أدرك كاليان شيئًا. تمتم في نفسه: [كلما متُّ، كنتُ أعود إلى لحظة ولادة داميان. ومع كل عودة، أرث ذكرياتي من الحياة السابقة. لكن ذاتي من الحياة السابقة لم تكن مختلفة عن ذاتي القديمة الحمقاء، دائمًا بارد وغير مُبال بجوليانا. والآن جاءت فرصة أخرى. هذه المرة، كان عليّ أن أمنع موت جوليانا. في حياتي الأولى والثانية ماتت جوليانا وهي تحمي داميان. والآن، كان عليّ أن أجد مَن كان يستهدف الطفل.]
[كاليان، ما الذي تفكر فيه بعمق؟]
لمسة جوليانا اللطيفة على يد كاليان أعادته إلى الحاضر. كانت جوليانا تحتضن داميان بين ذراعيها وتنظر إليه بقلق.
[لا شيء.]
أجبر كاليان نفسه على الابتسام. ولكن عندما رفعت جوليانا كوب الشاي الخاص بها لتشرب استقرّت نظرة كاليان على الكوب. وفجأة، انتزع كاليان الكوب من يدي جوليانا وسكب الشاي على الأرض.
ففزعت جوليانا وذُعرت.
[كاليان!]
لكن كاليان التفتَ بغضبٍ نحو الخادمة.
[هذ الكوب، لم أره من قبل. من أين جاء؟]
[ذلك…. هاه….]
[كم مرة قلتُ لكِ؟ ممنوع دخول الغرباء، ممنوع إدخال أغراض جديدة بإهمال!]
صراخه كاليان الهستيري جعل داميان ينفجر في البكاء بين أحضان جوليانا.
[وااااه!]
تنهدت جوليانا محاولة تهدئة الطفل.
[كان مجرد كوب اشتريته بنفسي يا كاليان. من فضلكَ.]
تجمّد كاليان مدركًا خطأه، وقام بسرعة بفحص جوليانا وداميان.
[الشاي لم ينسكب عليكما، أليس كذلك؟]
عندما رأت جوليانا إن كاليان في حالة من الذعر بسببها وبسبب الطفل، أطلقت تنهيدة صغيرة.
منذ ولادة داميان، تغيّر كاليان تمامًا. لم يكن مخلصًا لجوليانا وللطفل فحسب، بل أصبح أيضًا حساسًا للغاية بشأن سلامتهما. كان كاليان يُراقب كل شيء بحذرٍ شديد، الطعام الذي كانا يأكلانه، الملابس التي كانا يرتديانها، الأماكن التي كانا يذهبان إليها. كان كل خدم وخادمات قصر دوقية فالدوميرو يعيشون في خوفٍ دائم من عينيه الحادّتين.
[كاليان، لقد أخبرتكَ عدة مرات، نحن آمنان.]
قالت جوليانا بلطف. ولكن تعبير كاليان لم يخفّ.
[لا أنا ولا داميان في خطر. هذا قصر فالدوميرو، أنتَ السيد هنا.]
وبينما كانت جوليانا تتحدّث قامت بمداعبة ذراع كاليان، وكان داميان لا يزال في حضنها.
أمسك كاليان يدها بإحكام. فكر: [لا يا جوليانا، أنتما لستما بأمان. إلّا إذا حميتكما أنتِ وداميان. لا أحد يستطيع فعل ذلك سواي.]
ارتجفت أصابع كاليان قليلًا. عندما رأت جوليانا تعبير القلق والخوف في عينيه، سحبت رأسه إلى صدرها، فقط في صدرها أمكنه أن يجد بعض الهدوء.
كان كاليان يُعيد باستمرار يوم مقتل جوليانا في ذهنه استعدادًا له.
فكر كاليان: [هذه المرة سأكون مستعدًا.]
وفي الليلة المشؤومة، ألقى كاليان القبض على المتسلّل وهو يتسلّل إلى غرفة داميان.
[كاليان!]
صرخت جوليانا وهي تحتضن داميان.
[إنه أمر خطير. ابقي بعيدًا، جوليانا!]
وبأمر كاليان العاجل، أومأت جوليانا برأسها بسرعة وهربت بالطفل إلى الخارج.
شعر كاليان بالارتياح، فتوجّه نحو العدو. لقد نجح الدخيل بالفعل في تفادي العديد من ضربات كاليان، حيث كان مدربًا بوضوح على مقاومة الهالة المظلمة لقدرة الظلال.
فكر كاليان: [مثل هذا الهدوء، مثل هذه المهارة، لم يكن قاتلًا عاديًا. لقد تدرّب في وحدة خاصة، ما يعني أن وراءه عقلًا مدبرًا.]
عندما حاول الدخيل التراجع، لم يسمح له كاليان بالهروب.
فكر كاليان: [لو تم تدريب هذا الدخيل على التهرّب، فإنني سأجعل الهروب مستحيلاً.]
غمر كاليان الظلام الغرفة، وابتلعها بالكامل. لقد فوجئ الدخيل، فتجمّد. خرج يد كاليان من الظلال وقبضت على حلق الدخيل.
[غهك!]
فكر كاليان: [لقد قتل هذا الرجل جوليانا مرتين من قبل. لم أكن أريد شيئًا أكثر من كسر رقبته.]
لكن كاليان تمالك نفسه. كان بحاجة لكشف مَن يقف وراء ذلك. ألقى كاليان القاتل في السجن، وعذّبه بلا رحمة. ومع ذلك، صمد القاتل رافضًا الكلام. وبعد تحقيقات متواصلة، اكتشف كالیلن ارتباطه بدار أيتام محترقة، دار أيتام هيلويكا، التي كان فالدوميرو يدعمها في السابق.
[يوم احتراق دار الأيتام، توسلنا إلى فالدوميرو طلبًا للمساعدة، وتجاهلتنا. كنتَ مشغولاً جدًا باللعب مع ابنة هيستر.]
ارتجف كاليان، فكر: [في ذلك اليوم تحديدًا، كنتُ بعيدًا مع جوليانا وداميان في دالوت. ثم سمعتُ خبر الحريق لاحقًا. فهل كان هذا الرجل يحمل ضغينة؟ ولكن شيئا ما لا يزال غير مناسب.]
عندما ضغط كاليان على أحد الناجين من دار الأيتام كسر القاتل أخيرًا صمته.
والحقيقة كانت صادمة… لم يكن هذا انتقامًا شخصيًا. كان القاتل ينتمي إلى وحدة سرية للكونت شولتز، أحد أتباع فالدوميرو منذ فترة طويلة. والشخص الذي سرّب مكان جوليانا وداميان لم يكن سوى ليلى سكرتيرة كاليان.
[یا صاحب السمو، أقسم أنني فعلتُ هذا من أجلكَ فقط!]
لكن في هذه العملية، عَلِمَ كاليان شيئًا أسوأ. لم يتصرّف شولتز بمفرده، لقد تمّ التلاعب به من قبل هيستر.
[هيستر الذي قتل والدتي! والآن حاول قتل زوجتي وابني أيضًا!]
لم يتمكن كاليان من التسامح مع الأمر. وهكذا بدأت الحرب بين فالدوميرو وهيستر. على الرغم من اعتراض أتباعه، مُشيرين إلى دماء هیستر، جولیانا، تجاهلهم كاليان.
وبقوةٍ ساحقة اجتاح كاليان إقليم هيستر، ووجّه نصله إلى حناجرهم. لم يكن أحد يستطيع الوقوف في وجه كاليان، وهو مُحاط بالظلام المُدمّر لهالته. حتى دوق هيستر خوان لم يكن في نظر كاليان سوى رجل عجوز ضعيف.
وبسيفهِ على رقبة خوان، زأر كاليان.
[كيف تحاول قتل ابنتكَ وحفيدكَ؟]
ولكن خوان اكتفى بالسخرية.
[لا يمكنني أبدًا السماح لقدرة هيستر بالوقوع في أيدي فالدوميرو.]
[وهذا كان سببكَ؟ أن تقتل ابنتكَ وحفيدكَ لمجرد الحصول على القدرة؟ أي نوع من الوحوش أصبحتَ بعد إن تخلّيتَ عن الإنسانية؟]
فكر كاليان في الفتاة الهزيلة الرثة التي كان يُشفق عليها ذات مرة في المأدبة منذ سنوات: [جوليانا… ما نوع الحياة التي عانيتيها تحت حكم هذا الرجل القذر؟ لقد كانت تبتسم دائمًا بفرحٍ أمامي، وكانت مشرقة للغاية لدرجة أنني نسيتُ مدى بؤسها ونحافتها في يومٍ من الأيام.]
الآن، ارتفع غضب كاليان ليس فقط تجاه خوان بل تجاه نفسه، لأنه لم ينظر إلى جوليانا بشكلٍ أعمق، لأنه لم يدرك ذلك في وقت أقرب.
شدّ كاليان على فكّه، تسرّب الدم بين أسنانه المشدودة.
[هل استمتعتَ بصحبة ابنتي طوال هذا الوقت؟]
سخر خوان.
كانت عيون كاليان تشتعل بالغضب والازدراء.
[لم تكن هناك حاجة للرحمة مع وحش مثل هذا.]
لقد اخترق سیف كاليان صدر خوان.
[نعم، كان هذا والد زوجتي، ولكنه كان أيضًا القاتل الذي أمر بقتلها مرارًا وتكرارًا.]
ولم يتردّد كاليان. ومع ذلك، ابتسم خوان بشكل غريب، والدم يتدفق على ذقنه.
[هل تعتقد أن هيستر تصرّف بمفرده؟]
تعبير كاليان أصبح شاحبًا.
وكانت كلمات خوان الأخيرة عبارة عن سُخرية.
[فالدوميرو الأحمق….]
ومع ذلك مات خوان، وتعبيره مشوّه بابتسامةٍ ساخرة.
حدّق كاليان في جثته، وكان القلق يتلألأ في عينيه الإرجوانيتين.
[صاحب السمو!]
في تلك اللحظة اندفع فارس من فالدوميرو، وانحنى بعمق.
[تمَّ اختراق خط دفاع فالدوميرو!]
♣ ملاحظة المترجمة: آه، مسكين كاليان. يُقال إن المصائب لا تأتي فُرادى…
التعليقات لهذا الفصل " 88"