أصبح وجه رئيسة دار الأيتام فارغًا عندما رأت العربة التي تحمل شعار فالدوميرو.
“أنتِ… أنتِ من فالدوميرو….؟”
كان على المرأة في منتصف العمر، والتي بدت في الخمسينيات من عمرها، تعبير مذهول.
“نعم، هذه…. سيدة فالدوميرو.”
أجابت ليلى بلا مبالاة.
تردّدت ليلى قليلاً قبل أن تُقدمني على أنني السيدة، لكن الرئيسة كانت مرتبكة للغاية بحيث لم تلاحظ.
“يا إلهي! ما الذي أتى بسيدة فالدوميرو إلى مكاننا المتواضع؟!”
عندما رأيتُ الرئيسة غير قادرة على إغلاق فمها، أجبرتُ نفسي على الابتسام.
“الجو بارد في الخارج. هل يمكننا التحدّث في الداخل؟”
“يا إلهي، أين آدابي! من فضلك تفضّلي إلى الداخل!”
كنتُ قد أمرتُ الخدم والفرسان بالفعل بالبحث عن سكن في المدينة.
“لم أتوقع أبدًا أن يأتي ضيف محترم كهذا إلى هنا. تفضّلي بالجلوس بينما أحضر بعض الشاي.”
“خذي وقتكِ.”
بينما اختفت المرأة مسرعة، نظرتُ حولي ببطء.
كان الأطفال الذين لم أُلاحظهم أثناء حديثي مع المرأة يراقبونني بعيون صغيرة فضولية. لم يتمكنوا من إبعاد أعينهم عن ملابسي وملابس ليلى، والتي لا بد أنها بدت لهم فاخرة وباهظة الثمن. كان هناك حوالي خمسة عشر منهم، من عمر ثلاث سنوات إلى عشر سنوات. لاحظ الأطفال أننا مختلفون عنهم وتردّدوا في الاقتراب، ولكن بعد بضع دقائق، كسر الطفل الأصغر سنًا الصمت وتمايل نحوي. أمسكتُ به دون تفكير عندما كاد يسقط وهو ينظر إليّ بعيون بريئة
“سأوبّخ الطفل.”
“لا تفعلي.”
أجبتها ببرود، قاطعةً إياها بينما كنتُ أساعدهُ على الوقوف.
“كن حذرًا.”
حدّق بي الطفل بنظرة فارغة بعيون صافية.
“ماما…..؟”
تجمّدتُ عند تلك الكلمة، على الرغم من عدم وضوح نطقه.
ثم هرعت فتاة تبدو في السادسة من عمرها تقريبًا وأمسكت بيد الطفل.
“دياز! إنها ليست والدتكَ!”
رمقتني الفتاة بنظرة مذعورة، غير متأكدة من رد فعلي.
بدأ الطفل الذي يُدعى دياز يشهق.
“إنها ليست والدتي؟”
امتلأت تلك العيون الواسعة بدموع غزير، على وشك الانهمار، مما تسبّب في ارتعاش أطراف أصابعي دون إرادتي. شعور منسي لدغ في زاوية باردة من قلبي كالحجر جعل فكي مشدودًا.
أساءت الفتاة فهم رد فعلي وسحبت يد دياز وهي تراقبني بحذر.
“الأمهات لا يأتين إلى أماكن كهذه. هيا بنا نذهب إلى هناك، ستلعب الأخت الكبرى معكَ.”
احتوت تلك الجملة القصيرة على الكثير، لن يعود الوالدان اللذان تخليا عنهما أبدًا. وبطريقة ما، شعرتُ بألم في صدري لأن طفل صغير كهذا قد فهم بالفعل هذه الحقيقة القاسية.
ازدادت عينا دياز الكبيرتان دموعًا عند سماع كلمات الفتاة. ارتجفت شفتا الطفل، وارتجف ذقنه وهو يحاول جاهدًا ألّا يبكي، وكأنه يعلم بالفعل أن الكبار ينزعجون من البكاء.
ذكّرتني تلك الصورة بوجه داميان، مدفونًا تحت طبقات من الزمن، وضاق صدري. ذلك التعبير عن فهم الواقع القاسي مبكرًا جدًا، في سن لا يستحق سوى الحب. أطفال ينتظرون أمهات لا يستطيعون حتى تذكر وجوههن. برؤية ذلك، تحرك جسدي من تلقاء نفسه.
“هاه؟”
نظر إليّ الطفل الذي بين ذراعيّ وعيناه لا تزالان دامعتين. لم يكن الطفل الذي أحمله فقط، بل الأطفال الآخرون، حتى ليلى، حدّقوا بي بصدمة.
تجاهلتهم، وابتسمتُ لدياز.
“سأكون أُمكَ اليوم.”
فهم دياز الصغير كلمة: “ماما.” وسأل بوجه محير.
“أم دياز؟”
عندما رأيتُ تعبير الطفل الحذر، كما لو كان خائفًا من أن يُدفع بعيدًا، ابتسمتُ بحزن.
“نعم.”
أشرق وجه الطفل بابتسامة مشرقة، وارتسمت ابتسامة نقية وواضحة على وجهه. تداخلت صورة داميان في تلك اللحظة.
[ماما!]
