عندما عدت من المهرجان كانت الساعة تشير إلى الرابعة، دخلت غرفتي وبدلت ملابسي بسرعة وجلست على مكتبي، شعرت أني طالب متهرب من دروسه. عندما استقررت بهدوء على المكتب قُرع الباب:
“تفضل.”
كان مارشال يقف بأناقة كعادته ونظر لي بنظرات حائرة ثم أخفض رأسه، كتمت شعور الدغدغة بداخلي، لقد أدرك مارشال خروجي، فقلت برزانة:
“ما الأمر مارشال؟!”
“الملك ناثان يرغب بلقائك… إنه ينتظرك في الخارج منذ ساعة.”
لقد أبلغته أنني مشغول تماماً حتى الثالثة مساءً وربما الجميع يعلم بجدولي هذا، أخذت نفساً عميقاً:
“اسمح له بالدخول.”
“أمرك يا صاحب السمو.”
خرج مارشال وبعد دقيقة دخل مارشال برفقة الملك العجوز:
“تحياتي لشمس كاسيان.”
وقفت وصافحت الملك وأشرت لمارشال الذي خرج على عجل، قُدتُ الملك للجلوس على الأريكة الواسعة وجلست مقابلاً له، أتى مارشال مع الشاي والمرطبات وصب الشاي لنا، رفعت فنجان الشاي الذهبي الشفاف واشتممت رائحته باستمتاع لأني تذكرت أريانا، ابتسمت وأخذت رشفة، وبصوت مسترخٍ:
“ما الذي يريده ملك ناثان مني؟”
ابتسم الملك، لأنه أدرك أنني أفهم نواياه ومن الصعب التلاعب بي:
“أرغب أن يرقص الإمبراطور رقصته الأولى مع ابنتي.”
ضحكت بمرح وقلت بابتسامة ساخرة ووضعت فنجاني:
“صاحب السمو، أنت تعلم معنى الرقصة الأولى لكاسيان…”
كان سيفتح الملك فمه لكني أكملت كلماتي بنبرة لطيفة، أشعر أني بدأت أصبح أشبه أريانا عندما تغير تعابيرها للتلاعب بخصومها:
“إنه ليس تقليداً، لكن بالنسبة لي شرف الرقصة الأولى سيكون للإمبراطورة المستقبلية… وأعتقد أن سموك تعرف ذلك.”
“جلالتك ترفض الزواج السياسي… رغم الشائعات التي تقول أن الإمبراطور الجديد يرفض زواجاً يفرضه المعبد بقديسة، أليس هذا صحيحاً؟”
استرخيت وعدت لشرب الشاي وبمرح:
“ألا تعتقد أن شاي الياسمين بالقرنفل لذيذ؟!… “
“إن لجلالتك ذوقاً رائعاً في الشاي.”
رغم سؤالي الغريب إلا أن الملك أجاب ببساطة، ضحكت بمرح وقلت:
“إن رفضي اتباع المعبد في تحديد الإمبراطورة المستقبلية هو أمر خاص بي، أما اختيار الإمبراطورة المستقبلية هو أمر أحدده أنا وفقاً لمعاييري الخاصة، لن أقحم نفسي بزواج سياسي بحت… “
“لكن أليس جلالتك تبحث عن دعم قوي؟! خصوصاً أن جلالتك بدأ تظهر خروجك عن المعبد!”
لا أعلم لما عندما ذكر دعماً قوياً أتت صورة آيا في رأسي، إن تلك الفتاة الهشة درع تحميني بشكل غريب، رغم تصرفاتها الغريبة دائماً وخاصةً اليوم لكنها أقوى قوة لدي، قوة تدعم قلبي وروحي…
“لدي دعم قوي لا يتزعزع…”
نظر لي الملك بنظرات حائرة وقال بصوت خفيض:
“هل هناك عائلة قوية ستدعم جلالتك، ربما دوقية آريستون لديهم أميرتان أو دوق سيلفانو، صحيح أنه ليس لديهم علاقة زواج لكنها أحد أقوى الدوقيات….”
ضحكت لكمّ المعلومات التي يعرفها هذا الرجل، وضعت يدي تحت ذقني:
“ألا تلاحظ أن سموك يتدخل كثيراً في كاسيان؟”
“…”
شعرت بارتباكه، وقبل أن يفتح فمه تكلمت:
“أريد أن تستمر علاقاتنا مع ناثان بشكل جيد في المستقبل، سموك… لا تتدخل فيما لا يعني ناثان، لأن الأمور ستسير بطريقة لا تسر كلينا.”
لقد كان تهديداً واضحاً، بلع الملك لعابه وابتسم بوجه قلق، ضحكت بمرح ووقفت:
“أنتظر سموكم في المأدبة.”
وقف الملك بالكاد وجر أرجله خارجاً من المكتب، لقد شعرت بالانتعاش نوعاً ما وعدت لإكمال عملي، وبطبع تخللت أريانا أفكاري كالعادة.
* * * *
بعد يوم حافل شعرت بالتعب، أخذت حماماً دافئاً وعدت للراحة على سريري وأنا أحتضن أحد كتبي، نظرت لمنظر الغروب الجميل وأخذت نفساً عميقاً لأستعيد التفكير بروية، لقد أخطأت اليوم وزل لساني، لكن هل سأستطيع إخبار راف بالحقيقة؟ أنا أثق جداً براف ولا يوجد قانون يمنعني من إخباره أنني متجسدة، لكن هل يؤمن بالأمر؟! هل سوف يصدقني؟!
عصرت رأسي بالعديد من الأفكار، اكتمال القمر الفضي والليلة الأخيرة من العام، كانت علامة على وفاة أريانا كما كانت تُذكر على لسان ماريان في الرواية، لقد أخبرت إلينا عن ذلك، أذكر نصاً في الرواية:
{ ” في ذلك اليوم كل الأحداث المشؤومة حدثت، لقد ودعتني سيدتي في تلك الليلة وانهارت الإمبراطورية… قد ينظر الجميع لسيدي الصغير بطريقة سيئة…” }
لم أفهم نقطة انهارت الإمبراطورية، لأن هناك الكثير من الأحداث المتداخلة في الرواية، وأيضاً لا أعلم هل دخولي وتغييري للأحداث سيغير المستقبل، أتمنى أن يكون للأفضل…
لنفكر قليلاً، الدوق فيليب سيلفانو وإلينا برايون، إذا كانت أريانا تموت في الليلة الأخيرة من العام فيعني أن رافائيل التقى بإلينا قبل لقائه بي، لكني لا أعلم هل التقيا أم لا بسبب تدخلي ولا أعلم كيف سأسأل راف عن الأمر قبل أن أخبره الحقيقة، في الرواية ذُكرت العديد من الأحداث الكارثية حدثت بدءاً من الليلة الأخيرة من عام اكتمال القمر الفضي إلى الست السنوات القادمة، جنون الإمبراطور، الحروب الحدودية مع الممالك المجاورة، يقال أن العلاقة انهارت بسبب هذه الليلة، لكن ما الذي حدث في هذه الليلة؟! راف، أرجوك كن بخير…
تمنيت بإخلاص بداخلي ثم وقفت من سريري وتوجهت إلى مقعدي أمام النافذة ولفت انتباهي الأرنب الفضي اللطيف الموضوع بقرب سلتي، رفعته بيدي وداعبته بشعور معقد… وعدت للجلوس على كرسي وبدأت بإفراغ السلة التي لم ألمسها منذ وصولي…
بعض الأدوات السحرية، بعض الإكسسوارات اللطيفة والرخيصة وآخر شيء كانت قلادة من الزمرد الأبيض النقي بتصميم رجولي أنيق، لقد وجدته بالصدفة أثناء المهرجان، والحجر سحري مصنوع من قلب التنين، لقد دفعت ما تبقى من أموالي لشرائه ولست نادمة على ذلك، لكن بسبب الحدث الأخير لم أستطع إعطائه لرافائيل، ربما سيأتي غداً وأعطيها له…
نظرت للسماء رأيتها تحتضن القمر الفضي والمبهر، سقوط الثلج الفضي هي آخر علامة على نهاية الليلة، ولم أنتظر كثيراً، ودقت الساعة الثانية عشر وبدأ يوم جديد ولقد سقط الثلج أخيراً…
كان المنظر جميلاً جداً، لكن كان هناك شعور سيئ بداخلي، تمسكت بقلادة رافائيل وأنا أشعر بقلبي ينبض بجنون ليس كالعادة بشكل دافئ ولكن بخوف وقلق ظللت أضم يديّ لقلبي وأنا أغمض عيناي بشعور شديد من القلق…
دق دق دق دق دق!!!!!!!
من يطرق غرفتي في هذا الوقت المتأخر من الليل؟! اقتربت من باب غرفتي فلم أجد أحداً…
دق دق ددددق ددددق!!!!!!!!!!!!!!
زادت حدة الطرق ولم يكن من باب غرفتي الرئيسي، درت في غرفتي لأجد مصدر الطرق حتى اقتربت من الباب السري، ترددت قليلاً لكني قررت فتح الباب، لا أحد يعلم بالباب سوى قلة قليلة جداً…
عندما فتحته شعرت بجسد يسقط تقريباً عليّ، تنفست بهدوء وحاولت استيعاب الأمر ونظرت للجسد الضخم الواقع عليّ، شعر فضي يلمع من الرطوبة ولقد كان يلهث بشدة، رفعته قليلاً ونظرت لوجهه:
“راف؟!”
رغم ندائي له لكنه يبدو غائباً عن الوعي، لعنت جسدي الضعيف الذي كاد يقع وأنا أحمله بصعوبة بالكاد حركته حتى وصلت لسريري الذي كان أقرب نقطة للباب، وضعته وفككت أزرار قميصه الأولى ليستطيع التنفس…
لقد كان غائباً تماماً، لا أعلم كيف أتى؟… لكن جسده لم يكن بخير تماماً، ربت على خده بلطف، لم يكن هناك أي اختلاف في درجة حرارته ولقد بحثت في جسده عن خطأ لكني لم أجد أي خطأ، جسده سليم بدون أدنى خدش، ما الذي أصابه؟! لم هو في هذه الحالة؟!، لفت انتباهي سوار فضي بجواهر غريبة وبألوان مختلفة يبدو غريباً ويشبه الأصفاد التي تستخدم في القبض على المجرمين في عالمي…
كان يحتوي على صيغ سحرية لا أعلم ماهيتها بالضبط، كان لدي غريزة غريبة تخبرني أن أضع يدي في الحلقة الفارغة…
ترددت قليلاً ولكني تصرفت بجنون ووضعت يدي في الحلقة الفارغة، شعرت بموجة مألوفة من الطاقة تتسرب إلى جسدي، لقد كانت قوية جداً حتى شعرت بجسدي يغيب عن الوعي…
* * * *
كان الظلام في كل مكان لا أستطيع أن أرى شيئاً حتى أصابع يديّ، كنت أسير وأشعر بالأذى والأشواك تدخل لتجرح قدماي، لم يكن جسدي البالغ إنما جسدي الصغير البالغ من العمر عشر سنوات ضعيف وهش…
مازلت أمشي وتحولت خطواتي إلى الجري، شعرت بكيان يلحق بي ونية القتل تحيط بي، توقفت… إنني أشعر بالاختناق والخوف والبرد واليأس، انهار جسدي على الأرض وأنا أضع يدي على رقبتي لعلي أحاول إزالة الكيان الذي يخنقني…
حاولت وحاولت ولكن لا فائدة، ترك جسد الطفل الصغير المحاولة وأغمضت عيناي واستسلمت للموت أخيراً.
سبلااااااش!!
شعرت بالدفء يحيط بي واختفت نية القتل حتى الأيادي الخفية التي تخنقني اختفت، شعرت بالنور والدفء يحيط بجسدي وروحي…
شعرت بكيان صغير يحتضنني والنور أزعج عيناي، عندما فتحتهما وجدت أن الصباح حل، وعندما اتضحت رؤيتي واعتادت عيناي على النور رأيت سقفاً غير مألوف وشعرت بثقل صغير على صدري ورائحة مميزة أعرفها جيداً، نهضت ببطء لأرى شعراً بلون العسل ووجهاً نائماً بسلام..
“آيا؟!”
تبدو نائمة بعمق فلم تسمع صوتي، اعتدلت على السرير ببطء وعندما حركت يدي اليسرى سقطت يد أريانا وانفصل السواران، نظرت لأريانا بدهشة واقتربت منها قليلاً وسحبتها لتمديد جسدها على السرير بقربي، لقد كانت تجلس على حافته طوال الوقت…
عدت بنظري للسوار المنفصل لأتذكر أحداث الليلة الماضية….
* * * *
بعد الانتهاء من عدد لا بأس به من الوثائق وجدت أن الوقت مازال باكراً بالنسبة لي، لم أرغب بالذهاب باكراً على أي حال، عدت لأعمل أكثر وقد كان العمل مريحاً عند التهرب من التزام مزعج…
دق دق دق!!
حاولت تجاهل الطرق على الباب عدة مرات لكنه استمر بطريقة هادئة ومنظمة، كنت أعلم أنه مارشال لذا بعد التجاهل لعدة مرات:
“أدخل…”
“جلالتك! لقد بدأت المأدبة وصاحب السمو لم يجهز بعد…”
دخل مارشال وانحنى وقال كلماته بطريقته المعتادة، تنفست بملل ووقفت بخطى ثقيلة وتوجهت للخروج من مكتبي وأشرت لمارشال ليتبعني…
وبعد السير لدقائق وصلت لغرفتي الخاصة والتفت لمارشال:
“بالتأكيد كل شيء جاهز؟!”
“بالتأكيد يا صاحب الجلالة…”
كان رداً اعتدت عليه، لذا ذهبت بسرعة للداخل وأخذت حماماً سريعاً وبدلت ملابسي ببعض المساعدة من مارشال وانطلقت لقاعة المأدبة…
كان مارشال يتبعني بصمت وشعرت أن لديه ما يقوله لذا بهدوء وأنا مازلت أمشي:
“مارشال! أخرج الكلمات التي ترغب بقولها…”
شعرت بتردده لكنه تكلم:
“جلالتك، بخصوص رقصتك الأولى… لم رفضت الأميرة؟!”
“مارشال يعرف سبب عدم رغبتي بالرقص مع الأميرة…”
“لأن جلالتك لا تريد إعطاء منصب الإمبراطورة لأميرة أجنبية؟!”
كان تساؤلاً أكثر من كونه جواباً لذا ضحكت بتهكم وقلت:
“إجابتك نوعاً ما صائبة، لكن بالتأكيد لا…”
“…”
نظر لي بتساؤل لذا ضحكت بخبث وقلت:
“دع الأيام تخبرك الإجابة.”
تقدمت بخطواتي أسرع قليلاً وتبعني مارشال، في الحقيقة لا أعلم أنا ما الذي أريده بالضبط، يا لها من مهزلة… منصب الإمبراطورة، منصب تستعد العائلات لبيع بناتهم لأجله… يا لهم من حمقى، الإمبراطورة هي امرأة سأتزوجها أنا وستكون أماً لشعبي، امرأة سيختارها قلبي لأنها الأصلح لهذا المكان….. آيا.
نبض قلبي بعنف عند تفكيري بالأمر، لمع اسم أريانا برأسي عند التفكير بشريكتي في الحياة… هل القدر اختار أريانا لتكون شريكتي أيضاً في حياتي؟!…
ما هذه الأفكار الغبية؟! ستنزعج آيا إذا قرأت أفكاري…
مسحت الأفكار العشوائية وأكملت مسيرتي، حتى وصلت غرفة الاستراحة الخاصة بي وقد كان على بابها كاسبر وبراين ومساعديني الأربعة، تجاوزت الغرفة وتحركت باتجاه القاعة لدخولها…
“صاحب الجلالة شمس كاسيان الإمبراطور رافائيل دي كاسيان… يدخل!!”
بعد أن أُعلن عن وجودي دخلت، كانت إجراءات مملة ورتيبة، أن أدخل وأرى الجميع ينحنون باحترام وتعظيم، أخبرني والدي أن أستشعر العظمة عندما كنت طفلاً، لكني أعتقد كوني إمبراطوراً ليس سوى عبء، إن الموجودين هنا دائماً لا ينحنون باحترام حقيقي، بل يخفون جشعهم وخبثهم بالاحترام الزائف، إنهم يتملقون ذوي المناصب لأجل مصالحهم، لن يتوانوا عن الطعن في الظهر عند انتهاء حاجتهم…
نزلت الدرج وتحركت بين الحضور بثقة، يبدو أنني بدأت الآن أعلم ما الذي أريده، وصلت لأعلى درج العرش ونظرت للجميع ورسمت ابتسامة ساخرة ورفعت كأسي:
“مجد كاسيان ومجدي أنا…”
“مجد كاسيان ومجد الإمبراطور…”
رغم حيرة الحضور لتمجيدي لنفسي لكنهم لم يعلقوا بل رفعوا كؤوسهم لنخب كاسيان ونخبي، شيء لم أفكر به في الماضي لكني الآن سأعطي هذا المنصب حقه المنهوب…
بعد رفع النخوب جلست بعظمة على العرش ونظرت للجميع، سأعمل بنصيحة والديّ باعتدال.
أتى النبلاء والوفود لتقديم تحياتهم وهذه المرة قبلتها بابتسامة واسعة وبصدر رحب…
[” حاصر أعداءك بذكاء، دعهم في موضع الشك، واجعل الجميع يقسم بأنك على صواب حتى وإن كنت مخطئاً…”]
كان الكثير يتعجب من تغير سلوكي لكنهم حاولوا إخفاء ذلك ببراعة، لكني رصدتهم بذكاء…
“الدوق فيليب سيلفانو… يحيي شمس كاسيان صاحب السمو.”
لما شعرت بالاضطراب في معدتي لسماع تحيته، لم يكن الدوق سيلفانو شخصاً كرهته أو أحببته، لكنه شخص ارتبط اسمه يوماً كخطيب لأريانا، هل لهذا السبب؟…
[“إن الدوق شخص لطيف، لقد قبل تأخيرها حتى لا أقع في شائعة…”]
لم أتذكر شيئاً، لقد مدحته بقولها أنه شخص لطيف، كيف لهذا الرجل أن يكون لطيفاً؟! شعرت بالانزعاج الشديد، لكني أدركت أني لم أقبل تحيته بعد مما جعل الدوق يظل منحنياً…
“يمكنك الوقوف…”
نظر لي الدوق بوجه يتساءل لكني كنت أشعر بالانزعاج الشديد فتجاهلت الأمر، كنت أدرك لحظتها أنني أنشأت سوء فهم كبير بدون قصد، وأكملت التحايا المملة بابتسامة، وبعدها نزلت من العرش…
بالعادة يجب أن تبدأ المأدبة برقصة أحد أفراد العائلة الإمبراطورية وبما أنني الوحيد المتبقي ولم أرقص من قبل فقد كان الجميع يتجاهل الأغنية الأولى…
تحركت بهدوء بين الضيوف، اقترب مني إيفان بشكل عارض وانحنى بطريقة مبالغ بها:
“إيفان جيروم يحيي صاحب الجلالة…”
“قف.”
ابتسم إيفان وكانت تعابيره تظهر بأنه يطرح موضوعاً عادياً:
“جلالتك، عليك الحذر… أشعر أنهم يريدون فعل شيء في طقوس التنين…”
“إيفان حتى لو كان لدينا شك، لا نستطيع منع الطقس، يجب أن نقوم بإعداد إجراءات مضادة…”
“أعتقد أني شبه مستعد…”
“إيفان! أنا أثق بك..”
“سأكون جاهزاً.”
شعرت بالامتنان لإيفان نوعاً ما أنه شخص جيد، تركت إيفان وبدأت التحرك في القاعة وبالطبع كان النبلاء يقتربون مني بجشع وافْتِراس، لقد تركتهم يعتقدون ذلك، لكني أعلم أني من سأستغل رغباتهم لصالحي…
“صاحب الجلالة…”
“أميرة فرونيكا، سعيداً بلقائك.”
لقد تفاديتها طوال المهرجان وها قد أتت، استقبلتها بابتسامة مستقيمة وتوجهت معها لزاوية هادئة:
[ ” لا تصنع أعداء ليس لهم داع… “]
هل تقصد أن يتحول هذا الأمر إلى قضية دبلوماسية؟!… لا أعتقد ذلك، إنها حماقة…
“من يسعى للزواج السياسي من كاسيان الأميرة أم الملك؟!”
إذا أخبرت آيا بسؤالي ستجن، ستخبرني أني شخص متهور… لا بأس يجب أن ننهي الأمور الناقصة..
ترددت الأميرة وبصوت مرتعش:
“لِمَ تسأل يا صاحب الجلالة؟!”
“سمو الأميرة أريدك أن تكوني صادقة لأجيبكِ..”
“أنا، يا صاحب السمو.”
“إذا كان والدك يستغلك للأمر فأخبريني..”
“لا، أقسم أنها أنا وبكامل رغبتي…”
“لِمَ؟!”
لا أعرف لِمَ تحول صوتي للبرود رغم محاولتي أن أكون ودوداً معها، لكني حاولت مداركة الأمر فنظرت لها بهدوء وحثثتها على الإجابة، ترددت قليلاً ثم قالت:
“لقد وقعت في حب جلالتك منذ اللحظة الأولى التي رأيتك فيها.”
لا أعلم هل أنا متبلد أم ماذا، لقد كدت أن أضحك بسخرية في وجهها، لكني تمسكت باللطف وأخبرتها:
“لكني لا أرغب بالزواج السياسي، ثم إن لدي معايير خاصة، لا أقصد أن الأميرة ليست جيدة لكن الأميرة قد تكون تعيسة معي، لا تنخدعي بوهم الحب من النظرة الأولى، إنها خدعة… أنتِ جميلة وجيدة، جدي سعادتك مع من سيقدرها…”
نظرت لي بعيون معقدة وقالت بصوت مهزوز:
“جلالتك أنت شخص رائع وستكون حلم أي فتاة… ربما لو تعرفنا أنا وجلالتك قد تحبني.”
“لا توهمي نفسك، وتحاولي صنع تعاستك… ليس عيباً فيكِ لكني لن أحبك.”
تجمدت في مكانها، يبدو أني سأزيد الأمور سوءاً، سأحاول إصلاح الأمر…
“هل لدى جلالتك امرأة في قلبه؟!”
“…”
لا أعلم لِمَ شعرت بالارتباك، لم يكن سؤالاً صعباً لكني تلعثمت ولم أستطع الإجابة..
التعليقات لهذا الفصل " 14"