وفجأة، وبينما كان غارقًا في التفكير، تذكّر امرأتين كانتا قد جاءتا إلى القلعة قبل أيام بشجاعة وكأنهما كانتا تنتظران هذه اللحظة.
“…..المرتزقة.”
كأن صدى صوت المرأة التي قالت أنها لن تمانع في القيام حتى بالأعمال الوضيعة عاد يتردد في أذنه.
تمتم ألفريد بصوتٍ منخفض، ففتح سوليڤان عينيه بدهشة،
“نعم؟”
“أرسل أحدهم. ليبحث عن تلك المرتزقة الجميلة التي تشبه سموه تمامًا والتي جاءت قبل أيام.”
“…..آه.”
أطلق سوليڤان صوتًا خافتًا وكأنه أدرك ما خطر في بال ألفريد.
“على أي حال، حتى لو جاء سمو ولي العهد مرة أخرى بجيشه، فسيتوجب عليه عبور الأسوار. نحن في أمسّ الحاجة حتى لمساعدة قطة، لذا فلنوكل إليهما مهمة الدفاع عن الجدار مؤقتًا.”
قال النائب الساذج، الذي لم يدرك بعد أنه وقع في الفخ، بنبرة بدت حازمةً بشكلٍ مدهش.
***
“كانت حيلةً متقنة…..”
تمتمت سيان بصوتٍ منخفض وهي تحدق في جدار القلعة الداخلية لإيفاريد.
كما لو كان المشهد يعلن للعالم عن مدى الرعب الذي جرى في تلك الليلة حين هاجم ولي العهد مع ثلاثة تنانين، كانت أجزاءٌ كثيرة من الجدار الداخلي، المبني بإحكام دون ثغرات، مدمرة ومهجورة بلا مبالاة.
لا يبدو أنهم فقدوا الرغبة في إصلاحه.
فقد وضعت سلالم هنا وهناك على الأجزاء المحطمة. لكن لم يكن هناك أي عامل يعمل. لدرجة أن الأمر بدا وكأن السلالم مجرد زينة.
‘…..ألم يتم تدليل الحاشية أكثر من اللازم؟ لم أتوقع أن يستسلموا بهذه السهولة.’
نظرت سيان إلى كارل الواقف بجانبها.
بشعره الطويل المنسدل، كان كارل يبدو كأنه امرأة بلا شك، لولا أنه طويلُ القامة لدرجة أن ييان اضطر إلى رفع رأسها لتنظر إليها.
لكن، ملامحه الجميلة بلا شك كانت غارقةً في ظلمة عاطفية لدرجة أنها بدت متجمدة بشكل يثير التوتر.
كان من الواضح أنه يتذكر تلك الليلة حين باغتهم ولي العهد، ولم يكن لديهم أي استعداد للدفاع، فتلقوا الهجوم بلا حولٍ منهم.
تساءلت سيان عما يجب قوله، لكنها حين بدأت حديثها بلا مبالاة وتفقدت تعبير كارل، شعرت وكأنها وقعت في فخ.
فعلى عكسها، هي التي لم تكن تحمل أي مشاعر تجاه إيفاريد، كان كارل هو من بنى كل ذلك بنفسه.
رؤية الجدار الذي أنشأه بعناء وهو ينهار لا بد أنها مزقت قلبه، فلا يمكن أن يكون شعوره هادئًا.
“حسنًا، أليس السبب في النهاية هو أن خطة أحدهم كانت متقنةً للغاية؟”
لكن على عكس سيان التي كانت تحاول اختيار كلمات عزاء، ردّ كارل بوجه هادئ سريعًا، وكأن حزنه السابق لم يكن موجودًا.
“نعم، هذا صحيحٌ أيضًا.”
ابتسمت سيان ابتسامةً واسعةً وهي تنظر إلى كارل.
خطة سيان التي كانت تعتمد على أن تظهر إيدلين، مما سيجبرهم على استدعائهم بعد أن يستهلكوا قواتهم في تشكيل فرقة تفتيش، قد نجحت تمامًا.
