ما إن أزلنا بسرعة جدار النار، حتى ظهرت مجموعة من الأطفال الصغار.
‘إنهم بعيدون، لا أرى جيدًا.’
باستثناء الطفل الأشقر، كانت هذه أول مرة أرى فيها أولادًا منذ أن وُلدتُ في هذا العالم. وقد مضت بالفعل سنتان. فجأة أدركتُ كم كان والداي يحيطانني بالحماية.
“إيان! ليون! كيف وصلتما إلى هنا؟!”
“أبي! ليون احترق، بالنار….”
كانا طفلين يبدوان في السابعة من العمر تقريبًا. هرع السيد لويد نحوهما بسرعة.
“ليون، هل أنت بخير؟ حاول أن تقف.”
“أ، أنا بخير…”
“إن كنت تتألم، فلا بأس بأن تقول إنك تتألم.”
رفع السيد لويد كمّ الطفل الملقى على الأرض. لم أستطع الرؤية من مكاني البعيد، لكن إن كان قد لامس تلك النار المشتعلة، فلا بد أن إصابته ليست بسيطة.
‘هل أرمي طين الشفاء؟’
بدأتُ أفرك يدي لا إراديًا، فتكوّرت في يدي كرة من طين الشفاء. إن رميتها جيدًا… قد تصل إليه…
أنا أسميها طينًا من باب التسهيل، لكن يمكنني جعلها أقل كثافة لتنتشر مثل السلايم. هكذا غطّيتُ القصر في السابق. لكن بما أنّ والديّ هنا الآن، فالأمر محرج قليلًا.
“السير لويد، هل أُصيب الطفل بجروح بليغة؟ يا إلهي، ما العمل…”
“لم يُصب بحروق، لكن يبدو أنه التوى كاحله حين سقط بسبب الخوف.”
“أنا بخير تمامًا!”
اقتربت أمي وسألت، فهبّ الطفل الجالس على الأرض واقفًا وهو يهتف بقوة. كان أبي لا يزال يحملني في حضنه حين اقترب منهما.
“لا داعي لأن تتظاهر بالشجاعة. قل الحقيقة، فهذه غلطة منّا.”
“إنها غلطتي أنا.”
“وخطؤك هو خطئي أيضًا. السير لويد، هل نستدعي معالجًا؟”
“ليس من الضروري، سيدي.”
“علينا أن نعالجه على أي حال، تحسبًا لأي شيء.”
“لقد تعثّر فحسب. أليس كذلك يا ليون، إيان؟”
نقر أبي بلسانه مستاءً.
“السير لويد، إن قلت ذلك، فلن يجرؤ الأولاد على الاعتراف حتى لو كانوا يتألمون. تنحَّ جانبًا.”
“لـ، لا، لا داعي لذلك! نحن بخير حقًا!”
“نحن لا نتألم!”
واو، إنهما منضبطان حقا…
كنتُ ما أزال في حضن أبي وأنا أفكر هل أستخدم طين الشفاء أم لا.
‘يبدو أنهما توأم.’
كانا يقفان جنبًا إلى جنب، متشابهي الملامح إلى حدّ يجعلهما في غاية اللطافة. يا إلهي، إنهما وسيمان صغيران.
‘هل جميع سكان هذا العالم جميلو المظهر إلى هذا الحد؟’
لكن حين أنظر إلى السيد لويد… ربما ليس الجميع كذلك. ليس أنه قبيح، لا أبدًا، بل وجهه وسيم بحد ذاته، لكن وسامته من نوعٍ يناسب ملصقًا في نادٍ رياضي، لا في مجلة أزياء.
ومع ذلك، هو وسيم بما فيه الكفاية لأستنتج أن مستوى الجمال في هذا العالم مرتفع جدًا.
وعلى عكس مظهر السيد لويد الخشن، كان الطفلان يربطان شعرهما البنيّ المحمَرّ في ذيل حصان صغير متطابق، وملامحهما نظيفة مرتبة، وعيونهما الزرقاء الصافية غاية في الجمال.
لكن يبدو أنهما شقيّان إلى حدٍّ ما، إذ كانت وجنتاهما وذراعاهما ورقابهما مليئة بخدوش صغيرة واضحة للعين.
‘إن تُركت هكذا، فستترك ندوبًا.’
كنتُ أفكر في ذلك حين التقت عيناي بعيني أحدهما.
“هُمف.”
هاه؟
هل هذا الصغير أدار وجهه عني لتوّه وقال “هُمف”؟ يا له من متعجرف، أول مرة يراني فيها ويتصرف هكذا! ماذا فعلت له؟
دار بوجهه بسرعة وأخذ يتظاهر بالانشغال… يا له من…
‘لطيف جدًا…’
أريد أن أعبث به.
“هل أنت متأكد أنك لا تريد أن يرى المعالج كاحلك؟ قد لا تشعر بالألم الآن بسبب الصدمة، لكنه قد يؤلمك لاحقًا.”
“أشكركِ على اهتمامكِ، سيدتي، لكنّ السقوط أمر يحدث كثيرًا أثناء التدريب.”
“لكن هذه المرة كانت بسببي.”
“لا، سيدتي. إن أردنا الدقة، فالسبب هو هذان الصغيران هنا.”
ابتسم السيد لويد بخفة وهو ينظر إلى طفليه التوأم، فتجمّدت ملامحهما فورًا.
“لقد تسلّلا إلى الداخل سرًّا دون إذني، وها هي النتيجة.”
“نحن آسفان!”
“لقد أخطأنا!”
من الواضح كم هو صارم في تربيته. حسنًا، فهما يبدوان مشاغبين فعلًا، ولا بد من بعض الحزم لإبقائهما منضبطين.
لقد كان دائمًا يبدو لي لطيفًا ذا طبعٍ هادئ، لكن يبدو أن الأمر يختلف عندما يتعلق بأولاده.
“لا بأس، كنت أعلم أن ولديك يدخلان ساحة التدريب أحيانًا. لكن يجب تصحيح عادة الدخول إلى أماكن دون إذن.”
“أجل، مفهوم.”
قالت أمي ذلك ثم رمقتني بطرف عينها.
“هذان الولدان عادةً لا يفعلان ما نمنعهما عنه، سأحرص على تأديبهما جيدًا.”
“لا حاجة للتأديب، فلنسمع السبب فقط.”
“عذرًا؟”
“قلت إنهما عادةً لا يخالفان الأوامر، أليس كذلك؟ إن كانت هذه المرة استثناءً، فلا بد أن هناك سببًا.”
قال أبي ذلك.
‘يبدو أنهما يحبان أبي.’
ما إن فتح فمه حتى لمعت أعينهما وهما ينظران إليه بانبهار، كان يمكن قراءة أفكارهما على وجهيهما.
كلما نظرتُ إليهما، ازدادا ظرافة.
سأل السيد لويد:
“إيان، ليون. أجيبا عن سؤال صاحب السعادة.”
“ذاك هو…”
تبادلا نظرات سريعة بينهما، ثم تحدّثا وكأنهما اتخذا قرارهما أخيرًا.
“كنّا فضوليَّين.”
“حيال ماذا؟ السحر؟”
“لا. بل حيال ما كان والدنا يردده دائمًا.”
وتابع التوأم الآخر الحديث بشكل طبيعي:
“السيدة شانا.”
“قالوا إنّك ستظهرين اليوم…”
هاه؟ أنا؟
“لقد قال والدي ذلك. قال إننا عندما نكبر، علينا أن نصبح فارسين في خدمة السيدة شانا…”
“لكننا لم نركِ ولو مرة واحدة.”
“حتى حين جئنا إلى القصر، لم نُتح لنا فرصة لقائك.”
“عندما قالوا إنك ستخرجين هذه المرة، جئنا لنراك.”
“لا يمكننا تقبّل فكرة أن نخدم شخصًا لم نر وجهه حتى الآن.”
“قال والدنا إن علينا أن نصبح أقوياء من أجلكِ، وأن نتحمّل الصعاب.”
“لكن كيف لنا أن نجد القوة ونحن لا نعرف حتى من تكونين؟”
كلامهما كان منطقيًّا تمامًا، واحدًا تلو الآخر.
“وما الذي كنتما تنويان فعله حين تلتقيان بها؟”
سألت أمي بحدّة فيها شيء من الطفولية، فردّا التوأمان بصوت واحد:
“كنّا نريد أن نحكم إن كنتِ حقًا جديرة بأن نخدمك!”
“أ، أيها الصغيران…!”
بدت على السيد لويد علامات الارتباك الشديد، وكأنه يخشى أن تكون صراحتهما قد أزعجتني أنا أو والديّ.
‘لكن… أليست كلماتهما منطقية؟’
والداي ليسا من النوع الذي يتأثر بسهولة بكلام أطفال.
‘ثم إنني بالكاد في الثالثة من عمري.’
فما الذي سيحكمان عليه أصلًا…
حين فكرت في الأمر، خطر ببالي كم مرة سمع هذان التوأمان اسمي من والدِهما حتى تعبوا منه لدرجة أنهم أرادوا أن يعرفوا من أكون بنفسي.
“أبي! أبي، أنزلني! أنزلني!”
“شانا؟”
أنزلني والدي برفق على الأرض، بينما لم تُعجِب أمي الفكرة، لكنها لم تمنعني أيضًا.
بما أنهما جاؤوا لرؤيتي، لا يمكنني البقاء في حضن أبي إلى ما لا نهاية.
نزلتُ واقتربتُ من التوأمين.
بيب! بيب!
