“الفساتين في حقيبتكِ تُغسل. ظننتُ أنكِ قد تحتاجين شيئًا لارتدائه، فأحضرتُ هذا. هل هذا مناسب؟”
عندما نظرتُ إلى الفستان في يدي مارشا، شعرتُ بالذهول للحظة. كان نفس التصميم الذي كنتُ أرتديه أثناء وجودي في هذه الڤيلا. فستان أبيض مُزين بفراء سميك وناعم.
لم يكن أمامي خيار سوى الموافقة. أشرق تعبير مارشا وساعدتني بكل سرور على تغيير ملابسي. في لمح البصر، عدتُ تمامًا كما كنتُ في شهر العسل مع لوید في إنحداري الأخير. خرجتُ من الغرفة بوجه مذهول.
“ما زال هناك وقت قبل الإفطار. هل ترغبين في التنزه في الحديقة؟”
بناءً على اقتراح مارشا اللطيف، أومأتُ برأسي.
ارتديتُ عباءة دافئة بفرو على كتفيّ، ومشيتُ عبر الحديقة المألوفة. في وسط في الشتاء، كنتُ أتمشى هنا كثيرًا مع لويد. في الحديقة، ازدهرت زهرة سانتبول، التي سُميّت تيمنًا بهذه الفيلا. انجذبتُ إليها، فوجدتُ نفسي واقفةً أمام زهرة سانتبول الوحيدة، التي لا تزال جميلة فوق شجرة عارية… زهرة تتفتح وحيدة على فرع قاحل في الشتاء. زهرة تنتظر الربيع، تُزهر بمفردها في البرد. لقد ذكرتني بنفسي بطريقةٍ ما. أعتقد أنني اعتدتُ أن أنظر إلى هذه الزهرة هكذا، غارقةً في التفكير. في كل مرة، كان لويد يأتي ويُمسك يديّ الباردة بلطف.
بينما كنتُ واقفةً هناك غارقةً في الذكريات القديمة ناداني صوت مألوف.
“جوليانا، ماذا تفعلين هنا؟”
وكان لويد.
بدون تفكير، أجبتُ بشكل طبيعي وأنا لا أزال أُحدّق في الزهرة.
“هناك زهرة سانتبول أخرى تُزهر اليوم. انظر إنها جميلة جدًا، أليس كذلك؟”
أجاب لويد بصوت دافئ.
“نعم إنه كذلك.”
واصلتُ التحديق في الزهرة بنظرة فارغة، ولكن بعد ذلك أدركتُ خطئي فجأة وتيبّستُ. لقد تحدثتُ كما لو أنني رأيتُ هذه الحديقة مرات عديدة من قبل، مألوفة للغاية، كما لو كانت من تجربة سابقة. شعرتُ بالقلق، لذا التفتُّ ببطء لألقي نظرة على لويد. لكنه لم يكن ينظر إلى الزهرة، بل كان يبتسم لي ابتسامة مشرقة.
ثم أضاف لويد بهدوء.
“جميلة بما يكفي لتُبهر.”
لقد مرّ يومين منذ اختفاء جوليانا. كان كاليان يتوقع أن تذهب إلى منزل عائلتها، لكنه كان مخطئًا.
“لم تذهب إلى عقار هيستر.”
ذكرت ليلى.
تصلّبت تعابير كاليان.
“أين كان من الممكن أن تذهب لم تذهب إلى هيستر؟ إذًا؟ أي أخبار أخرى؟”
“لقد قمنا بنشر الناس في جميع أنحاء العقار، ولكن لم يشاهدها أحد.”
حقيقة أن جوليانا كانت خارج نطاق الرؤية تمامًا جعلت كاليان يشعر بقلق غريب، فكر: “لقد مرّ يومين فقط، ومع ذلك….”
“هل أرسلنا أحدًا إلى دار أيتام هيلويكا؟”
تمتم كاليان في نفسه: “وبما أنها كانت مهتمة للغاية بالأطفال هناك، فربما كانت ستذهب لزيارتهم.”
“ليس بعد. سأرسل شخصًا فورًا.”
نهض كاليان وهو ينقر بأصابعه على المكتب بقلق.
“لا، سأذهب بنفسي.”
“عفوًا؟”
بدت ليلى مصدومة.
“لا داعي للذهاب شخصيًا. يمكنني إرسال شخص ما فورًا.”
“سأصل إلى هناك أسرع بنفسي.”
تيبّس وجه ليلى بسبب نبرة كاليان الحازمة.
“قد لا تكون هناك حتى.”
“أنا أعرف.”
ارتدى كاليان معطفه. قبضت ليلى قبضتيها بقوة، وكان القلق واضحًا عليها.
“هذا ليس من عاداتكَ يا صاحب الجلالة.”
التفت كاليان ببطء لينظر إليها. وجهه لم يظهر أي انفعال.
لا. وبشكل أكثر دقة، لم تعد ليلى قادرة على قراءة تعابير كاليان كما كانت تفعل في السابق.
“ليس من عاداتي، هاه…”
أجاب كاليان بهدوء وهو يطوي كمّه.
“هذا ما يجب أن أقوله لكِ يا ليلى.”
التقت نظراته الآن بنظراتها مباشرة.
“لو كنتِ كعادتكِ، كنتِ قد أرسلتِ شخصًا إلى دار الأيتام قبل أن أطلب ذلك حتى.”
تردّدت ليلى عاجزة عن الرد.
أمال كاليان رأسه قليلًا.
“هل لا تريدين أن تعود جوليانا؟”
” بالطبع لا. لم أكن أفكر بوضوح.”
احنت ليلى رأسها.
نظر إليها كاليون بهدوء ورتّب ياقته.
“أنتِ مُجرد إنسان. لا يمكنكِ أن تكوني مثاليةً طوال الوقت.”
“أنا آسفة….”
“أتفهم أنه ليس من السهل عليكِ خدمة امرأة من هيستر. لكن زواجنا أنا وجوليانا ليس شيئًا يمكن الاستخفاف به.”
وبهذه الكلمات الحازمة غادر كاليان المكتب دون تردّد.
تجعد وجه ليلى، لم تكن قادرة على فهم أفعال كاليان.
“أنا آسفة، ولكن صاحبة السمو لم تأتِ إلى هنا.”
أجابت مديرة دار أيتام هيلويكا بتعبير مضطرب.
تنهد كاليان وفرك جبهته.
“أرى…”
“هل هناك شيء خاطئ معها، ربما؟”
سألت المديرة بقلق.
هزّ كاليان رأسها.
“لا، لا شيء من هذا القبيل.”
“هذا جيد. مع وقوع حادثة الحريق مؤخرًا، كنتُ قلقةً من أن يكون قد حدث شيء آخر.”
عند هذه الكلمات، تصلّبت تعابير وجه كاليان. فكر: “بعد الحريق حوادث عديدة وقعت. شائعات كاذبة عن تسريب جوليانا أسرارًا لسيلفرستيل، وكلماتي القاسية لأنني صدّقتُ ذلك، ومعاملتي القاسية لها عند دخولها
غرفة والدتي الراحلة…”
غادر كاليان دار الأيتام، ومشى ببطء وجلس بثقل على مقعد وهو يفكر: “إصابات ليلى…. ربما، ربما فقط، كانت جوليانا صادقة. لم تبدو كسيدة تؤذي الآخرين دون سبب. في ذلك الوقت، كنتُ قد أُصبتُ بالعمى من الغضب بعد رؤية إصابات ليلى. ولكن الآن، أنا نادم على عدم الاستماع إلى جوليانا بعناية أكبر. ولكن إذا كانت جوليانا على حق… فإن ليلى كذبت. لكن هل ستذهب ليلى حقًا إلى حد إيذاء نفسها وإيقاع شخص ما في الفخ؟ لم أكن أريد أن أُصدّق أن ليلى ستكذب عليّ. لقد كانت ليلى عضوًا مخلصًا لفالدوميرو، واحدة من القلائل ضمن دائرتي. فلماذا أشعر أنني ارتكبتُ خطأ فادحًا؟ لماذا كنتُ قلقًا وغير مرتاح إلى هذا الحد؟”
قبض كاليان على قبضتيه وأرخاهما، ومسح وجهه بالإحباط. تمتم في نفسه: “لو لم تكن في منزل هيستر… ولا في دار الأيتام… لم يتبقَّ سوى مكان واحد للشك. سيلفرستيل. هذا هو المكان الذي كان يتواجد فيه حبيبها لويد.”
مجرد التفكير في هذا الأمر جعل كاليان يعبس بعمق. تمتم في نفسه: “ربما كنتُ قد فكرتُ في ذلك منذ البداية لكنني اخترتُ تجاهله. لم أكن أريد أن أتخيل أنها هربت لتكون مع لويد.”
وفي تلك اللحظة، قاطع صوت مألوف أفكار كاليان.
“صاحب السمو. هل أتيتَ كل هذه المسافة إلى هنا بحثًا عن السيدة؟”
كان جاريد، الذي أصبح غير منتمي إلى أي عائلة بعد سقوط عائلة شولتز وتفكّك وحدتهم السرية.
عبس كاليان قليلاً عندما نظر إلى جاريد.
“كيف عرفتَ؟”
ابتسم جاريد ابتسامة مريرة.
“لقد عشتُ في هذا المجال لعشر سنوات. من المستحيل ألّا أسمع عن اختفاء السيدة من ضيعة فالدوميرو.”
كان جاريد جنديًا سريًا لعائلة شولتز ينفذ مهام سرية واغتيالات في الظل. لكن بعد أن قضى كاليان على شولتز، تمّ حلّ الوحدة السرية التي كان جاريد يعمل فيها.
خلال تلك الفترة، أدرك كاليان مدى كفاءة جاريد.
وبعد فترة توقّف، تحدث كاليان أخيرًا.
“هل تفكر في العمل تحت قيادتي؟”
تيبّس وجه جاريد على الفور. لأنه تذكر تعليمات جوليانا.
[إذا حاول كاليان الاقتراب منكَ فاتبع أوامره. لكن لا تُخبره بأنكَ على صلة مباشرة بي، وأبلغني بكل ما يقوله لكَ…]
فكر جاريد: “لقد تحدثت وكأنها كانت تعلم إن صاحب السمو سوف يتواصل معي. هل يعني هذا أن اختفاءها كان جزءً من خطة أكبر؟”
دفع جاريد بسرعة الأفكار المعقدة جانباً. تمتم في نفسه: “في هذه اللحظة، كان الشيء الأكثر أهمية هو العثور على السيدة المفقودة.”
التعليقات لهذا الفصل " 49"