نعم، لقد رأيت هذا المكان 52 مرة. الأجواء التي اعتدت عليها كانت تملأ محيطي. رفعتُ الجزء العلوي من جسدي. وكل شيء مألوف يملأ الظلام بشكل بديهي.
نعم.
لقد فشلت من جديد.
قُتلت مرة أخرى.
لكن هذه المرة لم أشعر بسوء كبير.
رغم أنّني أُمسكت في اللحظة الأخيرة، إلا أنني كدت أهرب. وبالطبع، لم نتمكّن من تجاوز تلك المرحلة، لذا لا أعرف بالضبط ما الذي كان بانتظارنا من خطر، لكن كانت هناك فرصة حقيقية للهروب. رفعتُ كمّي وتفحصت معصمي.
خسرتُ حياة أخرى، وتناقص العدد.
سبع فرص بقيت. لكن بطريقة ما، لم أشعر هذه المرة بتلك الضغوط الطويلة التي كانت تعصر صدري. شعرت وكأنني قد أنجح في المرة القادمة… أو التي بعدها.
ربما كان ينقصني حسّ الواقع، لأن هذا الأمل جاء بعد وقت طويل جداً من اليأس.
لكنني هززت رأسي بشدة، محاوِلةً تنبيه عقلي كي أجمع شتات هذا الشعور بالأمل.
“أوه رباه…”
نهضتُ من السرير وقبضتُ يديّ. ثم صرخت بجملة قصيرة منحتني شيئاً من الشجاعة.
في رأسي، كانت الأفكار تتزاحم حول ما سأفعله عندما أخرج من هذا المكان.
بالطبع، سأعدّ هاربة يجب أن تدير ظهرها لهذا البلد، لكن مع ريموند… ظننت أن الأمر سيكون بخير.
ولكن… كيف سأحدد علاقتي مع ريموند عندما نخرج من هنا؟
هل سأعامله كما كنت أفعل حتى الآن؟ صديقاً؟ أم… حبيباً؟
لم أفكر في ذلك أبداً وسط كل هذا الهلع واليأس، لكنني الآن — بعدما كنت على وشك الهروب — لم أستطع منع نفسي من التفكير.
ما نوع العلاقة التي تربطني بريموند؟ وكيف يراني هو؟
‘هل أنا أتوهّم؟’
كنت ممتنة له. هذا صحيح.
ممتنة بما يكفي لهزّ اليأس المتراكم عبر كل تلك الميتات المتكررة… تمكنتُ من الحفاظ على عقلي حتى الآن بفضله هو فقط.
ولكن ماذا عنه؟ بالنسبة له، لم يمر سوى يوم واحد تقريباً… مهما تذكّر روزالين، هل يمكن اختزال هذا الشعور في “حب” خلال هذا الوقت القصير؟ بالنسبة له بالطبع.
أليس من المتعجّل جداً تعريفه بالحب، مهما كان شعورنا جيداً؟
هززت رأسي مجدداً، مستغرقة في التفكير.
أولاً… ينبغي الهروب. بعدها فقط أفكّر.
لم أكن قد هربت بعد، فلا معنى لتحديد مشاعري الآن.
ما دام الهروب هو الأولوية، فكل شيء آخر سيجد طريقه في النهاية.
ليس هناك ما يستحق التفكير الآن. كما اعتدت، وكأنني أشرب الماء بعدما أُنهكت عطشاً، أو أتنفس هواء الصباح المنعش، ناديتُ دونتايل تلقائياً:
“أهلاً.”
لم يتبق الكثير الآن. اليوم الذي سأخرج فيه من هذا المكان اللعين…
ظننت ذلك… فقد كان طريق الهروب واعداً لدرجة جعلتني أصدّق دون تردد.
لكن سرعان ما أدركت أنني كنت مخطئة.
استيقظت، ونظرت إلى معصمي.
(×2)
خمس وفيّات أخرى. أربعة أخطاء… وانتحار واحد. كلها نهايات متبقية.
قُتلتُ عند النهاية مجدداً. وكأن هناك جداراً غير مرئي لا يمكنني تجاوزه مهما حاولت.
والأسوأ… أنّ ريموند مات في النهاية. طُعن من الجنود أمامي مباشرة. وعندما رأيت ريموند يحتضر والدم يغطي عينيه… أصبح رأسي فارغاً تماماً. وركضت نحو الهاوية.
ريح قوية تعصف بشعري.
سقطت من المنحدر… ومِتّ.
وإن…
إن لم أُرِه موتي، إن متُّ وحدي في هذا السجن البائس الذي لا أحد يهتم بما يحدث فيه… ربما لن يصل إلى درجة أن ينتحر. إن لم يشهد موتي مباشرة، وإن لم تصدمه نهايتي، فلن يُقدم على ذلك الفعل المتطرف.
أعلم… أعرف أنّ هذا تفكير مُقرف… لكن الضيق بلغ بي حدّاً جعلني أبرّر حتى مثل هذا المنطق السخيف. أردت فقط أن أُنهي هذه الدوامة بأي طريقة.
اقتربت من النافذة، النافذة الوحيدة التي يدخل منها الضوء هنا. كان ارتفاعها عن الأرض يقارب المترين.
حدّقتُ قليلاً في القضبان الحديدية، ثم مزّقت طرف فستاني البالي وصنعت منه حبلاً.
كان حبلاً خشناً بدائياً… لكنه يكفي لخنقي لبعض الوقت.
سحبت الكرسي بكل قوتي من حيث كان عالقاً في الزاوية، ووقفت عليه.
ثم لففت الحبل حول أحد القضبان الحديدية، ووضعت العقدة حول عنقي بشكل مرتخٍ.
هذه المرة لم يكن هناك انهيار نفسي. ولا دموع.
كانت هذه الكابوسة تتلهّف فقط إلى أن ينتهي الوقت.
“…آسفة.”
تمتمتُ بالكلمة، وركلت الكرسي جانباً.
ومثل إطار خشبي مألوف… غرقت في العتمة بصمت، متذوقةً ذلك الإحساس المتناقض بالسقوط والفراغ.
التعليقات لهذا الفصل " 21"