أضاء وجه داميان عندما قال: “ماما.” لأول مرة، وأمسك بيده الصغيرة إصبعي بإحكام بينما تبعتني عيناه المشرقتان وابتسامته فقط.
[ماما!]
عندما خطا داميان خطواته الأولى، والطريقة التي ركض بها مباشرة نحو ذراعيّ، وجسده الصغير يشع بالدفء. طمست الذكريات رؤيتي، مما تسبّب في ارتفاع كتلة إلى حلقي.
دياز، الذي كان لا يزال بين ذراعيّ، بتلك العيون الكبيرة الصافية، لمس بيده الصغيرة خدي برفق، ربما لأنه رأى ذلك التغيير الطفيف في مشاعري.
آه، لم أتوقع هذا. وجدتُ الراحة في ذلك الدفء الخافت، ولم يسعني إلّا أن أبتسم بحزن.
غادرت ليلى لتفقد مرافق دار الأيتام. جلستُ في مكتب الرئيسة أشاهد الأطفال يلعبون في الخارج عندما سلّمتني كتابًا سميكًا.
“إليكِ قائمة الأطفال الذين مرّوا بدار الأيتام لدينا، كما طلبتِ.”
لم أستطع إخفاء خيبة أملي وأنا أقلب صفحاته. لم تكن القائمة تحتوي إلّا على أسماء وسجلات أساسية، لا صور لتحديد الوجوه، لأن التصوير باستخدام حجر السحر لم يكن شائعًا في ذلك الوقت. لم تكن هناك طريقة للعثور على رجل أعرف وجهه لكنني لا أعرف اسمه.
عندما أغلقتُ الكتاب بتنهيدة، سألتني الرئيسة بفضول.
“هل تبحثين عن شخص ما؟”
تردّدتُ قبل أن أُجيب.
“أبحثُ عن رجل عاش هنا منذ حوالي عشرين عامًا.”
“ما اسمه؟”
“هذا هو الأمر… لا أعرف.”
“يا إلهي، هذا يجعل من الصعب التحقق من السجلات.”
عندما رأيت نظرة الرئيسة المعتذرة، فكرتُ مليًا قبل أن أُتابع.
“هل لا يزال أي من الأيتام السابقين يزور الدار؟”
“يفعل الكثيرون ذلك لأن هذا المكان هو موطنهم وهؤلاء الأطفال هم عائلاتهم.”
“إذًا… هل هناك رجل لديه ندبة على وجهه بينهم؟”
“رجل لديه ندبة؟”
أمالت الرئيسة رأسها وهي تفكر، ثم صفّقت بيديها كما لو كانت تتذكر.
“آه! نعم! طفل فقد عائلته في هجوم دب. كان لديه ندبة كبيرة على وجهه. لا تزال موجودة الآن.”
بدأ قلبي ينبض بسرعة. قد يكون هو!
“هل تعرفين متى سيزور دار الأيتام مرة أخرى؟”
“لقد حان وقت زيارته المعتادة في الواقع…”
نظرت إليّ الرئيسة بشيء من الشك.
“لماذا تبحثين عنه؟”
تجمّدتُ في مكاني.
لأنه قد يكون هو من قتلني أنا وطفلي؟ لا، بتعبير أدق، كنتُ بحاجة إلى كشف الشخص الذي يقف وراء مقتل داميان. لا يمكن لرجل من دار أيتام أن يخطط لشيء كهذا بمفرده. لا بد أن يكون هناك شخص يُحرّك الخيوط لأنه كان مجرد بيدق، وما لم تُأسر الملك، يمكن دائمًا استبدال البيادق. كان العثور على العقل المُدبر أمرًا بالغ الأهمية. حتى لو لم يكن الرجل قد التقى بالعقل المُدبر بعد، فإن الاتصال به أولًا قد يكشف من استهدفني أنا وداميان.
بينما كنتُ أكافح للعثور على الكلمات المناسبة للرئيسة، اندلع ضجيج في الخارج.
“عمي!”
“عمي! ماذا أحضرتَ لنا اليوم؟”
“العب الغميضة معنا يا عمي!”
“يا أطفال، دعوني أُحيي الرئيسة أولاً قبل أن ألعب معكم.”
ألقيتُ نظرةً من النافذة. كان الأطفال الذين كانوا يلعبون قد رحلوا. لا بد أنهم جميعًا توافدوا إلى هذا العم.
وبينما كنتُ أُحدّق في الخارج بفضول، انفتح باب مكتب الرئيسة.
“أيتها الرئيسة، أنا هنا.”
تيبّستُ عند رؤية الرجل الذي دخل الغرفة لتوه بصوتٍ مرح.
“أوه، يبدو أن لديكِ ضيفًا.”
ابتسم الرجل بخجل، وهو يفرك مؤخرة رقبته.
لم يكن هناك طريقةٌ لعدم التعرّف عليه، فهو مألوفٌ وغير مألوفٍ في نفس الوقت. على الرغم من تعبيره الدافئ والودود بدلًا من تلك النظرة الباردة والحادّة، لم يكن هناك مجالٌ للخطأ. الندبة التي امتدت من جبهته عبر عينه إلى خده… بلا شك. كان وجه القاتل الذي استهدفني وطفلي.
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات