“هل تُريد مني أن أفهم ليلى، التي أوقعَت بي في الفخ وآذت نفسها فقط لتتسبّب في طردي؟”
قبل لحظة فقط، لم أشعر بالكثير بشأن هذا الوضع، لكن الآن أشعر بالإنزعاج الشديد. سواء كان كاليان يدعم ليلى أو يطردها، فهذا لم يهم بالنسبة لي. لكن أن يطلب مني أن أفهمها؟ هذا شيء لم أستطع تقبّله. ماذا يريد كاليان مني؟ “آه، ربما…” هل يُريد مني كاليان أن أُسامحها، بما أنها على الأرجح في منزل عائلتها، حيث يتم تأديبها؟ خرجت ضحكة فارغة من شفتي. “لا يهمني إن كنت تثق بليلى أم لا. لكن…” نظرتُ مباشرةً إلى عينيّ كاليان وتابعتُ. “لا تُجبرني على فهمها أو مسامحتها. هذا طلب سخيف.” العداء البارد في عيوني جعل تعبير كاليان متيبسًا. “أنا لا أقول إن ليلى لم ترتكب أي خطأ. أنا فقط أقول إذا كنتِ ترغبين في الانضمام إلى عائلة فالدوميرو، فعليكِ أن تحاولي فهم وجهة نظرهم أيضًا.” أطلقتُ ضحكة مريرة. “ثم ماذا عن وجهة نظري؟” عندما سألتُه، غير قادر على إخفاء إحباطه أطلق كاليان تنهيدة خفيفة. “ألم تقولي أنكِ تريدين أن يتمّ التعرّف عليكِ باعتباركِ سيدة فالدوميرو؟” لقد فعلتُ ذلك. ولكن فقط لأنني أردتُ کشف هوية من يقف وراء مقتل طفلي داميان. أثناء النظر إلى تعبيري البارد، مرّر كاليان یده خلال شعره وتنهد. “لقد قصدتُ فقط أنه لكي تكوني سيدة فالدوميرو، عليكِ أن تحتضني شعب فالدوميرو أيضًا.” لقد قال كاليان ذلك وكأن هذه نصيحة حكيمة، وكان لديه تعبيرًا جادًا. ولكن بالنسبة لي، لم يكن فالدوميرو أكثر من مجرد حجر عثرة للوصول إلى طفلي داميان. لا أكثر ولا أقل… “سأضع هذه النصيحة في الاعتبار.” أجبتُ بهدوء عمدا وأعطيتُ كاليان ابتسامة مهذبة. وبعد ذلك، أظهرتُ أنني لم أعد أملك ما أقوله أو أسمعه، فنهضتُ. “إذا لم يكن هناك شيء آخر، سأغادر الآن.”
بعد أن غادرت جوليانا، مرّر كاليان يده على وجهه في إحباط. تمتم كاليان في نفسه: “هذا لم يكن ما كنتُ أقصد فعله… لقد أردتُ فقط أن أعتذر عن الشك فيها. كنتُ آمل فقط أن تتمكن من التعايش مع شعبي. حتى لو لم تكن ليلى، فإن العديد من الناس كانوا ينظرون إليها بازدراء لمجرد أنها كانت ابنة هيستر. لكن كلماتي جعلت جوليانا تبدو أكثر برودة وأكثر بعدًا. وكأنها لم ترغب بالتحدّث معي مرة أخرى.” تذكر كاليان نظرات جوليانا الباردة الساخرة، فقام بمسح شعره للخلف بخشونة مع تنهدٍ ثقيل.
اليوم كان من المُقرّر أن ألتقي فيه برئيس شركة باس التجارية. عادةً، كنا نتبادل الرسائل بشأن العمل، ولكن اليوم كان لدي شيء لأناقشه شخصيًا. عندما دخلتُ المبنى، كان أحد الموظفين ينتظرني بالفعل وقادني إلى الغرفة. “لقد كنتُ أنتظركِ سيدتي.” استقبلني باس دونالدو بحرارة. أومأتُ برأسي إيماءة خفيفة ردًا على ذلك. “لقد مرّ وقت طويل منذ أن التقينا شخصيًا. لقد صُدمتُ كثيرًا عندما اختفيتِ مؤخرًا.” لقد بدا وكأنه يحاول تشتيت انتباهي بحديث قصير، لذا قاطعته بشكلٍ حاد. “دعنا نصل إلى النقطة.” أطلق باس ضحكة خجولة ومسح بعض العرق من على جبينه. ثم أخيرًا طرح الموضوع الحقيقي. “يتعلق الأمر بلحاء صنوبر فيندل، ارتفع سعره كثيرًا. أعتقد أن الوقت قد حان لبيعه.” كان يقصد لحاء الصنوبر الذي اشتريناه من منطقة هيلويكا، حيث يقع دار الأيتام. لقد ارتفع السعر بالفعل قليلاً، ولكن بمجرد أن بدأت العائلة الإمبراطورية في السيطرة على منطقة فيندل، فإن السعر سوف يرتفع بشكل كبير. “ليس بعد.” رفضتُ اقتراحه بشدة، وأمسك باس رأسه في إحباط. “لا أفهم ما تقصديه. بصراحة، عندما طلبتِ منا شراء ما هو في الواقع رديء، لم أفهم ذلك.” تناول باس رشفة طويلة من الشاي، وبدا عليه التوتر. “أعني، صحيح أن سعره تضاعف، لكنه مجرد لحاء صنوبر. كم سيبلغ ثمنه؟ أعتقد أننا وصلنا إلى الذروة الآن.” لقد حاول باس إقناعي، لكنني فقط حدّقتُ فيه بصمتٍ. ولم يكن مخطئًا تمامًا. في تلك اللحظة، كان لحاء صنوبر فيندل عديم القيمة تقريبًا، وكان يستخدمه الفقراء بشكل أساسي لصنع الشاي. ولكن سرعان ما سيتمُّ التعرف على قيمته الطبية، وخاصة في علاج مرض نادر شائع بين النبلاء. العائلة الإمبراطورية ستروّج له بشدة، وبمجرد سيطرتها على منطقة فيندل، لن يتمكن أحد من الحصول عليه. الآن، تضاعف السعر. لكن لو انتظرنا، لكان قد ارتفع عشرين، وربما خمسين مرة. أخرجتُ حقيبة بها كل الأموال التي تلقيتها كمصروف لي وسلّمتها لباس. “استخدم هذا لشراء كل لحاء الصنوبر الذي يمكنكَ الحصول عليه.” “هاه؟ أتريديني أن أشتري المزيد بهذا السعر المرتفع أصلًا؟” “نعم.” “أليست هذه خسارة؟ ربما علينا الانتظار حتى ينخفض السعر قليلًا…” “نحن بحاجة إلى شرائه الآن.” لأن السعر سوف يستمر في الارتفاع من هنا. وبناءً على نبرتي الحازمة، تنهّد باس هزيمة وأخذ حقيبة المال. “حسنًا. إذا كان هذا ما تريديه، فسأتبعكِ.” وبينما كنتُ أشاهده وهو يضع الحقيبة في معطفه، ابتسمتُ. قريبًا، سوف أكون أنا والشركة التجارية باس نسبح في الأرباح. بالطبع، كنتُ أُخطط للتبرّع بجزء من الأرباح إلى دار أيتام هيلويكا التي زوّدتني باللحاء. وسيبقى لدي ما يكفي من المال. “أنتَ تدفع لهيلويكا بشكل عادل أليس كذلك؟” “نعم بالطبع.” ورغم أن سعر الشراء كان لا يزال منخفضًا، إلّا أنه كان بالفعل مصدر دخل عظيم للفقراء هناك. بالنسبة لهم، لم يكن خشب الصنوبر صالحًا للبناء، بل كان عديم الفائدة. بحلول الوقت الذي تنتهي فيه العائلة الإمبراطورية من احتكار المنطقة، فإنها لن تكون قادرة على الحصول على أي قيمة حقيقية منه. لذا، فإن شراء أكبر قدر ممكن الآن كان هو الأفضل لكلا الجانبين. وستكون الأرباح من هذا بمثابة الأساس للمستقبل الذي خططتُ لبنائه مع طفلي داميان. “حسنًا، سأعتمد عليكَ.” وقفتُ مبتسمةً بعد أن أنهيتُ المناقشة. “نعم سيدتي.” بينما كنتُ أسير نحو الباب، خطرت في بالي فكرة، ثم التفتُّ. أومأ باس، متسائلاً عما إذا كان لدي المزيد من التعليمات. ثم ابتسمتُ وقلتُ. “ينبغي عليكَ أن تحاول غليه وشرب البعض منه أيضًا.” سوف يحتاج باس إلى البقاء بصحة جيدة إذا أراد الاستمرار في إدارة الأعمال عندما تنفجر الأمور. “هاه؟ حسنًا، سأفعل.” بدا باس مرتبكًا لكنه أومأ برأسه. لقد أعطيته ابتسامة أخيرة قبل أن أخرج.
عندما عدتُ إلى قصر عقار فالدوميرو، التقيتُ بكاليان كما لو كان ينتظرني. “أين كنتِ؟” لقد بدا كاليان قلقًا، مما جعلني أتنهد منزعجةً. لم أكن أرغب في إخفاء انزعاجي، فأجبتُ. “ذهبتُ لرؤية شركة باس التجارية بشأن ميزانية الشهر المقبل.” “أرى…” حتى بعد أن سلّمتُ معطفي إلى كيت، ظل كاليان يحوم بتوتر. عبستُ ونظرتُ إليه. “هل لديكَ شيئًا لتقوله؟” قام كاليان بتصفية حلقه بشكل محرج وقال. “كنتُ أتساءل عما إذا كان بإمكاننا تناول العشاء معًا… لقد مرّ وقت طويل.” عبستُ، ولكن بعد ذلك تذكرتُ، لم يتبقّ الكثير لليلة النوم التي سأقضيها مع كاليان. لم أستطع أن أنسى هدفي هنا. “على ما يرام.”
وبعد ذلك جلسنا لتناول العشاء. ملأ الصمت المحرج المائدة. بعد فترة صمت طويلة، طرح كاليان فجأة موضوعًا غير متوقع. “أنتِ تعلمين… أن والدتي توفيت، أليس كذلك؟” كلمات كاليان المفاجئة جعلت كتفيّ متوترًا. لم يتحدث كاليان عن والدته من قبل قط، ولا حتى مرة واحدة. حدّقتُ بكاليان مندهشةً. بعد صمت طويل فتح كاليان فمه ببطء مرةً أخرى. “لقد ماتت عندما كنتُ في الثامنة من عمري… وهي تحاول حمايتي.” لقد عرفتُ أن كاليان فقد والدته عندما كان صغيراً، لكنني لم أدرك أنه فقدها في هذا العمر الصغير. نظرتُ إلى كاليان في ذهول، لكنه استمرّ بمرارة. “لقد قُتلت على يد قاتل… أرسله هيستر.”
التعليقات لهذا الفصل " 56"