كان كاليان ينظر إليّ بعينيه الغائمتين ويتنفس بصعوبة.
“لقد أردتِ هذا أيضًا، أليس كذلك؟”
استيقظ عقلي على الفور. إذا كان بإمكان كاليان أن يقول شيئًا كهذا، فهذا يعني أنه تذكر اتفاقنا.
“هل كنتَ في كامل قواكَ العقلية طوال هذا الوقت؟”
سألتُه.
“إلى حدٍ ما…”
اعترف كاليان.
ثم، كما لو أن موجة حادة من الألم ضربت كاليان، أمسك وجهه بيد واحدة وتنفس بصعوبةٍ. وبدون وعي امتدّت يد كاليان المرتعشة نحوي.
عندما تراجعتُ سحب كاليان يده بعيدًا وهمس.
“لذا… أنتِ لا تريدين النوم معي بعد الآن؟”
لقد بدا كاليان وكأنه مجروح، فأجبتُ في حيرة.
“قلتُ لكَ. لا ننام معًا إلّا في الليالي المُتفق عليها. هذا كان اتفاقنا.”
“هل هذا… مهم حقًا؟”
سأل كاليان، بصوتٍ يبدو وكأنه من الصعب عليه البقاء واعيًا.
“بالنسبة لي.”
قلتُ بحزم. وعند إجابتي الحاسمة، خرجت ضحكة مريرة من شفتي كاليان.
“لقد اتخذتِ ذلك بسهولة.”
عبستُ، ولم أفهم. لقد نظر إليّ كاليان بعيونٍ غائمة.
“القدرة على اتخاذ القرار عندما تريدين ذلك بالضبط.”
ثم، أدار كاليان وجهه كما لو كان يُخفي شيئًا ما، وأطلق تنهدًا ثقيلًا.
“وفي الوقت نفسه، رجل مثلي… قد يُصاب بالجنون بمجرد التفكير فيكِ.”
كانت يدا كاليان، التي تُمسك بملاءات السرير، ترتجفان بشدة. ارتفع صدره وانخفض بشكل حاد من التوتر والألم.
لم أتمكن من فهم ما كان كاليان يقوله أو لماذا كان يعاني كثيرًا.
“أعتقد أنه يجب عليكَ رؤية الطبيب أولاً.”
قلتُ بحذرٍ.
أطلق كاليان ضحكة فارغة ساخرًا من نفسه.
“ربما تكونين الزوجة الوحيدة التي تحاول طرد زوجها من غرفة الزوجية.”
التزمتُ الصمت، لم أنكر الأمر. كنتُ أشعر بعدم الارتياح مع كاليان هكذا، وكان واضحًا ذلك.
تجنبتُ نظرات كاليان، ونظرتُ بعيدًا، لكن كاليان همس بهدوء.
“لقد قلتِ ذلك بنفسكِ، أنتِ لم تعودي تُحبّيني بعد الآن… هل هذا صحيح حتى الآن؟”
التفتُّ إليه بدهشة. وجه كاليان المتعرّق والمتألم بدا وكأنه على وشك البكاء. لم أتمكن من تخمين سبب سؤاله هذا.
“هل مازلتِ لا تُحبّيني؟”
كان واضحًا أن كاليان كان يُقاوم الألم والرغبة لمجرد سماع إجابتي. ارتعشت عيناي، لكنني سرعان ما أدرتُ ظهري وأجبتُ ببرود.
“أنتَ وأنا لسنا في وضعٍ يسمح لنا بالحديث عن الحب.”
وعند ردّي البارد، سأل كاليان بهدوء.
“لماذا…؟”
كانت نظرات كاليان يائسة، توسّل.
“لماذا لا نستطيع؟”
لقد شعرتُ بالقلق.
“لماذا…؟”
ولم أكن أعرف حتى من أين أبدأ الشرح. ألم نتصادم بما فيه الكفاية، ونؤذي بعضنا البعض بما فيه الكفاية بالفعل؟ ما هو الشرح الإضافي المطلوب؟ بدا أن كاليان قد فهم صمتي.
ابتسم كاليان بمرارةٍ وقال.
“ألَا يقع الزوجان في الحب متأخرًا؟ حتى لو تزوجا دون حب، إذا عاشا معًا مدة كافية…”
ما الذي كان يتحدث عنه؟ بالتأكيد، قد يحدث هذا في العلاقات الطبيعية. لكن حالتنا كانت بعيدة كل البعد عن العلاقة الطبيعية، لقد قتل والدي والدته. لقد مات طفلنا بينما كان هو واقفًا ولم يفعل شيئًا. لقد احتقرني، وكنتُ أكرهه. ما الذي يمكن أن ينمو في تربةٍ مثل هذه؟ الحب؟ مجرد كذبة جميلة لمَن لم يروا الجحيم قط. الزهور لا تنمو على أرض ميتة، وإذا حدث ذلك، فإنها ستكون شيئًا أكثر قتامة وأكثر فظاعة من اليأس أو الاستياء…
“أنا أكرهكَ، كاليان.”
لقد كان الأمر كما لو أن لعنة محفورة في روحي. بغض النظر عن عدد المرات التي إنحدرتُ فيها، فإن هذا الجرح لن يلتئم أبدًا. التقت عيناي الخالية من الحياة بعيني كاليان.
لقد تيبّس كاليان عندما رأى الفراغ في عينيّ.
عضّ كاليان شفتيه حتى تشققت وعبس.
“أنا أيضًا لا أزال أكرهكِ، جوليانا.”
التقت أعيننا، ليس حبًا، وليس عاطفةً، ولكن بشيء أكثر قتامة. شيء ثقيل جدًا لدرجة أنه يسرق الأنفاس ويجعل العالم يتحوّل إلى اللون الأسود. نار سوداء ليس لها لون على الإطلاق…
لم أشعر بأي شيء، لكن كاليان بدا وكأنه يختنق تحت وطأة ذلك.
“اللعنة! ولكن… أكثر من ذلك، أنا أرغبُ بشدةٍ في التعرّف عليكِ.”
أنفاس كاليان الخشنة أغلقت المسافة بيننا حتى كادت شفتينا أن تتلامسا. لقد نظرتُ إليه فقط بدون تعبير، لكن نظراته كانت أكثر سخونة.
تمتم كاليان في نفسه: “لقد كنتُ فضوليًا. كانت جوليانا أمامي مختلفة جدًا عن تلك التي في ذهني. أريد أن أعرف ما إذا كانت النسخة التي في ذهني، المُحبّة، المشرقة، المخلصة هل هي مجرد وهم، أو إذا كان هناك جانب آخر لها لم أره بعد. أريد أن اهدم جدرانها وأرى كل ما كانت تُخفيه. أريد أن أستحوذ على شعرها، عرقها، روحها، قلبها، باعتبارها مُلكي…”
أصبحت شفتينا الآن متقاربة جدًا. كانت أنفاسنا غير المنتظمة تلامس بشرة بعضنا البعض. غرقت عينا كاليان برغبةٍ شديدة، وعندما تحرّك ليأخذ شفتيّ تجمّد كتفيه فجأة.
تمتم كاليان في نفسه: “لم تظهر عيناها القرمزية الزاهية، التي كانت تحترق مثل النار، أي مشاعر. لم تكن النظرة المليئة بالعشق والحب من رؤيته موجودة. الصوت الدافئ، الحلو، والابتسامة المشرقة، اختفى كل ذلك. أدركتُ ذلك الأمر، وكان بمثابة ضربة قوية، مما أدى إلى تنقية ذهني من الغيوم…”
مع نظرةٍ ساخرة من نفسه، وقف كاليان.
“آسف…”
ثم، وكأنه يهرب، غادر كاليان الغرفة.
أُغلق الباب. تُركتُ وحدي، حدّقتُ في السقف بنظرةٍ فارغة.
لماذا… لماذا غادر للتو؟ في حياتي الماضية، خلال ليلة الظلال، كان يعاني من أعراض مشابهة، لكنه لم يتردّد في أخذي. لكن الآن… شعرتُ وكأن كاليان توقف لأنه علم أنني لا أريده. كاليان الرجل البارد والأناني، الرجل الذي لم يحتاج إلى الحب لينام معي… أنا لم أرغب في أن أكون معه خارج الليالي المتفق عليها بيننا، لكن رد فعله لا يزال يقلقني.
[أرغب بشدةٍ في التعرّف عليكِ.]
وجه كاليان المتألم وذلك الهمس اليائس يتردّد صداه في ذهني. لن يتركني. غطيتُ عينيّ بذراعي، وفكرتُ ربما كان الأمر سيكون أسهل لو أخذني كما فعل في حياتي الماضية…
التعليقات لهذا الفصل " 60"