“ماذا، غير راضية؟ لقد جئتُ إليكِ بنفسي بكل لطف لأراكِ.”
يبدو أن الفارق بيننا ليس كبيرًا، ومع ذلك تتظاهر بأنك راشد ومميز. لماذا؟ أنت أيضًا طفل. بالنسبة لعينَيّ كشخص بالغ، فكل الأطفال أطفال.
كان وجه الطفل يظهر من بين قضبان سرير الرضّع.
لقد اعتادت عيناي على الظلام إلى حد ما، لكن بصري لم يكن قويًا كفاية لأرى ملامحه بوضوح، فبقيت ضبابية.
يا للخسارة. كانت فرصة لأمتع عيني.
“لم أخبرهم إنك كنتِ مع الذئب.”
كم عمرك أنت؟ تتحدث جيدًا.
“كنتُ سأُثير ضجة كبيرة.”
وأيضا ذكي وسريع الملاحظة.
“آه، أقصد أنا لا أنتِ. كنتُ سأُوبَّخ على ذهابي إلى أماكن خطرة.”
شكلك الهادئ يوحي أنك مثير للمشاكل إذًا.
“ذلك الذئب بالتأكيد أصيب بسهم في ساقه. كنتُ أتبّع آثار الدم.”
“وونغ؟”
“لكن حين رأيته كان سليمًا تمامًا…”
“…”
“أنتِ، صحيح؟”
“أُويييه؟”
أنا لا أعرف شيئًا.
“يقولون إن العلاج السحري لا يقدر عليه إلا كاهن سامٍ.”
فجأة بدا وجه الطفل الملتصق بالسرير واضحًا تمامًا. وسيم ولطيف، لكنه بدا ماكرًا قليلًا. ها، هاها. كما هو متوقَّع من أمير، حتى نظراته مختلفة، يا هذا….
“كيف حصل هذا، ها؟”
“…أُواااآينغ….”
كما توقعت، سلاح الطفل هو البكاء!
“لا تتظاهري بالبكاء.”
آه، وماذا أفعل إذًا.
وجهي لا بد أنه كان غريبًا، عالقًا بين الرغبة في الضحك أو البكاء. رغم أنني لم أرَ وجهي بعد في المرآة، لكن من المؤكد أنني كنتُ لطيفة، ومع ذلك لم يرمش له جفن. يا لهذا القلب البارد…
“أنتِ تفهمين كلامي كله، صحيح؟ سمعتُ من الدوق أنكِ لم يمضِ على ولادتكِ سوى ثلاثة أشهر.”
أُغ.
“ها، انظري، تفهمين كل شيء. هذا مريب أكثر.”
“…”
“رغم أن الأمر مريب، لكن سأتركه.”
قال الطفل وهو يبتسم ابتسامة عريضة. شكرًا جزيلًا….
“أنا من وجدتكِ.”
ما معنى “ذلك” لشخص مثلي!
أنا إنسانة. بشرية يا صاحب السمو!
سواء كان أميرًا أو ولي عهد، كان يظهر في تصرفاته أنه مدلل، حين كنتُ في سنّه كان أبي يفتخر بي في كل مكان ويقول: “ابنتنا يونآه تُلقي التحية جيدًا.”
“كنتُ سأربيكِ بنفسي، لكن ظهر والداكِ وهذا مؤسف قليلًا.”
ألم يكونا يبحثان عني فقط…
طفل يربي طفلًا! اترك الأمر للكبار! حتى وإن كنتَ أميرًا وغنيًّا، فالتربية تحتاج أكثر من الجهد!
“الآن أنتِ بأمان، فنَامي جيدًا.”
قال ذلك وكأنه جاء خصيصًا ليقول هذه الجملة، ثم مدّ ذراعه القصيرة وضرب برفق على رأسي.
“آه، آه….”
“أنا أيضًا خُطِفتُ كثيرًا في الماضي.”
بصراحة، كان يؤلمني لأنه لا يعرف ضبط قوته.
لكن ابتسامته الفخورة كانت لطيفة جدًا لدرجة أن الرغبة في التذمر ذابت كالجليد.
‘أهكذا جئتَ لتقول هذا فقط.’
وأنتَ أيضا طفل. بالكاد خمس سنوات أو أقل.
“ربما لأنه ولي عهد، لكنه يتحدث بشكل جيد وبذكاء. ومغرور أيضًا.”
هل هذه نتيجة التعليم المبكر المكثف للأمراء؟
الطفل يجب أن يكون طفلًا.
‘لا، هذا يعني أنه يجب أن أتصرف أنا بطفولة من الآن فصاعدًا.’
قد يكون هناك أطفال يتصرفون كالكبار. خفّضتُ معاييري. تصرّف كما تشاء أيها الصغير! كلما تصرفتَ هكذا، كلما كبرتَ ستزداد الثقوب في بطانيتك! أنا مررتُ بكل هذا!
“آه، لقد تبعني شيء مزعج.”
أقسم أن هذا “الشيء المزعج” إنسان. لا شك في ذلك.
“يجب أن أذهب. ها….”
تنهد الطفل وبدا مرهقًا للغاية.
حين رأيته يبتعد بخطوات صغيرة عن السرير، شعرتُ فجأة بمدى صغر سنّه. ومع اتساع المسافة رأيتُ كم هو صغير فعلًا.
وأنا الآن أصغر منه حتى.
“آه.”
توقف الطفل واستدار.
“اسمي رافين. احفظيه، فهمتِ؟”
صحيح أن كلامه منطقي، لكن أي رضيعة عمرها ثلاثة أشهر ستفهم؟ لن أجيب.
“هيه، أجيبي.”
“…”
“إن لم تُجيبي الآن حالًا،”
“بباا! ببا!”
آه، كرامتي….
***
ومنذ ذلك الحين مرّت عدة أشهر. يبدو أنه مرّ حوالي ثلاثة أشهر أخرى.
“أحسنتِ يا آنسة شانا!”
كنتُ أدفع بطني بكل قوتي! بكل قوتي!
زحفتُ! تحركتُ وحدي! كان الأمر أشبه بحركة دودة، لكنه حصل!
“واو! واااه!”
“الجميع صَفِّقوا!”
“واااه!”
تصفيق، تصفيق، تصفيق.
انهمرت عليّ موجة من التصفيق. وفي اللحظة نفسها ارتخت عضلات جسدي الذي كان مشدودًا فسقطتُ على الأرض.
“هوآه…. هوف…”
“آنسة شانا، لا بد أنكِ متعبة. هيا، هيا. هل أقدم لكِ ماءً؟ أم أحملكِ بين ذراعي؟”
“ماريا، دعيها تستريح كما هي.”
كان رد فعل الناس وكأني عدتُ للتو بميدالية ذهبية. هؤلاء الناس… لقد فعلوا الشيء نفسه حين قلبتُ جسدي أول مرة أيضًا…
خصوصًا ماريا وبيلي، كانتا على وشك البكاء من شدة التأثر. لا تبكيا…… لقد زحفتُ فقط على بطني……
“هُه، ههق، آنسة شانا، لقد كبرتِ بالفعل هكذا….”
قلتُ إنني فقط زحفتُ على بطني…
“لم يمضِ سوى ستة أشهر منذ ولادتكِ! ومع ذلك تبدين كالبالغين!”
لو زحفَ بالغ على بطنه لكانت مصيبة…
“وليس هذا فقط يا ماريا. آنستنا شانا، تفهم كل ما يقال!”
“صحيح! أليست مدهشة؟!”
“قبل شهر وثلاثة أيام نطقت أمام الدوق: (بّا)!”
“يا لَلسماء!”
هل تنوين إحراجي عمدًا…؟
“وأمام الدوقة، قبل شهر وأسبوع، نادتها بالفعل: (ما)! آنستنا عبقرية!”
“تمامًا!”
اقتلوني أفضل…
كنتُ على بطني، أقبض يدي وأرتجف. حتى دون مرآة، كنت أعلم أن وجهي قد احمرّ من شدة الخجل.
هذا الثناء الممزوج بالعار يُمطر عليّ مرات عدة في اليوم، وحقًا… من الصعب احتماله.
والمشكلة أنهنّ يقلن ذلك كله بصدق! ليس كسخرية!
“وهناك المزيد! حين تأخذ الآنسة شانا قيلولة، تكون بيلي عادة تقرأ كتابًا.”
“وما المشكلة في ذلك؟ أنا أتابع آنستنا وأوليها الاهتمام.”
“لا، لا أقصد شكوى! لكنكِ تغفين أثناء القراءة!”
“…”
نعم، كثيرًا ما تنام. وبيلي تدّعي العكس، لكن الجميع كانوا يعرفون ذلك. كان وجهها يحمرّ خجلًا.
“ذ… ذاك اليوم كنتُ مت… متعبة للغاية….”
“على كل حال، بينما كانت نائمة، أبدت آنسة شانا اهتمامًا بالكتاب.”
“يا إلهي.”
“وكأنها تتوسل إليّ كي أحضره لها…”
“…إن كانت آنستنا قد توسلت، فلا حيلة لنا… أحسنتِ يا ماريا.”
“أليس كذلك؟”
أريد أن أسد أذني.
“فما إن أحضرتُ لها الكتاب حتى!”
“لا تقولي…!”
“زمّت حاجبيها هكذا بشدة!”
قطبت ماريا حاجبيها الجميلين محاوِلة صنع ملامح قاسية. لكن مهما فعلت، بدت لطيفة فقط. يا لها من لطيفة.
تذكرتُ حين تحطمت آمالي لحظةَ اكتشفتُ أنني، بينما استطعتُ فهم الكلام، لم أتمكن من قراءة الحروف بمجرد أن نظرت إليها.
وضعتُ يدي على أذني وأصدرت أنينًا. فما إن أفتح فمي، رغم وعيي الناضج، لا يخرج إلا “كيو!” أو “بّا!”… أصوات غير جادة. لذا أحاول قدر الإمكان كبت صوتي.
“لكن آنستنا لا تكلمنا عادة….”
“أتراها تفتقد رفقة أقرب لسنها…”
“لا تقولي ذلك. أنتِ تعلمين كم كان اختيارنا صعبًا ودقيقًا….”
“أجل، أعلم….”
“الدوق لن يساوم أبدًا على سلامة آنستنا وأمنها. لن يسمح بأي احتمالية. حتى تكبر إلى حد ما، فلن تُتاح لها صداقة ولا رفقة….”
“لكن ألن يجعلها ذلك وحيدة جدًا….”
“ألسنا نحن هنا كي لا تشعر بالوحدة؟”
لستُ وحيدة. مشكلتي أنني لستُ وحيدة أكثر مما ينبغي.
بل إن محاولة وضع أقران حولي بدعوى الصداقة هي المشكلة الأكبر.
‘أي صداقة هذه بلا لغة مشتركة…’
مع بيلي وماريا وإيلا اللواتي يثرثرن بجانبي طوال اليوم، لم أكن أشعر بالوحدة مطلقًا، بل بالإزعاج أحيانًا.
بيلي وماريا وإيلا كنّ المسؤولات عن رعايتي، يعتنين بي بدل والديّ المشغولين. أما بيلي فكانت في عمر أمي تقريبًا، وقد أنجبت في الفترة نفسها، فأصبحت مرضعتي.
كانت أمي ضعيفة الجسد وحليبها قليل، لذا كنتُ أرضع غالبًا من بيلي أكثر من أمي.
الرضاعة أمر مقدس. لستُ خجولة. نعم.
‘أتمنى ألا تكون مريضة.’
أمي في حياتي السابقة كانت ضعيفة الجسد أيضًا وتعتلّ كثيرًا. هل قدري أن تكون كل أمهاتي ضعيفات الجسد؟
‘لو كان بإمكاني أن أشفيها كما عالجتُ الذئب….’
كنت أود استخدام ما سماه ذاك الصغير المتغطرس رافين “سحر العلاج”، لكنني لم أستطع فعل شيء منذ ذلك الحين.
‘فهل من الطبيعي أن يوجد حول رضيعٍ مصابون ليستدعي الأمر علاجه؟’
وفوق ذلك، لستُ طفلة عادية. أنا ابنة الدوق الوحيدة، التي خُطفت على يد مرضعة وهي لم تكمل ثلاثة أشهر، ثم تُركت في سهول جليدية.
أجل، الدوق.
دوق حقيقي…
هذا العالم هو ما يُسمى “عالَم الفانتازيا”.
في قارة تُدعى إل كامبا، ولدت من جديد في أسرة دوقية وينتوورث التابعة لإمبراطورية بايارد التي تملك أوسع أراضٍ.
اسمي: شانا بيري وينتوورث.
ابنة الدوق الوحيدة، في نصف عامها الأول، كالذهب في قشرة اليشم.
“أسرعوا! أحضروا الدوق والدوقة! لا بد أن يشاهدا آنستنا شانا وهي تزحف!”
“حاضر! سأذهب فورًا!”
أسرعت ماريا بالركض. ها قد دخلتُ الشهر الثالث من حياتي الجديدة. لم أعد أخجل من هذا القدر. لقد أصبحت قوية!
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات