نظرتُ إلى ليلى بريبة. هل قالت ذلك حقًا لأنها تعرفني كسيدة المنزل؟ بالطبع لا. على الأرجح أنها أرادت أن يتم الكشف عن أسرار كاليان حتى يكون هناك خلاف بيني وبينه. كان اقتراحها بشأن أوامر كاليان السرية مغريًا. لكنني تذكرتُ موقف مشابه في آخر مرة وقعتُ فيها في فخ ليلى. لم أستطع أن أثق بكلامها ثقة عمياء.
حدّقتُ في عيني ليلى اللامباليتين طويلًا، ثم رفعتُ كوب الشاي أخيرًا بتعبيرٍ هادئ. “سأقبل حُسن نواياكِ يا آنسة ليلى.” كنتُ بحاجة لمراقبة نواياها أكثر قليلًا. “شكرًا لكرمكِ سيدتي.” ابتسمت ليلى ابتسامة خفيفة وتراجعت بسهولة، ثم عادت إلى مقعدها بانحناءة مهذبة. لم أستطع منع نفسي من النظر لتعبير ليلى للحظةٍ طويلة بعد ذلك.
وفي وقتٍ لاحق، بينما كنتُ أقوم بتنظيم سجلات العقار، سُمع طرقًا على الباب. نظرتُ إلى الأعلى فرأيتُ الباب مفتوحًا بالفعل وكاليان متكئًا عليه. نظرتُ إلى كاليان في حيرة. أشار كاليان بنظرةٍ سريعة نحو ليلى، نهضت ليلى بابتسامةٍ لطيفة. “يبدو أن العمل في دفتر الحسابات قد شارف على الانتهاء، لذا سأُغادر الآن.” غادرت ليلى الغرفة. عندها فقط تكلّم كاليان، كان لا يزال متكئًا على الباب وذراعاه متقاطعتان. “الليلة تناولي العشاء معي.” ضاق صدري. كان البقاء مع كاليان بمفردي أمرًا غير مريح. لم أستطع منع نفسي من تذكر هذين الأسبوعين في دالوت، تلك الذكريات ذاتها التي كنتُ أُحاول جاهدة التخلص منها. كان هذا أحد أسباب تجنّبي له. لكن بما أنني لم أكن متأكدة بعد من حملي، كان عليّ على الأقل القيام بالحد الأدنى من واجبات الزوجة في الليلة التالية. بالطبع، لم أكن أنوي ترك الأمور تتفاقم كما حدث في دالوت، عندما فقدتُ رشدي. “حسنًا.” أجبرتُ نفسي على الكلام. أجبتُ باختصار، وأنا أُبقي عينيّ على الوثائق بدلاً من النظر إلى كاليان. شعرتُ بنظرات كاليان عليّ طويلاً، وكأنه يريد أن يقول شيئًا. لكنني تعمّدتُ عدم سؤاله. أخيرًا، تنهد كاليان وقال بصوتٍ هادئ. “حسنًا، سأراكِ على العشاء.” عندما أغلق كاليان الباب خلفه، تجمدتُ في مكاني، أُحدّق من النافذة بنظرةٍ فارغة. فكرة تناول العشاء مع كاليان بمفردي كانت خانقة بالفعل.
كان العشاء رسميًا كما هو الحال دائمًا. لكن منذ هذين الأسبوعين في دالوت، تغيّر كل شيء. حتى الجلوس على نفس الطاولة أصبح الآن متوترًا. الصمت الثقيل والهواء الخانق، كل ذلك يُذكرني بتلك الليالي. استطعتُ أن أشعر بنظرات كاليان عليّ، لكنني ركّزتُ بعنادٍ على طعامي. “كيف الأمر مع ليلى…..؟” كسر كاليان الصمت أخيرًا. “لا توجد مشاكل؟” تردَّد كاليان ثم سأل بشكل مباشر. “لا مشكلة.” نظرتُ إلى كاليان، ثم أجبتُه ببرودٍ وأنا أنظر إلى طعامي. ساد الصمت مجددًا، أضاف كاليان بعد تردّد. “إذا كنتِ تشعرين بعدم الارتياح، فبإمكانكِ التعامل مع الدفاتر بمفردكِ من الآن فصاعدًا.” لقد عرض كاليان عليّ طرد ليلى التي عيّنها في البداية كمساعدة لي لأنه لم يثق بي. “لا داعي لذلك.” حدّقتُ في كاليان ثم أجبتُ ببرودٍ. مهما كان الأمر مزعجًا، كانت ليلى كفؤة في العمل. ولم يكن لطف كاليان المفاجئ يليق به إطلاقًا، لم يُرضيني. تنهد كاليان بخفةٍ عند رفضي البارد. “إذا كان هذا ما تريديه فلا بأس.” ساد صمت آخر، ثم قال كاليان بهدوء. “أنا مُمتنٌ لكِ.” امتنان؟ نظرتُ إلى كاليان بدهشة. تابع كاليان حديثه بحرجٍ وهو يُحدّق في طعامه. “لأنكِ سامحتِ ليلى. لم يكن الأمر سهلاً.” عندها عبستُ دون قصد. ممتنٌ… لأنني سامحتها؟ حتى مع علم كاليان بما عانيته، لا يزال يهتم برأيي أكثر. كان أمرًا طبيعيًا، لابد أن كاليان كان سعيدًا سرًا بعودتها فقد كانت معه لعشر سنوات. الشيء الوحيد المدهش هو أنه عاقبها أصلًا. في العادة، كان كاليان الذي أعرفه يدافع عن ليلى، قائلاً إنها لابد وأن يكون لديها سبب. التزمتُ الصمت، فقدتُ شهيتي. حاول كاليان طمأنتي. “حذّرتها من التهور مجددًا.” بدا صوت كاليان وكأنه يتحدّث عن أخته الصغرى التي وبّخها، وليس عن امرأة ظلمتني. أطلقتُ ضحكة مريرة. عند سماع صوت ضحكتي عبس كاليان قليلاً. نظرتُ في عيني كاليان وقلتُ بحدة. “جيد. على الأقل لم يُسبّب ذلك شقاقًا بينكما بسببي.” ازداد عبوس كاليان. “ماذا تقصدين…؟” “أعني أنكما تبدوان جميلين معًا.” “هل نبدو جميلين معًا؟ لقد أخطأتِ الفهم.” قاطعتُ كاليان وأنا أُقطّع اللحم ببرودٍ. “سواءً أكان سوء فهم أم لا، فلا داعي للشرح. نحن لسنا هذا النوع من الأزواج، أليس كذلك؟” كلماتي الباردة جعلت كاليان يضغط قبضته على الطاولة. “صحيح، أنتِ محقة. لسنا من هذا النوع من الأزواج.” مع ضحكةٍ مريرة، حدّق كاليان فيّ وكان تعبيره باردًا. ثم أمر فجأة. “احتفظي بجدول أعمالكِ خاليًا لليوم التالي.” عبستُ. “لماذا؟” “سنذهب معًا لڤيلا والدي.” عبستُ أكثر. “ألَا يمكنكَ الذهاب وحدكَ؟” ارتسمت على شفتي كاليان ابتسامة ساخرة. “وما الانطباع الذي سيتركه ذلك علينا؟” ثم ألقى كاليان عليّ كلماتي السابقة، مضيفًا ببرود. “لا تنسي علاقتنا، على الأقل نحن ملزمان بأداء دور الزوج والزوجة كما ينبغي. هذا ما قلتيه.” أسكتتني نبرة كاليان الساخرة. عضضتُ على شفتي.
كان الرئيس الحالي لإقليم فالدوميرو، داركوين، يعيش في الڤيلا الغربية. في العربة، كنا ثلاثتنا، كاليان، وأنا، وليلى، الذين جئنا لأسباب تجارية تتعلق بمجلس النبلاء التابعين. لم يتكلم أحد، حتى ليلى ربما شعرت بمزاج كاليان أبقت فمها مغلقًا. نظرتُ إلى كاليان أمامي. كان يرتدي زيًا أنيقًا، واضعًا ذقنه على يده وهو ينظر من النافذة. ملأ كتفاه العريضان وفخذاه القويان القماش برشاقة. إن ذكرى جلوسي على تلك الفخذين في العربة في دالوت جعلتني أعض شفتي. في تلك اللحظة شعرتُ بنظرات كاليان. كان كاليان ينظر إلى شفتي ويضغط على فكه بقوة. هل كان كاليان يتذكر تلك الليلة أيضًا؟ كنتُ أتمنى أن يكون هذا مجرد خيال، لكن شدة الحرارة في عينيه كانت هي نفسها كما كانت في ذلك الوقت. بكل توتر، أمسكتُ بتنورتي. ثم أصبح تنفس كاليان خشنًا، وفجأة سحب ربطة عنقه، ففكّها. سألت ليلى في حيرةٍ. “صاحب السمو؟” ثبّت كاليان أنفاسه، وأجاب بهدوء. “خانق فحسب، سأُعيده حالما نصل.” “نعم صاحب السمو.” لقد ألقى كاليان نظرة سريعة عليّ، لكنني أبقيتُ وجهي متجهًا نحو النافذة، مخفيةً تعبيري. عندما نظرتُ بعيدًا مرة أخرى، شعرتُ فجأة برأس حذائه يُلامس حذائي. لم يكن شيئًا، مجرد لمسة صغيرة، ولكنني كنتُ متوترة بالفعل، فارتعشتُ ونظرتُ إلى كاليان. وفي تلك اللحظة، حدث الشيء الوحيد الذي كنتُ أرغب بشدة في تجنبه، التقت أعيننا.
التعليقات لهذا الفصل " 74"