جلس كاليان على مكتبه، يُحدّق في الوثائق أمامه، لكنه لم يستطع التركيز. نهض مسرعًا، يذرع الغرفة جيئةً وذهابًا بقلق. تمتم كاليان في نفسه: “لقد مرَّ أسبوع منذ اختفاء جوليانا. لقد أرسلتُ رجالاً وبحثوا في كل مكان، ولكن لم يتم العثور على أي أثر لها. كان الأمر كما لو أن شخصًا ما قام عمدًا بمسح جميع الآثار المتعلقة بها.”
انتقل نظر كاليان إلى مكتبه. وكان هناك رسالة من جاريد. لقد كانت تحتوي على استقالته، بعذر إنه لم يعد بإمكانه البقاء مع فرسان فالدوميرو.
عند النظر إلى تلك الرسالة، اشتعلت النار في عيون كاليان. تمتم في نفسه: “وفقًا للظل الذي وضعته على جوليانا، فإن رجلاً يدّعي أنه من فالدوميرو تدخّل في مهمته. وبعد فترة وجيزة من اختفاء جوليانا، لم يترك جاريد خلفه شيئًا سوى رسالة استقالة، واختفى. كان الأمر واضحًا. جاريد ساعد جوليانا على الهروب. منذ حريق دار الأيتام، كان جاريد مخلصًا لها. ولكن سؤال ظل يلحُّ في ذهني، هل كان جاريد فقط هو الذي ساعدها؟”
ثم سُمع طرق على الباب.
استدار كاليان بسرعة، وكأنه كان ينتظر ذلك.
“ادخل.”
دخل كبير الخدم كليف. حثّته عينا كاليان الحادتان على الكلام انحنى كليف بعمق.
“صاحب السمو، السيدة لم تعد إلى ملكية هيستر.”
ضرب كاليان مكتبه بقوة.
“هذا مستحيل.”
كشف وجه كاليان العابس عن انزعاجه. خفض كليف رأسه أكثر، محاولاً عدم استفزازه.
“لم نتلقّ ردًا رسميًا من هيستر فحسب، بل تلقينا أيضًا تأكيدًا من أحد جواسيسنا هناك. كلاهما يؤكدان الأمر نفسه، إنها لم تعد.”
مرّر کالیان يده بقوة خلال شعره، ثم أطلق ضحكة مريرة غير مُصدّق.
“إنهم يخبٌئونها ويكذبون. سأرى بنفسي.”
اتسعت عينا كليف.
“هل تقصد….. الذهاب شخصيًا؟”
“نعم.”
ارتدى كاليان معطفه، مستعدًا للمغادرة على الفور.
“لكن يا صاحب السمو، الوقت متأخر أنه منتصف الليل. إذا انتظرتَ حتى الصباح…..”
“سوف أنام في العربة.”
مع ذلك، خرج كاليان من المكتب دون تردّد.
أصبح عقار هيستر في حالة من الفوضى بسبب وصول كاليان المفاجئ وغير المعلن. على الرغم من الهدنة من الناحية الشكلية، كانت عائلتا فالدوميرو وهيستر في حالة حرب باردة لأكثر من خمسمئة عام. عندما ظهر رئيس فالدوميرو بنفسه عند بوابة عقار هيستر، اعتقد شعب هيستر أنه كان كمينًا.
ولكن عندما رأى رئيس هيستر أن كاليان جاء بمفرده استرخى قليلاً.
“ما الذي جلب وريث فالدوميرو إلى عقار هيستر؟”
سأل خوان فون هيستر والد جوليانا.
واقفًا عند البوابة، مسح كاليان عينيه عبر أراضي القصر وتوجّه مباشرة إلى النقطة الرئيسية.
“أين جوليانا؟”
عبس خوان.
“أعتقد أنني أجبتُ بالفعل. جوليانا ليست هنا.”
كانت نظرة كاليان المظلمة ثابتة على خوان.
“لا أستطيع أن أرتاح بسهولة حتى أرى بأُمِّ عينيّ.”
ألقى كاليان نظرة خاطفة على خوان وهو يتجه نحو القصر.
“هل يمكنني الدخول للتأكد؟”
“يا لها من وقاحة!”
ثار غضب خوان، وارتفعت ألسنة اللهب حوله.
تنهد كاليان، وكانت عيناه تتألقان باللون الإرجواني العميق.
على الرغم من أن كاليان لم يُظهر عداءً صريحًا، إلّا أن موجة ثقيلة وخانقة من طاقة الظل كانت تتصاعد حوله. ولد كاليان بأعظم قدرة في تاريخ فالدوميرو.
في مواجهة قدرة كاليان عن قرب، تيبّس خوان، وأخذ يتنفس بصعوبة.
تحدّث كاليان بصوتٍ منخفضٍ وثابت.
“لم آتِ إلى هنا للقتال مع هيستر. كل ما أُريده هو التأكد من وجود زوجتي هنا.”
كانت كلمات كاليان مهذبة، لكن القدرة الساحقة التي أظهرها لم تترك لخوان خيارًا سوى التنحي جانبًا.
“تأكد إذًا. لكن تلك الفتاة لم تطأ قدمها هنا قط، ولم تتصل بنا.”
عبس كاليان، فكر: “لا يوجد اتصال؟ إذًا، فما هي كل تحركاتها المشبوهة قبل اختفائها؟ بالطبع، لو كانت على اتصال حقيقي خوان لن يعترف بذلك بسهولة.”
أجبر كاليان نفسه على البقاء هادئًا ودخل القصر، بدأ بالبحث بعناية. تسلّلت الظلال من تحت قدميه، وانتشرت عبر أرضيات القصر.
وجه خوان تشوّه من الإذلال، صرخ.
“هل أنتَ مجنون؟!”
إن إطلاق قدرة الظلال في قلب عقار هيستر كان بمثابة إهانة لا تُغتفر. حتى بين الأعداء، كانت هناك قواعد بين البيوت الدوقية. إن تصرّفات كاليان قد تؤدي إلى إشعال حرب.
“هل تعتقد أنكَ تستطيع أن تخرج من هنا حيًا بعد هذه الوقاحة؟”
لكن كاليان لم يعد مهتمًا، لم يأتي إلى هذه المسافة فقط لينظر إلى خارج القصر ويُغادر.
تجاهل كاليان غضب خوان وركّز طاقته. كان صوته باردًا ومدروسًا.
“فكر بعقلانية يا لورد هيستر. حتى لو هاجمني كل مقاتل في هيستر الآن، فلن تتمكن من هزيمتي.”
ارتجفت أكتاف خوان.
وتابع كاليان بصوت هادئ ولكن حازم.
“أود فقط أن أؤكد أن زوجتي ليست هنا. إن كان ما تقوله صحيحًا، فلن يحدث شيء. اطمئن.”
صرّ خوان على أضراسه وصرخ.
“لا يمكنكَ حتى السيطرة على امرأتكَ، ومع ذلك تأتي إلى هنا غاضبًا. غادرت تلك الفتاة هذا المنزل منذ زمن طويل، لم تعد من عائلة هيستر. سواءً فُقدَت أو ماتت في مكان آخر، فلا علاقة لنا بالأمر. لا تورّطنا في ذلك.”
اتجهت عيون كاليان نحو خوان ببطء.
فكر كاليان: “لقد بحثتُ في كل زاوية بظلالي، لم تكن جوليانا في أي مكان بالداخل. وكانت كلمات خوان مؤثرة. لم يعتبر جوليانا حتى فردًا من عائلته، ولا حتى أداة مفيدة. وهذا يعني أن جوليانا ربما لم تتواطأ مع هيستر على الإطلاق.”
اجتاح الألم رأس كاليان ضغط على جبهته، عابسًا، ثم استدار.
“لن أُحمّل هيستر المسؤولية.”
غادر كاليان القصر ببطء، وكانت خطواته ثقيلة مرتبكة. ومن خلفه صرخ خوان.
“بالنسبة للإهانة التي ارتكبتها اليوم، سأطلب اعتذارًا من رئيس فالدوميرو نفسه.”
لكن كاليان صعد إلى عربته بتعبيرٍ مذهول. تمتم في نفسه: “الحقيقة إن جوليانا لم تكن في هيستر. ربما كانت شكوكي بشأن تواطؤها خاطئة. إذا كان الأمر كذلك، ثم أين كانت؟”
كان صدر كاليان يضيق بشدة، وأنفاسه ضحلة. انحنى إلى الأمام، واضعًا مرفقيه على ركبتيه، وعيناه ترتجفان من الألم.
بينما كان كاليان يحاول تهدئة نفسه، خطرت له فكرة مفاجئة: “لويد دي سيلفرستيل.”
“صاحب السمو، هل يجب علينا العودة إلى ملكية فالدوميرو؟”
سأل السائق بحذرٍ، مستشعرًا قلق سيده.
أجاب كاليان ببرود.
“لا، سنذهب إلى سيلفرستيل.”
في ملكية سيلفرستيل، فوجئ ليونيل فون سيلفرستيل رئيس العائلة، بقدوم كاليان. لكنه لم يُبعده، كان القصر صاخبًا وفوضويًا.
عند لقاء كاليان في غرفة الاستقبال، تنهّد ليونيل بشدة.
“ما الذي أتى بوريث فالدوميرو إلى هنا؟”
ولم يتردّد كاليان.
“أتمنى أن أرى ابنكَ الثاني، لويد دي سيلفرستيل.”
لفترة وجيزة، أظهر وجه ليونيل قلقًا واضحًا. لاحظ كاليان ذلك على الفور.
وبعد فترة توقف، تنهّد ليونيل مرة أخرى.
“الحقيقة هي أن لويد اختفى فجأة. عائلتنا في حالة من الفوضى لأنه كان مسؤولاً عن الكثير.”
“هل اختفى لويد…..؟”
فكر كاليان: “كان التوقيت مطابقًا تقريبًا لتوقيت جوليانا. هل يمكن أن يكون هذا مجرد صدفة حقًا؟ لكن جوليانا أخبرتني أنها ليست لديها أي علاقة بلويد.”
قبض كاليان على يده، وبرزت عروقه بينما تصاعد غضبه وشكوكه.
التعليقات لهذا الفصل " 81"