لم يمضِ وقت طويل بعد زيارة هايلاند للڤيلا، حتى وصلت رسالة من عقار فالدوميرو. لقد كانت رسالة من كبير الخدم كليف.
فتح كاليان المظروف بتعبيرٍ هادئ وبدأ في القراءة. ولكن كلما قرأ كاليان أكثر، عبس أكثر. الرسالة كانت عن جوليانا. بعد أن بدأت جوليانا بالتعامل مع شركة باس التجارية، أمر كاليان كليف سرًا بالتحقيق بشأنها. كان كاليان قلقًا من أن جوليانا قد تستخدم الشركة كذريعة لمقابلة لويد. بعد كل شيء، المرة الأولى التي التقت فيها جوليانا بلويد كانت أمام شركة باس، والمرة الأخيرة أيضًا. لكن ما كشفته الرسالة كان مختلفًا عما كان كاليان يتوقعه.
فكر كاليان: “يبدو أن جوليانا كانت تتعامل تجاريًا مع نقابة التجار بشكلٍ خاص. لماذا تقوم هي سيدة فالدوميرو، بإبرام الصفقات باسمها الخاص بدلاً من اسم زوجها؟ لم تظهر جشعها للمال أو اشتكت من قلة ثروتها من قبل. ومع ذلك كانت تُتاجر سرًا مع نقابة التجار؟ وهذا يعني أن الأمر لم يكن من أجل فالدوميرو.”
كانت أفكار كاليان متشابكة.
[إنه مجرد زواج شكلي، أليس كذلك؟ لا أحد يعلم متى قد ينهار العقد مع هيستر.]
فكر كاليان: “هل يمكن أنها تفكر بنفس الشيء؟ هل كانت تستعد لانتهاء العقد بين فالدوميرو وهيستر؟ أم أنها لم تأتي إلى هنا كرهينة بل كقطعة شطرنج؟ لو كانت تُرسل الأرباح من تلك الصفقات السرية إلى هيستر…..”
بدأ كاليان بكتابة ردّ بيده المتصلّبة، وأمر كليف بالتحقيق في تحركات هيستر أيضًا.
تمتم كاليان في نفسه: “آمل أن يكون مجرد شعور. آمل أنها لم تكن دمية في يد هيستر حقًا. حتى لو كانت تكرهني، أريد أن أُصدّق أنها تعيش في فالدوميرو من أجل نفسها وليس من أجل هيستر. ولكن من أجل ذلك، كان عليّ أن أكشف السر المخفي وراء وجهها الهادئ.”
وفي الوقت نفسه، كان كاليان خائفًا مما قد يجده. مثل شيء لا ينبغي فتحه أبدًا، مثل صندوق باندورا…
[ما لم يولد طفل بينكما، فإن الرابطة بين العائلتين ستظل دائمًا هشة مثل شمعة في مهب الريح.]
فكر كاليان: “لو انجبت جوليانا طفلاً مني… هل سيختفي هذا القلق؟”
أطلق كاليان ضحكة مريرة عند التفكير في ذلك. تمتم في نفسه: “طفل بين زوجين يكرهان بعضهما البعض ويشعران بالاستياء من بعضهما فقط، ألَا يكون هذا أمرًا مؤسفًا للغاية؟”
ومع ذلك، وبدون أن يدرك ذلك، كان كاليان يتخيّل كيف قد يبدو مثل هذا الطفل. فكر: “هل سيكون شعر الطفل ذهبيًا؟ أم أسودًا؟ آمل أن تكون عيناه مثل عيون جوليانا.”
توجهت أفكار كاليان إلى الحلم الذي رآه ذات مرة، تمتم في نفسه: “طفل ذو شعر أسود يلعب على الشاطئ مع جوليانا. لم أكن قد رأيتُ وجهه، لكنني لم أستطع إلٌا أن أُفكر أنه إذا رُزقنا بطفلٍ، فإنه سيبدو بهذا الشكل.”
مع ابتسامةٍ ساخرة من نفسه، هز کالیان رأسه.
“من الواضح أن رأسي المتألم كان يجعلني أتخيّل هراء.”