“آه، بحق…”
كنت أحاول أن أبدو جادة، لكن حذائي الذي يصدر أصواتًا كلما مشيت لم يساعدني.
ومع كل خطوة، ازداد تجهّم التوأمين اللذين كانا يجيبان الكبار بثقة قبل قليل.
ما الأمر؟
لماذا يبدوان خائفين؟
‘لا يُعقل… هل أبدو مخيفة؟’
لكنني أرى نفسي جميلة ولطيفة! أصابتني صدمة خفيفة. أيمكن أن تكون معايير الجمال في هذا العالم مختلفة؟
حاولتُ إخفاء خيبة أملي من احتمال أن يكون وجهي، الذي كنت أظنه جميلًا مثل أمي، في الواقع مخيفًا، ومددتُ يدي نحو أحدهما.
“أنا شانا.”
“أعلم.”
قال السيد لويد سريعًا: “ليون، استخدم أسلوب الاحترام!”
أسلوب الاحترام؟ ولِمَ؟ أنا أصغر منهم أصلاً.
إذًا هذا ليون، الصغير الذي سخر مني قبل قليل.
“ما اسمك؟”
“… ليون.”
“حسنًا، ليون. والآخر؟”
“إيان.”
“إيان، فهمت.”
رغم أنه بدا منزعجًا، أجاب بهدوء. ربما لأنه لا يريد أن يغضب الكبار. لكنني رغبت فعلًا في مصادقة هذين الطفلين، فهما أول من أراهما من عمري تقريبًا منذ قدومي إلى هذا العالم (حسنًا، لن نحسب فترة الرضاعة).
يبدوان أكبر مني بأربع سنوات، وهذا مناسب تمامًا. يمكننا التحدث بسهولة.
أمسكتُ بيديهما معًا. يدي اليمنى أمسكت بيد ليون — اليد المصابة. واليسرى بإيان — ويده أيضًا مليئة بالخدوش. ارتجفا قليلًا من الدهشة، لكنهما لم يسحبا يديهما. يا لهما من لطيفين.
ابتسمتُ قائلة:
“وأنا أيضًا لا أريد أن يخدمني أحد.”
“ماذا؟ مـ، ماذا تقولين…؟”
“لا تفعلا شيئًا لا تريدانه. افعلا ما يحلو لكما مهما قال العم!”
اتّسعت أعين التوأمين. يبدو أنهما لم يتخيلا أبدًا أنني سأقول إنني لا أريد أن يُخدَمني أحد، فبقيا صامتين يحرّكان شفاههما دون صوت.
ما الأمر؟ أليس من حقي أن أرفض أيضًا؟
بصراحة، كيف يمكن لطفلين صغيرين أن يعرفا مصيرهما منذ الآن؟ إن كان هناك مذنب، فهو السيد لويد الذي حمّلهما ذلك منذ البداية.
“أ، ألسنا جيدين بما فيه الكفاية…”
“بصراحة، كيف يمكن لطفلٍ أن يحميني؟ لست بحاجة لمن يحميني. سأعتني بنفسي!”
قال السيد لويد مبتسمًا بفخر:
“ها هي السيدة شانا، فصاحة مذهلة وهي لم تتجاوز الثالثة من عمرها… بالفعل، معك حق يا سيدتي، التوأمان ما زال أمامهما الكثير ليتعلماه.”
“صحيح! العم لويد هو من يحميني!”
“هاهاها! تمامًا!”
يا عم، هل حقا تقول كلام كهذا أمامهما؟…
“وأنا لا أحب من يفرض عليّ ما أفعله. لا.”
“أنتِ، أنتِ لا تعرفين كم سيكون مستقبلنا مشرقًا! ستندمين لاحقًا!”
“سأتحمّل ذلك بنفسي.”
دهنتُ طين الشفاء على الجروح التي رأيتها أمامي. شعرت ببعض الحرج لأن الأمر بدا وكأنني أرشقهم بالطين، لكن ضوءًا لطيفًا انبعث، واختفت الخدوش كما لو ذابت.
“شانا، أنتِ مجددًا…!”
“لا بأس! أنا بخير! لن يحدث شيء!”
“قلت لكِ لا تفعلي ذلك…”
بدت الدهشة واضحة على وجهي التوأمين. رفعت رأسي ونظرت إليهما مباشرة وقلت:
“لذا، لا تُؤذيا نفسيكما فقط لأنكما جئتما لرؤيتي. افعلا ما تحبّان، يا ليون و إيان.”
“أه…”
“……”
وفجأة، انفجرا في البكاء.
أوه لا… جعلتهما يبكيان. وأنا لست حتى طفلة بحق، بل راشدة… راشدة بخبرة عملية!
‘يا تُرى…’
هل أنا حقًا مخيفة إلى هذا الحد؟
–
تابعو حسابي على الانستقرام @beecatchuu لمعرفة اخبار الروايات ومزيد من المحتوى 🩷
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات