“…..هاه؟ لماذا تسأل شيئًا كهذا فجأة؟”
“لو فكرت في الأمر، لا يوجد حاليًا في إغريون عائلةٌ نبيلة تُدعى روزفلت. هذا يعني أن اللقب إما يعود لعائلةٍ أُبيدت من قبل، أو أنه مزيف. لا بد أنه أحد الاحتمالين.”
رمشت سيان بعينيها من سؤال كارل. و الجعة التي لم تبتلعها بعد انسابت إلى ذقنها، ولم تجد وقتًا حتى لتجففها.
شعرت أن كل الأنظار التي كانت تجول على الطاولة قد توجهت نحوها. فبسبب سؤال كارل المفاجئ، أصبح الجميع مهتمين وينتظرون إجابة سيان.
…..ما هذا الآن؟
كادت شفتا سيان أن تلتويا من نظرات كارل الفاضحة التي تمعن في تحليلها، لكنها بالكاد تمالكت نفسها.
“لماذا؟ هل من الصعب تصديق أنني كنت آنسةً من عائلة نبيلة؟”
لا تعرف لماذا بدأ يفتعل الشجار فجأة. والأسوأ أنه اختار مكانًا عامًا أمام جميع رجال فرقة المرتزقة.
سيان، التي لا تتردد في خوض أي شجار يُفرض عليها، اعتبرت سؤال كارل المفاجئ هجومًا واستعدت للرد، لكن كارل مال برأسه بفضول، محافظًا على نفس التعبير الغامض الذي أظهره قبل فترة.
“لا، بل العكس تمامًا. لا أفهم كيف لامرأةٍ مثلكِ أن ينتهي بها الحال بهذا الشكل..…”
“…..ماذا؟”
لم تكن سيان من ردت بدهشة على كلام كارل غير المتوقع، بل أحد الجالسين إلى الطاولة. وفجأة، انصبّت كل الأنظار نحو سيان.
“لو كانت تملك هذا القدر من الذكاء، والجمال، والقيادة، فلا بد أنها من سلالةٍ غير عادية. من أي عائلةٍ جاءت، وما قصتها لتنتهي بها الحال في مهنة وعرة كمرتزقة..…؟”
المرتزقة ثبتوا أنظارهم على سيان، بينما آذانهم كانت مصغيةً لكارل، وبدأت ملامحهم تأخذ طابعًا غريبًا.
في توقيت غريب جدًا، جاءت كلمات مدح أغرب، فبدت وجوه الجميع متسائلةً فجأة عمّا يحدث بالضبط.
بالطبع، لم تكن سيان تختلف كثيرًا عن المرتزقة الآخرين.
‘ما بال هذا الأمير الوسيم يتصرف هكذا…..’
وجهها الذي كان قد أصبح حادًا ظنًا أن الكلام سيتحول إلى شجار، عاد إلى حالته الطبيعية عندما أدركت أن ما قيل كان مدحًا، لا هجومًا.
لكن، ما هذا؟ تلقي المديح الصريح بهذا الشكل وفي مكان عام جعلها تشعر بالحرج.
“أم…..كارل؟”
نادته سيان وهي ترمش بعينيها. و بدا أن نظراته التي كانت بلا تركيز قد استعادت وضوحها فجأة، فتساءلت إن كان هذا الإنسان يدرك أصلًا ما الذي يقوله.
تنحنحت سيان بخفة،
“صحيحٌ أنني مذهلة، لكن سيكون من المزعج لو وقعت في حبي.”
“…..ماذا؟”
كارل، الذي كان غارقًا في تساؤلاته الخاصة وكأنه في عالم آخر، فتح عينيه على وسعهما بدهشة.
وبما أنه بدا كالأميرات من الخارج بسبب هيئته أثناء الرحلة، فإن مجرد تساؤل واحد لم يكن كافيًا له، فأعاد السؤال.
“…..أقع…..من الذي وقع؟”
كارل، الذي أدرك ما قيل للتو، عبس بين حاجبيه. وبطبيعة الحال، انتقلت أنظار الجميع من سيان إليه في لحظة.
كارل، الذي واجه فجأة سيلًا من النظرات الحادة تمامًا كما حدث لسيان قبل قليل، أخذ يتلفت حوله بارتباك.
