لكن الأماكن التي يمكنني الوصول إليها بساقي محدودة جدًّا. قصيرة وبطيئة للغاية. لو عزمت على التجوال، ألن يستغرق الأمر شهرًا كاملًا؟ لولا أنني جمعت الصلصال يومًا، لما عرفت حتى المساحة التقريبية.
بُيّوق! بُيّويوق! بُيّوق!
من بين تلك الأماكن، كانت غرفة لعبي وغرفتي في الطابق الثالث، وبجوارها مباشرة غرفة نوم والديّ. أما مكتب والدي وغرفة أبحاث والدتي فكانتا في الطابق الثاني.
بُيّوق!
أي أنّ عليّ استخدام الدَّرَج….
‘لو حملتني إيلا، أو ماريا، أو بيلي، لوصلت بسرعة.’
بُيّوق بُيّوق.
“آه، حقًا….”
الإنسان يحاول أن يتظاهر بالجدية قليلًا. دستُ بقدمي بعصبية، فصدر صوت الحذاء أعلى.
“مزعج…”
منذ بدأت بالمشي والجري، أصرت والدتي أن أرتدي هذه الأحذية.
السبب أنها لم تكن تثق بي لحظة، خشية أن أقوم بحماقة ما. صحيح أن إيلا وماريا وبيلي يلازمنني مراقبة، لكنهن بشر أيضًا، وقد يشردن قليلًا أحيانًا.
وفوق ذلك، ما الفائدة من البقاء ساكنة؟ أنا التي انغمست في نشوة القدرة على التحرك بنفسي، كنت أحلم بالهرب دائمًا، سواء زحفت، أو مشيت، أو ركضت.
ليت والدَي يتركانني وحدي بعض الوقت، لكنهما لم يقبلا بذلك أبدًا.
أينما ذهبت، لا بد أن أكون بصحبة واحدة من الثلاث دائمًا.
حتى حين أتمشى في الحديقة، أو أستلقي على السرير، الأمر نفسه.
قد يكون من الطبيعي ألّا يُترك الطفل وحده، لكن عدم تركي لحظة واحدة جعلني أشعر كأنني تحت المراقبة. منذ بلغت العشرين لم أُضطر لإخبار والديّ بوجهتي أصلًا.
أحذية الصوت هذه مزعجة حقًّا، لكن بفضلها كان يُتاح لي أحيانًا القليل من الاستقلال حين يغفلن عني لحظة. وداخل القصر، كانوا يسمحون لي بالسير بمفردي… إذا فكّرت بهذا الشكل، يمكنني تحمّل طفوليتها وضجيجها.
مشيت طويلًا في الرواق.
أكرّر: قصر وينتوورث ضخم. ضخم وواسع.
“هاه… هااه…”
لقد عشت حياتي أتدرّب بجديّة كرياضية، ومع ذلك الهث لمجرّد أنني مشيت في رواق… ما هذه اللياقة؟
على كل حال، وصلتُ بالكاد إلى الدَّرَج.
بعيني الطفل، كان كل شيء يبدو عملاقًا. أحسست وكأنني في مدينة ملاهٍ موضوعها “بيت العمالقة”. وقفت أمام الدرج وشعرت بالرهبة.
‘لماذا يوجد كل هذا العدد من السلالم في بيت واحد….’
استندت إلى الجدار، ووضعت قدمي بحذر على الدرج نحو الأسفل. شعرت أنني أنزلتُها كثيرًا، ومع ذلك لم أشعر بلمس الأرض.
ما الأمر؟ كم عليّ أن أنزل أكثر؟ ساقاي أصبحتا أطول بكثير الآن.
“أو… أوه…”
في اللحظة التي كدت أستسلم فيها، لمسَت أطراف أصابعي الأرض. أملت جسدي بثقة إلى الأسفل.
بُيّوق!
نجحت! نقلت وزني بارتياح.
‘رأسي ثقيل، لو أخطأت ستميل قامتي كلها….’
لقد بدأتُ أعتاد هذا الجسد القصير بعض الشيء، لكن متى سأعتاد وزن هذا الرأس الكبير؟ إنه السبب في بطء كل حركة.
‘ماذا لو ظلّ رأسي كبيرًا حين أكبر….’
لقد ورثت ملامح جميلة من والديّ، سيكون مؤسفًا أن تُفسدها النِّسَب.
من والدتي أخذتُ الشعر الأشقر الفاتح، والعيون الخضراء، والبشرة البيضاء، لذا أستطيع أن أقول بثقة إنني جميلة. لا داعي للخجل من قول الحقيقة. بصراحة، كلما نظرت في المرآة، ازداد حماسي لمستقبلي.
المواد الخام مثالية، ألن يكون محزنًا إن أفسدتها النِّسَب؟ أنا لست بدينة، ومع ذلك وجنتاي ممتلئتان بشكل غريب…
“آنسة شانا، هل أساعدكِ؟”
قالت ماريا التي مرّت بي. فاستندتُ إلى الجدار وصرختُ بقوة:
“لااا! سأفعلها لوحدي!”
“يا للجرأة، ما أروعك.”
“لا تلمسيني….”
“تشجعي، أنا أدعمك من هنا!”
“أخبرتك! غادرِي، أنا قادرة لوحدي!”
ماريا كتمت ضحكة كادت تقتلها وتراجعت قليلًا. لا بد أن المنظر كان مضحكًا حقًّا: طفلة في الثالثة تصرّ على النزول وحدها متشبثة بالجدار.
“حتى لو تعثّرتِ لا بأس. سيدتي قد ألقت تعويذة طفو على كل درج.”
كفى تدخّلًا. رغم ذلك، نزلت بخطوات حذرة. شيئًا فشيئًا، بقيت بضع درجات فقط.
“رائعة يا آنسة شانا! أحسنتِ! وااه!”
جلست ماريا بجانبي وصفّقت بحماس.
لو كانت بيلي هنا، لحملتني دون أن تسأل. ولو كانت إيلا، لطلبت بلطف وحملتني. أما ماريا، فقد بقيت بجانبي، لكنها تركتني ما دمت أستطيع بذل الجهد.
‘مؤكد أن إيلا هي من أرسلتها.’
لا عجب أنهم تركوني بهدوء هذه المرة…
وما إن وصلتُ أخيرًا إلى أسفل الدرج، حتى صارت ماريا تصفّق بجنون.
“مبارك! لقد نجحتِ!”
لو سمعها أحدهم لظنّ أنني اجتزت امتحان دخول الجامعة.
“هل ستذهبين إلى سيادته؟ هل أرافقك إلى المكتب؟”
“أنا لست غبية، أعرَف. سأذهب وحدي. ماريـا، اذهبي إلى عملك.”
“يا إلهي، عملي هو الاعتناء بالآنسة شانا.”
“عمل آخر!”
“لا عمل آخر عندي!”
“إيه!”
إذن لا بدّ من الهرب. أحدثت أحذية “بيوق بيوق” ضجيجًا صاخبًا. كان بوسع ماريا أن تمد يدها وتقبض عليّ بسهولة، لكنها اكتفت بابتسامة وتركتني.
أهل هذا البيت متساهلون جدًا مع الأطفال. لولا أنني ولدت من جديد بذاكرتي، لكانت طباعي فسدَت لو كنت فعلًا طفلة عادية.
كان اندفاعي وصولًا إلى مكتب والدي أمرًا جيدًا.
لكنني وقفت كالغبية أحدّق إلى الأعلى.
مقبض الباب كان أعلى بكثير من مستوى نظري. رفعت ذراعي عاليًا.
لم أصل.
تنفست بعمق. هذا مُهين قليلًا… لكنني لم أرتبك، ووقفت على أطراف قدمي. ربما لو مددت يدي أكثر قليلًا قد أصل…
مقبض الباب اللامع يلمع كأنه يسخر مني.
حتى فتح باب واحد لا أقدر عليه!
“آه آه…”
لا أصل! لا أصل! أنا قصيرة!
“أووه… أووه…”
حين تأكدت أنني عاجزة عن فعل ذلك وحدي، لسع أنفي شعور بالبكاء. يقولون إن الجسد والروح يسيران معًا، فحتى لو بقي العقل ناضجًا، فإن الدموع سهلة على غدد عينيّ الطفلة.
بل على العكس، في أيام الرضاعة كان الفصل بينهما أوضح، أما مع مرور الأيام فصار التحكم أصعب.
