بعد ذلك اليوم، حاول كاليان، على الرغم من حرجه، جاهداً أن يُظهر قلبه. قام كاليان بتأجيل العمل حتى يتمكن من مشاركة وجبات الطعام مع جوليانا بدلاً من تناول الطعام بمفرده. في الأيام في الأيام المشمسة، كان كاليان يحضر لها الزهور. وفي الأيام الممطرة، كان يشرب الشاي معها. لقد فعل كاليان كل ما بوسعه لقضاء الوقت مع جوليانا. لم يكن عاطفيًا بشكل علني، ولم يهمس بكلمات حلوة لكن جوليانا شعرت بصدقه. لقد عرفت جوليانا أن هذا هو أقصى تعبير يمكنه إظهاره، وبالنسبة لها، كان ذلك كافياً لجعل كل يوم سعيدًا.
[بابا!]
الآن أصبح داميان الصغير قادرًا على المشي، وكان يمشي كثيرًا خلف كاليان. على الرغم من برودة كاليان وحدّته عندما يتعامل مع الشؤون أو يتحدّث مع التابعين، إلّا أن تعبير كاليان كان يلين كلما تمسّك به داميان
فكر كاليان: [في حياتي السابقة، لم أُظهر مشاعري لجوليانا أو لداميان ولو لمرة واحدة. ولذلك، ابتعدنا كأب وابن، ونشأ داميان وحيدًا.]
في هذه الحياة، كرّس كاليان نفسه بالكامل لجوليانا وداميان. بفضل جهوده، لم تُغادر الضحكات وجوههما أبدًا. عندما حمل كاليان داميان على كتفيه، انفجر الصبي ضحكًا. وبينما كانت جوليانا تنظر إليهما، ابتسمت بفرحٍ لا ينضب.
عند غروب الشمس على شاطئ دالوت نظر کالیان بحرارةٍ إلى جوليانا، التي ابتسمت بهدوء إلى جانبه. نام داميان بين ذراعي جوليانا، منهكًا من اللعب بجانب البحر. فاض وجهها فرحًا وهي تنظر إلى طفلهما. كان ضوء غروب الشمس القرمزي يغمر جوليانا، وهي تحتضن طفلهما بالقرب من كاليان، وكانت تبدو له وكأنها لوحة فنية جميلة، وكأنها ملاك. عندما أحسٌت جوليانا بنظرات كاليان، رفعت رأسها وابتسمت بلطف. كانت ابتسامتها مشرقة كضوء الشمس.
[لماذا تُحدّق بي هكذا؟]
[لأنكِ جميلة.]
أجابها كاليان دون تردّد. وجه جوليانا أصبح محمرًا مثل غروب الشمس.
[في بعض الأحيان، لا أستطيع الاعتياد على هذا الجانب الجديد منكَ.]
همس كاليان وكأنه يقسم.
[لن أعود أبدًا إلى ما كنتُ عليه.]
تمتم كاليان في نفسه: [الرجل الأحمق الذي فقدها ذات يوم قد مات بالفعل مدفونًا في الزمن. لن يعود ذلك الرجل أبدًا. ومن الآن فصاعدا، سوف أُكافئها بكل كلمة لم أقلها. وطفلنا…]
خفّت نظرات كاليان على داميان، النائم كملاك بين ذراعي جوليانا.
فكر كاليان: [باستثناء شعره الأسود، كان داميان يشبه جوليانا تمامًا. وربما كان هذا هو السبب الذي جعلني أتجنبه في حياتي الماضية. ولكن مع نمو داميان، أصبح يشبهني أكثر. تذكرتُ داميان البالغ، باردًا، متصلبًا، يعاملني كعدو. تجاهلتُه ظاهريًا، لكنني في داخلي كنتُ أتمزّق. ربما، منذ اللحظة الأولى التي رأيتُ فيها الطفل، الذي يشبه جوليانا إلى حدٍ كبير، كنتُ أعلم أنني سأُحبّه. وهذا الخوف جعلني أكثر قسوة.]
الآن، وهو ينظر إلى الصبي النائم فكر كاليان: [من الآن فصاعدًا، أتمنى أن تكون حياتكَ مليئة بالابتسامات. أتمنى أن تكبر سعيدًا مع والدتكَ. كوالدكَ، سأبذل كل ما في وسعي لحمايتكَ وحماية والدتكَ. وإذا كبرتَ وأنتَ تبتسم… حينها ربما سيكون لي الحق في أن أطلب منكَ المغفرة.]
وبينما أصبحت عينا كاليان مثقلة بالعاطفة، وضعت جوليانا يدها بلطفٍ على يده. عندما رفع كاليان نظره كانت جوليانا تنظر إليه بحنانٍ. همست.
[عيناكَ… تبدو حزينة.]
كلمات جوليانا اخترقته. ابتسم كاليان بمرارة وجذبها إلى حضنه. كانت جوليانا ممسكة بداميان، وغرقت في ذراعي كاليان دون مقاومة. مع زوجته وطفله بين ذراعيه، كان صدر كاليان مليئًا بفرحةٍ غامرة. قالت جوليانا.
[أنا أُحبُّكَ، كاليان.]
تمتم كاليان في نفسه: [أنا أُحبُّكِ أيضًا جوليانا.]