“أنا؟ لكِ؟”
خرجت منه ضحكةٌ ساخرة لا إرادية.
“ما هذا الكلام السخيف..…!”
رغم أنه أنكر الأمر مرة، إلا أن كارل بدا وكأنه لم يكتفِ بذلك، فهبّ واقفًا فجأة من مكانه.
و كان واضحًا لأي شخص أنه يشعر بوخز داخلي ويتصرف بردة فعل مبالغ فيها.
“أوه، لا بأس، لا بأس. يبدو أنكَ خجولٌ أكثر مما توقعت. فمن الطبيعي أن يتزعزع قلبكَ عندما تقضي وقتًا مع امرأة مثالية تجمع بين الذكاء، والجمال، والقيادة مثلي.”
“ليس كذلك!”
قالت سيان ذلك وهي تضحك بهدوء ملوّحةً بيدها، لكن كارل صرخ رافعًا صوته.
“أ- أعذراني، لكن ألا يمكنكما إجراء هذا الحديث الشخصي في وقت آخر؟”
قالها ماكس بحذر، بعدما لم يعد يحتمل.
“ألا يوجد عندنا بند يمنع العلاقات العاطفية داخل الفرقة أو شيء من هذا القبيل؟ بدأت أشعر بالضيق فجأة..…”
أضاف الطبيب جيفي ذلك بنبرةٍ مستاءة، فيما أخذ بيل بجانبه يهز رأسه بقوة حتى كاد يسقط.
تنحنحت سيان، وقد شعرت أن ابتسامتها توشك أن تنهار من الإحراج.
“حسنًا، وماذا يمكن للإنسان أن يفعل إذا مال قلبه؟ يبدو أن قدّيس إيفاريد لم يستطع إلا أن يرى الإنسانة داخلي بسبب ذكائي وجمالي.…”
“قلتُ لكِ أن الأمر ليس كذلك! كنت فقط…..أشعر بفضولٍ مفاجئ..…”
“أجل أجل، مشاعر الناس دائمًا تبدأ هكذا. يثيرك الفضول بشأن شخص، ثم تبدأ بالاهتمام به، ومن هناك تبدأ الأمور بالتطور شيئًا فشيئًا..…تفهم قصدي، أليس كذلك؟”
قالت سيان ذلك وهي تغمز لكارل بخفة.
و في مواجهة ردود الفعل الجريئة والمراوغة تلك، لم يسع كارل إلا أن يضحك ساخرًا مجددًا وهو يتمتم.
“ما هذا النوع من النساء بحق…..”
عندما رأت سيان وجه كارل المصدوم، انفجرت في ضحكةٍ صافية.
“أقدّر مشاعركَ، لكنني لست متفرغةً بما يكفي لأواعدكَ بشكلٍ خاص. لذا أرجو أن تُبقي هذه الأحاديث الخاصة بيننا فقط، وفي وقت مناسب.”
“صحيح. من المزعج سماعها ونحن الطرف الثالث في الموضوع.”
أومأ بيل برأسه بعنفٍ موافقًا.
في الحقيقة، كل ما في الأمر أن كارل شعر بفضولٍ بريء تجاه كيف أصبحت فتاةٌ من أصل نبيل مرتزقة. لكنه لم يفهم إطلاقًا كيف انحرفت القصة بهذا الشكل.
ولم يكن الجو مناسبًا أبدًا لتكرار النفي أو الدفاع، فقد شعر كارل أن لا أحد سيصدقه، فتخلى عن المحاولة واكتفى بتعبير مذهول على وجهه.
“على كل حال، متى وكيف وأين يجب أن نظهر إيدلين؟”
قال ذلك وهو يزأر كمن أقسم ألّا يعيد الحديث السابق أبدًا، محاولًا تغيير الموضوع بسرعة.
رفعت سيان حاجبها بخفة وهي تمضغ قطعة من اللحم المجفف.
“العروض كلما كانت أكثر بهرجة، كان ذلك أفضل. وبما أن اسمها إيديلين الفضية، فمن الأفضل أن تظهر في الظلام لتبرز أمام الجميع. لكن إن ظهرت في وقتٍ متأخر عندما لا يكون هناك أحد، فلن يكون للعرض أي تأثير..…”
وأثناء حديثها، رتبت أفكارها في رأسها، ثم رفعت نظرها إلى السقف قليلًا، قبل أن تعود وتنظر إلى كارل من جديد.
“…..غدًا، عند الغروب تمامًا؟”
لم يكن هناك أي ثغرةٍ يمكن الاعتراض من خلالها.
‘ما بال هذه المرأة بحق؟’
كارل، الذي كان قد عزم ألّا يستفسر أكثر بعد الآن بسبب سخريتها الطفولية، وجد عزيمته تتبخر تمامًا أمام براعة سيان وسلاستها في قيادة الحديث بلا أي تعثر.
لو كان هناك شخصٌ موثوق قريب يمكنه الاعتماد عليه، لكان حاول التحري عن ماضيها. لكن في هذا الوضع، لم يكن لديه حتى من يعتمد عليه.
نظرت سيان في عينيه مباشرة، وابتسمت بابتسامةً خفيفة. و كارل، الذي لم يتمكن من فهم ما يدور في بال هذه المرأة، عبس بين حاجبيه كما لو كان ممتلئًا بالامتعاض.
“…..حسنًا.”
قال ذلك بعد أن ترك لحظة صمتٍ متعمداً، وكأنه يحاول إضفاء جو من التوتر غير المفهوم.
“غدًا مساءً، سنُقدّم عرضًا يبهر الجميع لدرجة تصيبهم بالدهشة.”
قال كارل ذلك بسخرية خفيفة، فابتسمت سيان بهدوء وهي تمط شفتيها.
***
“هذا…..أمرٌ يبعث على التوتر فعلًا.”
قال الرجل الأول، الذي ارتدى عباءةً سوداء غطت جسده من رأسه حتى أخمص قدميه، ليتماهى مع الظلام من حوله.
كان جميع أفراد مجموعة سيان يرتدون عباءاتٍ سوداء بالكامل تغطيهم من الرأس حتى القدم.
ورغم أن الشمس الموشكة على المغيب لا تزال تنثر بعض الضوء الخافت، لم يكن بالإمكان تمييز أحدهم إلا من خلال صوته.
“من الطبيعي أن تتوتر. هذه فرصةٌ نادرة، لا تتكرر، لرؤية ’إيدلين‘ عن قرب.”
وسط الرجال المتشحين بالسواد، برز صوت سيان الرقيق بوضوح.
“يقال إن قشور إيدلين تشع ضوءًا من تلقاء نفسها…..تُرى، هل هذا صحيح؟”
“هذه أول مرة أرى فيها تنينًا بعيني…..أشعر بالتوتر.”
قال الرجل الثاني ذلك، وتبعه الرجل الثالث بنفس الشعور.
“لا حاجة للكلام. لو حرّكت إيدلين جناحيها مرةً واحدة فقط، ستضج منطقة إيفاريد كلها.”
قالت سيان ذلك وهي تشبك ذراعيها تحت العباءة التي غطتها بالكامل.
على عكس الرجال الذين تجمدوا توترًا وترقبًا قبل لقائهم المرتقب مع تنين حقيقي، كان صوتها يفيض بالهدوء والثقة.
“تتحدثين وكأنكِ رأيت تنينًا من قبل، نونا.”
قال الرجل الثاني، وعلى الأرجح كان ماكس من نبرة صوته.
و تحت قلنسوة عباءتها الكبيرة التي ألقت بظل كثيف على وجهها، لم تُجب سيان بكلمة.
“الآن وقد تذكرت، لقد قلتِ من قبل أنكِ زرتِ الأرض الفاسدة، أليس كذلك؟ لا بد أنكِ رأيتِ الكثير من التنانين هناك. يُقال أن التنانين البرية تجوب المكان باحثةً عن فرائس بشكلٍ دائم.”
كان صوت الرجل الأول صوت الطبيب جيفي.
“ذاكرتكَ ممتازة يا طبيب، لا أصدق أنكَ تذكر كل ذلك.”
قالت سيان ذلك وهي تبتسم ابتسامةً جانبية وسط الظلام، موجّهة نظرها نحو الطبيب جيفي، الذي لم يكن يبدو سوى كتلة سوداء بسبب الظلال.
“…..لكنني، في الحقيقة، هذه أول مرة أرى فيها تنينًا أيضًا. لقد انقرضت التنانين البرية منذ زمنٍ بعيد.”
في الماضي، كان الكثير يصطاد التنانين طمعًا في القوة العظيمة والهيبة التي يمكن نيلها إن اختاركَ تنينٌ لتصبح سيده.
لكن، في الأراضي التي لا تزال تحمل بركة يغدراسيل منذ التأسيس، لم يكن بمقدور التنانين البرية البقاء بمفردها دون سيد، ولهذا كان صائدو التنانين يعبرون النهر الأحمر ويتوجهون إلى الأرض الفاسدة لصيدها.
ومع ذلك، فإن التنانين، التي تمتلك إرادةً ووعيًا، لم تكن تخضع بسهولة لقوة البشر، ولم تكن تختار سيدًا إلا بإرادتها.
وعندما لم يعد الصيادون قادرين على أن يصبحوا “سادة التنانين”، لجأوا إلى صيدها بشكلٍ همجي. ثم قاموا ببيع الحراشف والعظام المملوءة بطاقة التنين السحرية في السوق السوداء مقابل المال.
لذلك، بدأت التنانين التي كانت تنعم بحريتها المقيّدة في الأرض الفاسدة بالاختفاء تدريجيًا، نتيجة حملات الصيد الواسعة التي استهدفتها.
وبمرور الوقت، لم يعد أحدٌ يعرف كم عدد التنانين المتبقية في تلك الأرض. ومع اختفاء التنانين، انقرض صائدو التنانين أيضًا بطبيعة الحال.
حتى الأسواق السوداء، التي كانت تفيض يومًا ما بمنتجات مشتقة من التنانين، خلت تمامًا منها.
وفي النهاية، ارتفعت مكانة “سيد التنين” في أعين الإمبراطورية أكثر فأكثر، بينما أصبح من النادر جدًا، بل يكاد يكون مستحيلًا، لأشخاص عاديين كسيان أو المرتزقة أن يروا تنينًا ولو مرةً واحدة في حياتهم.
‘…..والآن بعد أن فكرت بالأمر، تلك التعاويذ…..’
استرجعت سيان ذكريات الماضي مع كلمات الطبيب جيفي، وسرعان ما تذكرت التعاويذ التي أُخرجت من جسد كارل.
كانت قد نسيت تمامًا أن عليها أن تسأل كارل عن الأمر—كيف يمكن لأحد ينتمي إلى العائلة الإمبراطورية أن يمتلك عظام تنين لم تعد تُرى حتى في السوق السوداء؟
إن كان ولي العهد قد سمح باستخدام تلك القطعة عن وعي، فبوسعي الحكم عليه بأنه شخص شرير لأقصى حد، وخالٍ من أي شرفٍ أو كرامة.
أما إن كان يجهل وجودها، وأن أحد من تحته قد تصرف بها من تلقاء نفسه…..
…..فهذا يعني أن الصراع السياسي الذي اندلع على خلفية اغتيال ملك التنانين ليس مجرد صراع بسيط بين ولي العهد والأمراء، بل أعمق وأخطر من ذلك بكثير…..
غرقت سيان في التفكير، محدقةً في الظلام الذي بدأ يشتد من حولها.
“هاااه..…”
خرجت منها تنهيدةٌ ثقيلة بلا وعي.
“لماذا تأخر هكذا؟ الشمس أوشكت على الغروب تمامًا.”
تحدث بيل بانزعاج، وقد بدأ القلق يتسلل إليه مع اختفاء آخر خيوط الشمس.
في تلك اللحظة، ظهرت ظلالٌ سوداء من خلف الأرض المستوية التي كانت سيان ورفاقها يحدقون نحوها.
“آه، لقد وصل.”
قال أحدهم ذلك بينما كانت سيان والمرتزقة يختبئون تحت ظل الأشجار في الغابة، متلثمين بعباءات سوداء تخفي أجسادهم.
____________________
سيان احسها قد شافت ايدلين نفسها
كارل يضحك كل شوي ماغير يقول لسيان في راسه انت وش؟ 😭
معليه تتزوجون وتعرف
بس صدق ما اقدر اتخيل ذولا كيف بتصير بينهم رومنسيه؟😂
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 13"