في النهاية تخلّيت عن محاولة إدارة المقبض وبدأت أطرق الباب بقوة.
دق دق!
كنت أريد أن أطرق بعنف…
“أبي! أبي!!!”
“شانا!”
وكأنّه كان ينتظر، فُتح الباب فجأة، وحملني أبي في حضنه على الفور.
مؤكد أنه كان ينتظرني بالفعل. أستطيع أن أراه جالسًا عند الباب منتظرًا طلبي للمساعدة.
“شانا، هل جئتِ بنفسك لأنك اشتقتِ إلى أبيك؟”
“نعم، اشتقت لك كثيرًا!”
صحيح أنني اشتقت إليه… لكن كان هناك ما أريده أيضًا. لم أكتفِ بهزّ رأسي، بل مددت ذراعيّ لأعانق عنقه، فنظر إليّ والدي باستغراب.
“لابد أن لابنتي طلبًا من أبيها، أليس كذلك؟”
“أوه…”
“ما الذي تتمناه شانا يا ترى؟”
“كيف عرفت….”
“الأب يعرف كل شيء.”
لا بد أنه لاحظ أنني لا أُظهر مشاعري كثيرًا عادة.
‘لكن الأمر محرج….’
حتى لو قبلتُ هذين الزوجين كوالديّ، فإن التعبير العفوي عن الحنان كطفلة أمر مختلف وصعب. بإمكاني التظاهر بالدلال إذا تعمّدت ذلك، لكن تقبّل نفسي في هذا الدور ليس سهلًا.
“أبي، أنا أريد أن أتعلم السحر!”
“السحر؟”
“نار بووم! نور فلاش!”
كنت أبذل جهدًا لأبدو بلفظ طفولي مناسب.
ارتسمت على وجه أبي الوسيم ملامح الحرج.
“ذلك… يحتاج إلى موافقة أمك.”
“أبي لا يستطيع؟”
“…”
بدا عليه صعوبة قول لا أستطيع أمام ابنته، فأطبق شفتيه. كان صراع الكبرياء مع الحقيقة ظاهرًا.
أبي هذا… لطيف.
“ليس أنني لا أستطيع، لكن لستُ بارعًا مثل أمك.”
“إذن لا تستطيع….”
“قلتُ ليس كذلك. شانا، أبوك لا يعجز عن شيء.”
“تباهٍ فارغ…”
آه، زلّة لسان. ظهر على وجه أبي أثر جرح.
“إذن علّمني قليلًا! سرًا.”
“أتنصحين أن نخفي أمرًا عن أمك؟”
“بينك وبيني فقط. ها؟”
أسررت بسرّي في أذنه. في الواقع، حتى أنا لم أتوقع أن يتمكن أبي من إخفاء أمر عن أمي.
“همم، هذا صعب.”
فهو زوج متيّم، يذوب أمام زوجته الجميلة.
“لكن، أمي لا تريني شيئًا.”
“كل ذلك من حرصها عليك.”
“لكني فضولية…”
تمتمت بحزن، فازداد ارتباك أبي. شعرت أنه لو ضغطت أكثر قليلاً لانصاع.
“شانا…”
“ماريـا قالت إن أمي عظيمة ورائعة…”
“صحيح، هذا صحيح…”
“قالت إنها ساحرة عظييمة جدًا جدًا!”
“صحيح، عظيمة. مذهلة…”
“وقالت أيضًا إن أبي رجل رفيع المقام، من أهم شخصيات الدولة…”
ثم همسن فيما بينهن: “في الحقيقة إنه رجل مخيف.”
أما هذا الرجل، الذي يضحك بحماقة وهو يعانقني الآن، فيبدو أنه في الخارج رجل بارد الوجه خالٍ من التعابير. يصعب تصديق ذلك.
“شانا تريد أن ترى روعة أمها أيضًا….”
ها قد أطلقتُ السلاح النهائي… صيغة الغائب.
رفعت بصري نحوه والدمع يترقرق في عيني، فغطى أبي فمه براحة يده الكبيرة. لكن حتى بين أصابعه المفتوحة قليلًا كان يبدو جليًا أنه يبتسم غارقًا.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات