كانت قُبلة كاليان الأولى جعلتني أشعر وكأن النار تبتلعني. غمرتني حرارته، فصعب عليّ التنفس. خنقتني قُبلة كاليان تمامًا، فكادت أنفاسه المرتعشة أن تخنقني وبالكاد استطعتُ التقاط الهواء. أظهر عبوسه وجسده المرتجف أنه لم يكن يبدو على ما يرام. حتى عندما حاولتُ دفع كاليان بعيدًا عني بسبب القلق عليه، تشبَّث بي بشكل أعمى، يائسًا كأنه يُحاول البقاء على قيد الحياة. لقد كان مختلفًا تمامًا عن شخصيته، مذعورًا ومتعجًلًا، مما جعلني أشعر بالأسف عليه قليلًا. لا… ربما، لأنها كانت المرة الأولى التي يُظهر فيها كاليان هذا القدر من الشغف بي، كنتُ سعيدة حقًا. ربما حتى تجرأتُ على الأمل. في تلك الليلة، حيث لم يكن هناك قمر، فقط ظلام دامس، شعرتُ وكأنني حصلتُ على لمحة من جانبه الذي أبقاه مخفيًا. رغم أن كاليان في اليوم التالي عاد إلى سلوكه البارد المعتاد وسحقني مرة أخرى…
هززتُ رأسي لمسح الذكريات. لن يكون يوم الظلال هذا العام مثل الماضي. لقد تأكدتُ من ذلك الآن، عندما نظرتُ إلى كيت، التي كانت تختار الأقنعة بسعادة.
في مرحلة ما التقطتُ قناعًا أسودًا مزينًا بلمساتٍ حمراء.
“أعتقد أن هذا يبدو الأفضل!”
نعم، لقد تغيّر الكثير منذ تلك الليلة…
لقد جاء يوم مهرجان الظلال. كان يُقام مرة واحدة في السنة، في الليلة التي يختفي فيها القمر في الظلام. في هذا اليوم، تمَّ فتح حدائق وساحة قصر عقار فالدوميرو الأمامية للجمهور. لكن الاحتفال الرئيسي كان يُقام في شوارع مدن وقرى الإقليم خارج قصر العقار. كان الناس يرتدون الأقنعة ويستمتعون باحتفالاتٍ صاخبة.
نظرت كيت التي كانت ترتدي قناع اليقطين اللطيف الذي يطابق شعرها البني من النافذة مع القليل من الندم.
“يا للأسف. أُراهن أن المدينة تعجُّ بالحياة الآن.”
ثم التفتت كيت إليّ بوجهٍ غاضب.
“إن الاعتقاد بأنني الوحيدة التي تحظى بفرصة رؤيتكِ بهذا الجمال….. يعد خسارة للبشرية!”
تقليديًا، كان الناس يرتدون الأسود في يوم الظلال. كنتُ أرتدي فستانًا أسودًا اختارته كيت لي. على عكس الفستان الأسود البسيط الذي ارتديتُه سابقًا، كان هذا الفستان يتميز بلمسات حمراء جذابة تناسبت مع لون عينيّ. كان مذهلًا. ارتديتُ أيضًا قناعًا أسودًا مزينًا بالورود الحمراء لتتناسب معه.
عند النظر من النافذة، أشعر بطاقة احتفالات الإقليم تصل إلى قصر العقار. ومضت الأضواء الساطعة، وامتلأ الهواء بأصوات الفرح والضحك. في العادة، كانت كيت ستنضم إلى الخادمات الأخريات وتخرج للاستمتاع بالمهرجان، ولكن اليوم وقفت كيت فقط بجوار النافذة، محاولةً ألّا تبدو وكأنها تشعر بخيبة أمل كبيرة.
سألتُ كيت عرضًا.
“هل ترغبين في الخروج ورؤية المدينة؟”
قفزت كيت متفاجئة ولوّحت بيديها بسرعة.
“لا! أحتاج أن أبقى بجانبكِ يا سيدتي. ومشاهدة أقنعة الناس من الحديقة ممتع جدًا أيضًا!”
لم تتمكن كيت من الكذب، وتعرقها توترًا جعلني أضحك.
كانت أبواب قصر العقار مفتوحة اليوم. لم يكن هناك ما يمنعنا من الخروج قليلاً لاستكشاف المدينة. لم أفكر مطلقًا في مغادرة القصر من قبل، كنتُ دائمًا أبقى محبوسةً في غرفتي. ولكن الآن لم يعد هناك سبب للبقاء مختبئةً بعد الآن. لا أزال بحاجة إلى إذن كاليان، رسميًا على الأقل، لكنني لا أعتقد أنه سيرفض.
مع هذه الفكرة، وقفتُ ببطء.
“انتظري هنا قليلًا.”
أضاء وجه كيت على الفور.
تركتُ كيت متحمسةً بشكل واضح وتوجّهتُ إلى مكتب كاليان.
كما كان من قبل في حياتي الماضية، بدا كاليان وكأنه لا يزال يعمل حتى في يوم المهرجان. طرقتُ على الباب، فأجابني صوته المألوف.
“لقد طلبتُ منكَ أن تأخذ يوم إجازة، إنه يوم عطلة.”
لابد أن كاليان ظن أنني كبير الخدم.
تردّدتُ قليلًا قبل أن أقول بهدوء.
“إنها أنا.”
كان هناك صمت قصير، ثم جاء صوت كاليان مرة أخرى.
“ادخلي.”
وبمجرد أن حصلتُ على إذنه، فتحتُ الباب ودخلتُ. كما هو الحال دائمًا، كان كاليان جالسًا على مكتبه. لكن على عكس المعتاد، بدا متعبًا جدًا. عندما لاحظ وجودي، رفع كاليان رأسه ببطء. عندما التقت أعيننا، نظر إليّ كاليان مذهولًا.
عندما كنتُ على وشك أن أسأله لماذا ينظر إليّ بهذه الطريقة، نظر كاليان بعيدًا وهمس.
“الفستان يناسبكِ.”
“أوه…”
حينها نظرتُ إلى ملابسي مرة أخرى. لقد قامت كيت بعمل عظيم حقًا في تجهيزي. بالطبع، في حشد من الناس يرتدون ملابس سوداء، ربما سأختفي بينهم.
“شكرًا لكَ.”
أجبتُ بأدبٍ، فقط لأكون مهذبةً.
حوّل كاليان نظره وسأل.
“ما الذي أتى بكِ إلى هنا؟”
لقد جئتُ لأُخبر كاليان أنني أريد الخروج، ولكن فجأة لاحظتُ كيف بدا شاحبًا.
“هل تشعر بتوعك؟”
عندما سألتُ كاليان، ارتجف ونظر بعيدًا.
“لا شيء. لا تقلقي بشأن ذلك.”
ومع ذلك، كان شعر كاليان غارق في العرق. هل يمكن أن يكون… مثل ذلك الوقت في حياتي الماضية عندما لم يكن يشعر بأنه على ما يرام؟ لم يبدو الآن في حالة ذهول كما كان في ذلك الوقت، بدا عقله صافياً. وبالإضافة إلى ذلك، لم يكن من حقي أن أشعر بالقلق بشأن صحته.
“كنتُ أُفكر في الخروج مع كيت إلى المدينة لفترة قصيرة.”
“الخروج…؟”
“إنه المهرجان. أردتُ فقط رؤية الشوارع قليلاً.”
تردّد كاليان قليلاً ثم أجاب على مضضٍ.
“تفضّلي…”
الآن، بدا كاليان أكثر شحوبًا من ذي قبل.
“شكرًا لكَ…”
أجبتُ، ثم التفتُّ للمغادرة. ظل وجه كاليان الشاحب عالقًا في ذهني، لكنني أجبرتُ نفسي على عدم القلق. في حياتي الماضية بنفس التوقيت أيضًا، كان كاليان يبدو مريضًا لكنه أصبح بخير تمامًا في اليوم التالي. لذا فمن المحتمل أن تكون هذه المرة نفس الشيء. وحتى لو كان كاليان مريضًا، فأنا لم أكن طبيبةً. إذا ساءت حالته، فسوف يستدعي طبيبه.
في مكتبه، كان كاليان يميل إلى الأمام ورأسه بين يديه، ويتنفس بصعوبة. أمسك بيد المرتعشة زجاجة من الحبوب. كان دواء الصداع الذي وصفه طبيب فالدوميرو. كان كاليان يُعاني من صداع شديد في كثير من الأحيان، ولكن اليوم كان أسوأ من المعتاد.
تمتم كاليان في نفسه: “أشعر الآن وكأن رأسي يتعرّض للسحق، وكأن شخصًا ما يضغط على دماغي. بسبب الألم، أو ربما الدواء، أصبحت أفكاري مشوشة. أسمع وأرى أشياء…”
[أنا أُحبُّكَ، كاليان…]
تمتم كاليان في نفسه: “وكان هناك مرة أخرى. هذا الصوت الدافئ والحنون لجوليانا من أحلامي. صوتها مليئ بالحب، صوت لم أسمعه أبدًا من جوليانا الحقيقية.”
هزّ كاليان رأسه بقوة، لكنه الآن رأى جوليانا مرة أخرى مستلقيةً على الأريكة، تنظر إليه بعيونٍ مُحبّة.
تمتم كاليان في نفسه: “كانت تبتسم بمرحٍ، وهو شيء لم أره من قبل.”
[أُحبُّكَ…]
كان صوت جوليانا الدافئ يبدو وكأنه قادر على إذابة أذني كاليان. مدّ كاليان يده نحوها دون وعي.
“جوليانا…”
ولكن يد كاليان لم تلتقي إلّا بالهواء. تأوه وعبس.
“ما هذا؟ هلوسة؟ حلم؟”
ثم ضربت كاليان موجة حادة من الألم.
“آه…!”
أمسك كاليان رأسه بكلتا يديه وأخذ يتنفس بصعوبة.
“آه…! آه…!”
كان ذهن كاليان يتلاشى ورؤيته أصبحت ضبابية. كان من الصعب عليه التفكير بشكلٍ سليم. ولكن حتى في وعيه الضبابي، أصبح لديه شيء واحد واضحًا بشكلٍ مؤلم، عطش عميق وقلق شديد.
“إذا لم أرى جوليانا الآن، أشعر وكأنني قد أموت. جوليانا…”
كان اسمها هو الشيء الوحيد الذي لا يزال بإمكان كاليان التمسك به.
“كان عليّ أن أراها. كان لابد أن تكون بجانبي. لا يمكن لهذا الجنون والقلق أن يهدأ إلّا إذا احتضنتها بين ذراعيّ. آه…!”
بمجرد تفكير كاليان في أن جوليانا لم تكن معه جعل دمه يغلي من الذعر. لقد شعر وكأن أحدهم يخنقه.
“آه! آه! آه! ها…!”
مع تعبيرٍ مذهول، أمسك كاليان بالمكتب ليقف. وبينما كان يتعثّر، سقط كل شيء على المكتب على الأرض…
♣ ملاحظة المترجمة: حسنًا، هنا كاليان تعود إليه ذكرياته المفقودة! أرى أن دماغه متضرّر بالفعل…
عزيزي كاليان، أنتَ في حالتكَ الطبيعية تملك نصف عقل! ولهذا أنا أخشى عندما تعود ذكرياتكَ سوف تفقد نصف العقل هذا، وجميعنا نعلم ماذا سيحدث…
التعليقات لهذا الفصل " 58"