تركني رد كاليان المباشر في حيرةٍ للحظة. عندما رأى كاليان تعبيري، ارتسمت ابتسامة صغيرة على شفتيه قليلاً. “أنا سعيد. يبدو أنني كنتُ على حق.” انسكبت شمس الغروب المبهرة على ملامح كاليان، ورسم ضوءها كل خط حاد من وجه. كان المشهد مذهلاً، يكاد يكون غير واقعي، لدرجة أنني وجدتُ نفسي أُحدّق بوجه كاليان دون وعي، ثم أشحتُ بنظري بعيدًا في دهشة. قلتُ لنفسي أنها مجرد ذكريات داميان المرتبطة بهذا المكان وغروب الشمس الجميل. كل ذلك يجعلني أفقد التركيز للحظة. بعد قليل، وصلت العربة إلى الڤيلا الساحلية الجميلة. وكأنهم ينتظروننا، كان كبير الخدم والخدم في انتظارنا. نزل كاليان أولًا، مدَّ يده لي تلقائيًا. تردّدتُ قليلًا، ثم وضعتُ يدي في يده ونزلتُ بهدوء. “صاحب السمو. كنا ننتظر منذ أن تلقينا الخبر.” قال ألتيس، كبير خدم الڤيلا، مبتسمًا بحرارة. “لقد مرَّ وقت طويل منذ أن أتيتَ آخر مرة. كنتَ تزورنا كثيرًا عندما كنتَ أصغر سنًا.” ثم التفتَ كبير الخدم إليّ وانحنى بعمق. “هذا أول لقاء لنا. أنا ألتيس فينين كبير خدم هذه الڤيلا.” “يسعدني أن أُقابلكَ، السير ألتيس فينين.” “من فضلكِ، فقط اتصلي بي ألتيس.” كان ألتيس يبدو تمامًا كما أتذكر، من القلائل في فالدوميرو الذين أظهروا لي اللطف دون تحيّز. لم يعاملني ألتيس قط كرهينة وجاسوسةً لهيستر، بل عاملني ببساطة كما أنا. ربما لهذا السبب شعرتُ دائمًا بالراحة هنا. لو خُيّرتُ لأذكر أسعد لحظات حياتي الأولى، لخطر هذا المكان في ذهني دون تردّد. كانت منطقة دالوت الواقعة في الإقليم الغربي الجنوبي قريبة من ضيعة الماركيز هايلاند التابع لفالدوميرو. كان كاليان يأتي إلى هنا أحيانًا للقاء هايلاند بشأن شؤون الجنوب. في البداية، كان كاليان قد توقف عن الزيارة، ولكن بعد ولادة داميان، توسلتُ إليه أن يأتي معي ليرى البحر توقعتُ أن يرفض، ولكن من الغريب أنه سمح بذلك دون ضجة كبيرة. الآن، تلك الذكريات موجودة فقط في ذهني… هل كانت مجرد صدفة أن كاليان أحضرني هنا مرة أخرى؟ وجدتُ نفسي أُحدّق في وجه كاليان أثناء حديثه مع ألتيس. لابد أنه شعر بنظراتي، إذ استدار لينظر إليّ في حيرةٍ. أشحتُ بنظري بعيدًا بسرعة. “سيتولى الخدم حمل الأمتعة. غيّري ملابسكِ إلى ملابس مريحة.” وبينما بدأ كاليان في الابتعاد بشكلٍ عرضي، تحدّثتُ بسرعة. “لماذا جئنا إلى هنا؟” نظر كاليان إليّ، ثم أعطاني ابتسامة لطيفة لم أرها من قبل. “دعينا نُسمّيها… رحلة؟” “رحلة…؟” عند سماع نبرتي المرتبكة، ابتسم كاليان. “سوف نبقى هنا لمدة اسبوعين.” “اسبوعين؟” وعندما كرّرتُ بدهشة، كانت كلمات كاليان التالية تحمل معنى. “هذا تعويض عن ليلتنا الأولى معًا، تلك التي أفسدتُها.” لقد تجمّدتُ، ثم أدركتُ ما يعنيه كاليان. تلك الليلة، كانت مليئة بالشك والعداء. كلماته وأفعاله الباردة جمّدت قلبي. نعم، كان كاليان يقصد تلك الليلة. وبينما تلاشت الذكرى، التقى كاليان بعينيّ وابتسم بهدوء. “أعتزم أن أعوّضكِ هنا.” كان من المفترض أن تكون ليلة نومنا مجرد واجبات زوجية، مرة واحدة في الشهر، كما اتفقنا. فلماذا كان كاليان ينظر إليّ هكذا؟ لماذا توترت أطراف أصابعي عند سماع كلماته؟ لا، كان هذا مجرد ارتياح لأن ليلة نومنا المتأخرة ستأتي أخيرًا وآمل أن تقرّبني خطوة من الحمل بداميان. قلتُ بحزمٍ، متجنبةً عيني كاليان. “حتى تلك الليلة، سنستخدم غرفًا منفصلة.” لقد هزّ كاليان كتفيه فقط كما لو أن الأمر لا يهم. “كما تريدين.” اقتربت مني الخادمة المخصصة لي بحذر. “سيدتي، هل يمكنني أن أرشدكِ إلى غرفتكِ؟” “نعم.” غادرتُ على الفور، وكنتُ سعيدةً تقريبًا.