كانت الليلة هي الليلة التي وعدنا فيها بمشاركة غرفة الزوجية. رغم أنني قلتُ لنفسي أن الأمر كان مجرد واجبات زوجية، مجرد إجراء شكلي للحمل بداميان، إلّا أن جسدي لم يشعر بالهدوء. فركتُ يديّ بتوتر وأنا أتذكر ليلتنا الأخيرة معًا. ظننتُ أنه لا معنى لذلك، مجرد جسدين يتقاربان. ومع ذلك، انتهى بي الأمر بالبكاء تلك الليلة. هذه المرة أُقسم أنني لن أُظهر أي ضعف. عليّ أن أُكمل الأمر مهما كلّفني ذلك. ففي هذا الوقت تحديدًا، حملتُ بداميان. أخذتُ نفسًا عميقًا، ثم نهضتُ. أظنُّ أن بعض الهواء النقي قد يُساعدني. كان البحر عند الغسق يتوهج باللون الأحمر مُبتلعًا أشعة الشمس الذهبية. تحطّمت الأمواج بصخب على الشاطئ. تشابك النسيم الرطب مع شعري الذهبي لكنني لم أُمانع، وبقيتُ أُحدّق في الأفق بلا تعبير.
حرّكتُ رأسي قليلًا، وتجمّدتُ. كان يقف بجانبي داميان، طفلي ذو الشعر الأسود، وهو يبتسم لي. كانت خدوده تتوهج باللون الوردي في غروب الشمس الأحمر، جميلًا وثمينًا. ابتسمتُ لطفلي بهدوء. على الرغم من أنني أعلم أنه كان مجرد ذكرى، إلّا أنني شعرتُ بالدفء لرؤية طفلي مرة أخرى، حتى في ذهني.
ومن مسافة بعيدة، كان كاليان يُراقب جوليانا بصمتٍ.
فكر كاليان: “كانت تبتسم أمام لا شيء، تبدو وحيدة ولكنها مبهرة بشكل غريب في غروب الشمس الأحمر.”
بدأ كاليان يمشي نحو جوليانا وكأنه مسحور. عندما أحسّت جوليانا بوجود كاليان، التفتَت.
مع غروب الشمس الأحمر خلفها، بدت جوليانا مبهرة. حدّق كاليان بجوليانا لفترة طويلة.
تحدثت جوليانا أخيرًا، وكان صوتها هادئًا وثابتًا.
“هل لديكَ شيئًا لتقوله لي؟”
أعادت كلماتها كاليان ذلك إلى الواقع.
عندما التقى كاليان بعينيها القرمزيتين همس.
“أنتِ تعرفين أن الليلة هي ليلة نومنا معًا.”
“نعم…”
نبرة جوليانا الجادة جعلت قلب كاليان يتحرّك، لكنه أجبر صوته أن يبقى هادئًا.
“سأنتظركِ في الغرفة.”
ومع ذلك، استدار كاليان وغادر.
راقبتُ ظهر كاليان، مُجددةً عزمي في صمت. الليلة، ينبغي عليّ أن أُكمل الأمر…
لقد تمَّ تجهيز غرفة الزوجية. رغم أنهما عادة ما ينامان في غرف منفصلة، إلّا أن الليلة يجب عليهما قضاء الليل معًا.
كان كاليان قد استحمَّ وارتدى رداءه وجلس على السرير، مضطربًا. وقف، وجلس، وسار ذهابًا وإيابًا بتوتر وأخيرًا سكب لنفسه بعض النبيذ. وفي تلك اللحظة، فُتح الباب. دخلت جوليانا وهي ترتدي فستانًا خفيفًا. أظهر شعرها الرطب أنها استحمَّت أيضًا.
تردّدت عينا كاليان للحظة، ثم استدار بسرعة، وملأ كأسًا آخر وقدّمه لها.
“هل تريدين بعض النبيذ؟”
أغلقت جوليانا الباب خلفها بصوتٍ عالٍ. بدا الصوت عاليًا بسبب هدوء الغرفة.
حاول كاليان تخفيف حدّة التوتر، فقال.
“إنه نبيذ عطري خاص من دالوت. رائحته زكية، ويدوم أثره بشكلٍ أخف.”
رفع كاليان الكأس لجوليانا. لكن جوليانا سارت للأمام، وأصابعها تفك عقدة فستانها. اتسعت عينا كاليان.
التقت جوليانا بنظرات كاليان بتعبير هادئ وقالت.
“لا أحتاج إلى النبيذ.”
انحلت عقدة فستانها، وسقط الفستان مفتوحًا ليكشف عن البطانة الرقيقة الشفافة تحته. انحبست أنفاس كاليان، كان قلبه ينبض بقوة. ثم خلعت جوليانا فستانها من على كتفيها. انزلق من جسدها وسقط بصمتٍ على الأرض. وفي تلك اللحظة، شعر كاليان وكأن قلبه أيضًا سقط على الأرض…
التعليقات لهذا الفصل " 65"