لقد أصبح جسدي متيبّسًا، لكن قلبي كان ينبض بشدة. أدوية لقتل الطفل… إذًا، إذا أصبحتُ حاملاً، هل كان كاليان يخطط للتخلص منه؟ تذكرتُ أن كاليان قال ذات مرة أنه لن يسمح باستمرار سلالة هيستر، أبدًا. إذًا كنتَ مستعدًا لهذا منذ البداية. في حال رُزقنا بطفل…
تحت الطاولة، كانت أصابعي المرتعشة مشدودة بقوة. لقد خطرت في ذهني فكرة مرعبة، ربما كان كاليان هو من قتل داميان حقًا في حياتي السابقة. بالطبع، لم أستطع الوثوق تمامًا بما قالته ليلى. ربما اختلقته، أملًا في التفريق بيني وبين وكاليان. لكن رغم ذلك، غرائزي كأم صرخت بأن كاليان يُشكّل خطراً على داميان. كنتُ قد خطّطتُ لتركه سرًا إذا حملتُ. لكن الآن، وأنا أُفكر في أن كاليان قد يكون وراء وفاة داميان، شعرتُ بخوف أشد، لن أسمح له أبدًا بمعرفة أمر هذا الطفل.
“سيدتي، هل أنتِ بخير….؟”
صوت ليلى القلق جعلني أرتجف، استدرتُ ونظرتُ إليها بحدة.
“هل أنتِ متأكدة مما قلته؟”
التقت ليلى بعينيّ، وتحدثت بحزمٍ.
“ستجدين تلك الأدوية في مكتب صاحب السمو في الدرج الثالث.”
لو أن ليلى وضعتهم هناك سرًا، فلن يكون هناك طريقة لكي لا يلاحظ كاليان، الذي كان يعيش عمليًا في مكتبه، ذلك. ولم تكن ليلى لتتوقع هذا السؤال اليوم. هذا يعني أنه لو كانت الأدوية موجودة حقًا، لكانت ليلى قد قالت الحقيقة. ارتجفت يداي المتشابكتان بشكلٍ خافت.
أضافت ليلى بهدوء.
“الآن من المفترض أن يكون صاحب السمو في مهمة رسمية. سيكون مكتبه فارغًا.”
لقد طلبت ليلى مني أن أذهب لأرى بنفسي.
أجبرتُ يديّ المرتعشتين على الاسترخاء وأجبتُ بأكبر قدرٍ ممكن من الهدوء.
“شكرًا لكِ يا ليلى.”
ولم ترد ليلى إلّا بإبتسامةٍ مهذبة.
كما قالت ليلى، كان مكتب كاليان فارغًا. حتى اللحظة التي فتحتّ فيها الباب، كنتُ أتساءل عما إذا كانت ليلى تكذب. ولكن عندما فتحتُ درج المكتب بأصابعي المرتعشة، لم يعد بإمكانهي إنكار ذلك. كان بداخل صندوقين صغيرين أكياس من الأدوية التي أعرفها، نوع يمنع الحمل، والنوع الأكثر ضرراً الذي يمكن أن يقتل طفلاً في الرحم. كادت ركبتيّ أن تسقطا، وتراجعتُ بضع خطوات إلى الوراء. أجبرتُ نفسي على التنفس، وأغلقتُ الغطاء ودفعتُ الدرج لإغلاقه بيديّ المرتعشتين. ضاق صدري، ودار رأسي، وشعرتُ بألمٍ خفيف في أسفل بطني. أمسكتُ ببطني، وخرجتُ من المكتب متعثرة. ولكن بينما كنتُ أتكئ على الحائط لأُثبّتُ نفسي، أمسك شخص ما بمعصمي فجأة. فوجئتُ والتفتتُ، ورأيتُ الوجه الوحيد الذي لم أكن أرغب في مقابلته على الإطلاق.
“هل أنتِ بخير؟”
لقد عاد كاليان للتو من مهمته، وكانت الرياح الباردة لا تزال تتشبّث به. لقد هززتُ يده على الفور.
“اتركني.”
خرج صوتي باردًا دون أن أقصد ذلك.
عبس كاليان، وكان من الواضح أنه مضطرب، لكنه سألني بلطف.
“هل أنتِ مريضة؟”
القلق في نبرة صوت كاليان جعلني أشتعل من الداخل. الرجل الذي قتل طفلنا. الرجل الذي قد يقتل طفلنا الآن أيضًا. وكانت الأدوية في درجه مثل الخناجر المُلطخة بالدماء في عينيّ. كيف يجرؤ على التحدّث بهذا الصوت الحنون؟ أردتُ أن أمسك بياقته وأسأله، كوالد طفلنا، كيف يكون بهذه القسوة؟
لكنني عضضتُ شفتي وأجبتُ ببرود.
“لا تقلق عليّ.”
استشعر كاليان عدائي، فتعمق عبوسه.
“هل تعلمين كيف تبدين الآن؟ كأنكِ رأيتِ شبحًا.”
وكان كاليان محقًا. لم يكن هناك من أخشاه أكثر منه. استدرتُ بعيدًا، وأجبرتُ صوتي على الثبات.
“سأعتني بالأمر. دعني وشأني.”
بدا وكأن كاليان يتقبّل كلماتي على مضضٍ، وأجابني بنبرةٍ مستسلمة.
“على الأقل قومي بزيارة الطبيب.”
بعد ذلك، ابتعد كاليان. لم أُبال بتعبير وجهه، بل تمنيتُ فقط أن يختفي عن ناظريّ.
“سيدتي، هل أنتِ متأكدة من أنكِ بخير؟”
عند سؤال كيت أجبرتُ نفسي على الابتسام.
“أنا بخير، كيت.”
لكنني لم أكن كذلك. كان صداعي يزداد باستمرار وبطني يؤلمني بشكلٍ خافت. ثم تذكرتُ أن دورتي الشهرية تأخرت.
“كيت، هل يمكنكِ أن تطلبي من الطبيب بعض الأدوية لتخفيف الألم…..”
لقد تجمدتُ في منتصف الجملة، عندما أدركتُ شيئًا ما.
رمشت كيت.
“هل عليّ أن أذهب إلى الطبيب؟”
هززتُ رأسي بسرعة.
“لا، لن يكون ذلك ضروريًا.”
لا تزال كيت تبدو قلقة.
“بشرتكِ شاحبة. ربما يجب فحصكِ جيدًا.”
بالتأكيد لا. لو كانت هذه الأعراض ناتجة عن الحمل، لما سمحتُ لطبيب كاليان بمعرفة ذلك.
“كيت ساعديني في الاستعداد للخروج.”
لقد مرّت أربعة أسابيع منذ عودتي من دالوت.
بدت كيت مصدومة.
“بحالتكِ؟ هل تريدين الخروج؟”
“لو سمحتِ.”
عندما رأت كيت تعبيري اليائس، أومأت برأسها أخيرًا.
“ثم سأذهب معكِ سيدتي.”
لقد ركبنا العربة وتوجهنا إلى المدينة، وتوقفنا أمام شوارع السوق المزدحمة قبل أن ننزلق بين الحشد. لكن هذه المرة، شعرتُ بعيون تتبعني. كان هناك شخص يتّبعنا.
“لماذا تبدين غير مرتاحة سيدتي؟”
همست كيت.
“هناك شخص يتّبعنا.”
نظرت کیت حولها بتوتر، لكن الحشد كان كثيفًا للغاية.
“ابقي قريبة.”
قلتُ وأنا أتوجّه نحو السوق المزدحم.
لم يكن من الصعب تخمين من أرسل الذيل. كاليان، لقد فعل ذلك من قبل. وهذا يجعل الأمر أكثر أهمية لأنه لم يعلم أبدًا أنني سأذهب إلى الطبيب.
شعرت كيت بالقلق، فجذبتني فجأة نحو الحشد. استبدلت الحجاب معي، فارتدت حجابي الأسود وغطتني بحجابها الأبيض.
“سأتظاهر بأنني أنتِ وأسحبه بعيدًا.”
اتسعت عينيّ، لكنني أومأتُ برأسي بامتنانٍ.
“كوني حذرة.”
“بعد الانتهاء، عودي إلى العربة. سأقابلكِ هناك.”
مع ذلك ابتعدت كيت عن الحشد، وكان الذيل الغامض يتّبعها.
انزلقتُ في الاتجاه الآخر، متوجهةً إلى العيادة الصغيرة المتهالكة التي زارتها من قبل. تعرّف عليّ الطبيب على الفور.
“أوه لقد عدتِ.”
“أحتاج إلى فحص.”
أومأ الطبيب برأسه بعلم وقادني إلى الداخل. هذه المرة، أخرج أخرج جهازًا غريبًا لم أره من قبل.
قال الطبيب بفخرٍ.
“استعرتُ جهاز فحص الحمل. لا تقلقي، إنه يتطلّب عينة دم فقط.”
قام الطبيب بقياس نبضي، ثم سحب الدم بسرعة من ذراعي وأسقطه على الجهاز. جلستُ في صمت متوتر حتى رفع الطبيب نظره، وكانت عيناه مشرقتين.
“مبارك سيدتي، أنتِ حامل.”
♣ ملاحظة المترجمة: وأخيرًا… الآن مع الجولة الثانية: الهروب!
التعليقات لهذا الفصل " 77"