جلس كاليان على مكتبه، ونظر إلى النافذة. فكر: “كان الأمر تمامًا كما في حلمي، هذا المكتب ةمنظر البحر الأمواج البيضاء المتكسرة. الفرق الوحيد أنها لم تعد تبتسم والطفل الصغير الذي كان بجانبها في الحلم كان مفقودًا. من كان ذلك الطفل؟ هل كنتُ آخذ حلمًا بسيطًا على محمل الجد؟ لم يكن الأمر منطقيًا، لم تزر جوليانا ڤيلا دالوت من قبل. وحتى أنا لم أزرها إلّا مرة واحدة برفقة والدي عندما كنتُ طفلًا صغيرًا. فلماذا كان الحلم واضحًا للغاية، وكأنه كان بالأمس؟” كان كاليان لا يزال غارقًا في أفكاره عندما سمع طرقًا على الباب. “صاحب السمو. لقد وصل السير هايلاند.” “أدخله.” كان فيليكس هايلاند، قد جاء لاستقبال كاليان بعد أن سمع أنه في دالوت. عندما دخل فيليكس قدّم لكاليان تحية مُهذبة. أمره كاليان بالجلوس. “كنتِ أتمنى أن أسمع الوضع في الجنوب مباشرة. تفضل بالجلوس.” كان فيليكس رجلًا عجوزًا أكثر نفوذًا بين أتباع فالدوميرو، كان يتحدث كثيرًا باسم اللوردات التابعين، لذا كانت آراؤه محل نظر لدى كاليان. وبمجرد أن جلس، ابتسم فيليكس بشكل ودي. “الجنوب دافئ كعادته، والتجارة لا تزال نشطة. باستثناء ما ورد في التقرير الأخير لا يوجد أي شيء غير عادي.” أصبح تعبير كاليان حادًا بعض الشيء. “لم تأتِ كل هذه المسافة من أجل المجاملات فقط.” ابتسم فيليكس على حين غرّة. “صاحب السمو. كما هو متوقع حاد كالعادة. جئتُ لأُقدّم بعض النصائح الحذرة.” “نصائح؟” رفع كاليان حاجبه. تردّد فيليكس بسبب وطأة هالة كاليان، ثم تحدّث بحذر. “منذ إبادة عائلة شولتز، كان هناك الكثير من الحديث بين البيوت التابعة.” عبس كاليان. “سرّب الخونة أسرارًا إلى سيلفرستيل وخانوا فالدوميرو. أنزلتُ بهم العقاب الذي يستحقوه. لماذا يفترض أن يكون هذا سببًا للقيل والقال؟” “بالطبع، كانوا مخطئين. لكن عائلة شولتز خدمت فالدوميرو بإخلاص لأكثر من 500 عام. يعتقد الكثيرون أنه ما كان ينبغي اتخاذ هذا القرار دون اجتماع.” أطلق كاليان ضحكة فارغة. ومع ذلك، واصل فيليكس الضغط. “يقول البعض أن سموكَ تأثرتَ بابنة هيستر وأهملتَ أتباعكَ.” ضرب كاليان بيده على ذراع الأريكة. “انتبه لكلامكَ. إنها سيدة فالدوميرو ولیست ابنة هيستر.” لم يتراجع فيليكس. “إنه زواج شكلي، أليس كذلك؟ لا أحد يعلم متى سيُنتَهك العقد مع هيستر.” فكر كاليان: “كان هذا صحيحًا، كان الزواج عقدًا رمزيًا والحرب مع هيستر قد تندلع مجددًا في أي وقت. وإن حدث ذلك، فلن تكون جوليانا سوى رهينة. ربما أرسلها هيستر، متوقعًا أنها ستكون عديمة الفائدة.” قبض كاليان قبضتيه عند هذه الفكرة. “يبدو أنكَ تريد أن يحدث ذلك..” خفض فيليكس رأسه قليلًا. “كل ما أُعنيه هو أنه يجب علينا الاستعداد لأي احتمال. ما لم تُرزق سموكَ بطفل، ستكون العلاقة بين البيتين كشمعة في مهب الريح.” لقد تحدّث فيليكس وكأنه متأكد من أن ولادة طفل كاليان وجوليانا لن يحدث أبدًا. “سموكَ، ثم سأغادر….” انحنى فيليكس بأدب مرة أخرى وغادر. ظل كاليان جالسًا متجمدًا لفترةٍ طويلة بعد إغلاق الباب. “طفلنا أنا وجوليانا؟ طفل…؟ لم أتخيّل مثل هذا الشيء أبدًا. فلماذا… كان قلبي ينبض بشدة الآن؟”
♣ ملاحظة المترجمة: هل لاحظتم ذلك؟ أول خائن لفالدوميرو كان شولتز، والآن الخائن الثاني هايلاند… وكلاهما جواسيس لبافيلروف. وبالطبع هيستر أيضًا. والد جوليانا لو كان يعلم أن جوليانا تملك قدرة النار لقتلها. الوحيدة التي تملك قدرة النار في هيستر هي جوليانا، حتى والدها وأخوها الوريث لا يملكان القدرة. الأشخاص ذوي الوجوه العديدة بغيضين
التعليقات لهذا الفصل " 64"