وبعد أسبوعين، كما كان مخططًا، عادا إلى عقار فالدوميرو. بعد عودتهما، انشغل كاليان وجوليانا كثيرًا. كان على كاليان التعامل مع أكوام من الوثائق والتوسّط بين التابعين، بينما تولّت جوليانا بصفتها سيدة المنزل جميع الشؤون التي تراكمت خلال غيابها. كأن الأسبوعين اللذين قضياهما في دالوت لم يحدثا قط. عادا إلى علاقتهما البعيدة المعتادة، كانا ينامان في غرف منفصلة، ولا يلتقيان إلّا في مواعيد وجبات الطعام.
شعرت جوليانا بالارتياح لعودتها إلى هذا الروتين البارد المنعزل، لكن قلب كاليان كان أكثر تعقيدًا بكثير.
تمتم كاليان في نفسه: “في تلك الليلة الأخيرة في دالوت، بعد جدالنا بشأن لیلی، كان الأمر كما لو أن كل شيء قد عاد إلى وضعه الطبيعي، وأصبحنا غريبين مرة أخرى. لقد أزعجني ذلك. وحقيقة أن جوليانا بدت هادئة وغير متأثرة لم تزيد إلّا من ازعاجي.”
أجبر كاليان نفسه على تجاهل التوتر في يديه وهو يتفقّد الرسائل على مكتبه، كانت معظمها شكاوى من التابعين تُعبّر عن مخاوف من زعزعة الثقة.
تنهد كاليان بعمقٍ وفرك جبهته: “لقد كان فيليكس على حق إلى حدٍ ما، إذا استمرت الأمور على هذا النحو، فإنني أُخاطر بخسارة التابعين بالكامل. لو أعدتُ ليلى لكان ذلك على الأقل قد هدّأ من احتجاجاتهم.”
ومع ذلك، حتى في هذا الوضع، لم يستطع كاليان التوقف عن التفكير في جوليانا.
تمتم كاليان في نفسه: “ألم تطلب مني هي بنفسها إعادة ليلى؟ فلماذا لم أنسَ النظرة الباردة في عينيها عندما قالت ذلك؟ ماذا كانت تتوقع مني؟”
نظر كاليان من نافذة مكتبه، رأى جوليانا تتجوّل في الحديقة. نظر إليها كما لو كان مسحورًا.
تمتم كاليان في نفسه: “لماذا أشعر أنني الوحيد القلق؟ هل كانت تلك الليالي في دالوت لا تعني لها شيئًا؟ هل كانت مجرد هفوات لا معنى لها، أشياء يسهل نسيانها؟ لقد أغضبني الاعتقاد بأنني الوحيد الذي أعاني من الهوس مثل الأحمق الذي تُحرّكه الشهوة..ومع ذلك فإن ذكريات جرأتها في دالوت ظلت تطاردني.”
[لا تُطيل الكلام. افعل ما تريده الآن.]
تنهد كاليان، تمتم في نفسه: “لا أزال أراها فوقي تهمس بغطرسة. كان الأمر واضحًا، كما لو كان بالأمس.”
“عليك اللعنة…”
لعن كاليان محاولًا تجاهل الثقل في جسده، لكن عينيه ظلتا تبحثان عن جوليانا في الحديقة.
“هل أنا مجنون، أنتظر الليلة التالية لننام معًا مجددًا؟”
تفقّدتُ تقويمي بقلقٍ، وضعتُ يدي على بطني المسطحة. ما زال، لقد مرّ أسبوع على عودتنا من دالوت. من المبكر جدًا الحكم على ذلك بالنظر. سمعتُ أن بعض الأطباء يستطيعون اكتشاف الحمل مبكرًا، حتى قبل أسبوعين أو ثلاثة أسابيع. لكنني لم أكن أنوي سؤال طبيب عقار فالدوميرو، لو أُكتُشف الأمر، كاليان سيعرف فورًا، وهذا أمر لا يمكن السماح به أبدًا. إذا كنتُ حاملاً، فالهروب من فالدوميرو هو الأولوية. التحقيق في وفاة داميان لا يأتي إلّا بعد ذلك. سلامة طفلي أهم من أي شيء آخر. نهضتُ وارتديتُ معطفي بسرعة.
كيت التي كانت تجلس بالقرب مني تحيك، نظرت إليّ بدهشةٍ.
“سيدتي، هل ستخرجين؟”
“أحتاج للخروج لبعض الوقت.”
“أرجوك انتظري، سآتي معكِ.”
أومأتُ برأسي على مضضٍ. سيبدو الأمر مريبًا أن أتسلّل بمفردي دون خادمة.
ركبنا معًا إلى المدينة، ثم طلبتُ من سائق العربة التوقّف على مسافة، ثم نزلتُ واندمجتُ في الحشد، تذكرتُ كيف عيّن كاليان ظلًا لمراقبتي فأسدلتُ حجابي الأسود. شدّدتُ حذري.
“إلى أين نحن ذاهبان؟”
سألتني كيت.
“الى عيادة طبيب.”
“عيادة طبيب؟ إذا كنتِ مريضةً، ألَا ينبغي لنا الاتصال بطبيب العقار بدلًا من ذلك؟”
ابتسمتُ ابتسامة خفيفة.
“لستُ مريضة، فقط للتحقق من شيء ما.”
بدت كيت في حيرة لكنها تبعتني.
سرعان ما وصلنا إلى عيادة صغيرة. اخترتُ هذا المكان عمدًا، فالعيادات الكبيرة قد تكشف هويتي، لكنني كنتُ أعلم أن هذا الطبيب كفؤ، حتى لو رفضه الآخرون بداعي غرابة أطواره، كنتُ أثق به لممارسته الطب الشرقي في حياتي السابقة.
بدت العيادة من الداخل رثة وفارغة، قفز رجل مستلقٍ على أريكة مندهشًا عندما دخلنا.
“ما الذي أتى بكما إلى هنا؟”
“أُريد استشارة.”
“استشارة؟ بالتأكيد.”
ارتبك الطبيب، فسارع لارتداء نظارته.
“تفضّلي بالدخول.”
انحنت كيت نحوي وهمست بتوتر.
“هل هو حقًا طبيب حقيقي؟”
ابتسمتُ ابتسامة خفيفة.
“إنه كذلك. انتظريني هنا.”
تردّدت كيت، ثم وافقت.
“إذا حدث أي شيء، اصرخي. سأدخل مسرعةً!”
ابتسمتُ، وتبعتُ الطبيب إلى الداخل. كانت الغرفة فوضوية لا تصلح لمكتب طبيب، جلستُ بهدوء.
“ما المشكلة؟”
سألني الطبيب بتوتر.
تردّدتُ ثم اعترفتُ بابتسامة هادئة.
“أريد أن أعرف إذا كنتُ حاملاً.”
“عفواً…؟”
رمش الطبيب بصدمة. ثم قام بتعديل نظارته وقال.
“أنا لستُ طبيبًا نسائيًا، ولكن…..”
“لذا لا يمكنكَ التحقق؟”
“لا. أستطيع. بالطبع أستطيع!”
لوّح الطبيب بيديه بسرعة.
“هل لي أن أقيس نبضكِ؟”
مدّ الطبيب يده بحذر. مددتُ معصمي دون تردّد، ضغط الطبيب بأصابعه وركّز.
دارت في ذهني مشاعر القلق، اسبوعان من العلاقة الحميمة لا يضمنان إنجاب طفل.
بعد برهة، بدا على الطبيب عدم اليقين.
“سامحيني، ولكن متى كانت آخر مرة قضيتيها مع زوجكِ؟”
“غدًا سيكون اسبوعين تقريبًا.”
سحب الطبيب يده وتنهد.
“حاليًا، لا أثر لنبض طفل.”
سقط قلبي.
“إذًا… أنا لستُ حاملًا؟”
“لا، ليس بالضرورة. لا يُمكن تأكيد الحمل بدقة إلّا بعد أربعة أسابيع. في هذه المرحلة، من المبكر جدًا الجزم بذلك.”
“أرى…”
أتذكر في حياتي السابقة إنه قال قد يكتشف ذلك مبكرًا. لكن ربما كان ذلك فقط عندما تكون المرأة حاملًا.
“إذا عدتِ بعد أربعة أسابيع، فسوف أتمكن من التحقق مرة أخرى بشكل صحيح.”
ابتسمتُ بقوة.
“نعم، سأفعل ذلك.”
عندما خرجتُ كانت كيت تنتظر بقلقٍ عند الباب.
“هل نعود إلى المنزل الآن؟”
أومأتُ بتعبٍ.
“نعم. لنعد.”
عند عودتي إلى قصر العقار، نزلتُ من العربة بمساعدة كيت. لكن في الداخل كان الجو غريبًا، كانت الخادمات يهمسن وهن مذهولات كلما مررتُ.
في حيرة من أمري، سرتُ في الممر حتى وصلتُ إلى غرفة المعيشة، وتجمدتُ. كانت تقف أمام كاليان امرأة مألوفة، ليلى.
استدار ليلى وكاليان عندما اقتربتُ، أجبرتُ نفسي على الهدوء.
التعليقات لهذا الفصل " 72"