قد يقال إنهما مرّتا سريعًا، لكن حياة الأكل والنوم كطفلة كانت بسيطة لدرجة أنّ الوقت انساب بسرعة أكبر.
الزحف، الجلوس بعد الاستيقاظ، التململ حتى يغلبني النوم…
عندما عشت ذلك بجسد طفل بلا عضلات، كان الأمر أشبه بحياة رياضي محترف. كنت أستنزف كامل طاقتي الجسدية، لذا كنت أغفو كل يوم وكأنني فقدت وعيي. في الحقيقة، الطفل يبذل أقصى ما عنده في الأكل، ويبذل أقصى جهده في الحركة، ويبذل أقصى طاقته في النوم.
‘لا تقل مجددًا إنّ حياة الطفل مجرد ترف ونعيم.’
الإنجازات كانت ضئيلة، لكن الشعور كان شعور رياضي ينال ميدالية. حياة مليئة بالرياضة حتى أسقط من الإعياء كل يوم…
إذ لم يكن باستطاعتي سوى تحريك هذا الجسد الصغير الضعيف، كنت أتحرك بلا توقف.
وما جعلني أتحمل تلك الحياة البسيطة المملة لم يكن سوى قوة الشفاء.
وداعًا للمجسّمات المعلّقة.
وداعًا للألعاب البسيطة المتكررة.
من الآن فصاعدًا، هذا هو عالم الصلصال العلاجي…!
طوال عامين لم يكن بوسعي فعل شيء (يبدو هذا مؤسفًا عندما أقوله هكذا)، لذلك لعبت بهذه اللعبة الجديدة حتى اهترأت.
كنت أجمعه بين كفّي وأعجنه، وأحيانًا أشكّله على هيئة دب ثم أحتضنه…
كلّ ما كنت أحتاجه من تمارين العضلات الصغيرة في تلك المرحلة أنجزته بالصلصال العلاجي. ملمسه الذي يتجمع كالعجين عند لمسه كان مناسبًا تمامًا لتمرين اليدين.
وبفضل صحة بيلي وماريا وإيلا، وكذلك والديّ، لم تتح لي الفرصة لاختبار قدرات الصلصال العلاجية. لكنني تمكنت الآن من جذب هالات الضوء حتى بالقليل جدًّا من الطاقة.
ملء غرفة لعبي بالصلصال أصبح مسألة في غاية السهولة. جرّبت مرة أن أجمع قدرًا أكبر حتى غطّيت القصر بأكمله، لكن شعرت بغرابة فتوقفت.
فحين عالجت والدتي لم أستخدم سوى نصف تلك الكمية تقريبًا… هذا يعني أنني تقدّمت كثيرًا.
‘صحيح أن كلمة طاقة تبدو غريبة، لكن ليس عندي مصطلح آخر لأطلقه عليها.’
إنها قوة تنبع من أعماق الجسد، شيء غير مرئي.
أعلم أنّ اختياري للاسم رديء، لكنني لا أعرف المصطلح الدقيق. بدا لي أنّ الشفاء يتم بواسطة قوة الصلصال المتجمع من خلال تلك الطاقة، دون أن تكون له خصائص أخرى واضحة.
يبدو أنّ قدرتي على الشفاء ليست قوة كهنوتية ولا سحرًا، بل نوع آخر من القوى.
‘أمي صاحبة قدرات.’
اتضح أن أمي ساحرة مشهورة.
ومنذ اليوم الذي سكبتُ فيه هالات الضوء عليها وأغمي عليّ، بدأت أمي في البحث عن حقيقة قوتي.
أجرت بحوثًا سرّية عبر معارفها، لكن النتيجة واحدة:
لا أحد يعرف شيئًا عنها.
‘لعل ذلك لأنني متجسّد من حياة سابقة.’
ذلك كان التفسير الوحيد الذي خطر ببالي. ربما اكتسبتُ هذه القدرة عندما استعدت ذاكرتي وكدت أموت. لكن لم أستطع البوح بهذا، فآثرت الصمت.
‘كنت أظن أنّ هذه قوة سحرية، لكن يبدو أنها ليست كذلك.’
كم هو محرج.
أمي كانت تقلق أن تكون قوتي تستنزف شيئًا مني كثمن، لكن ما أستخدمه ليس سوى القليل من الطاقة.
‘إن كانت غفوتي يومها دليلًا، فهذا يعني أنني أستهلك بعض الجهد الجسدي فحسب.’
وإن كان بإمكاني شفاء الآخرين باستخدام قليل من طاقتي الجسدية، أليس هذا مكسبًا عظيمًا؟
عمري الآن ثلاث سنوات.
مضت سنتان وستة أشهر منذ ولادتي!!
رغم أنّني وُلدت طفلة من جديد، إلا أنّني بفضل خبرتي السابقة تمكنت بسهولة من الحبو، والوقوف! وحتى الركض! والآن، في هذه اللحظة! أنا!
