قدّمت سيان القلم وعقد الاتفاق مجددًا.
و خشية أن يكون قد فاتته نقطةٌ ما، أو أن تكون هناك عبارةٌ غامضة قد تسبب نزاعًا قانونيًا، أمسك كارل القلم بعد أن قرأ العقد بعناية تامة ثلاث مرات، متأملًا كل حرف بتركيز شديد، رغم أنه كان قد استوعب مضمونه مسبقًا.
وكانت سيان تنظر إلى كارل وهي تبتسم ابتسامةً غامضة لا يمكن تفسيرها.
‘حتى وهو غاضب…..يبدو لطيفًا.’
هل وصلت إلى هذه الدرجة من التعلق؟ متى أصبحت الأمور هكذا؟
شعرت سيان أن مشاعرها باتت معقدة للغاية.
لقد كانت محقةً تمامًا حين لم تخبر الطبيب جيفي بالحقيقة. فلو علم بها أولئك المتعطشون للفضائح، لتعرضت لسخريةٍ لا تُحتمل.
لمجرد التفكير بالأمر كان يشعرها بالدوار.
وبينما كانت سيان غارقةً في أفكارها وهي تنظر إلى كارل، كان هو يُنهي توقيعه بخطٍ أنيق يدل على رقيّ الأرستقراطيين.
لقد انتهى الآن ذلك الصراع الداخلي، وكأنه كان آخر فرصةٍ للعودة إلى حياة رتيبة وهادئة.
‘لم أُتح لنفسي حتى فرصةً للتفكير بجدية أكثر.’
تمتمت سيان في داخلها بمرارة وهي تأخذ العقد الذي أنهى كارل توقيعه.
“الآن لم يعد هناك مفر، لقد أصبحنا في صفٍ واحد تمامًا.”
قالت سيان ذلك وهي تحاول تهدئة مشاعرها التي لم تعرف إن كانت راحةً أم انزعاجًا، فرفع كارل حاجبه واتكأ على مسند الكرسي.
رغم أنه لا يبدو وكأنه يعتني بها، إلا أن حاجبيه يبدوان وكأنهما مرسومان بعناية.
كتمت سيان إعجابها داخلها بوجهٍ هادئ، وقد بات معتادًا على ذلك الشعور.
في هذه المرحلة، لم تعد يعلم إن كانت قد وقعت في حب ذلك الوجه، أم في حب ذلك الإنسان.
“عادةً، لا يُفترض أن يعتبر المرء من يحاول الاستيلاء حتى على المقاطعة في صفه بهذه السهولة…..لكن لنمر على هذه التفاصيل الصغيرة.”
“يا إلهي، من المؤسف أن يكون هناك ضغينةٌ خلف هذا الوجه الجميل.”
قالت سيان ذلك ضاحكة بخفة.
“إذًا، يا صاحب العمل العزيز، بما أننا لم نعد نملك مجالًا للتراجع، لمَ لا نبدأ بالتعارف كما ينبغي؟”
قالت سيان ذلك وهي تضع العقد بعناية،
“بما أننا انتهينا من العقد، فلنبدأ بالتعارف.”
فأمال كارل رأسه قليلًا مستغربًا.
“هل هناك حاجةٌ لأن أُعرّف بنفسي؟”
قالها بنبرة وكأن الأمر بديهي، وتعبير وجهه كان ثابتًا وواثقًا.
كان يتصرف وكأن لا أحد في هذا العالم يجهل من يكون، وهو سلوكٌ يقترب من الغرور، لكن سيان اكتفت بابتسامةٍ خفيفة.
“الأمير الثالث لإمبراطورية التنين إغريون، كارلستون كلاوس، وريثٌ مباشر لسلالة مؤسس المملكة التنين إغدراسيل، وصاحب إيدلين الفضية، وسيد إيفارييد. كان من المفترض أن يُمنح لقب الدوق في حفل تتويج ولي العهد الأمير هندريك كلاوس، لكن بسبب مرض جلالة الإمبراطور تأجل الحفل، لذا لا يزال حتى الآن أميرًا فقط. وأثناء تجوله متخفيًا، تلقى صفعةً على خده الأيمن من متسوّل، لكنه أدار له خده الأيسر أيضًا، مما جعله يُلقب بقديس القديسين.”
“أراكِ مطّلعةً جيدًا.”
ما إن بدأت سيان بسرد معلوماتٍ عن خلفية كارل حتى بدأت ملامح الجدّية على وجهه تتلاشى تدريجيًا.
و بدا واضحًا أنه يستمتع بتلك الشهرة التي يستحيل على أي شخص من الإمبراطورية تجاهلها.
“لكن ما أعرفه مجرد معلوماتٍ عامة يعرفها الجميع، أليس كذلك؟ لكي نصبح حقًا في صفٍ واحد، يجب أن أعرف أشياء أكثر تفصيلًا.”
“أشياء أكثر تفصيلًا؟”
“كم طولكَ؟ ما رأيكَ في الزواج عادةً؟ وما هو نوعكَ المفضل؟”
“…..هاه؟”
لبث كارل لحظةً يرمش ببلاهة، وكأنه تحوّل فجأة إلى شخصٍ تائه لا يفهم شيئًا.
“…..وما علاقة هذا بالعقد..…؟”
“لا، فقط…..تفاجأتُ لأنكَ أطول مما توقعت..…”
قالت سيان هذا بخجل، وهي تطأطئ رأسها وتخفض صوتها.
ازدادت الحيرة على وجه كارل، وكأن الموقف زاد تعقيدًا بالنسبة له.
“لا أعلم كم طولي لأنني لم أقسه من قبل، أما عن نظرتي للزواج فهي…..أن يكون الشريك قادرًا على إدارة شؤون المقاطعة جيدًا..…”
كان كارل يجيب بجدية رغم كل شيء، لكنه سرعان ما توقف عن الكلام وقطّب جبينه.
و تعبير وجهه أوضح تمامًا ما كان يدور في ذهنه: “لماذا أجيب على هذا أصلًا؟”
“بدلًا من ذلك، أليس من الأفضل أن نفكر في كيفية الدخول إلى القلعة؟”
قال ذلك وهو يحدّق في سيان التي كانت تنظر إليه بعينين لامعتين، ثم أطلقت تنهيدةً طويلة.
خفضت سيان كتفيها بوجهٍ خائب بينما كانت تحتضن العقد بحرص.
“لماذا؟ أعتقد أن من المهم أن يعرف كلٌ منا الآخر جيدًا. لكن. كلامكَ منطقيٌ من ناحيةٍ أخرى..…”
نظر كارل إليها بنظرةٍ ساخرة تعبّر بوضوح عن أن الاتجاه انحرف كثيرًا عن المطلوب.
كان من المدهش كم أن ملامح وجهه ونظراته كانت كافيةً لنقل أفكاره بوضوح أكثر من أي كلمات.
بلعت سيان ريقها وهي تشعر بامتعاض واضح أقوى من أي توبيخ سمعته بأذنها.
“لا وجود لمعلومةٍ عديمة الفائدة في هذا العالم. كل ما تعرفه مسبقًا يمكن أن يكون نافعًا في وقتٍ ما. لهذا سألتكَ، فلا تأخذ الأمر بطريقةٍ سلبية.”
قالت سيان ذلك بسلاسة وكأنها تُلقي خطابًا جاهزًا، ثم ضحكت ضحكةً قصيرة وكأن الأمر مضحكٌ فعلًا.
“أيعقل أنني سأطرح مثل هذه الأسئلة لأن لديّ اهتمامًا شخصيًا بسموك، مالك إيدلين؟ لا، بالطبع لا. كل ما في الأمر أنني أطرح ما يلزم فقط.”
رغم أنها كانت مقتنعةً بأن تمثيلها كان ممتازًا، فإن عيني كارل الضيقتين لم تفارقها، وكأنهما تزدادان شكًا بدل أن تهدأ.
وعلى الرغم من الأداء المتقن، بدت علامات الشك تتعمق أكثر على وجه كارل.
راقبت سيان ملامحه للحظة، ثم اضطرت للسعال المزيف محاولةً كسر التوتر.
وفجأة أدركت أن ما قاله بدا وكأنه اعترافٌ مبطّن: “في الواقع، أنا مهتمةٌ بكَ شخصيًا يا صاحب السمو.”
فأدركت أنها بحاجةٍ إلى تبرير أكثر إقناعًا.
“أعني…..معلوماتٌ مثل طول سموك أو نوعكَ المثالي ضرورية…..لأنها مرتبطة بالخطة لدخول إيفاريد..…”
قالت ذلك عشوائيًا دون تفكير، لكن سرعان ما شعرت بأنها غاصت في دوامةٍ أعقد.
‘لماذا أشعر وكأنني أحفر قبري بكل إخلاص؟’
تمتمت سيان وهي تبلل شفتيها الجافتين بقلق.
“أعني، ما أحاول قوله هو…..نعم، إن كان طولكَ مفرطًا، فقد نحتاج إلى حجةٍ مناسبة في حال اضطررت للتنكر بزيٍ نسائي.”
ورغم كل شيء، يبدو أن الإنسان لا يُترك بلا مخرج. فقد وجدت سيان في النهاية عذرًا سخيفًا، وكأن لسانها وعقلها يعملان كلٌّ على حدة.
“زيٌ نسائي؟”
قطّب كارل حاجبيه بوضوح عند سماعه الكلمة غير المتوقعة.
فأومأت سيان برأسها بسرعة، وكأن الكلمة التي تفوه بها لسانها دون تخطيط قد بدت فجأةً منطقية جدًا.
***
إيفاريد، الواقعة في أقصى الجنوب من إمبراطورية التنين إغريون، كانت منطقةً مشمسة يُزرع فيها التوت الأحمر بكثرة.
ومع ذلك، وبسبب السمعة السيئة للنهر الأحمر الذي يحيط بها من ثلاث جهات، لم يجرؤ الناس على الاستقرار فيها، واقتصر التردد عليها على جامعي الأعشاب الذين كانوا يزورونها بين الحين والآخر لجمع التوت.
لكن بعد أن منح الأمير الثالث، كارلستون كلاوس، تلك الأرض كمقاطعة له بصفته مالك إيدلين، تحوّلت تلك الأرض المهجورة خلال عشر سنوات فقط إلى أرضٍ مزدهرة من جديد.
تم بناء جدار حصين استعدادًا لاحتمال هجوم مفاجئ من التنانين، وتجمّع الزوار القادمون من بعيد لتشكيل مجتمعاتٍ صغيرة، تحولت إلى قرى ثم إلى مدينة كاملة.
أما قلعة إيلاريد، التي خُصصت لإقامة اللورد، فقد تم بناؤها في مشروعٍ ضخم استغرق سبع سنوات كاملة.
شُيّدت القلعة على قمة جبل أفاندا، أعلى قمم إيفاريد، وكانت مصدر فخر وطمأنينة لأهل المنطقة.
ومنذ أن بدأ اللورد كارلستون كلاوس الإقامة في قلعة إيفاريد، لم تُطفأ أنوارها ولو مرة واحدة.
لكن، كما هو الحال دائمًا، جاءت الكارثة فجأة وغيّرت كل شيءٍ في لحظة واحدة.
“أما زلتم عاجزين عن العثور على صاحب السمو؟”
كان الظل يكسو وجه ألفريد روبينز، الوصي على المقاطعة والقائم بأعمال اللورد.
التعب الناتج عن الأعمال المتراكمة منذ وقتٍ طويل، والقلق من عدم معرفة متى سينتهي هذا الحال، تركا آثارًا واضحة على ملامحه وتجاعيد وجهه.
تحدث المسؤول الإداري، سوليفان، وهو يخفض رأسه عاجزًا عن إتمام الجملة،
“السيد إيلما يبذل جهده في جمع المعلومات من كل الجهات، ولكن..…”
تنهد ألفريد تنهيدةً طويلة ومضطربةً دون أن يخفي توتره.
“ما الذي حدث له بحق..…؟ بما أنه مصابٌ بجراح خطيرة، فلا بد أنه لم يبتعد كثيرًا..…”
“لا تقل لي أننا مضطرون للاستعداد…..لأسوأ الاحتمالات.”
“توقف عن قول تلك الكلمات السيئة.”
عبس ألفريد وهو يرد على كلمة سوليفان المتهورة.
“من هو صاحب السمو؟ هو الوريث المباشر لإغدراسيل مؤسس المملكة، وصاحب إيدلين الفضية. لا يمكن أن يحدث ذلك، ولا ينبغي أن يحدث أبدًا.”
“لكن…..”
كان سوليفان يستعد لطرح اعتراض على كلام ألفريد، حينما سُمع صوت طرقٍ على الباب من الخارج.
“سيدي روبينز، أنا ديريك. هل أنتَ هناك؟”
نظر كلٌ من ألفريد وسوليفان إلى الباب، حيث وصل الصوت الهادئ من الخارج. و بدلًا من الإجابة، اتجه ألفريد مباشرةً نحو الباب.
عندما فتحه، كان ديريك، خادم الأمير، الذي كان يرتدي بدلةً أنيقة، يقف في الخارج. وعندما رأى ديريك ألفريد، انحنى له باحترام.
“ما الأمر؟”
“لقد جاء ضيف.”
“ضيف؟”
عبس ألفريد وهو يسمع هذا.
كانت الأخبار قد انتشرت في الإمبراطورية عن التهم الموجهة إلى الأمير بشأن قتل ملك التنانين، وعن الهجوم الذي تعرض له من قبل ولي العهد. في مثل هذا الوقت، من الذي قد يزورهم؟
“هل هو من جانب الأمير؟”
أبدى ألفريد استغرابه وهو يحدق في ديريك.
“ليس كذلك. ولكن، الأشخاص الذين استقبلتهم لا يبدو أنهم من النبلاء.”
“من هم إذًا؟”
“عندما نظرت إليها، يمكنني أن أقول أنها مرتزقة.…”
همس ديريك في نهاية حديثة، حيث كانت الإجابة غير واضحة. ومع تلك الإجابة الغامضة، ازداد الشك في وجه ألفريد بشكلٍ ملحوظ.
“مرتزقة؟ ولماذا؟”
“ستعرف التفاصيل إذا خرجت ورأيتها بنفسكَ. إنها في غرفة الاستقبال في انتظاركَ، لذا دعنا نخرج.”
ترك ديريك الكلام معلقًا، مما جعل الفضول يتزايد لدى الجميع.
نظر ألفريد إلى الجانبين قبل أن يقرر أن أفضل طريقة لحل فضوله و هي بالخروج بنفسه.
“حسنًا.”
أجاب ألفريد، فابتسم ديريك بارتياحٍ ثم انحنى مرة أخرى وتراجع.
نظر ألفريد إلى سوليفان الذي كان يستمع من الداخل.
“هل ستأتي معنا، سوليفان؟”
أومأ سوليفان برأسه بتردد وهو يشرع في التحرك.
________________
كارل بيتنكر في زي نسائي؟ لا عاد😭
سيان وقعت بقوه والمشكله انها استوعبت شلون؟ مسرع ؟ كله من وسامته ذي
يعني ليه مارسموه في الغلاف طيب شلون اشوفه؟
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 10"