لكن الكلمات علقت في حلق كاليان. كلما حاول نطقها بصوتٍ عال، خنقه ثقل خطاياه الماضية.
تمتم كاليان في نفسه: [لو كان بإمكاني جلب السعادة لجوليانا وداميان من خلال جهودي الخاصة، ففي يوم من الأيام، عاجلاً أم آجلاً، سأقول ذلك بثقةٍ؛ أنني أحببتها بما يكفي للتخلي عن كل شيء. أؤمن أن ذلك اليوم سيأتي، وأن سعادتنا ستدوم إلى الأبد.]
ولكن أيامهم السعيدة لم تدوم طويلًا… لماذا لم يُدرك؟ أن مصيبة الماضي قد تتكرَّر؟
[کیااااه!]
صراخ الخادمة كسر الهدوء في القصر.
استيقظ كاليان مفزوعًا، فمدَّ يده غريزيًا إلى المكان المجاور له، مكان جوليانا. لكنها لم تكن هناك.
تجمّد كاليان في رعبٍ. في تلك اللحظة، دخل كبير الخدم شاحبًا ويلهث.
[صاحب السمو. السيدة!]
لم ينتظر كاليان حتى يسمع الباقي. ارتدى رداءه فقط واندفع خارجًا. كان الخدم والخادمات واقفين متجمدين بالقرب من غرفة داميان وأيديهم على أفواههم.
بدون تردّد ركض كاليان إلى الداخل.
[آه…]
كانت الغرفة مليئة باللون الأحمر. كانت الأرضية ممتلئة بالدماء. وهناك مستلقيةً على الأرض الباردة والرطبة، كانت جوليانا تحتضن داميان الصغير بين ذراعيها. المرأة التي أحبَّها، الطفل الذي أحبَّه، متشابكين معًا في بركة من اللون القرمزي.
[لماذا…؟]
ركع كاليان بجانبهما، مصدوماً.
[ما هذا… كيف… لماذا…؟]
خرجت الكلمات متكسرة. ثم تذكر كاليان موت جوليانا في حياته الماضية، لقد قُتلت وهي تحمي داميان.
[كان ذلك في نفس الوقت. كيف نسيتُ؟ لماذا لم أُفكر في المستقبل؟ هل كنتُ أعمى من السعادة إلى درجة أنني اعتقدتُ أن ذلك سيدوم إلى الأبد؟ أحمق! أحمق! لماذا… لماذا نسيتُ شيئًا مهمًا جدًا؟ آه…! آه…!]
بأيدٍ مرتعشة، قام كاليان بمداعبة خد جوليانا الشاحب، وجسد داميان الصغير مستلقيًا بين ذراعيها.
[في حياتي الماضية ماتت جوليانا لحماية الطفل. الآن، فقدتُ كلاهما. أين ذهب كل هذا خطأ؟ لقد ظننتُ أننا سنتمكن أخيرًا من العيش بسعادةٍ. لماذا؟ لماذا فعل القدر هذا؟ بدا الأمر وكأنه حلم. لا، بل كأنه عقاب لي. كيف يمكن للقدر أن يكون بهذه القسوة؟]
بعد ذلك، أصبح كاليان فارغًا. حتى دموعه جفّت، وشعر أن روحه ماتت. لم يأكل شيئًا، ولم ينم إطلاقًا. حتى أنه في النهاية لم يعد قادرًا على تحمّل الأمر. في نفس الغرفة التي مات فيها جوليانا وداميان، قتل كاليان نفسه.
عندما فتح كاليان عينيه مرة أخرى، كان يلهث لالتقاط أنفاسه. غرفة مكتبه، بيئته المألوفة. نظر كاليان حوله في ذهول.
[هل يمكن أن يكون…؟]
ثم انطلق صراخ، مألوفًا وثاقبًا. مثل رجل ممسوس، خرج كاليان من الغرفة.
ركض كاليان مباشرةً نحو غرفة جوليانا، حدّقت الخادمات بذهولٍ في خطواته المندفعة. تجاهلهم واندفع إلى الداخل.
[آآآه!]
[لقد كانت هناك.]
[تقريبًا وصل! ادفعي بقوة!]
[آآآه!]
أمسكت جوليانا بأيدي الخادمة، وكانت تتلوى من المخاض.
تجمّعت الدموع في عيون كاليان: [لقد عدتُ. إلى حين كانت على قيد الحياة. إلى لحظة ولادة داميان.]
[لقد تمّ ذلك!]
ملأ صراخ طفل الغرفة. نزلت دمعة على خد كاليان.
كان كاليان يمشي ببطء، وكأنه ممسوس، إلى جانب جوليانا.
كانت جوليانا منهكةً، ونظرت إلى كاليان في حيرة.
فكرت جوليانا: [لقد كان يبكي! هذا الرجل الذي كان دائمًا باردًا.]
عندما رأت جوليانا دموع كاليان نسيَت ألمها للحظة. نظر إليها كاليان وابتسم من خلال دموعه. حدقت جوليانا في وجه كاليان الملطخ بالدموع، مذهولةً.
[لقد أحسنتِ جوليانا…]
سقطت دموع كاليان على ظهر يد جوليانا.
وفي تلك اللحظة أقسم كاليان في سرّه: [هذه المرة، لن أدعكِ تموتين أبدًا.]
التعليقات لهذا الفصل " 87"