‘أريد أن أجرب!’
جسدي يتحرّك من تلقاء نفسه! أريد الخروج!
قفزت واقفة. كنت أنهض بعزم، لكن ذلك كان مجرد صورة في رأسي. في الواقع نهضت ببطء وتثاقل. آه، السلامة أولًا دائمًا…
واحد، أضع يدي على الأرض وأمدّ ساقي.
اثنان، أرفع أردافي وأقف!
الحركات يجب أن تكون متصلة بسلاسة.
‘لكن رأسي لا يزال ثقيلًا فلا أستطيع أن أنهض دفعة واحدة….’
مأساة الجسد القصير ذي الثلاثة رؤوس.
وعندما رأتني إيلا واقفة، قالت
“آنسة شانا، هل مللتِ اللعب بالمكعّبات؟”
“لا أريد.”
دفعتُ المكعّبات الخشبية التي كانت مكدسة بطابقين فسقطت دفعة واحدة. تناثرت المكعّبات، فتمتمت إيلا بأسف:
“يا للأسف، فقد صنعها والدك بيديه…”
“لهذا لعبت بها. لكن الآن لا أريد.”
يا للعار، صوتي ما زال قصيرًا متهدّجًا…
حتى وأنا أحاول النطق بوضوح، لساني الثقيل لم يكن يطيعني كما أريد.
في طفولتي السابقة كنت أُمدَح كثيرًا بأنني أستطيع أن أصبح مذيعة. طبعًا، ذلك كان من أبي فقط، الذي كان يذوب حبًا بابنته. “آه يا يوناه، تصلحين لتكوني مذيعة فعلًا.” كلماته المكررة كانت تنغرس في قلبي مرارًا…
“إذن، هل أقرأ لكِ كتابًا؟”
“لقد قرأتِ لي كتب الأطفال بالفعل!”
“ليس كذلك. هذه قصة ممتعة جدًّا!”
“…لقد قرأتِها كلها من قبل… أنا أعرفها.”
حدّقتُ في إيلا بنظرة باردة.
المربية الصارمة بيلي، والصغرى اللطيفة ماريا، وإيلا الدقيقة الودودة. هؤلاء هم الأشخاص الذين أعرفهم في هذا العالم بقدر ما أعرف والديّ. فالوقت الذي قضيناه معًا يفوق بكثير ما أمضيته مع والدي. تهرّبت إيلا من نظرتي الباردة وهي تقول:
“إذن… قصة مغامرة؟”
“لقد حفظتها أيضا. بإمكاني أن أرويها لك.”
لقد سئمت كل القصص التي تبدأ بعبارة: “منذ زمن بعيد…”
أي زمن هذا؟ ما هو العام تحديدًا؟ وما هي تواريخ ولادة وموت الشخصيات؟
كنت أعلم أنّها قصص خيالية، لكن حتى بمعايير الحكايات، بدت سخيفة. ففي هذا العالم، القصص الخيالية في الأساس تنتمي إلى الفانتازيا.
كانت حكايات المغامرات كمن يضيف ملعقة ثم أخرى من المبالغة على طريقة أفلام الكونغ فو الصينية… حتى تسكب المزيج كله دفعة واحدة!
ومع ذلك، فإنّ القصص التي كانت إيلا تقرؤها لي بصوتها العذب قرب وسادتي ساعدتني كثيرًا على فهم هذا العالم.
ظننت أنّ حكاية التنين ستنتهي بخطف أميرة، لكنها اختتمت بعبارة: “ولهذا تبقى عظام التنين مدفونة في أعماق جبال كالانيفا.”
وعندما سمعتُ عن الإلف ظننتها حكاية جنّ يسكنون مكانًا بعيدًا، لكن اتضح أن الإلف يعيشون بالفعل في الغابات. وفي قصة الأقزام قيل: “هذا ما يُسمّى بعمل الأقزام!”
كلما استمعت أكثر، اختلط عليّ ما هو حقيقي وما هو خيال، فاشتدّت رغبتي في معرفة الحقيقة.
هل التنين موجود فعلًا؟ أين يعيش؟ الغابة التي يعيش فيها الإلف، أين تقع بالتحديد؟ هاتي الخريطة. قالوا إنّ الأقزام صنعوا هذا، فأين شهادة الإثبات؟ أيمكنك أن تميّزي بلمحة إن كان عملًا أقزام حقًا؟ أليس هذا خداع؟ قيل إنّ هناك بشر-حيوانات. هل يوجد واحد لكل نوع حيوان؟ أيمكن أن توجد لكل الحيوانات النادرة أيضًا؟ وهل يستطيعون التحوّل متى شاؤوا؟
‘لو أنّني أستطيع طرح كل هذه الأسئلة….’
لكن في الواقع، كل ما استطعت قوله كان: “هل التنين حقيقي؟” ثم الصمت. آه…
‘ضحكت إيلا وماريا عليّ كثيرًا، فلم أتحدث معهما يومين كاملين بعد ذلك…’
يا لعدم نضجي.
“شانا الصغيرة ذكية حقًا….”
“لا أحب المدح. أريد شيئا عن السحر…”
أكاد أموت من الفضول!
لقد وُلدتُ في عالم يُوجد فيه السحر فعلًا!
وأمي نفسها ساحرة!
فلماذا أعيش حياتي دون أن أرى سحرًا واحدًا حتى الآن؟
لم أتمكن لا من التعلم ولا حتى من المشاهدة…
“لا يمكن. السيّدة أوصت بشدّة ألا نُعطيك أي كتاب صعب.”
“غير عادل….”
تمتمتُ وأنا أدفع شفتيّ إلى الأمام. كادت إيلا تنفجر ضاحكة، لكنّها كتمت ضحكتها لئلّا أستاء. كان بإمكاني تقبّل الضحك، فأنا راشدة ولن أجرح من شيء كهذا.
“ثم إننا نحن أنفسنا لا نستطيع قراءتها لكِ كاملة. لا نفهمها، ولا نعرف حتى كيف نقرأ لغة الرون.”
“هيييينغ….”
كنت أتعلم الحروف، لكنني كنت أعاني من نقص فادح في الموارد. لا أريد قصص الأطفال، لقد مللت منها.
‘ألا توجد هنا ثقافة الدراسة الاستباقية…؟’
ها هو طالب متحمّس يتلهف على التعلّم! فلماذا لا يدرّسونه بسرعة؟ لم أرغب بالدراسة يومًا في حياتي السابقة أو الحالية بقدر ما أرغب الآن.
وفوق ذلك، يبدو أنني وُلدت هذه المرة بذكاء أكبر. كانت ذاكرتي حادة لدرجة أنني أحفظ بسرعة من أول نظرة، ولهذا تمكنت من إتقان أبجدية هذا العالم بسهولة.
طبعًا، الحفظ والقدرة على القراءة بصوت مرتفع شيئان مختلفان….
لكنني درست الحروف بنفسي أثناء الاستماع للقصص، لا لأن أحدًا علّمني. لحسن الحظ أنّني أتمتع بذكاء فطري…
لعلّ إيلا لاحظت كم بدوت محبطة، فبادرت تتأمل وجهي بعطف.
“إن كنتِ حقًا فضولية، لما لا تطلبين من السيد بنفسك يا آنسة شانا؟”
“أبي؟”
“لن يتمكن من رفض طلباتك على الإطلاق.”
همست إيلا. بدا عليها الارتباك، وكأنها شعرت بالحرج لأنها أعطت نصيحة طائشة أشبه بما تقوله ماريا، فاحمرّت وجنتاها قليلًا.
“لكن….”
أبي لا يفعل شيئًا تكرهه أمي أبدًا. ماذا لو أدى طلبي إلى شجار بينهما؟
“ثم إنّ السيّدة نفسها إن علمت أنّك متشوقة جدًا للسحر، فلن تملك خيارًا سوى الرضوخ.”
“…صحّيح؟”
“طبعًا! أضمن لك ذلك!”
إن كان الضامن ماريا لما وثقت، لكن ضمان إيلا يستحق الاعتماد…
“يكفي أن تبتسمي قائلة: شانا تريد رؤية ذلك!، وسوف يرضخ!”
“…لا…”
دخلت عامي الثالث كطفلة، ولا زلت أرفض التودد والدلال. لديّ كرامة كبالغة….
لكن نصيحتها بمهاجمة أبي بدلًا من أمي بدت منطقية.
“أين أبي؟”
“ربما في مكتبه الآن.”
“حسنا، سأذهب!”
“انتظري قليلًا يا آنسة شانا! سأرافقك….”
“سأذهب لوحدي!”
“هذا ممنوع!”
“إذا لحقتِ بي فلن أكلمك! حسنا؟”
“يا إلهي….”
جلست إيلا في مكانها تلوّح لي بيدها. كانت تعلم أنني في مأمن أينما ذهبت داخل هذا القصر.
منذ أن تعلمت المشي والركض، صار القصر كلّه ملعبًا لي. هذا كله منطقتي. وأنا سيّدة هذه المنطقة….
‘أستطيع الركض!’
متعة الركض على ساقيّ! كطفلة في الثالثة، أدركت كم هذا الفعل البسيط يستحق الشكر.
فمن يعرف ضيق العجز عن الوقوف أو المشي المستقيم لا بد أن يقدّر هذه النعمة…. تقدّمت بخطوة مهيبة.
بيق!
آه… لما يوجد هنا أحذية تُصدر أصواتًا عند السير!
–
تابعو حسابي على الانستقرام @beecatchuu لمعرفة اخبار الروايات ومزيد من المحتوى 🩷
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات