امرأة حقيقية.
نظرت سيان بطرف عينها إلى كَارل، الذي كان ملتصقًا بظهرها تمامًا.
رغم أنه انكمش محاولًا تصغير حجمه، فإن طول جسده وبنيته الرجولية لا يمكن أن يختفيا خلف ظهرها الصغير.
لكن كَارل، بعد أن احترق بنار نظرات يوريان الحادة، التصق بها وكأن ظهرها ملاذٌ روحي يحتمي به…..و كلمات يوريان التي قال فيها “هذا لا يشبه شخصية سموّه” لم تغادر ذهنها.
كانت واثقة من قدرتها على التعامل مع الرجال دون مشاكل، لكن “كارين”، النسخة النسائية من كَارل، لن يكون من السهل عليه الأمر.
“بغض النظر عن باقي الأمور، لا يبدو من المناسب أن تشاركا الرجال نفس المبيت، لذا قررنا تخصيص غرفة في قسم الخادمات لكما.”
اتسعت عينا سيان عند سماع ذلك.
“غرفة الخادمات…..أي أنها داخل القلعة؟”
“صحيح. بالطبع، بما أن المهام الرئيسية تُنجز في محيط القلعة، فهناك بعض السلبيات مثل بُعد موقع التجمع وتعقيد الحركة..…”
“شاااكرين لكَ جدًا!”
قالت سيان ذلك قبل حتى أن يُكمل يوريان حديثه، وقد شبكت يديها بحماسٍ وامتننان شديد.
لم يكن يوريان يتوقع منها أن ترفض، لكنه كذلك لم يتوقع هذا الشكر المفرط، فاكتفى بهزّ رأسه بذهول طفيف.
“لحظة. ستكون غرفةً فردية، صحيح؟”
في تلك اللحظة، جذب كَارل شعر سيان برفق وهمس في أذنها بصوت خافت لا يصل إلى يوريان الواقف أمامهما.
‘غرفة فردية؟! أي غرفة فردية!’
كادت سيان أن ترد بهذا الكلام دون تفكير. يبدو أن هذا الأمير لا يزال يعتقد أنه لا يزال ذلك “القديس” الشهير من إيفاريد.
لكن ما جعلها تتجمد فجأة هو إدراكها الفوري بأن عدم وجود غرفة فردية يعني أنها ستضطر إلى مشاركة الغرفة مع كَارل المتنكر.
فتغيرت ملامحها فجأة وصارت شاحبة، تمامًا مثل كَارل المنكمش خلفها.
“بالمناسبة…..كم عدد الأشخاص في غرفة خادمات كهذه؟”
…..لقد انتهى أمرها. لم تتوقع أبدًا هذا المنعطف.
“عادةً ما تكون الغرفة لستة أشخاص، لكن لا تقلقا.”
أكمل يوريان بابتسامة واسعة.
“خصصنا لكما غرفة منفصلة، حتى لا تشعرا بالضيق من الاختلاط بالخادمات الأخريات.”
رغم ابتسامته الواثقة، فإن سيان لم تتفاءل كثيرًا. ورغم أن تخصيص غرفةٍ لهما فقط أمر يُشكر عليه، لكنه لا يزال بعيدًا عن الغرفة الفردية التي كانت تتمناها.
فابتسمت ابتسامة متكلفة،
“غرفة فردية قد تكون…..صعبة، صحيح؟ كارين تشخر بصوت مرتفع، من الصعب النوم معها.”
وخز كَارل خصرها معترضًا على كذبتها.
“هذا ليس صحيحًا تمامًا..…”
أما يوريان، فقد ارتسمت على وجهه ابتسامةْ بدت كأنه يقول: “ألا يكفيكم ما حصلتم عليه؟ أتريدون غرفةً فردية أيضًا؟”
ولم تستطع سيان إنكار الأمر، فاكتفت بابتسامةٍ محرجة وهزت رأسها بخجل.
“كان عليكِ أن تطالبي بذلك بإصرار أكثر!”
“ماذا؟! أصلاً تخصيص غرفةٍ لنا في جناح الخادمات بحد ذاته فضل كبير، كيف كنتَ تتوقع أن أتشبث وأطلب غرفة فردية فوق ذلك؟!”
“وماذا الآن؟! ماذا سنفعل بشأن هذه الكارثة حيث سيدةٌ مثلك وأنا سنضطر لمشاركة نفس الغرفة؟! هاه؟ ما الحل؟!”
“هل هذا خطئي أنا الآن؟!”
بمجرد دخولهما غرفة الخادمات المخصصة لهما وإغلاق الباب، بدأ كَارل و سيان يتشاجران بهمس حاد، يكاد ينفجر من شدة التوتر والانفعال.
عندما ارتفعت نبرة صوت سيان فجأة بعد أن استمعت طويلاً لشكوى كَارل التي لم تختلف كثيرًا عن عناد طفل صغير، صمت كَارل وأغلق فمه بامتعاض.
“كيف يمكن لهؤلاء اللعينين أن يهينوني هكذا بينما الغرف متوفرة؟”
بزئير غاضب، حوّل كَارل غضبه إلى المسؤولين عن القلعة الذين لم يعرفوا قدره وأهملوه.
شاهدته سيان وهو يفقد أعصابه، فتنهدت وتحدثت ساخرة،
“أي إهانةٍ تلك التي تتحدث عنها؟ لا تفكر أنك مميز بسبب طولك أو شيء من هذا القبيل…..تذكر فقط أنك لست الأمير، بل مجرد مرتزق قررت أن تكون شقيقتي بالتبني. في أي مكان آخر، لن تحصل حتى على هذا القدر من الاحترام الذي يجعلهم يخصصون لك غرفة منفصلة كونك امرأةً مرتزقة.”
عبس كارل وكتم غضبه بعد سماعه لردّها.
“كيف تغيرت شخصيتكَ فجأة؟ كنتَ تتبع المنطق والعقل قبل قليل، فمتى بدأتَ بهذه الشخصية؟ حتى عندما أثرتَ المشاكل سابقًا، كنتَ مختلفاً…..هل تريد أن تُضرب على الخد الأيسر فتعرض الأيمن أيضًا؟ هذه ليست من تصرفات الأمير القديس الذي سمعنا عنها.”
_____________________
كارل شكله خرج عن صمته وماخذ راحته مع سيان😂
المهم مب لازم ترقدون اصلا تسللوا الليل خطوا الفلوس وهجوا✨
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 16"