“أظهر النبض ذلك بالفعل، لكنني أجريتُ اختبار الحمل أيضًا. إنه مؤكد، أنتِ حامل.”
ابتسم الطبيب ابتسامة مشرقة، كأنها فرحته الخاصة.
لكن على عكسه، لم أستطع الابتسام. كانت هناك مشاعر كثيرة تتدفق داخلي، لا يمكن وصفها بالكلمات. الحمل، الطفل الذي كنتُ أتوق إليه. بعد إحدى عشر إنحدار، التقيتُ أخيراً بطفلي مرة أخرى. الطفل الذي كنتُ أتمنى إنجابه بشدة وأُصلّي من أجله طوال هذا الوقت. ومع ذلك، سيطر عليّ شعور بالذنب والحزن. شعرتُ وكأنني أجرّ هذه الحياة البريئة إلى جحيمي مرة أخرى. لكنني في الوقت نفسه، شعرتُ بالامتنان والمودة العميقة للطفل الذي عاد إليّ.
تدفقت الدموع على خديّ. أنا آسفة يا حبيبي. أنا آسفة لأني وضعتكَ في هذا الموقف مجددًا. لأن والدكَ رجل لم يُردكَ يومًا، وقد يُعرّضكَ للخطر. لأني سأجعلكَ تعيش حياتكَ مختبئ، كهاربة. أنا آسفة… ومع ذلك… شكرًا لكَ. شكرًا لعودتكَ إليّ بعد كل هذه السنوات. شكرًا لاختياركَ لي مجددًا.
لم أقل شيئًا، فقط بكيتُ بصمتٍ. ناولني الطبيب منديلًا بهدوء. لابد أنه ظن أنه كان طفلًا كافحتُ طويلاً من أجل الحمل به.
مع أن هذا حدث بعد زواجي الأول بكاليان، إلّا أنه في الحقيقة كان طفلاً صعب المنال. لقد صلّيتُ وجاهدتُ، ومع ذلك لم يأتِ هذا الطفل إلّا من زواجي بكاليان. لقد شعرتُ وكأنها مزحة قاسية من القدر.
لم أستطع تذكّر كيف عدتُ إلى القصر بوضوحٍ. عندما رأيتُ كيت تنتظر بقلق بجانب العربة، انفجرتُ بالبكاء مجددًا. أمسكت كيت بيديّ بقوة، وظلت قلقة عليّ طوال طريق العودة. لكنني لم أستطع حتى إخبار كيت بحقيقة حملي.
بعد أن علمتُ أنني حامل، بدأتُ في الاستعداد للمغادرة بهدوء. لا أحد يستطيع أن يعرف، كان عليّ أن أذهب بصمتٍ. كان لابد من إنهاء العمل الذي كنتُ أديره مع شركة باس التجارية. بإمكاني الاستمرار، لكن إن طال انتظاري، فسيقبض عليّ كاليان في النهاية.
وكان الخيار الأكثر أمانًا هو سحب استثماراتي بسرعة وقطع العلاقات. لقد خططتُ لإرسال رسالة أخيرة إلى جاريد أيضًا. منذ البداية، لم أطلب منه سوى الإبلاغ عن تحركات كاليان الآن، وبعد أن تأكدتُ تقريبًا من أن كاليان هو من يقف وراء محاولة اغتيال داميان، وبعد أن أصبحتُ حاملًا، كان عليّ أن أُنهي كل شيء وأهرب بعيدًا عن كاليان قدر الإمكان. لذا سأتصل بجاريد للمرة الأخيرة، وأجمع أموالي، وأختفي.
مع هذه الأفكار، سرتُ في الممر، عندها رأيت فجأة شخصين مألوفين أمامي. کالیان ولیلی. على الأرجح أنهما عادا لتوهما من مهمة. لا إراديًا وضعتُ يدي على بطني.
لاحظني كاليان وتوقّف للحظة، كان تعبيره محايد وكأن شيئًا لم يكن. كانت ليلى، كما هي العادة، إلى جانبه، متناسبين تمامًا لدرجة أن أي شخص قد يخطئ في اعتبارهما عاشقين وليس سيدًا وسكرتيرةً. ليلى فقط أعطتني انحناءة مهذبة.
عندما شاهدتهما يختفيان في نهاية القاعة، ضغطتُ بيدي بقوة على بطني. كان ينبغي لي أن أهرب في المرة الأولى أيضًا، عندما حملتُ بداميان. لم يكن لي مكان بجانبه. ومع ذلك، في حياتي الأولى، تشبّثتُ به بغباء، كارهةً ليلى، أُناضل من أجل منصب الزوجة الذي لم يكن لي أبدًا. كم هو مثير للشفقة. لو أنني تنحيتُ جانباً ببساطة، فإن كل شيء سوف يكون نظيفاً.
بعد أن حسمتُ أمري، أدرتُ ظهري. كانت الخطوة الأولى زيارة شركة باس التجارية.
وفي هذه الأثناء، التقى كاليان في مكتبه مع كبير الخدم كليف. بإشارة من كاليان غادرت ليلى بهدوء.
وبعد أن غادرت ليلى. أبلغَ كليف.
“الرجال الذين عيّنتهم لمتابعة السيدة أمس فقدوها.”
عبس كاليان.
“هل فقدوها؟”
فكر كاليان: “منذ أن شعرتُ بخيبة الأمل من ليلى، عهدتُ بجميع الأوامر المتعلقة بجوليانا إلى كليف، تتبّع تعاملاتها مع شركة باس التجارية وتحرّكاتها. لكن لم يكن ذلك رغبةً مني في السيطرة عليها، بل أردتُ فقط إثباتًا على زيف شكوكي. كنتُ آمل أن يكون كل شيء فيها نظيفًا.”
لقد انهار ذلك الأمل الهش عند الكلمات التالية التي قالها كليف.
“تبادلت السيدة وخادمتها كيت الحجابين لإبعادهم. يبدو أن السيدة أدركت أنها مُلاحقة، فتجنّبت الذيل عمدًا.”
أصبح وجه كاليان قاسيًا. فكر: “ماذا كانت تفعل حتى تخطط للتهرب من المراقبة؟”
وأضاف كليف.
“يبدو أنها ذهبت اليوم أيضًا إلى شركة باس التجارية.”
تمتم كاليان في نفسه: “مرة أخرى، شركة باس التجارية. صفقة سرية لم أكن أعلم بها، نزهات سرية تسللت من تحت رقابة فالدوميرو.”
ظلت مشاهد جوليانا وهي تلتقي سراً مع هيستر تومض في ذهن كاليان. أصبحت الفكرة ساخنة أكثر فأكثر، وضغط كاليان قبضته بقوة على الطاولة.
بعد ذهابي إلى الشركة التجارية، عدتُ ببطء إلى القصر. سيستغرق استرداد استثماري في لحاء الصنوبر حوالي أسبوع، مما يمنحني وقتًا كافيًا للاستعداد للمغادرة. كانت تنتظرني رسالة من جاريد أيضًا. أكد فيها أن كاليان وضع ظلًا آخر لمراقبتي، وأنه كان يحقق في صِلاتي بشركة باس. لكن هذا لم يُهم. فحين يكتشف كاليان أي شيء، سأكون قد هربتُ بالفعل.
تركتُ رسالة وداع لجاريد في الشركة وعدتُ إلى القصر. في تلك اللحظة خرجت يد من الظلام وأمسكت بمعصمي بقوة. لقد فزعتُ وكدتُ أن أصرخ، حتى رأيتُ من كان. كاليان بتعبيرٍ مظلم بالغضب.
بدون كلمة سحبني كاليان إلى غرفة قريبة وأغلق الباب خلفه بقوة. لقد تخلّصتُ من قبضته، وكانت أنفاسي مضطربة.
حدّق كاليان فيّ.
“ماذا تخططين؟”
“عن ماذا تتحدث؟”
“ما هي الخطط التي تحيكيها مع شركة باس التجارية؟”
عضضتُ على شفتي.
مرّر کالیان یده بین شعره، وهو يذرع المكان بقلقٍ. ثم سألني بصوتٍ منخفض وثقيل.
“هل تقومين بتزويد هيستر بالأموال؟”
“ماذا تقول…؟”
“في دالوت، عندما سألتكِ إن كنتِ تخفين شيئًا، تهرّبتِ من السؤال. هذا ما كنتِ تخفيه، أليس كذلك؟”
أطلقتُ ضحكة فارغة.
ألحّ كاليان
“هل هذا صحيح؟”
“لا.”
إن إنكاري القاطع لم يفعل سوى تعميق عبوس كاليان.
“فما الذي تخططين له مع شركة باس؟”
“لهذا السبب أمرتهم بمراقبتي؟”
“لو كنتِ صادقةً لما كان ذلك ضروريًا.”
حدّقتُ يوليانا فيه بغضبٍ.
“ما أفعله بأموالي الخاصة لا يعنيكَ.”
سخر كاليان ببرود.
“هذه ليست أموالكِ، بل أموال فالدوميرو.”
كلمات كاليان الجليدية جعلتني أقبض قبضتيّ.
“لقد كسبتُ ذلك بشكلٍ عادل من خلال إدارة عقاراتكَ الكبيرة في فالدوميرو.”
رفضتُ التراجع. اقترب كاليان مني، ووقف فوقي.
“ثم أخبريني ماذا كنتِ تفعلين بهذه الأموال.”
كانت أنفاس كاليان ساخنة على جبيني وهو يميل نحوي، وكان وجهانا لا يفصل بينهما سوى بوصات قليلة. حدّقتُ في كاليان مرة أخرى دون أن أتراجع.
هدر كاليان.
“قولي ذلك، جوليانا.”
لم أستطع. لم أستطع إخباره أنني أستعد للهرب. ليس الآن، وخاصة وأنا أحمل طفله. وأخيرًا قلتُ ببرود.
“ماذا لو قلتُ لكَ أنني أقوم بتمويل هيستر؟”
توتّر صدر كاليان عند سماع كلماتي. لقد ضغطتُ عليه.
“هل هذا يرضيكَ؟”
انقبض فك كاليان.
التقت أعيننا، وتصاعدت بيننا ألسنة لهب مظلمة، سواء أكان ذلك من الغضب أم الرغبة أم شيئًا أعمق، لم يستطع أي منا الجزم. وفجأة، أمسكت يد كاليان الكبيرة بمؤخرة رقبتي. وقبل أن أتمكن من المقاومة، ضغط شفتيه على شفتيّ.
التعليقات لهذا الفصل " 78"