في صباح اليوم التالي لاستدعاء إيدلين، اقتحم خدم القلعة النزل الذي كانت تقيم فيه سيان ورفاقها، وكأنهم عرفوا مكانهم بطريقةٍ ما.
ثم، وبحذر، قدموا بالضبط العرض الذي كان كارل ينتظره: تولّي مهام حراسة القلعة.
“الأمور تسير بسلاسة شديدة، أليس كذلك؟ ماذا كانوا ليفعلوا لو لم أكن أنا، الجميلة، الذكية، ذات القيادة الفذة؟”
ضحكت سيان بصوتٍ منخفض، ثم نكزت كارل في خصره بمرفقها.
لقد فتح على نفسه بابًا لن يُغلق، فبسبب كلمةٍ طائشة، سيقضي حياته يتبع امرأةً تملك الجمال والذكاء والقيادة.
شيّق كارل عينيه ونظر إليها وقد امتلأت نظراته بالاستياء.
“لكن..…”
“نعم.”
أتبعت كارل الجملة بحرفٍ يحمل نبرة تشاؤم، فأجابته سيان بهدوء.
مر كارل بيدها خلف كتفه ليزيح خصلات شعرها الطويلة التي بدت وكأنها تزعج ذقنه، و رغم ذلك ظلت ملامحها ظاهرةً ببرود لا يشوبه توتر.
“أليس من المبكر الجزم بأن الأمور تسير بسلاسة؟”
نظر حوله وهو يتفقد المكان.
أمامهما، بجانبهما، وخلفهما، كان هناك عددٌ هائل من الرجال المفتولي العضلات الذين يشبهون المرتزقة في مظهرهم، حتى من نظرة واحدة.
“لم يكن العيش الجماعي ضمن الخطة.”
“…….”
وقفا سيان وكارل على مسافةٍ بعيدة عن أولئك الرجال، في مكان لا يصل فيه الصوت، وهم يحدّقون في بوابة الجدار الداخلي.
تنهدت سيان بانزعاج وعضت شفتيها بطعم المرارة.
“الركود في سوق المرتزقة طال كثيرًا. حتى نحن، ما إن سمعنا بوقوع حادث حتى اتجهنا مباشرةً إلى إيلاريد بحثًا عن عمل، فماذا عن الآخرين…..لم يكن لديهم خيار أيضًا.”
لم يكن هذا متوقعًا على الإطلاق. ظنّوا أنهم وحدهم من تم استدعاؤهم بعد أن ذهبوا بأنفسهم إلى القلعة، لكن يبدو أن حاشية كارل، التي كانت تحت ضغط كبير، استدعت كل المرتزقة المتاحين في إيفاريد.
“وماذا سنفعل الآن؟ مع هذا العدد الكبير من الناس، لن يكون من السهل التسلل وأخذ ما نحتاجه دون أن نُلاحظ.”
“في الوقت الحالي، يكفينا أننا حصلنا على إذن للبقاء داخل القلعة. أما الخطوات القادمة، فسوف نفكر فيها لاحقًا…”
وما إن أنهت سيان حديثها، حتى صدر صوت طويل حاد من بوابة الجدار الداخلي وهي تُفتح ببطء إلى الجانبين، صوتٌ لم يُعرف إن كان ترحيبيًا أم ينذر بالخطر.
بدأ بعض الرجال الذين كانوا يثرثرون بصخب بالتجمع أمام بوابة القلعة، بعضهم بانضباط، وآخرون يتمايلون بتكاسل كما لو كانوا مجرمين.
وانضما سيان وكارل بدورهما إلى الحشد.
ومن بين البوابتين المفتوحتين، خرج رجلٌ في الثلاثين من عمره تقريبًا. كان يرتدي درعًا خفيفًا.
“مرحبًا بكم أيها المرتزقة. أنا يوليان إيفرس، أعمل تحت إمرة سمو الأمير كارلستون كلاوس، وأتولى قيادة الوحدة وأشرف على حراسة الجدار الداخلي.”
قدّم الرجل نفسه بنبرةٍ فيها شيءٌ من التباهي، وكأنها مؤدبة وغير مؤدبة في آنٍ واحد.
اقتربت سيان برأسه من كتف كارل وهمست،
“هل هو أحد تابعيكَ المباشرين؟”
“لا أعرف. لا أذكره.”
“لو سمعه أحد، لظنه أحد رجالكَ المخلصين..…”
أخرجت سيان شفتَيها بضيق من رد كارل البارد، فيما واصل يوليان حديثه.
“أرحّب بكم في إيفاريد المجيدة، أيها المرتزقة. أعتقد أنكم جميعًا سمعتم عن وضع إيلاريد الحالي. باختصار، نحن نواجه نقصًا حادًا في القوات، مما اضطرنا إلى استئجار هذا العدد الكبير من المرتزقة دفعةً واحدة، وهو أمرٌ غير مسبوق.”
“لا حاجة لكثرة الكلام، دعنا نبدأ بالحديث عن الأجر أولًا.”
“صحيح، سنحمي القلعة بإحكام حتى لا تتسلل حتى فأرة، فقط ادفعوا لنا بسخاء.”
ما إن أنهى يوليان كلامه، حتى بدأ المرتزقة المتعجلون بالصياح من هنا وهناك.
فأطلقت سيان نفسًا مليئًا بالضيق.
“سيكون الأمر مزعجًا إن لم نسمح حتى لفأرٍ واحد بالدخول..…”
أما كارل، فبدا عليه اللامبالاة، وظل يلوّي أطراف شعره المستعار بأصابعه كما لو كان الأمر لا يعنيه.
“لكل مجموعة عدد مختلف من الأفراد، ومهام مختلفة، لذا لا يمكن تحديد أجر موحّد للجميع. اختاروا ممثلًا عن كل مجموعة، وادخلوا واحدًا تلو الآخر ليتفاوض مع المسؤول المالي، فيتم تحديد الأجر وتوقيع العقد. وسيتم إصدار عقد مكتوبٍ لكم.”
“جيد، إذًا دعونا ندخل.”
“صحيح، لنَدخُل الآن.”
تصرف المرتزقة وكأن كل ما يحتاجونه قد انتهى، وبدون أي نيةٍ لسماع المزيد من الكلام، اندفعوا نحو يوليان محاولين التقدم إلى داخل القلعة.
“مهلاً، مهلاً، حافظوا على النظام! ألا تعرفون أي مكان هذا؟!”
قال يوليان ذلك وهو يصدّهم بوجهٍ ممتلئ بالضيق.
“لقد تلقى تدريبًا جيدًا، على ما يبدو.”
تمتم كارل بفخر وهو ياوّح بشعرها الطويل بعد أن أدار عنقه.
نظرت إليه سيان وكأنها تقول بعينيها: “حقًا؟ هذا هو التدريب الجيد؟”
على أية حال، وبعد جلبةٍ وفوضى، بدأ المرتزقة يتجمعون جماعات صغيرة كما طلب منهم يوليان، وبدأوا بتحديد أدوارهم للدخول.
انضمّا سبان وكارل إلى صفوف المرتزقة، يتحركان بينهم بحثًا عن موقعهما.
“مرتزقةٌ من النساء؟”
قالها أحد الرجال ذلك فجأة بعد أن صدمهم بلا قصد، وهو يعبس عند رؤيته لكارل وسيان في زي النساء.
“هل سكبت الحليب في عظامك وأنتِ تكبرين؟ ما هذه القامة المخيفة؟”
كان الرجل الغريب الملامح طويل القامة وضخم البنية، لكن كارل الذي كان في زي امرأة، كان أطول منه.
ومع أن نظره كان مرفوعًا للأعلى، وهو ما جرح كبرياءه، إلا أنه بادر إلى التصرف بعدوانية.
“تسك، هكذا هم الرجال دائمًا..…”
تنهّدت سيان وهي تنقر لسانها بأسى، فقد مرّت بمثل هذه المواقف كثيرًا من قبل.
