ابتسامة لويد جعلتني أتجمّد في مكاني. عندما رآني لويد بهذه الحالة، ابتسم ببراءة وكأن شيئًا لم يحدث.
“لو التقيتُ بكِ قبل فالدوميرو… هل تعتقدين أن الأمور كانت ستكون مختلفة بيننا؟”
آه… إذًا هذا ما يعنيه؟ ولكن مرة أخرى، الطريقة التي كان ينظر إليّ بها في وقتٍ سابق، شعرتُ تمامًا إنه كما اعتاد أن ينظر إليّ في حياتنا الماضية.
“جوليانا، طعامكِ أصبح باردًا.”
أخرجني صوت لويد اللطيف من أفكاري.
ما زلتُ متشككةً، فنظرتُ إلى لويد. لكن كل ما منحني إياه هو ابتسامته الدافئة المعتادة.
“أنتِ لا تُخططين لإهدار الوجبة التي عملت مارشا بجدٍ في طهيها، أليس كذلك؟”
لقد بدا لويد وكأنه يحاول تخفيف المزاج بابتسامة.
مثير للشكوك… وبينما كنتُ على وشك أن أسأل مرة أخرى دخلت مارشا غرفة الطعام.
“اللورد لويد.”
كانت نبرة مارشا مُلحّة، كما لو أن أمرًا ما قد طرأ.
التفتَ إليّ لويد مبتسمًا ووقف.
“تابعي وأنهي طعامكِ.”
بعد أن غادر لويد ومارشا غرفة الطعام، جلستُ هناك لبعض الوقت، فقط أنظر إلى الباب الذي خرجا منه.
بغضّ النظر عن الكيفية التي نظرتُ بها إلى الأمر، لم أتمكن من التخلص من الشعور بأن لويد كان يُخفي شيئًا ما. وإضافة إلى ذلك، ظل لويد قريبًا مني، تمامًا كما كان عندما كان زوجي في الحياة الماضية…
قال لويد إنه جاء إلى هيلستون للعمل، ولكن… أي عمل كان؟ هل يعمل أصلًا في هذه الڤيلا؟ كان هناك شيء واحد مؤكد، كلما أظهرتُ علامات الرغبة في مغادرة هذا المكان، كان لويد والخادمات يتفاعلون بشكلٍ غريب.
تمامًا مثل اليوم…
“لويد، أعتقد أنني يجب أن أعود.”
منذ أن حلمتُ بطفلي داميان، اتخذتُ قراري. كنتُ على استعداد للمشي نحو الجحيم، وأعلم أنه جحيم، فقط لأراه مرة أخرى. إن الاستسلام الآن، بعد أن تخليتُ عن حياتي الحادية عشرة مع لويد، سيكون مثل البصق على كل حياتي الماضية.
لكن تعبير وجه لويد أصبح ببطء باردًا.
“ماذا تقصدين؟”
وجه لويد يبدو هادئًا كما هو الحال دائمًا ولكنني أستطيع أن أقول ذلك. لقد كان من الواضح أن لويد غير سعيد بما قلتُه.
“أعني ما قلتُه. شكرًا لاستضافتي، لكن عليَّ العودة الآن.”
وعندما استدرتُ للمغادرة، أمسك لويد بمعصمي فجأة. نظرتُ إليه بدهشة، وتغيّر تعبيره البارد ببطء.
“أفهم ما تريدين. لكن ليس اليوم.”
بدا لويد لطيفًا، وكأنه يحاول تهدئتي. نظرتُ إليه بفضولٍ.
“ولم لا؟”
“هناك عاصفة ثلجية قادمة خلال الأيام القليلة القادمة. إذا حاولتِ النزول من الجبل في هذا الطقس، فقد تنقلب العربة.”
لقد كان صوت لويد لطيفًا وهادئًا، كما هو الحال دائمًا، لكنني ما زلتُ لا أثق به.
“لا تقلق، سأكون حذرةً.”
حاولتُ بلطف أن أسحب معصمي بعيدًا، لكن لويد أمسكه بقوة وهزّ رأسه.
“كيف يمكنني أن أسمح لضيفة بالسفر في عاصفة ثلجية دون أن أشعر بالقلق؟”
لقد نظر إليّ لويد بتعبيرٍ متوسّل ومثير للشفقة.
“انتظري حتى تمرُّ العاصفة. هذا كل ما أطلبه.”
لم أستطع أن أقول لا عندما نظر إليّ لويد بهذه الطريقة. ولكن رغم ذلك، كان هناك شيء غريب. لويد من بين كل الناس، أقوى مستخدم لقدرة الجليد في عائلة سيلفرستيل، يقول أنني لا أستطيع المغادرة بسبب عاصفة ثلجية؟
ولكنني لم أستطع أن أطلب من لويد استخدام قدرته فقط لمساعدتي على المغادرة. لذا في النهاية، أومأتُ برأسي على مضضٍ.
ولكن حتى بعد مرور عدة أيام، لم تتوقف العاصفة الثلجية. وبحلول هذا الوقت، أصبح الأمر مثيرًا للشكوك. في كل مرة كنتُ أطرح هذا الموضوع، كان لويد يُقدّم لي نفس العذر.
في النهاية، لم أعد أستطيع أن أتحمّل الأمر أكثر من ذلك، فتسلّلتُ إلى الإسطبلات. كنتُ آمل أن أرشو السائق. كان معظم الخادمات والخدم في ڤيلا سانتبول، بمَن فيهم سائقو العربات من سكان هيلستون المحليين، وليسوا مرتبطين مباشرةً بسيلفرستيل. لذا، أظن أن المال قد يقنعهم.
ولكن عندما وصلتُ إلى الإسطبل تجمّدتُ. العربات التي كانت جيدة عندما وصلتُ لأول مرة أصبحت الآن خالية من العجلات. لم أستطع أن أُصدّق ذلك. إصلاح العربات في هذا الطقس الرهيب؟ ظهر وجه لويد في ذهني. لا يمكن… هل قام بإزالة العجلات عمداً؟
هززتُ رأسي. عندما كان زوجي، كان لويد رجلًا حادًا، لكنه كان أيضًا لطيفًا ومتعاطفًا، كان دائمًا يهتم برفاهتي. لم يكن من النوع الذي يفعل أشياء أنانية كهذه، مثل تعطيل العربات سراً لإبقائي هنا. على الأقل… هذا ما أردتُ أن أُصدّقه. لكن قلبي بدأ ينبض بتوتر.
دخلتُ إلى الإسطبل. إذا لم تكن هناك عربات، اعتقد أنه ربما يمكنني ركوب الخيل. لكن…
“لقد اختفوا…”
لم يكن هناك حصان واحد في الإسطبل. تسارعت نبضات قلبي. لم يكن هناك أي طريقة لجعل الإسطبل فارغًا تمامًا ما لم يأمر لويد بذلك. إذا كان قد فعل هذا حقًا لمجرد القلق عليّ أشعر… كان مبالغًا فيه.
بدون تردّد استدرتُ و خرجتُ مسرعةً من الإسطبل. عدتُ إلى غرفتي، وأخذتُ معي معطفي وأشيائي الثمينة وتسلّلتُ خارج الڤيلا بينما لم تكن الخادمات يراقبن. كانت الخادمات يذهبن غالبًا إلى القرية سيرًا على الأقدام من ڤيلا سانتبول. أظن أنه يمكن الوصول إليها سيرًا على الأقدام. المشكلة الحقيقية كانت الطقس.
ولكنني لم أهتم، كنتُ أريد فقط الابتعاد عن ڤيلا سانتبول. ولسوء الحظ، فإن الثلوج التي تساقطت طوال الليل كانت قد غطت جميع الطرق المؤدية إلى القرية. لم أكن أعلم حتى إن كنتُ أسير في الاتجاه الصحيح. واصلتُ السير في اتجاه نازل بلا هدف. بعد المشي لمدة شعرتُ وكأنها إلى الأبد ولم أتمكن من رؤية أي علامات على القرية، نظرتُ إلى السماء في يأس. وكما قال لويد استمرّت العاصفة الثلجية في الهياج، وكأنها كانت تحاول إيقافي.
ثم هبطت ندفة ثلجية كبيرة على وجهي بسبب الرياح القاطعة. وفجأةً، كما لو كنتُ في رؤيا، تذكرتُ حريق دار أيتام هيلويكا. رأيتُ ندفةً كهذه حينها. لم يكن من المنطقي أن يكون كلاهما مرتبطين، لكن اللحظة كانت أشبه بتجربة ديجافو.
بينما كنتُ واقفةً هناك، أنظر إلى الندف المتساقطة، متجمدةً في مكاني، صوت مألوف جاء.
“أنتِ هنا.”
لقد كان صوتًا لطيفًا وناعمًا. حرّكتُ رأسي ببطء ورأيتُ لويد واقفًا هناك، بنفس الابتسامة الهادئة واللطيفة كما هو الحال دائمًا.
“لقد كنتُ قلقًا عليكِ.”
كل ما كان بإمكاني فعله هو التحديق في لويد بنظرةٍ فارغة.
اقترب لويد مني ووضع معطفه السميك فوقي بلطف.
“الجو بارد، ستصابين بنزلةٍ برد كهذه. لنعد.”
ولم يسألني لويد شيئًا. لقد ابتسم وكأنني خرجتُ للتو في نزهة قصيرة وجاء ليبحث عني. وهذا جعلني أشعر بالقلق. رفعت يده عن كتفيّ. لقد كانت المرة الأولى التي أُعامله فيها بمثل هذا البرودة، وتمكنتُ من رؤية الصدمة في عينيه.
نظرتُ إلى لويد مباشرة في عينيه وفتحتُ فمي وكان صوتي أجشًا.
“دار أيتام هيلويكا.”
نظر إليّ لويد في حيرة.
ولكنني لم أفتقد الوميض في نظرات لويد. لقد ضغطتُ بقوة.
“هل أنتَ مَن ساعدني أثناء الحريق؟”
“عن ماذا تتحدثين؟”
احتفظ لويد بابتسامته وتظاهر بعدم الفهم.
“هذه الثلوج، هل هذا من صنعكَ أيضًا؟”
قلتُ ذلك بثقة، وحاول لويد أن يبتسم مرة أخرى.
“لماذا تقولين هذا الهراء؟ على أي حال، أنتِ تشعرين بالبرد، دعينا نعود.”
تراجعتُ إلى الوراء وقاطعتُه بصوتٍ حاد.
“كيف وجدتَ دار الأيتام؟ حينها، لم تكن تعرفني حتى.”
لقد بقي لويد صامتًا الآن، غير قادر على تغيير الموضوع.
“كنتَ تعرفني حتى في ذلك الوقت.”
عندما قلتُ ذلك بكل ثقة، أطلق لويد أخيرًا تنهيدة طويلة ونظر إلى السماء المليئة بالعاصفة الثلجية.
زفر لويد أنفاسه، كسحب بيضاء حول شفتيه. ثم خفض رأسه ببطء، وبدت عيناه الزرقاوان أعمق وأكثر كثافة من أي وقت مضى.
“نعم…”
لقد كانت نفس النظرة التي تذكرتها من الماضي. لا، ربما أكثر كثافة وتركيزًا مما كان عليه الحال في ذلك الوقت…
“كيف يمكنني أن أنساكِ؟”
عندما سمعتُ ذلك، انخفض قلبي. لم أكن أُريد أن أُصدّق ذلك، لكنه كان صحيحًا.
بدا لويد وكأنه على وشك البكاء وهو يبتسم بمرارة.
“ماضيّ بأكمله… مليئٌ بكِ.”
♣ ملاحظة المترجمة: حسنًا، ما هو نوع الرجل الذي يُلاحق امرأة لا تريده وتزوجت من رجل آخر وتعيش حياتها باختياراتها لمجرد أنه لديه ذكريات سابقة معها؟ الأمر أشبه بزواج سابق انتهى ومضى، العلاقة الصحية بين الزوجين مبنية على الارادة الحرة للطرفين والرغبة المتبادلة بين الزوج والزوجة. خلاف ذلك هو مرض يجب التعافي منه.
على الأقل، كنت أتمنى أن يكون للويد القليل من الاحترام لنفسه، لكن حتى هذا معدوم! تمامًا مثل ليلى
التعليقات لهذا الفصل " 53"