وكانت على وشك الرد نيابةً عن كارل الذي لم يعتد بعد على هذا النوع من المواقف، لكنه سبقها بالكلام.
“هل لديكَ أي اعتراض؟”
وضع كارل ذراعيه بتأنٍ وابتسم ابتسامةً مغرية، ثم رفع صوته وتحدي بحدة،
“إذا كان يزعجكَ أنك أقصر من امرأة، كان عليك أن تسكب الحليب في عظامكَ أنت أيضًا. ما ذنبي إن كنت توقفت عن النمو؟”
قال ذلك بابتسامةٍ لاذعة على شفتيه، بنبرةٍ ساخرة لا تقل عن دهاء ثعلبٍ ماكر.
تجمّد وجه الرجل تلقائيًا من الإهانة الواضحة في وصف “توقفت عن النمو”، ولم يكن ذلك غريبًا.
‘عذرًا، أين قديس إيفاريد؟’
فكرت سيان بذلك مذهولةً وهي تحدّق بكارل دون أن تستطيع قول شيءٍ آخر.
“ما هذا؟! كنت أنوي أن أكون لطيفًا معكِ لأن وجهكِ جميلٌ قليلًا، لكن..…”
بصق الرجل بقسوة على الأرض وهو يقطب حاجبيه.
“يا إلهي!”
تحدث كارل بصوتٍ حاد وانزعج بوضوح، و ملامح وجهه انكمشت في اشمئزاز.
“أين كانت هذه المعاملة الجيدة؟ يبدو أنكَ بحاجة لدراسة المزيد. من الواضح أنكَ لم تلتقِ بامرأة من قبل، أليس كذلك؟”
……هل هذا هو القديس الذي كان سيُعطيكَ الخد الآخر إذا تلقى ضربةً على خده الأيسر؟ عذرًا؟
حدّقت سيان في الرجل الغاضب وكارل بالتناوب، وهي تبتسم بشكلٍ محرج، غير قادرةٍ على فهم ما يحدث.
“أعطيتكِ بعض الاهتمام فقط لأنكِ امرأة..…”
قال الرجل ذلك وهو يسحب من وراء ظهره عصا ضخمة مصنوعة من المعدن. فاستجابت سيان بسرعة لمهاجمته المفاجئة ووضعت يدها على سيفها المعلق على خصرها.
“انظر، لو جنتَ حقاً قد التقيتَ بامرأةٍ من قبل، ألا تعتقد أن أي شيء آخر سيثير اهتمامكَ غير الطول؟”
“كارين.…”
نادَت سيان كارل باسم “كارين” وسط هذه الفوضى، لكنه لم يتحرك.
شعرت سيان أنه لا فائدة من تصعيد الأمور أكثر من ذلك، وبدأت ملامح وجهها تتحول إلى الجدية.
“يا له من رجلٍ محرج.”
قال أحد المرتزقة الذين كانوا بالقرب من مكان الفوضى وهو يصفق بلسانه.
وجه الرجل الذي يحمل العصا احمرّ بشدة، وكأنه تأثر بشكل أكبر بتلك الكلمات.
“حتى وإن كنتِ امرأة، فبما أنكِ تحملين سيفًا، يبدو أنكِ تحاولين التفاخر بأنكِ مرتزقة. تعالي، أيها المرأة الطويلة جدًا، سأريكِ اليوم طعمًا مؤلمًا..…”
قبل أن ينهي الرجل حديثه، أصبح وجه كارل باردًا تمامًا، وسحب سيفه بسرعة.
حتى سيان لم تكن قادرةً على متابعة حركة يده بسبب السرعة التي لا تُصدق.
“كنت أنتظر هذا الكلام بالضبط، أيها الوغد.”
قال كارل ذلك بابتسامةٍ حادة، وعينيه مليئتين بالغضب.
لكن سيان كانت تفكر في نفسها أثناء ذلك.
‘ما الذي يحدث لهذا الشخص؟’
_______________________
كارل طلع راعي مشاكل😭
سيان ياقلبو مب لازم توقفينه جيبي فشار وتفرجي 🙂↕️
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 15"